فى السنوات الماضية حدث تقارب اقتصادى وسياسى كبير بين الصين وروسيا، توج بالإعلان عن العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارات فى البنية التحتية، وبشكل مطرد ازداد هذا التعاون منذ الأزمة الأوكرانية عام 2014، الأمر الذى اعتبرته بعض وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية علامة على أن الصين وروسيا تطوران شكلا من أشكال التحالف الاستراتيجى المعارض للغرب، وأعلنت الصين عن "صداقة بلا حدود"مع روسيا، لكن بعد مرور أكثر من عامين على الغزو الروسى لأوكرانيا، تطور وتغير معنى وتفسير هذا الالتزام "الذى لا حدود له". وعليه، يناقش هذا المقال، كيف تطورت العلاقات الصينية-الروسية إلى حد التحالف الاستراتيجي؟ وأثر الغزو الروسى لأوكرانيا على هذا التحالف؟
كان تطور العلاقات الصينية-الروسية منذ سقوط الاتحاد السوفيتى موضوعا للعديد من الدراسات الأكاديمية التى تم بحثها على المستويات العالمية والثنائية، ففى روسيا يقوم الباحثون قبل كل شيء بتحليل تأثير الشراكة بين الصين وروسيا على التنمية الاقتصادية للشرق الأقصى الروسى، ويحللون العواقب السياسية لزيادة الوجود الصينى فى المنطقة، وتباين المصالح الجيوسياسية فى آسيا الوسطى منذ تنفيذ مشروع مبادرة الحزام والطريق فى المنطقة، وينظر عدد ليس بقليل من الباحثين الروس إلى التسارع الأخير فى مبادرات التقارب الصينية-الروسية بتناقض خاصة من قبل علماء الجيولوجيا الذين يخشون الخضوع التدريجى للمصالح الوطنية الروسية للأهداف الاقتصادية والسياسية لبكين. لكن على الجانب الصينى غالبًا ما تكون التحليلات الصينية أكثر تفاؤلا بالتركيز على المنافع الاقتصادية المتبادلة التى ولّدتها العلاقات الثنائية القوية والإمكانات الكبيرة للشراكة الاستراتيجية الصينية-الروسية فى مجال الطاقة، وتركز الدراسات الغربية بشكل أكبر على الجانب العالمى للتقارب الصينى-الروسى وتحاول تقييم تأثيره على توازن القوى داخل النظام الدولى على المنافع الاقتصادية المتبادلة التى ولّدتها العلاقات الثنائية القوية والإمكانات الكبيرة للشراكة الاستراتيجية الصينية-الروسية فى مجال الطاقة وما سيترتب على ذلك من تغيرات وتحولات فى ميزان القوى الدولي[1].
أولا- تطور العلاقات الصينية-الروسية:
فى مايو 2017 رحب الرئيس الصينى شى جين بينغ بالعديد من رؤساء الدول والحكومات الذين قدموا إلى بكين للتعبير عن دعمهم، أو على الأقل اهتمامهم، بمشروعه الضخم للبنية التحتية العالمية المعروف باسم مبادرة الحزام والطريق (BRI). كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أحد الضيوف فى المنتدى وألقى كلمته فى حفل الافتتاح بعد رئيس جمهورية الصين الشعبية مباشرة، والتى سلطت وفقًا لوسائل الإعلام الروسية الضوء ليس فقط على الأهمية التى توليها بكين للشراكة الاستراتيجية مع موسكو ولكن أيضًا رغبة الكرملين فى تعزيز روابطها مع بكين وزيادة التعاون التجارى الثنائى، منذ ذلك الحين أظهرت روسيا دعما غير متحفظ لمبادرة الحزام والطريق، وهو تحول مفاجئ إلى حد ما فى الأحداث منذ أن كانت موسكو حذرة من المشروع الصينى، الذى تجاوز منطقة نفوذها التقليدية فى آسيا الوسطى[2].
يبدو أن هذا الموقف الجديد تجاه الصين قد تم تأكيده خلال زيارة شى جين بينغ الرسمية لروسيا فى يوليو 2017، قبل قمة مجموعة العشرين فى ألمانيا، وبهذه المناسبة قدم شى جين بينغ وفلاديمير بوتين تفاصيل المجالات الرئيسية للتعاون الصينى-الروسى المستقبلى فى مختلف المجالات الاقتصادية، بينما شددا فى الوقت نفسه على أن لديهما رؤية مشتركة للعلاقات الدولية وموقف موحد على الصعيدين العالمى والإقليمى، وفى نهاية يوليو لعام 2017 تم تتويج مبادرة التقارب حيث شرعت البحرية الروسية والصينية، فى مناورات بحرية مشتركة فى بحر البلطيق، على أبواب الاتحاد الأوروبى، وجدير بالذكر أن البحريتين تجريان منذ عام 2012 مناورات عسكرية مشتركة سنوية فى المحيط الهادئ[3].
تناولت وسائل الإعلام الروسية كثافة الاتصالات المتزايدة بين الصين وروسيا كنتيجة مباشرة للجهود الدبلوماسية التى تستخدمها موسكو منذ عام 2014، والتى تهدف إلى تصحيح توازن سياستها الخارجية لصالح آسيا، وبالتالى إنهاء انعزالها عن العالم الغربى نتيجة الأزمة فى أوكرانيا والعقوبات التى أعقبت ذلك، وعلى الجانب الآخر فسرت وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية هذا على أنه إشارة إلى أن الصين وروسيا بصدد تشكيل نوع من التحالف الاستراتيجى الذى يمكن أن يضر بالمصالح الأمريكية فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ ويزيد الضغط الاقتصادى والجيوسياسى على الاتحاد الأوروبى،ومن جانبها تحفظت الصحافة الرسمية الصينية عن الحديث فى هذا الشأن بينما تؤكد فى الوقت نفسه على الاستمرارية الملحوظة للتقارب الصينى-الروسى منذ نهاية الثمانينيات، وهو التقارب الذى تسارع منذ سقوط الاتحاد السوفيتى. ويمكن القول إن العلاقات الصينية-الروسية قد انتقلت إلى مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية تتسم بالمرونة والديناميكية العامة التى ميزت تطورها منذ البداية[4].
تتمتع روسيا بتاريخ طويل من الاتصالات مع الصين، والتى تأسست رسميًا فى القرن السابع عشر مع أول بعثات دبلوماسية روسية إلى بكين فى ستينيات القرن التاسع عشر، وأصبح البلدان جيرانًا متجاورين عندما أصبحت أراضى شرق سيبيريا، المعروفة حاليًا باسم الشرق الأقصى الروسى، جزءًا من الإمبراطورية الروسية. منذ ذلك الحين، أصبحت مسائل ترسيم الحدود الصينية-الروسية، والاستغلال المشترك للموارد الطبيعية فى المنطقة، وإدارة تدفقات المهاجرين من الصين فى قلب النزاعات بين البلدين.وأدى سقوط الاتحاد السوفيتى والتسوية التدريجية للنزاعات الحدودية فى التسعينيات إلى تطبيع العلاقات السياسية بين روسيا والصين، وساهم فى التطور السريع للعلاقات الصينية-الروسية[5].
فى الواقع إن التقارب الصينى-الروسى ليس ظاهرة جديدة، فمنذ توليه السلطة فى عام 2000، أكد فلاديمير بوتين باستمرار على الطابع الروسى-الأوراسى من خلال تأكيد رغبته فى تطوير علاقات سياسية أوثق وتعاون اقتصادى أكبر مع الصين ودول آسيوية أخرى، ومع ذلك لم يتقدم التعاون الصينى-الروسى إلى ما وراء إعلان النوايا وتوقيع الاتفاقيات من حيث المبدأ بشكل عام حتى وقت قريب، باستثناء المشاريع الكبرى فى مجال الطاقة، ومنذ سقوط الاتحاد السوفيتى وحتى عام 2014، لم تتطور الأهداف الرئيسية للسياسة الروسية إلا نادرا لأن موسكو كانت تسعى إلى تكامل أفضل لروسيا فى المجتمع الدولى وتطوير التعاون الاقتصادى مع دول الاتحاد الأوروبى التى لا تزال المتلقى الرئيسى للمواد الهيدروكربونية الروسية. وفى الوقت نفسه تطورت العلاقات مع الصين ببطء وإن كان بشكل مطرد، مدفوعة بشكل أساسى باحتياجات بكين المتزايدة للطاقة والحاجات العسكرية، كان أساس هذا التطور قبل كل شيء بيع الهيدروكربون الروسى من الغاز المسال والخام، بالإضافة إلى الموارد الطبيعية الأخرى.[6]لكن الأزمة الأوكرانية عام 2014 والعقوبات الغربية والتدهور السريع للعلاقات مع الولايات المتحدة دفع موسكو إلى تسريع تحركها الجيوسياسى والاقتصادى نحو آسيا من خلال ضخ طاقة جديدة فى الاتجاه الآسيوى لسياسته الخارجية، ويبدو أن الكرملين الآن يخلق "محورًا حقيقيًا نحو الشرق" مدفوعًا بشكل أساسى باحتياجات بكين المتزايدة من الطاقة وقد يكون لذلك عواقب سياسية متنوعة بقدر ما لا يمكن التنبؤ بها[7].
إن تعزيز العلاقات مع الصين يكمن فى قلب التوجه الروسى نحو آسيا، على الرغم من أن الكرملين، فى بياناته الرسمية، يؤكد الطبيعة متعددة الاتجاهات لسياسته الجديدة، التى لا تستهدف الصين فحسب، بل اليابان أيضًا، والكوريتين، والهند. وعلى المدى الطويل دول جنوب شرق آسيا[8].
وفى هذا الإطار يثور تساؤل مهم وهو هل إعادة التوجيه الاستراتيجى هذه من جانب روسيا مجرد "انقلاب" تكتيكى، أم وسيلة لاكتساب نفوذ أكبر فى المفاوضات السياسية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، أم إنها استراتيجية متماسكة؟ وما هى النتائج الأولى لهذا التحول نحو الصين؟ وللإجابة عن هذا السؤال علينا تحليل الجوانب المختلفة للشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا، ليس فقط من أجل تقييم دورهما فى التقارب الصينى-الروسى الحالى ولكن أيضًا لتحديد الاختلالات الهيكلية التى قد تحد من نطاق هذه المبادرات الثنائية، وفيما يلى بيان ذلك.
ثانيا- العلاقات الاقتصادية بين الصين وروسيا:
فى البداية،يجدر بنا ذكر أن العلاقات التجارية بين الصين وروسيا لم تكن علاقات وليدة أو مستحدثة، وإنما هى علاقات طويلة تأسست على مدار قرون جنبا إلى جنب مع العلاقات السياسية بين البلدين. ومع سقوط الاتحاد السوفيتى والتسوية التدريجية للنزاعات الحدودية فى التسعينيات تم تطبيع العلاقات بين روسيا والصين، وساهم فى التطور السريع للعلاقات التجارية الصينية-الروسية، حيث كانت آثار زيادة التجارة محسوسة فى المناطق الحدودية فى التسعينيات، وكان سكان الشرق الأقصى الروسى يعيشون فى ظروف صعبة للغاية بعد ما تم إلغاء معظم برامج المساعدة الحكومية وتوقفت الشركات الحكومية غير القادرة على التكيف مع التغيرات الاقتصادية الجذرية عن العمل فى خضم إعادة التنظيم ولم تعد قادرة على إنتاج محاصيل كافية[9]، وفى ظل هذه الظروف سرعان ما وجدت الملابس والمنتجات الغذائية التى قدمتها جمهورية الصين الشعبية بأسعار تنافسية من قبل التجار الصينيين المستهلكين فى السوق المحلية وسط حالة من الفوضىفى تلك الفترة، ولم تكن المنتجات عالية الجودة ولكنها كانت وسيلة للبقاء على قيد الحياة للسكان المحليين الذين تضرروا بشدة من الأزمات الاقتصادية المتعاقبة التى ميزت عصر بوريس يلتسين، وهكذا أصبحت السلع الاستهلاكية الصينية سلعا أساسية لغالبية سكان الشرق الأقصى الروسى، ولتلبية احتياجات هذه السوق المتوفرة والمزدهرة فجأة، ظهرت العديد من المناطق المعفاة من الرسوم الجمركية، والتى تعتبر نوافذ مهمة للتجارة الخارجية لجمهورية الصين الشعبية، فى شمال شرق الصين، وهى منطقة على الحدود مع روسيا وتتوافق مع مقاطعات هيلونغجيانغ الصينية، ولياونينغ، وجيلين.حيث أنشأ الصينيون مراكز إنتاج وكذلك مراكز تجارية تستهدف السوق الروسية، ومزارع إنتاج فواكه وخضراوات، ومستودعات ومراكز توزيع، والعديد من مرافق الصناعات الخفيفة، وشيئًا فشيئًا تم إنشاء هيكل معقد لتوزيع البضائع بين البلدين، وهو عنصر أساسى للتجارة عبر الوطنية[10]، و تعكس الزيادة الكبيرة فى التجارة بين البلدين منذ بداية العقد الأول من القرن الحادى والعشرين هذا التطور والأهمية المتزايدة للصين فى التجارة الدولية.
زادت التجارة الثنائية بين الصين وروسيا بشكل مطرد على الرغم من الأزمة الاقتصادية لعام 2008، والتى ثبت أن آثارها مؤقتة ففى عام 2009، انخفضت التجارة الصينية-الروسية بنسبة 31.7٪، ولكن فى العام التالى استعاد حجم التجارة تقريبا مستواه الذى كان عليه قبل الأزمة، ومع ذلك مرة أخرى عانت التجارة الثنائية فى عام 2015 من السقوط الحر نتيجة الانكماش الاقتصادى العالمى والانخفاض الكبير فى أسعار الطاقة، وفى عام 2017 انتعشت العلاقات التجارية الصينية-الروسية مدفوعة ببيع الأسلحة والتقنيات العسكرية الروسية وتكثيف صادرات النفط والغاز الطبيعى الروسى إلى جارتها الصينية[11].
وحتى عام 2006، كان هذا النمو فى التجارة ناتجا بشكل أساسى عن زيادة الصادرات الروسية إلى الصين، مما سمح لروسيا بالحفاظ على فائض تجارى فى علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية، ومع ذلك، زادت الواردات من الصين بسرعة مدفوعة بالحاجة إلى المنتجات الاستهلاكية اليومية فى الشرق الأقصى الروسى وسيبيريا[12]، وهذا يفسر كيف ظل الميزان التجارى، بشكل عام لصالح جمهورية الصين الشعبية منذ عام 2007.
ومن وجهة النظر التجارية، يبدو أن جهود التقارب بين روسيا والصين قد أثمرت، فمنذ عام 2001، نما حجم التجارة الصينية-الروسية تسعة أضعاف، ليصل إلى 95.3 مليار دولار أمريكى فى عام 2014، وهو رقم قياسى، وفى عام 2017 كانت الصين الشريك التجارى الرائد لروسيا للعام الثامن على التوالى حيث بلغ حجم التجارة 84.07 مليار دولار، بزيادة قدرها 20.8٪ مقارنة بالعام السابق[13]. ومع ذلك، فإن هذه المؤشرات والأرقام الإيجابية تخفى العديد من الاختلالات المهمة، حيث تغير الهيكل التجارى بشكل جذرى فى الصادرات الروسية إلى الصين، لتسود المواد الخام، مثل النفط، والأخشاب المستديرة، والمعادن غير الحديدية، مثل النيكل، والنحاس، والألمنيوم، وعلى الرغم من أن الهيدروكربونات كانت تمثل 15٪ فقط من الصادرات الروسية إلى الصين فى عام 2002، وبحلول عام 2017 ارتفعت حصتها إلى 66.2٪.ويبدو أن الفترة التى كانت موسكو تأمل خلالها فى تصدير التكنولوجيا والمعدات الصناعية الروسية إلى الصين قد انتهت، فالآلات والمعدات الصناعية التى كانت ولا تزال تمثل 20٪ من الصادرات الروسية فى عام 2002 لم تعد تظهر حتى فى قائمة المنتجات المصدرة فى عام 2017[14].
أما بالنسبة للصادرات الصينية إلى روسيا فقد تغيرت أيضًا: ففى عام 2002 سادت الأحذية والملابس وغيرها من المنتجات الاستهلاكية اليومية (48.7٪)، بينما فى عام 2017 سادت الآلات والمعدات الصناعية (44.5٪)، وانخفضت نسبة الملابس والأحذية والأثاث والألعاب وغيرها من المواد الشخصية والمحلية انخفاضا كبيرا (22.8٪) على الرغم من استمرار هيمنتها فى الشرق الأقصى الروسى وشرق سيبيريا على الأسواق المحلية[15].
وقد تم التأكيد على هذه التطورات من خلال حقيقة أن العلاقات التجارية مع روسيا بالنسبة للصين أقل أهمية بكثير من تلك التى تحتفظ بها مع الغرب. ففى عام 2014 عندما تجاوز حجم التجارة الصينية-الروسية جميع الأرقام القياسية من خلال بلوغ 95 مليار دولار أمريكى، كانت التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة على التوالى 615 مليار دولار أمريكى، و555 مليار دولار أمريكى طبقًا لتقرير الإحصاء السنوى الصينى 2015، وبقدر ما يتعلق الأمر بالتجارة، لا يمكن لروسيا إلا أن تدعى أنها شريك صغير ضمن الإمبراطورية التجارية للصين[16].
فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، ونتيجة لنمو التجارة بين المناطق الحدودية الصينية والروسية، أصبحت العلاقات الجغرافية والاقتصادية المتبادلة بين الشرق الأقصى الروسى وشمال شرق الصين أكثر وضوحا، كما أصبحت الأنشطة الاقتصادية للصينيين فى روسيا أكثر تنوعا حيث أضيف إلى تجارة التجزئة البناء، والزراعة، والسياحة بالإضافة إلى استكشاف الموارد الطبيعية فى المنطقة، وفى الوقت نفسه غامر رواد الأعمال الصينيون أبعد وأبعد فى غرب البلاد فى بحثهم عن فرص اقتصادية جديدة، وقاموا بتوسيع شبكاتهم التجارية تدريجيا لتشمل الاتحاد السوفيتى السابق بأكمله، وغالبًا ما يتم إبراز العلاقة المتبادلة المتزايدة بين المناطق الحدودية بقدر كبير من التفاؤل من قبل السياسيين والباحثين الصينيين[17]، وبالنسبة للروس غالبا ما يُنظر إلى هذا الأمر على أنه شر لا بد منه من قبل اللاعبين الاقتصاديين والسياسيين المحليين الذين يتجهون بشكل متزايد نحو شركاء فى شرق آسيا،خاصة وأن المنطقة معزولة جغرافيا ولوجيستيا عن بقية روسيا منذ اختفاء الاتحاد السوفيتى، وقد شهدت المنطقة كسادا اجتماعيا واقتصاديا حادا تفاقم بسبب الهجرة الجماعية للسكان المحليين نحو المنطقة الأوروبية من روسيا، و منذ سقوط الاتحاد السوفيتى انخفض عدد سكان الشرق الأقصى الروسى بأكثر من 1.8 مليون إلى 6.2 مليون نسمة فقط، على النقيض من ذلك، ارتفع عدد سكان شمال شرق الصين الجار إلى مليون نسمة فى عام 2016 طبقا للتقرير الإحصائى السنوى الصينى 2017.
هذا التباين الديموغرافى الملحوظ بين المنطقتين الحدوديتين يقلق سكان الشرق الأقصى الروسى، الذين غالبا ما يرون القوة المتزايدة لجارهم، و فى موسكو أثار الموقف أيضا ردود فعل غامضة ففى الوقت الذى تحرص فيه السلطات الفيدرالية على تطوير هذه المناطق الشاسعة ومواردها، فإنها مع ذلك تتردد فى منح الصين الحرية فى إقامة المشروعات خوفا من فقدان السيطرة على التنمية الاقتصادية للشرق الأقصى الروسى، أو حتى على المدى الطويل فقدان سيادتها فوق المنطقة[18].
ويرجع ذلك إلى مخاوف موسكو من جارتها الصينية فى تلك المنطقة، حيث تبذل موسكو منذ عدة سنوات جهودا كبيرة لدعم تنمية الشرق الأقصى الروسى بشكل أوثق من خلال تعيين وزير محدد للشرق الأقصى، واتخاذ قرار بتحديث خط السكك الحديدية الذى يربط بين من منطقة إيركوتسك إلى ساحل المحيط الهادئ من أجل التأكيد على الأهمية الجيوسياسية للمنطقة[19]، كما أمر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ببناء ميناء فضائى جديد فى تلك المنطقة تحديدا فى فوستوتشنى فى منطقة أمور، والذى من المفترض أن يقلل على المدى الطويل من اعتماد روسيا على قاعدة بايكونور الفضائية الواقعة فى كازاخستان لكن فى الوقت نفسه، لا تمتلك السلطات الفيدرالية الموارد المالية الكافية لتنفيذ معظم المشاريع الكبرى المخطط لها، لذلك يمكن القول إنه بينما ترغب موسكو فى تعزيز سيطرتها الاقتصادية والجيوسياسية على الشرق الأقصى الروسى، فإنها غير قادرة على القيام بذلك دون مشاركة اللاعبين الآسيويين، وخاصة الصينيين فى تحديث هذه المناطق، كما يمكن القول إن انخفاض أسعار النفط الذى أضر بعائدات العملة الروسية بشدة، وقبل كل شيء الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية الناتجة عنها، أدى إلى تفاقم هذا الوضع المتناقض واضطرت موسكو إلى التخلى عن نهجها الحذر تجاه بكين ونفوذها المتزايد فى شرق البلاد على أمل تحسين الآفاق الاقتصادية لروسيا، والتى بدت كارثية نتيجة انخفاض أسعار النفط وتنفيذ العقوبات الغربية، و أصبحت فكرة أن الصين يمكن أن تحل محل الغرب بشكل مفيد كشريك اقتصادى وكمصدر للتقنيات المتطورة هى الفكرة المسيطرة فى الكرملين، تروج لها جميع وسائل الإعلام الروسية ويتم الترويج لها بنشاط داخل الحكومة[20].
يبدو أن محور روسيا الحالى تجاه الصين يعتمد قبل كل شيء على تحقيق المشاريع الثنائية الكبرى، لا سيما فى مجالات الطاقة والتقنيات العسكرية والمكانية.هذا ليس اتجاها جديدا فالطاقة تكمن فى قلب العلاقات الصينية-الروسية منذ سقوط الاتحاد السوفيتى،ففى عام 1996 خلال الزيارة الرسمية التى قام بها بوريس يلتسين إلى بكين، وقع البلدان أول اتفاقية لتطوير التعاون فى مجال الطاقة والتى مكنت من تنفيذ المشاريع الأولى فى هذا المجال، وبعد عدة سنوات أكد فلاديمير بوتين منذ بداية ولايته الأولى رغبته فى تطوير شبكة طاقة فى شرق سيبيريا وفى الشرق الأقصى باتجاه المحيط الهادئ والصين، وهو ما تم تأكيده رسميًا فى وثيقة بعنوان استراتيجية الطاقة الروسية حتى عام 2020 تم نشرها فى عام 2003، ومرة أخرى فى النسخة المنشورة فى عام 2009[21]. وفقًا لهذه الوثيقة فى عام 2030، ستتلقى آسيا (الصين واليابان فى الغالب) 25٪ من النفط و20٪ من الغاز المنتج سنويًا فى روسيا. لكن تحقيق هذه الطموحات تأخر لسنواتحيث كان استغلال الموارد فى سيبيريا والشرق الأقصى الروسى يعنى أولا بناء البنى التحتية الأساسية والوصول إلى التقنيات الجديدة وهياكل آبار النفط التى كانت فى الأساس فى حوزة الشركات الغربية، وهذا يتطلب استثمارات كبيرة.علاوة على ذلك، لم ترغب موسكو فى أن تصبح الصين المشترى الوحيد للنفط والغاز الروسى فى المنطقة لتجنب اعتماد الصناعة الروسية على سوق الطاقة الصينية، لذلك تمت دعوة اليابان وكوريا الجنوبية أيضًا للمشاركة فى هذه المشاريع، ونتيجة لذلك لم تبدأ روسيا حتى عام 2011 فى تصدير النفط الخام إلى الصين على نطاق واسع وتم تمويل بناء خطوط أنابيب النفط على الأراضى الروسية جزئيًا من قبل بكين، مما سمح لها بتأمين سيطرتها على مخزونات الهيدروكربونات فى سيبيريا لسنوات مقبلة بسعر تنافسى .ومع انفجار الأزمة الأوكرانية التى خلقت توترات حول النقل والواردات المستقبلية من الغاز الروسى إلى أوروبا، أصبحت السوق الآسيوية مع إمكاناتها للنمو مركز اهتمام خاص للكرملين الذى يبحث عن بدائل العلاقات التجارية مع الغرب[22].
منذ عام 2014، وقعت موسكو عدة اتفاقيات تعاون صناعى جديدة مع بكين، بما فى ذلك عقد غاز ضخم بقيمة 400 مليار دولار أمريكى لتسليم 38 مليار متر مكعب من الغاز الروسى سنويًا إلى الصين حتى عام 2048. هذا "العقد الضخم"، استشهدت به وسائل الإعلام المختلفة كرمز للتقارب الصينى-الروسى الجديد، إلا أنه نتيجة عشر سنوات من الجهود والمفاوضات الصعبة بشأن سعر الغاز وتمويل بناء خطوط الأنابيب، و تم التوقيع على اتفاقية الغاز هذه والشروط المصاحبة لها على خلفية التوترات الدولية، ولم يتم الإعلان عنها بعد، ووفقًا للعديد من المتخصصين، ربما اضطرت موسكو إلى الانصياع للمطالب الصينية بشأن السعر. وبالتالى، فإن التقارب السياسى الذى تفاخرت به موسكو لم يجعل الصين أكثر تصالحية فى المسائل الاقتصادية، على العكس من ذلك استغلت الصين الفرصة لزيادة مطالبها فيما يتعلق بالسعر والوصول إلى السوق الروسية وسرعان ما أصيب رجال الأعمال الروس، الذين اعتقدوا أن بإمكان البنوك الصينية توفير رأس المال، لتعويض الآثار السلبية للعقوبات الغربية، بخيبة أمل بسبب قلة الحماس من جانب نظرائهم الصينيين، الذين فرضوا شروطًا كان من الصعب عليهم قبولها[23].
ثالثا- التعاون الصينى-الروسى فى مشروع مبادرة الحزام والطريق:
تلعب الحكومة دورا أساسيا فى تعزيز المشروع الاستراتيجى الصينى-الروسى، فهى تحفز تطوير المشاريع الكبرى ولكنها تجعل آليات تنفيذها ثقيلة وغير فعالة، وفى بعض الحالات تكون الفوائد الاقتصادية لهذه المشاريع ممكنة على المدى الطويل وبعضها يكون جيوسياسى.إن مشاركة روسيا فى مشروع مبادرة الحزام والطريق خير مثال على ذلك، حيث وصفتها بكين بأنها "مفيدة للجميع"، ومن المفترض أن تكون المبادرة برنامجا للتعاون الدولى الواسع النطاق هذا قبل كل شيء،وأن تحافظ على معدلات نمو الاقتصاد الصينى الذى كان يعانى منذ عدة سنوات من تباطؤ ملحوظ بشكل متزايد، كما ينبغى أن تسمح للصين بالانتقال إلى مرحلة جديدة فى تنميتها الاقتصادية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية الرئيسية التى حددها شى جين بينغ وفريقه فى إنشاء "مجتمع مزدهر" وتحويل الصين إلى دولة حديثة وغنية وقوية بحلول عام 2049[24].
قوبلت المبادرة الصينية التى بدأت باستهداف تطوير البنية التحتية فى آسيا الوسطى بقدر كبير من الشك من قبل موسكو، التى اعتبرتها تهديدا لمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، فمنذ اختفاء الاتحاد السوفيتى استمر تطوير الروابط التجارية الوثيقة للغاية بين الصين ودول آسيا الوسطى بالتوازى مع التآكل التدريجى للنفوذ الروسى فى المنطقة، و منذ عام 2013 كانت الصين الشريك التجارى الرئيسى لقيرغيزستان (47.6٪ من التجارة الوطنية للبلاد)، وطاجيكستان (26.9٪)، وتركمانستان (42.7٪)، وأوزبكستان (20.6٪) حيث تمنحهم بكين شروطا ائتمانية مميزة وتستثمر فى مجموعة متنوعة من المشاريع الصناعية، بشكل لا يمكن لروسيا التنافس مع العرض الصينى ويبدو أنها تفقد نفوذها بشكل تدريجى وحتمى داخل أوراسيا على الرغم من إطلاق العديد من مبادرات التكامل الإقليمى، مثل الاتحاد الجمركى والاتحاد الاقتصادى الأوروبى-الآسيوى[25]، وكان الهدف الأساسى لهذه المبادرات من جانب موسكو هو ضمان حرية حركة البضائع والأشخاص ورءوس الأموال بين الدول الأعضاء وتعزيز فكرة الترابط الطبيعى الذى من شأنه تسهيل التكامل الاقتصادى بين روسيا ودول آسيا الوسطى، لذلك لم تنظر موسكو إلى مبادرة الحزام والطريق التى تستهدف أهدافا مماثلة، كفرصة اقتصادية بل كتحدٍ من جارتها على الهيمنة.حيث يرغب الروس فى أن تعترف الصين بالاتحاد الاقتصادى الأوروبى باعتباره شريكا حيويا فى مفاوضاتها مع دول آسيا الوسطى، بينما يعتبر الصينيون الاتحاد الاقتصادى الأوروبى امتدادا لمبادرتهم الخاصة[26]، لذلك لم يكن من السهل أبدا أن يتضح الشكل الحقيقى لهذا التعاون الصينى-الروسى فى آسيا الوسطى، وبعد مفاوضات طويلة يبدو أن موسكو وبكين قد وجدتا مرة أخرى أسسا للاتفاق فى آسيا الوسطى وتنسيق جهودهما من خلال الجمع بين مبادرة الحزام والطريق الصينية ومبادرة الاتحاد الاقتصادى الأوروبى، حيث يخفف هذا التكوين الجديد التنافس الصينى-الروسى فى آسيا الوسطى من خلال السماح لجميع اللاعبين بالاستفادة فى الوقت الحاضر[27].
لكن يبدو أن المشاركة الروسية فى مبادرة الحزام والطريق تقتصر على استخدام الممر الشمالى الشرقى فى القطب الشمالى والسكك الحديدية العابرة لسيبيريا لنقل المنتجات الصينية إلى أوروبا والمواد الخام إلى الصين، وهى نقلة جيدة فى تنويع مسار السكك الحديدية هذا الذى وافقت موسكو على دمجها فى مشروع الحزام والطريق الصينية جنبًا إلى جنب مع تطوير طرق القطب الشمالى،و يمكن أن يؤدى نمو الحركة التجارية عبر سيبيريا، من حيث المبدأ إلى تحقيق أرباح كبيرة لكنه يعتمد على تحديث مسار السكك الحديدية[28].
ويتطلب تجديد الممر الشمالى الشرقى فى القطب الشمالى بسككه الحديدية استثمارات بمليارات الدولارات لم تتعهد بها بكين لموسكو،علاوة على ذلك تختلف تكلفة نقل البضائع الصينية عبر سيبيريا اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على الطريق المتبع حيث تبلغ تكلفة نقل حاوية 20 قدمًا عبر القسم الشرقى من عبر سيبيريا من شنغهاى إلى بريست 2200 دولار أمريكى، بينما نقل الحاوية نفسها عبر القسم الغربى عبر سيبيريا - كازاخستان على طريق أورومتشى - أومسك - موسكو - الاتحاد الأوروبى سيصل إلى نحو 1300 دولار أمريكى، وقدرت نقل الحاوية نفسها عن طريق البحر بنحو 900 دولارفقط[29]، وعلاوة على ذلك فإن سفن الشحن قادرة على نقل أكثر من 10 آلاف حاوية فى وقت واحد، لذلك من الصعب تخيل أنه فى المستقبل القريب يمكن للطرق البرية أن تنافس الطرق البحرية فى التجارة الدولية لجمهورية الصين الشعبية، وعلى الرغم من التصريحات الرسمية الكبرى حول الفوائد التى يمكن أن يجلبها تحديث خط سيبيريا لروسيا والصين، إلا أن بكين لا ترغب فى الاستثمار فى هذا المشروع غير المؤكد الربحية، فى حين أن موسكو لا تمتلك الأموال اللازمة لتنفيذه، ومع ذلك فقد تم بالفعل استثمار مبالغ كبيرة فى الصين لتحديث الشبكة الصينية حتى كازاخستان عبر محطات السكك الحديدية فى ألاشانكو وخورجوس من أجل دعم تحديث الشبكة المحلية وتنويع إمكانيات الروابط التجارية مع المناطق الداخلية من البلاد والأسواق الأوروبية، ويبدو أن الصين تدعم تطوير خطوط السكك الحديدية هذا بالإضافة إلى الروابط بين الصين ولاوس والصين وإيران كجزء من مبادرة الحزام والطريق.كما تم توقيع اتفاقية من حيث المبدأ بشأن بناء خط سكة حديد فائق السرعة بين موسكو وبكين فى عام 2014، واتفاقية تكميلية تتعلق ببدء الأعمال فى قسم موسكو-كازانكان تم التوقيع عليه فى عام 2015، وحتى الآن لا يزال المشروعان قيد التجميد[30].
إن الاهتمام الصينى بالقطب الشمالى الروسى وموارده ليس جديدًا، حتى لو كان فى الوقت الحالى، باستثناء المشروع الضخم لإنتاج الغاز الطبيعى المسال فى منطقة يامال، وتم إنشاء عدد قليل من المشاريع التعاونية الصينية-الروسية فى هذا المجال حيث شاركت الصين فى بناء مصنع تسييل الغاز العملاق والبنى التحتية المرتبطة به شمال الدائرة القطبية الشمالية بنجاح كبير، بما يوضح قدرة الصين على مواجهة التحديات التقنية والمالية الرئيسية ويبرر اهتمام الصين المتزايد بالقطب الشمالى واستغلال موارده[31]. إن الإدراج الرسمى للممر الشمالى الشرقى فى الشبكة البحرية لمبادرة الحزام والطريق، الذى تم الإعلان عنه رسميًا فى عام 2017، يمكن أن يحفز فعليا التعاون الصينى-الروسى فى مجال الطاقة والنقل وكذلك توسيع المشاركة الصينية فى المشاريع المشتركة، و فى الواقع ترغب الصين فى المشاركة ليس فقط كمستثمر صامت ولكن أيضا كمورد للمعدات والتكنولوجيا فى استغلال الموارد الطبيعية للقطب الشمالى الروسى وفى بناء بنى تحتية جديدة على الأراضى الروسية من شأنها تمكين الحركة التجارية عبر الممر الشمالى الشرقى،كما تبدو روسيا مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة فى بياناتها الرسمية على الأقل وإعطاء الشركات الصينية المزيد من الفرص الاقتصادية فى روسيا فى إطار مبادرة الحزام والطريق[32].
فى يونيو 2018، أعلن الرئيس الصينى شى جين بينغ فى الاجتماع الثامن عشر لمجلس رؤساء حكومات منظمة شنغهاى للتعاون (SCO)"أن الحكومة الصينية تدعم بناء المنطقة التجريبية بين الصين ومنظمة شنغهاى للتجارة والتعاون الاقتصادى فى تشينغداو". وهو الآن قيد التشغيل ويمثل فرصة إضافية لتطوير الشركات الروسية على أساس منظمة شنغهاى للتعاون فى تشينغداو[33]. لهذا السبب، فإن الاتجاه الاستراتيجى الرئيسى للتعاون بين روسيا والصين هو تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والتعاون الصناعى، حيث يتركز أكثر من نصف حجم التجارة العالمية فى السكك الحديدية الروسية والسكك الحديدية الصينية. يشير سيرجى بافلوف نائب المدير العام لشركة السكك الحديدية الروسية JSC، إلى أنه فى عام 2021 بلغ حجم نقل البضائع بين البلدين 100 مليون طن، ولكى يستمر هذا النمو فى حركة المرور فمن الضرورى تحسين سلسلة النقل والخدمات اللوجستية.[34]ومن الضرورى زيادة تطوير ممر النقل الدولى للسكك الحديدية العابرة لسيبيريا وBAM، وكذلك تطوير المعابر الحدودية.
رابعا -تقارب مؤقت أم استراتيجية دائمة:
قبل غزو روسيا لأوكرانيا، أعلنت الصين وسط ضجة كبيرة عن" صداقة بلا حدود "مع روسيا، وهو ما يشير إلى مستقبل من التعاون الوثيق فى التجارة والطاقة، وربما الأهم من ذلك، الأمن[35]. والآن، بعد مرور أكثر من عامين على الحرب، تطور معنى وتفسير هذا الالتزام "الذى لا حدود له".حيث دارت مناقشات كثيرة فى المجتمع الصينى فى الأشهر الأخيرة حول تحالف بكين مع موسكو. وفى حين دعا البعض إلى تحالف أكثر رسمية[36] مع روسيا، اتخذ آخرون موقفا أكثر حذرا[37].
على النقيض من عام 2022، فإن الحذر المتزايد الذى تبديه الصين أصبح محل مناقشة علنية على نحو متزايد، حتى بين أولئك الذين خضعوا للرقابة فى السابق. ففى أوائل عام 2022، على سبيل المثال، حجبت الحكومةرسالة مشتركة من ستة مؤرخين صينيين فخريين[38] يعارضون الغزو الروسى. وتم تحذير باقى الباحثين المعارضين للحرب.
يبدو الآن أن الحكومة تسعى إلىتحقيق التوازن[39]فى علاقاتها مع روسيا والغرب. وربما لا ترغب بكين فى أن يُنظَر إليها باعتبارها" الممكن الحاسم" للحرب.فعلى سبيل المثال، اختفت لغة الصداقة "بلا حدود" التى كانت بارزة فى السابق من البيان المشترك[40] الصينى-الروسى فى شهر مايو2024.وكان رد فعل بكين على زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى ذلك الشهر خافتا إلى حد كبير. حيث سعى بوتين إلى التقرب من "شى"، قائلا إنهما" قريبان مثل الإخوة"[41]، وكان رد "شى" أكثر سطحية فقد وصف بوتين بأنه "صديق جيد وجار جيد".
يعرب الباحثون أيضًا عن مخاوفهم بشأن الاستثمارات السياسية والاقتصادية الصينية فى روسيا، سواء على المستوى العام أو الخاص، وقال "شين دينجلي" وهو باحث بارز فى استراتيجية الأمن الصينية بجامعة فودان فى شنغهاى، إن الصين لا تريد أن يُنظر إليها على أنها تتعاون مع روسيا ضد أوكرانيا أو أى دولة أخرى، كما استشهد بقول فو كونغ، السفير الصينى السابق لدى الاتحاد الأوروبى، الذى قال العام الماضى إن "الصداقة بلا حدود" "ليست سوى مجرد كلام[42]. وعلى سبيل المثال، حينما أشار بوتين إلى الصين باعتبارها حليفا خلال زيارة إلى أقصى شرق روسيا فى أغسطس 2024، سارع العلماء الصينيون إلى توضيح هذا التصريح لمنع أى سوء فهم بشأن رغبة الصين فى تحالف رسمى مع روسيا[43].
إن هذه التصريحات تحمل وزنا كبيرا. ففى كثير من النواحى، يعمل كبار العلماء الصينيين فى الجامعات التابعة للحكومة كدعاة لنقل وتبرير موقف الحكومة بشأن القضايا. ونتيجة لهذا، فإن التحولات الدقيقة فى تعليقاتهم توفر رؤى ثاقبة حول العقلية الاستراتيجية فى بكين.لكن لماذا تعيد الصين النظر فى صداقتها "التى لا تعرف الحدود"؟ هناك ثلاثة عناصر تدفع إلى إعادة تقييم التحالف بين روسيا والصين.
الأول، هناك تشكك متزايد فى قدرات الدولة الروسية. فقد دفع تمرد مجموعة فاغنر فى العام الماضى والتوغل الأوكرانى الأخير فى منطقة كورسك الروسية إلى إعادة تقييم فى بكين للاستقرار السياسى والاستعداد العسكرى فى روسيا، فضلا عن المشاعر المناهضة للحرب المتنامية فى روسيا[44]. وكما زعم فنغ يو جون، مدير مركز دراسات روسيا وآسيا الوسطى بجامعة فودان، فإن تمرد فاغنر كان انعكاسًا للصراعات الداخلية والتحديات الأمنية الداخلية التى تواجهها روسيا. وأشار إلى أنه فى كل مرة واجهت فيها روسيا أزمات داخلية وخارجية على مدار التاريخ، أصبحت أنظمتها أقل استقرارًا.وعلى الصين أن تحافظ على مسافة بينها وبين موسكو وتستأنف سياسة عدم الانحياز وعدم المواجهة وعدم التحزب[45].
الثانى، كشف الاقتصاد الصينى الراكد وتجارتها المخيبة للآمال مع روسيا عن مدى اعتماد البلدين على الغرب.ففى حين وصلت التجارة بين روسيا والصين إلى مستوى قياسى بلغ 240 مليار دولار فى عام 2022، إلا أنه تباطأ عام 2024 بشكل كبير لدرجة سعى المؤسسات المالية الصينية إلى الحد من الاتصالات مع روسيا[46].
كما أن العلاقة تميل لصالح بكين بشكل كبير، فروسيا لا تمثل سوى 4% من تجارة الصين، فى حين تمثل الصين ما يقرب من 22% من تجارة روسيا.ويحذر العديد من الخبراء الصينيين من الإفراط فى الاعتماد على روسيا، ويطالبون بدلا من ذلك بمزيد من التعاون مع الدول المجاورة. وهذا يعكس المخاوف الأخيرة من أن روسيا تستخدم مواردها الطبيعية كورقة مساومة لانتزاع فوائد أكبر من الصين[47].
الثالث، هناك مخاوف صينية متزايدة من أن آفاقها الدولية لا تتوافق مع الرؤية الروسية حيث يقول تشاو لونج، نائب مدير معهد شنغهاى للعلاقات الدولية، إن هناك فرقًا مهمًا فى نظرتهم للعالم، حيث تريد روسيا تدمير النظام الدولى الحالى لبناء نظام جديد. وتريد الصين تحويل النظام الحالى من خلال احتلال مكانة أكثر بروزًا فيه[48]. وقد سلط شى ين هونغ، الخبير الاستراتيجى بجامعة رينمين فى بكين، الضوء على فجوة بين الصين وروسيا، حيث يقول إن هناكانعدام ثقة عميقا متبادلا بشأن الأمن الإقليمى، يتمثل فى أن روسيا لم تقدم وعودا قط بدعم الصين فى حالة نشوب صراع حول تايوان، تماما كما تجنبت الصين التورط فى الحرب فى أوكرانيا.[49]
مع وصول الحرب الروسية فى أوكرانيا إلى طريق مسدود، أصبحت قيمة روسيا كحليف عسكرى موضع تساؤل متزايد فى الصين، حيث حذر فينج يوجون من أن الصين قد تخاطر وتستسلم لروسيا، على الرغم من كونها الشريك الاقتصادى الأقوى. وقال إن كل مرة حاولت فيها الصين التحالف مع روسيا عبر التاريخ، كان لذلك عواقب سلبية على الصين[50]. وبالتالى، فمن الأهمية بمكان بالنسبة للصين أن تحافظ على شراكتها طويلة الأمد مع روسيا دون تقويض علاقاتها البناءة مع الغرب.
من المؤكد أن روسيا استفادت من المنافسة الحالية بين الولايات المتحدة والصين، حيث سعت إلى استغلال المنافسة لصالحها. لكن هذا أدى أيضًا إلى حالة من عدم اليقين فى العلاقات بين الصين وروسيا.ويزعم جى تشى يى، أن الاعتماد بشكل مفرط على روسيا من شأنه أن يترك الصين معزولة وضعيفة. وهذا ليس الموقف الذى ترغب الصين فى أن تكون فيه[51].
يبدو أن هناك فرقًا ملحوظًا فى المصالح والأهداف الاقتصادية للصين وروسيا، وقد يبدو من الصعب التوفيق بين هذه الاختلافات والتحرك المتسارع نحو التقارب مع الصين الذى تم الإعلان عنه بفخر كبير فى موسكو، سيظل أسيرا لغياب النمو فى الاقتصاد الروسى، وانعدام الثقة المتبادل الذى يعيق أى تعاون حقيقي[52].
الخلاصة:
يمكن القول إن تعزيز العلاقات مع الصين يقع فى قلب توجه روسيا نحو آسيا، وهذا ليس مفاجئًا فى ضوء الأهمية التى أولاها الكرملين للبعد الصينى لسياسته الخارجية منذ سقوط الاتحاد السوفيتى، ومن خلال تقديم أنفسهما على أنهما أبطال التعددية القطبية، كما تأمل موسكو وبكين فى معارضة النظام القائم تحت إشراف واشنطن وتطمح إلى إنشاء نظام جديد للأمن الجماعى فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتحقيقا لهذا الهدف تتعاون الصين وروسيا بانتظام فى إطار المنظمات الإقليمية الرئيسية، مثل البريكس ومنظمة شنغهاى للتعاون، وعلى الرغم من نقاط التقارب العديدة بين البلدين، فإن طموحات وجغرافية المصالح الروسية والصينية لا تزال بعيدة عن التطابق.
إن التقارب الأخير بين موسكو ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ فى وقت تمر فيه روسيا بأزمة حادة فى علاقاتها مع العالم الغربى يثير قلق أولئك الذين يرون أنها محاولة لبناء نوع من المحور المعادى لأمريكا، الذى يطرحهالكرملين كاستراتيجية طويلة المدى تهدف إلى استعادة توازن السياسة الخارجية الروسية.
التحول الروسى نحو آسيا يعوقه التباين الكبير فى المصالح بين موسكو وبكين، شريكها الرئيسى فى آسيا، وكذلك بسبب الاقتصاد الروسى الضعيف، مما يجعل من الصعب إنهاء المشاريع القائمة أو اقتراح عقود من المحتمل أن تثير اهتمام اللاعبين الصينيين، وعلى الرغم من أن جهود الكرملين فى البداية لتشجيع الروابط مع الصين قد ظهرت فى كثير من الأحيان برد فعل عاطفى على البرودة المتزايدة فى العلاقات بين روسيا والغرب،لكنالوضع الآن يبدو أكثر تعقيدًا، حيث إن عضوية روسيا فى مشروع الحزام والطريق والإدراج الرسمى للقطب الشمالى الروسى فى هذه المبادرة الصينية يشهد على رغبة موسكو وبكين فى الارتقاء بتعاونهما الاقتصادى والسياسى إلى مستوى أعلى.
ستعتمد آفاق تحول روسيا نحو الصين على المدى البعيد على الوضع الدولى وقدرة الكرملين على وضع استراتيجية متماسكة للتقارب مع الصين، بأهداف محددة بوضوح يتم تطبيقهاعلى أرض الواقع.
الهوامش:
[2]ANDREÏTCHOUK, Elena, and Nikita LOUZOUNOV. 2012.“Perspektivy razvitiya torgovogo oborota mejdou Rossieï i Kitaem (Prospects for the development of trade between Russia and China).” Tamojennaya politika Rossii na DalnemVostoke (Russia’s customs policy in the Russian Far East) 60(3): 82-92.
[3]BAÏKOV, Nazip. 2010. “Energetitcheskaya strategiya Rossii na period do 2030 goda (EC-2030) (Russia’s energy strategy up until 2030 (SE-2030)).” Mirovaïa ekonomika i mejdounarodnie otnocheniya (The world economy and international relations) 10: 119-22.
[5]CABESTAN, Jean-Pierre, Sébastien COLIN, Isabelle FACON, and Michal MEIDAN. 2008. La Chine et la Russie: entre convergences et méfiance (China and Russia: between convergence and suspicion). Paris: Unicomm.
[6]COLIN, Sébastien. 2007. “L’ouverture de la frontière entre la Chine et la Russie et ses conséquences commerciales and migratoires: coopérations, tensions and représentations frontalières” (The opening of the border between China and Russia and its consequences for trade and migration: cooperation, tensions and border representations). In Christian Bouquet and Hélène Velasco-Graciet (eds.), Regards géopolitiques sur les frontiers (Geopolitical views on borders). Paris: L’Harmattan. 61-78.
[7]DIAO Xiuhua and LIU Chang. 2009. (E’ Dongbu diqu kaifa yu Zhongguo Dongbei zhenxing de hudong fazhan, The complementary nature of the development of the Russian far east and the recovery of north east China). Xiboliya yanjiu (Siberian studies) 36(5): 17-23.
[8]FERDINAND, Peter. 2016. “Westward Ho—the China Dream and ‘One Belt, One Road’: Chinese Foreign Policy Under Xi Jinping.” International Affairs 92(4): 941-57.
[9]GABUEV, Alexander. 2016a. “Crouching Bear, Hidden Dragon: ‘One Belt One Road’ and Chinese-Russian Jostling for Power in Central Asia.” The Journal of Contemporary China Studies (5)2: 61-77.
[10]GABUEV, Alexander. 2016b. “Friends with Benefits: Russian-Chinese Relations After the Ukraine Crisis.” Carnegie Moscow Center. http://carnegieen-dowment.org/files/CEIP_CP278_Gabuev_revised_FINAL.pdf
[11]GABUEV, Alexander, and Vassili KACHIN. 2017. “Voennaya drujba: kak Rossiya i Kitaï torgouïout oroujiem” (Military friendship: on the arms trade between Russia and China). Carnegie Moscow Center. http://carnegieen-dowment.org/files/CEIP_CP278_Gabuev_revised_FINAL.pdf
[12]GAO, Xin. 2008. Yuandong yu Xiboliya diqu zai Zhongguo guoji zhanlüe zhong de zhongyao yiyi, The importance of the Russian Far East and Siberia for China’s international strategy). Xiboliya yanjiu (Siberian studies) 35(3): 44-6.
[13]GAROUSOVA, Larisa. 2014. “Mejdounarodnaya migratsiya v sovremennoï Rossii: Dalnevostotchnyï kontekst” (International migration in Russia today: the context of the Russia Far East).” Territoriya novikh vozmojnosteï (The land of new opportunities) 27(4): 9-22.
[14]HELLE, R. 1977. Future of Rail Container Transport in Eurasia. GeoJournal 1(3): 55-60.
[15]HUANG, Linyuan, and Frédéric LASSERRE. 2017. “China’s New Global Transport Network, Railway or Waterway? A Comparison of China’s Arctic Shipping Intention and Freight Train within One belt and One Road Strategy.” In Liu Yungang (ed.), Towards New Political Geographies: Bridging East and West. Beijing: China Review Academic Publishers. 313-36.
[16]HUANG, Linyuan, Frédéric LASSERRE, and Éric MOTTET. 2018. “Nouvelles liaisons ferroviaires transasiatiques: une entreprise stratégique” (New trans-Asia rail links: a strategic enterprise?) Politique étrangère (Foreign policy) 2018(1): 119-31.
[17]IVANOV, Sergueï. 2009. “Korreliatsiya programm razvitiya Dalnego Vostoka Rossii i vozrogdeniya Severo-Vostoka Kitaïa: problemy i perspektivy” (The correlation of the development programs in the Russian Far East and North-East China: problems and perspectives). Vestnik DVO RAN (Bulletin of the Russian Far East department of the Russian Academy of Sciences) 5: 132-9.
[18]JING Jinghua. 2009. (Dangdai Eluosi shehui de paiwai sichao pingxi, An analysis of xenophobic ideas in contemporary Russian society). Xiboliya yanjiu (Siberian studies) 36(2): 30-2.
[19]LARIN, Aleksandr. 2015. “Vozrojdenie Kitaya i nekotorye voprosy rossiïsko-kitaïskogo sotroudnitchestva” (China’s revival and certain questions concerning Russo-Chinese cooperation). Kitaï v mirovoï i regionalnoï politike. Istoriya i sovremennost (China in world and regional politics. History and modernity) 20: 37-56.
[20]LASSERRE, Frédéric, HUANG Linyuan, and Éric MOTTET. 2017. “Nouvelles liaisons ferroviaires transasiatiques: un succès commercial et économique?” (New trans-Asian rail links: a commercial and economic success?) Paper given at the Conference on The EU-Asean Partnership in the face of Rival Partnerships between Asia-Pacific Powers (École supérieure du commerce extérieur/ Foreign Trade University ESCE/FTU) 9-10 October, Hanoi.
[21]LASSERRE, Frédéric, Emmanuel GONON, and Éric MOTTET. 2016. Manuel de géopolitique. Enjeux de pouvoir sur des territoires (Geopolitical manual. Power issues over territories). Paris: Armand Colin, coll. U, 2e éd.
[22]LATKIN, Aleksandr, and XIANG Yijun. 2015. “Otsenka dinamiki i katchestvennikh izmeneniï rossiïsko-kitaïskogo ekonomitcheskogo sotroudnitchestva v prigranitchnikh severo-vostotchnikh regionakh” (The evaluation of the dynamic of qualitative changes in Russo-Chinese economic cooperation in the border regions of the North East). Territoriya novikh vozmojnosteï (The land of new opportunities) 30(3): 11-8.
[23]LI Xin. 2013. (Eluosi Xiboliya he Yuandong kaifa yu Zhongguode jiyu, The development of Siberia and the Russian Far East and China’s opportunities). Xiboliya yanjiu (Siberian studies) 40(3): 32-6.
[24]LUKIN, Alexander. 2018. China and Russia: The New Rapprochement. Cambridge: Polity Press.
[25]MAKAROV, Igor, and Anna SOKOLOVA. 2016. “Sopriajenie evraziïskoï integratsii i ekonomitcheskogo poyasa Chelkovogo pouti: vozmojnosti dlya Rossii” (The connexion of Eurasian integration and the silk road economic belt: the opportunities for Russia). Vestnik mejdounarodnikh organizatsiï (The bulletin of international organisations) 11(2): 40-57.
[28]NIKOLAEV, Nikolay. 2017. “Indiïskiï interes k Arktike v kontekste arktitcheskoï politiki Kitaya” (India’s interest in the Arctic within the context of Chinese policy in the Arctic). Prolemy postsovietskogo prostranstva (Post-soviet issues) 4(4): 321-35.
[29]PORTYAKOV, Vladimir. 2013. “Rossiïsko-kitaïskie otnocheniya: sovremennoe sostoianie i perspektivy razvtiya” (Russo-Chinese relationship: current situation and perspectives of development). Kitaï v mirovoï i regionalnoï politike. Istoriya i sovremennost (China in global and regional politics. History and modernity) 18: 6-15.
[32]RØSETH, Tom. 2017. “Russia’s Energy Relations with China: Passing the Strategic Threshold?” Eurasian Geography and Economics 58(1): 23-55.
[33]SANGAR, K. 2017. “Russia and China in the Age of Grand Eurasian Projects: Prospects for Integration between the Silk Road Economic Belt and the Eurasian Economic Union.” Cambridge Journal of Eurasian Studies 1: 1-15.
[34]SAVTCHENKO, Anatoly. 2014. “Pridet li kitaïskiï kapital na Dalniï Vostok?” (Will there be Chinese investments in the Russian Far East?). Rossiya i ATR (Russia and the Asia-Pacific region) 4: 190-9.
[35]Igor Denisov, ‘No Limits’? Understanding China’s Engagement With Russia on Ukraine, March 24, 2022, at: : https://diplomat-com. goog/2022/03/no-limits-understanding-chinas-engagement-with-russia-on-ukraine/?
[36]Sam Etheridge, A China–Russia Alliance is Likelier Than We Think, 4 May 2023, at: https://rusi-org.goog/explore-our-research/publications/commentary/china-russia-alliance-likelier-we-think?
[39]Maxim Trudolyubov, China’s Balancing Act Between the U.S. and Russia, May 24, 2024, https://www-wilsoncenter-org.goog/blog-post/chinas-balancing-act-between-us-and-russia?
[52]ZHAO Shanhua. 2016. (“‘Shisanwu guihua’ jiang youli tuidong ‘yidaiyilu’ jianshe de jinzhan, The 13th Five-Year Plan will give a big boost to the development of the construction of “one belt one road”). Xiandai jingji xinxi (Modern economic information) 21: 1-3.