ساهم النظام السورى برئاسة بشار الأسد فى نجاح الثورة الشعبية فى سوريا بعد مدة جاوزت العقد من الزمان، وإن كان ذلك على جثث وحرمات نحو نصف هذا الشعب برعاية من أحد أقطاب العالم "روسيا" الذى نجح هو الآخر فى فرض واقع على نظيره الأمريكى، فحولت الأرض السورية إلى صراع دائم، ليتمكن طرف آخر لاشك فى قدراته العسكرية من فرض سيطرته السياسية على الأراضى السورية بمجرد إضعاف جيش الاحتلال الإسرائيلى لحزب الله فى لبنان باغتيال قياداته قبل أن ينتهى عام 2024.
تبدو من أهم مخاطر "الاحتلال الجديد" –الذى لن يقل فى بشاعته بعد مضى شهر العسل السياسى البغيض– التلاعب بجنسيات أبناء الوطن مما قد ينصرف مستقبلا إلى إضفاء الولاء الوطنى –زورا وبهتانا– على بعض القيادات المرتقبة فى الحكومة السورية الجارى استكمال تشكيلها.
فليس عبثا ما استقر عليه العمل والقانون عبر السنين من قواعد راسخة لاكتساب وفقد الجنسية، وآثار ذلك فى التمتع بالحقوق السياسية، أما التلاعب الجارى فإنه يدق ناقوس الخطر للقانونيين والساسة.
فما لنا كقانونيين سوى أقلام تحاول استثارة جهود الباحثين، لخلق زخم تشريعى لمواجهة ما قد يعبث بأمن الوطن السورى ومقوماته. أما السياسيون، فعليهم أن يأخذوا العبرة حتى لا تمتد شرارة تزوير الهوية –بطريق مباشر أو غير مباشر– إلى بلدان أخرى تنعم بالاستقرار، وتتمتع فها جنسيات مواطنيها بشتى أنواع الحماية المناسبة.
قانون الجنسية السورى..واقع وتحديات:
يمثل قانون الجنسية السورى، الصادر بموجب المرسوم التشريعى رقم 276 لعام 1969، الإطار القانونى الذى ينظم علاقة الفرد بالدولة.
يعتمد القانون على مبدأ حق الدم كأساس رئيسى لمنح الجنسية، حيث يحصل الأطفال المولودون لأب سورى على الجنسية تلقائيًا.
لكن القانون يفتقر إلى اعتراف واضح بمبدأ حق الإقليم، مما يترك فئات مثل الأطفال مجهولى النسب فى وضع قانونى هش.
فيما يتعلق بتجنيس الأطفال من أم سورية وأب أجنبى، يثير القانون جدلاً حول المساواة بين الجنسين، حيث لا يسمح للمرأة السورية بنقل جنسيتها إلى أطفالها إلا فى حالات استثنائية.
فى الوقت ذاته، لا يُعترف بازدواج الجنسية بشكل واضح، مما يضع عقبات أمام السوريين المغتربين الراغبين فى الحفاظ على ارتباطهم القانونى بوطنهم.
مع الظروف الحالية التى تمر بها سوريا، تتزايد المطالبات بتحديث هذا القانون ليشمل معالجة قضايا اللاجئين، وحماية حقوق الأطفال المولودين خارج سوريا، وتبنى سياسات تواكب الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
يُعد قانون الجنسية السورى من التشريعات المهمة التى تُعنى بتحديد العلاقة القانونية بين الفرد والدولة، حيث يضع إطارًا لتنظيم اكتساب وفقدان الجنسية السورية، مع التركيز على ضمان الولاء للدولة وتحقيق الانتماء الوطنى. صدر قانون الجنسية السورى بموجب المرسوم التشريعى رقم 276 لعام 1969، وقد تضمن أحكامًا تفصيلية حول منح الجنسية وسحبها وتنظيم ازدواج الجنسية.
1- تعريف الجنسية وأسسها فى القانون السورى:
- الجنسية: رابطة قانونية بين الفرد والدولة تحدد حقوقه وواجباته.
- يعتمد القانون السورى على حق الدم كأساس رئيسى لمنح الجنسية، حيث تُمنح الجنسية لكل من يولد لأب سورى، بغض النظر عن مكان الولادة.
- يُعترف أيضًا بحق الإقليم فى حالات محدودة، مثل الأطفال المولودين على الأراضى السورية لأبوين مجهولى الهوية.
2- الشروط الأساسية للتجنس واكتساب الجنسية السورية:
- الإقامة المستمرة فى سوريا: يجب أن تكون الإقامة القانونية لمدة لا تقل عن خمس سنوات متتالية قبل تقديم طلب التجنس.
- التخلى عن الجنسية الأصلية: يُشترط على المتقدم أن يُقدم إثباتًا قانونيًا بالتخلى عن جنسيته السابقة.
- الاندماج فى المجتمع السوري: يُطلب من المتقدم أن يُثبت اندماجه الاجتماعى والثقافى، بما فى ذلك القدرة على التحدث باللغة العربية.
- السلامة الجنائية: يشترط القانون أن يكون الشخص حسن السيرة والسلوك، وألا يكون لديه سجل جنائى أو ارتكب جرائم تُهدد الأمن العام.
- الخدمة الوطنية: قد يُطلب من الرجال فى سن الخدمة العسكرية الالتزام بأداء الخدمة الوطنية، إلا إذا تم إعفاؤهم بموجب القانون.
الحالات الاستثنائية لمنح الجنسية السورية:
- الأعمال الجليلة: يمكن منح الجنسية بشكل استثنائى للأفراد الذين يقدمون خدمات كبيرة للدولة، مثل علماء أو رجال أعمال يساهمون فى تنمية البلاد.
- الزواج: المرأة الأجنبية المتزوجة من مواطن سورى قد تحصل على الجنسية، بشرط أن تكون مدة الزواج لا تقل عن سنتين.
- الأطفال عديمو الجنسية: الأطفال المولودون فى سوريا من أبوين مجهولين يُمنحون الجنسية السورية.
٣- ازدواج الجنسية وموقف القانون السوري:
- يحظر القانون السورى ازدواج الجنسية بموجب المرسوم التشريعى رقم 276/1969.
- ينص على سحب الجنسية السورية من أى مواطن يكتسب جنسية أجنبية دون الحصول على إذن مسبق من الحكومة السورية.
- يفرض عقوبات جزائية على الأفراد الذين يخالفون هذا النص، تصل إلى التجريد من الجنسية.
٤- التجنس واكتساب الجنسية السورية:
- يتيح القانون للأجانب إمكانية التجنس بالجنسية السورية وفق شروط صارمة:
- الإقامة فى سوريا لمدة خمس سنوات متتالية على الأقل.
- التخلى عن الجنسية الأصلية.
- إثبات الاندماج فى المجتمع السورى وإجادة اللغة العربية.
- يمكن منح الجنسية بشكل استثنائى للأفراد الذين يقدمون خدمات جليلة للدولة.
٥- فقدان الجنسية:
- يفقد الفرد الجنسية السورية فى حال:
- حصوله على جنسية أجنبية دون موافقة مسبقة.
- قيامه بأعمال تهدد أمن الدولة أو مصالحها العليا.
- ثبوت حصوله على الجنسية بناءً على تزوير أو تقديم معلومات غير صحيحة.
٦- مشكلات وتحديات قانون الجنسية السوري:
- ازدواج الجنسية: على الرغم من حظرها قانونيًا، فإن التغيرات العالمية والهجرة الواسعة أدت إلى تحديات فى تطبيق الحظر بشكل كامل.
- المعاهدات الدولية: يواجه القانون السورى انتقادات لعدم اتساقه مع بعض المعاهدات الدولية التى تسمح بازدواج الجنسية.
- تعريف الأجنبي: القانون السورى يعتبر كل من لا يحمل الجنسية السورية أجنبيًا، مما يفتح المجال لتحديات قانونية فى بعض الحالات، مثل اللاجئين وعديمى الجنسية.
قانون الجنسية السورية يحمل عدة عيوب ونقاط ضعف أثارت انتقادات على مر السنين. من أبرز هذه العيوب:
1- عدم المساواة بين الجنسين:
* القانون السورى لا يسمح للمرأة السورية بمنح جنسيتها لأبنائها من زوج أجنبى، إلا فى حالات استثنائية. وهذا يعتبر تمييزًا ضد المرأة وينتهك مبدأ المساواة المنصوص عليه فى الاتفاقيات الدولية.
2- تعقيد إجراءات الحصول على الجنسية:
* هناك تعقيدات فى منح الجنسية السورية للأجانب، سواء من خلال الزواج أو الإقامة الطويلة، مما يجعل الأمر مرهقًا ومحدودًا.
3- عدم الاعتراف بازدواج الجنسية:
* القانون السورى لا يعترف بازدواج الجنسية إلا فى حالات محددة، مما يجبر المواطنين السوريين على التخلى عن جنسيتهم إذا حصلوا على جنسية أخرى، ما يعقد وضعهم القانونى والوطنى.
4- عدم مراعاة الظروف الإنسانية:
* القانون لا يضع حلولاً واضحة لحالات الأطفال عديمى الجنسية أو اللاجئين الذين ولدوا على الأراضى السورية. هذا يساهم فى تفاقم مشكلة عديمى الجنسية.
5- الإجراءات البيروقراطية:
* الحصول على وثائق إثبات الجنسية السورية أو حل النزاعات المتعلقة بالجنسية يعانى من البيروقراطية والتعقيدات الإدارية.
6- إقصاء بعض الفئات:
* يستثنى قانون الجنسية السورى بعض الفئات، مثل الكرد السوريين الذين تم تجريدهم من الجنسية بقرارات سياسية سابقة، مما خلق أزمة طويلة الأمد تتعلق بوضعهم القانونى.
7- عدم تحديث القانون:
* قانون الجنسية السورى قديم نسبيًا ولم يتم تعديله بما يتماشى مع التطورات الاجتماعية والسياسية، مما يجعله غير ملائم للواقع الحالى.
8- ضعف الاعتراف بحقوق الأطفال:
* الأطفال المولودون لسوريين فى الخارج يواجهون صعوبة فى الحصول على الجنسية بسبب غياب ترتيبات قانونية واضحة.
9- التأثير السياسي:
* قرارات منح أو سحب الجنسية تُستخدم أحيانًا لأغراض سياسية، ما يعكس تدخل السياسة فى قضايا الهوية الوطنية.
10- أهمية القانون فى السياق الوطني:
- يهدف قانون الجنسية السورى إلى تحقيق الانتماء الوطنى وضمان ولاء المواطنين للدولة.
- يعزز القانون السيادة الوطنية عبر فرض شروط صارمة على التجنس ومنع ازدواج الجنسية.
ضرب مبنى الجوازات والهجرة.. أزمة جديدة:
شهدت سوريا فى الآونة الأخيرة استهدافًا مباشرًا لمبنى الجوازات والهجرة، وهو ما يعد ضربة مؤثرة لإحدى المؤسسات الحيوية للدولة.هذا المبنى ليس مجرد مركز إدارى، بل يمثل نقطة ارتكاز لخدمات المواطنين داخل وخارج سوريا.
- أدى هذا الحادث إلى تعطيل إصدار وتجديد الجوازات، ما زاد من معاناة المواطنين الراغبين فى السفر أو إثبات هويتهم القانونية.
- فتح هذا التعطيل الباب أمام تفشى السوق السوداء للحصول على وثائق مزورة، مما يهدد أمن وسلامة المواطنين ويضعف الثقة بالمؤسسات الحكومية.
التداعيات الدولية:
- تعقيد أوضاع اللاجئين: اللاجئون السوريون، الذين يعتمدون على الجوازات لإثبات هويتهم فى دول اللجوء، أصبحوا فى مواجهة تحديات جديدة.
- الإضرار بالصورة الدولية: يعكس استهداف هذا النوع من المنشآت ضعف سيطرة الدولة، مما يزيد من الضغط الدولى على الحكومة السورية لحماية المؤسسات العامة.
**بينما يعكس قانون الجنسية السورى الإطار التقليدى للجنسية فى المنطقة، تظهر الحاجة الملحة لتحديثه بما يتناسب مع التحديات التى تواجهها سوريا، خاصة فى ظل النزوح الجماعى والأزمة الإنسانية. وفى الوقت نفسه، يمثل استهداف مبنى الجوازات والهجرة تذكيرًا بخطورة الأوضاع الأمنية وانعكاساتها على حياة المواطنين اليومية.
إن معالجة هذه القضايا تتطلب حلولاً شاملة توازن بين تحديث القوانين، وتعزيز الأمن الداخلى، والتعاون الدولى لحماية حقوق المواطنين السوريين فى الداخل والخارج.
ختاما:
يتضح أن موضوع الجنسية ليس مجرد مسألة قانونية أو إدارية، بل هو قضية حيوية ترتبط بحقوق الإنسان والهوية الوطنية.قانون الجنسية السورى، رغم أهميته فى تنظيم العلاقة بين الفرد والدولة، يعانى من بعض القصور والثغرات التى تؤثر على تحقيق العدالة والمساواة، سواء فيما يتعلق بعدم المساواة بين الجنسين، أو تعقيد إجراءات الحصول على الجنسية، أو قضايا عديمى الجنسية.
لقد أظهر البحث أن هناك حاجة ملحة لتطوير هذا القانون بما يتماشى مع التطورات الحديثة والالتزامات الدولية، مع التركيز على حماية حقوق المرأة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، ومعالجة أوضاع الفئات المهمشة مثل عديمى الجنسية.إن إصلاح قانون الجنسية السورى يشكل خطوة أساسية لتعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية فى ظل الظروف الراهنة.
وأخيرًا، يبقى العمل على مراجعة هذا القانون ضرورة لضمان أن يكون أداة فعالة لحماية حقوق المواطنين وإرساء مبادئ المساواة والعدالة، مما يسهم فى بناء مجتمع أكثر تماسكًا واستقرارًا فى ظل التحديات المعاصرة.
لا شك أن الحفاظ على البنية القانونية والنظام الدستورى بات فرض عين على الجهات التشريعية السورية، فقها وقضاء، فما بالك بذوى الأرواب السوداء التى ما وارى سوادها دموع أرض الشام الأبية.
فى ظل أى من الحكومات ينبغى ضمان تماسك المبادئ الدستورية لاستمرار وحدة الأراضى وتوحد المواطنين، وعدم السماح باختراق موطنهم عبر إضفاء ولاء مزعوم لأغراض سياسية، أو نزع ولاء أزلى لأسباب مؤقتة على أثر غضبة الشعب السورى على حكم ظالم مكث نصف قرن.
مهما كان ما يرزح تحته الوطن من قهر –داخلى أو خارجى– فعلى الدم السورى أن يفرض نفسه على رابطة الولاء الأزلية، ولا تشغله شعارات ذات أهداف مؤقتة عن بعيد النظر إلى مستقبل الأبناء والأحفاد، الذين يجب أن يؤهلوا لبناء سوريا من جديد.
المستشار الدكتور/أبوبكر محمد الديب د. نورهان سامى موسى
خبير القانون الدولى والإنسانى مدرس القانون الدولى الخاص، كلية الحقوق- جامعة المنوفية