لا يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية من دون منظمات مجتمع مدنى قادرة من خلال إطار تشريعى، ينظم عملها ويتيح لها العمل بحرية من أجل الدفاع عن ضمانات حقوق الإنسان التى كفلتها المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ويجب التنويه إلى أن العلاقة بين المنظمات المدنية والأجهزة التنفيذية فى أى دولة فى العالم لا تسير دائما على نحو هادئ، بل طبيعة كل طرف تفرض بعض الاختلاف أحيانا وبعض الاتفاق أحايين أخرى، فبينما تحاول مؤسسات الدولة ممارسة دورها فى الحفاظ على أمن واستقرار الدولة متسلحة بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية لتنظيم العلاقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، قد تتعرض بعض الحقوق الأساسية لبعض الانتهاكات وهنا يأتى الدور الأساسى لمنظمات المجتمع المدنى لضبط الإيقاع وتوجيه البوصلة نحو الضمانات التى كفلها الدستور والاتفاقيات الدولية التى التزمت بها الحكومة، وتشهد مصر منذ منتصف الثمانينيات اهتماما كبيرا بظهور وتأسيس عدد كبير من المنظمات الحقوقية والتنموية، تنوعت فيما بينها بين منظمات دفاعية ومنظمات تسعى لنشر الوعى بمفاهيم حقوق الإنسان وعدد لا بأس به من منظمات الرصد والتوثيق، وفى ظنى أن تلك المنظمات لم تكن يوما بمعزل عن السياق السياسى الذى وجدت فيه.
أولا ــ تطور تاريخى:
بدأت منظمات المجتمع المدنى على شكل جمعيات خيرية قبل ثورة يوليو 1952، والسياق السياسى الذى كان يحكم الدولة المصرية فى ذلك الوقت كان النظام الملكى. ويذكر التاريخ أن جماعة الإخوان المسلمين عندما بدأت نشاطها بدأت على شكل جمعية أهلية (عام 1928)، وكان هناك صدام بين الحكومة المصرية قبل ثورة 1952 وبين جماعة الإخوان فى ذلك الوقت أدى إلى حل تلك الجمعية فيما بعد. وعندما تولى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الحكم كان القانون أو التشريع الذى يحكم وينظم عمل هذه الجمعيات هو القانون رقم 32 لسنة 1964، وكان يتسق فى ذلك الوقت مع النظام السياسى الذى كان يؤمن بضرورة تدخل الدولة فى كافة الأنشطة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وكان هذا القانون لا يسمح بديمقراطية العمل الأهلى بشكل كبير واستمر العمل بهذا القانون حتى منتصف التسعينيات الماضية. وفى ذلك الوقت بدأت محاولات الدولة المصرية تعديل قانون الجمعيات الأهلية بما يسمح بإعطاء هذه الجمعيات دورا فى الدفاع عن حقوق الإنسان المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية وقد تم تأجيل هذه الخطوة بسبب ما تلى مقتل الرئيس السادات وتنامى تيار العنف الدينى فى مصر، وفى 1997 بعد حسم المعركة وانتصرت الدولة على الجماعات الإرهابية بدأت الدعاوى لضرورة تعديل قانون الجمعيات، وقضى فى ذلك الوقت بعدم دستورية القانون لعدم عرضه على مجلس الشيوخ إلى أن بدأت دعاوى الإصلاح التى اجتاحت العالم، وبدأت بعض الإصلاحات التشريعية وكان من ضمن تلك الإصلاحات فى مصر قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002، وهو الذى خفف من تدخل الدولة فى إدارة الجمعيات الأهلية ومنح بعض الحرية لأعضاء مجلس الإدارة فى تسيير شئون الجمعيات، وفى حريتهم فى الحصول على منح خارجية لتنفيذ أنشطة ذات صلة بحقوق الإنسان فى مصر. عقب ثورة يناير 2011، وبسبب الفترة الاستثنائية التى شهدتها البلاد، كانت هناك محاولة فى عام 2017 لتعديل القانون ولكن هذا القانون لم يحظ برضاء عدد كبير من المنظمات العاملة فى مجال العمل الأهلى، إلى أن تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسى مباشرة فى أحد مؤتمرات الشباب ودعا مجلس النواب إلى معالجة تحفظات واعتراضات العاملين فى العمل الأهلى والمنظمات الحقوقية على تلك النصوص، وتعدل القانون إلى القانون الحالى وهو القانون الذى حقق أكثر من 85% من طموحات العاملين فى مجال العمل الأهلى بمصر. ولكن الأمانة تقتضى أن نستثنى من هذه المنظمات تلك التى تعتنق الفكر الفوضوى (الأناركى)، لأن أصحابها يستقلون قطار المنظمات المدنية بهدف الوصول إلى محطة الفوضى، وهى منظمات أصحابها لا يعترفون بمفهوم الدولة ويتم استخدام المفاهيم الحقوقية فقط لخدمة مصالحهم المتطرفة.
ثانيا ــ المجتمع المدنى.. دور استراتيجى:
وفرت الدولة المصرية بيئة سياسية وقانونية مواتية لتعزيز دور المجتمع المدنى والعمل الأهلى، وظهر ذلك فى قناعة مؤسسات الدولة الرسمية لأهمية منظمات المجتمع المدنى فى صنع السياسات العامة المستنيرة، إذ إنها تلعب دورًا رئيسيًا كوسيط بين المواطنين من جهة، من خلال الاتصال المستمر مع المواطنين بما فى ذلك الفئات المهمشة أو الضعيفة، ومنحهم دورًا رئيسيًا فى الحوار المدنى وتمكين المواطنين البعيدين عن المشاركة من التعبير عن احتياجاتهم ومخاوفهم؛ والحكومة من جهة أخرى، من خلال الحوار المنظم ذى المغزى فى صنع القرار. بالتوازى، فإن الدولة المصرية على قناعة بأولوية الدور الحيوى للمجتمع المدنى فى تعزيز الحقوق والحريات، وتحث على تكوين الجمعيات من أجل مجتمع مدنى قوى نابض بالحياة، فنجد الدولة المصرية قد أعلنت عام 2022 عام «المجتمع المدنى»، كما أبدت اهتماما لافتا لتوفير ظروف مواتية لتعزيز المجتمع المدنى، فى ظل أزمات عالمية أثرت بشكل سلبى على مساحات المجتمع المدنى فى معظم أنحاء العالم. وتسعى الدولة المصرية لتعزيز مساحات المجتمع المدنى فى مصر، من خلال وجود مجتمع مدنى قوى يعمل على حماية الحقوق والحريات، وتوفير الخدمات الأساسية للأغلبية، ويكون حاضنًا للمشكلات التى لم تتمكن الدولة من الوصول إليها، حيث يمتاز المجتمع المدنى باللامركزية، مما يساعد الدولة على تحقيق رفع جودة الحياة للمواطنين فى كافة أرجاء الجمهورية. كما تبرز مهمة أخرى للمجتمع المدنى، وهى الرقابة، فوجود مجتمع مدنى فعال يكون ضمانا للمساءلة والشفافية، وهذا يعزز النظام الديمقراطى النزيه للدولة، وهذه المهمة نابعة من تعريف المجتمع المدنى بكونه الوسيط بين الشعب والنظام، ولابد أن يعى الكثيرون هذه المهمة لأنها إيجابية ووطنية وتساعد على إصلاح مواطن الضعف بالدولة. فى المقابل، فإن منظمات المجتمع المدنى فى مصر لعبت دورا معتبرا فى ترسيخ ثقافة التطوع فى تنفيذ وتحقيق أهداف إنسانية مشتركة، مثل مواجهة الفقر، ويُعد ارتفاع معدلات التطوع فى المجتمعات دلالة على رقى العلاقات الإنسانية بها، وتزايد الشعور بمعاناة الفئات الأكثر احتياجًا. وتعرف الدول المتقدمة تزايدًا فى أعداد المتطوعين من كل الأعمار لتقديم خدمات عامة، وقد شكَّلت مواجهة وباء كوفيد-19 مناسبة مهمة لإظهار إنسانية المجتمعات فى خدمة احتياجات الأفراد فى ظل ظروف ضاغطة، وغير طبيعية، تحمل مخاطر عديدة. وكما أن التطوع يأتى تلقائيًّا نابعًا من قناعات الأفراد أنفسهم، فإنه يحتاج إلى نظام وبرنامج يجعل منه خبرة مثمرة، وفائدة تعود على المتطوع مثلما تفيد الكيان الذى يخدمه، وهناك اقتراحات كثيرة لإثراء ثقافة التطوع فى المجتمع المصرى، منها: تضمين التطوع فى المناهج التعليمية، وتشجيع طلاب المرحلتين الثانوية والجامعية على المشاركة فى الأنشطة الاجتماعية والتنموية، ويصل الأمر ببعض الاقتراحات إلى جعل المشاركة إلزامية؛ حتى يتسنى للفرد، خاصة فى مراحل تكوينه الذهنى والنفسى، أن يقترب من احتياجات المجتمع، ويدرك أهمية تلبيتها. على صعيد متصل، يوفر المجتمع المدنى مجالات خصبة لدعم ثقافة المواطنة، وتوفير أجواء مثالية يلتقى فيها المواطنون، مسلمون ومسيحيون، فى خدمة المجتمع، اجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وثقافيًّا. وقد كانت نشأة الجمعيات الأهلية ذاتها تعبيرًا أصيلًا عن التقاء المواطنين معًا، وظهر ذلك على سبيل المثال عند تأسيس «الجمعية الخيرية القبطية» فى عام 1881، حيث ضمت فى عضويتها الإمام «محمد عبده» و«عبدالله النديم»، وآخرين، وكان الغرض من الجمعية مساعدة الفقراء، وظلَّت الجمعيات الأهلية على مدار أكثر من قرنين من الزمن تخدم المجتمع دون تفرقة بين المواطنين على أساس الدين، أو الجنس، أو النوع، وشكَّلت مجالًا حيويًّا لالتقاء المواطنين معًا. وتفيد الخبرة التاريخية أن المجتمع المدنى بما امتلك من مستشفيات ومدارس وبما بذل من جهود لمواجهة الفقر وتطوير نوعية الحياة، هيَّأ مجالًا مهمًّا للحفاظ على وحدة المجتمع المصرى، وعمَّق من ارتباط المواطنين بعضهم ببعض، وتشير بعض الدراسات الأولية إلى أن قرى الصعيد التى شهدت تدخلات تنموية امتدت بخدماتها إلى كل المواطنين مسلمين ومسيحيين، يسود بها الوئام، ولم تشهد أى توترات طائفية. وإضافة لما سبق، فإن أحد أهم الأدوار التى قامت بها منظمات المجتمع المدنى، هى تعزيز المشاركة، سواء كانت الأحزاب والنقابات والأندية والحركات الاجتماعية، أو على الجمعيات الأهلية فحسب. ويُعد رفع معدلات المشاركة أحد أهداف منظمات المجتمع المدنى البارزة، حتى قبل أن يظهر المصطلح ذاته. وهنا، يمكن فهم أطروحة «إليكس دى توكفل»، والتى أسماها Associational Life، والتى تحدث فيها عن دلالة أهمية المشاركة فى سياق منظمات يؤسسها الأفراد فى المجتمع. وتتمتع منظمات المجتمع المدنى بقدرتها على بلورة مطالب أعضائها، والتعبير عنها؛ الأمر الذى يساعد على تنظيم المجتمع، ويحول دون الصدام أو العشوائية فى المجال العام. وتمتاز المشاركة فى منظمات المجتمع المدنى بالديمومة، والاستمرارية، خلافًا للأنماط التقليدية للمشاركة، مثل التصويت فى الانتخابات، هذا بالإضافة إلى أنها تجسد قيمة المواطنة فى المجتمع الحديث، إذ لا تتحقق المواطنة الكاملة فقط بإقرار صفة المواطنة قانونيًّا، وإنما بما يُتاح للمواطنين من فرص للمشاركة الجادة. فى المقابل، كان الدور الاجتماعى بارزا لمنظمات المجتمع المدنى فى مصر بشكل لافت، خصوصاأن محور التنمية المستدامة يعتبر أهم توجهات نشاط المجتمع المدنى بصفة عامة، والجمعيات الأهلية بصفة خاصة فى مصر، ففى السنوات الأخيرة بدأ العالم يهتم بفكرة التنمية المستدامة والتى تأخذ فى اعتبارها الأبعاد الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية بدلا من التركيز على الجانب الاقتصادى فقط، ومنذ بداية عام 2016 أصبح للتنمية المستدامة إطار واضح يتمثل فى أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، والتى تبنتها الأمم المتحدة وبدأت الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى والقطاع الخاص فى تطوير استراتيجية وطنية لتحقيق التنمية المستدامة. وتركز رؤية مصر 2030على الارتقاء بجودة حياة المواطن المصرى وتحسين مستوى معيشته فى مختلف نواحى الحياة، وقد أعلنت القيادة السياسية أن عام 2022 هو عام للمجتمع المدنى، ويعتبر القضاء على الفقر هو الهدف الذى يتصدر بامتياز أهداف برنامج التنمية المستدامة 2030، وهى تنمية طويلة الأمد مشكلة البحث حيث تأخذ بعين الاعتبار حقوق الأجيال القادمة فى موارد الأرض. وتجدر الإشارة إلى أن «التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى» كان تجسيدا بارزا لأهمية المجتمع المدنى المصرى فى دعم عملية التنمية المستدامة، وتعزيز الدور الاجتماعى، وتعزيز حقوق الأفراد، لاسيما وأنَّ الفكرة الأساسية من وجود منظمات المجتمع المدنى هى مساهمتها فى تعزيز وحماية وتحسين حقوق الإنسان، فتعمل هذه المنظمات على تطوير المجتمع، وتتشارك فى أهداف عامة لتحقيق العدالة والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية، فالمجتمع المدنى الحيوى المتنوع القادر على العمل بحرية هو العنصر الأساسى فى ضمان حماية مستدامة لحقوق الإنسان. وتكشف هذه الجهود عن أن الدولة المصرية تؤمن بأهمية دور منظمات المجتمع المدنى كفاعل أساسى ورئيسى فى العملية التنموية التى تشهدها مصر حاليًا، لكونها أداة فعالة لتدعيم حقوق المواطن المصري؛ وعليه جرى إطلاق التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى فى مارس 2022 لتنظيم عمل مؤسسات ومنظمات المجتمع المدنى داخل إطار من الحوكمة والاستدامة وبشكل عادل يضمن كفاءة للتوزيع، استنادًا إلى دور هذه المنظمات التى تمتلك كوادر إدارية وميدانية مدربة ومؤهلة تستطيع تقديم الخدمات بسرعة وكفاءة عالية، بالإضافة إلى قدرتها على الوصول إلى الأسر الأولى بالرعاية. ومثلت فكرة توحيد الجهود حاجة ملحة وضرورية خاصةً فى ظل الأزمات الاقتصادية العالمية، والتى وصلت إلى مستويات غير مسبوقة فى التوقيت الحالى، والتى أثرت سلبًا على العديد من القطاعات وبصورة خاصة قطاع الغذاء.
ثالثا ــ تحرك نشط:
على أية حال لعبت منظمات المجتمع المدنى فى مصر دورا لا يمكن إنكاره فى ترسيخ مبدأ سيادة القانون ورصد وتوثيق الانتهاكات، ونشر الوعى بمفاهيم حقوق الإنسان وهى تلك المنظمات التى آمنت بدورها كحركة إصلاحية تسعى للتغيير عبر الحوار الدائم مع مؤسسات الدولة، ولإيمان تلك المنظمات أن أى إصلاح حقيقى يتطلب القناعة بأنه لا تقدم بدون وجود دولة ذات مؤسسات قوية قادرة على تنفيذ خطوات الإصلاح، وكان لتلك المنظمات دور كبير فى إصلاحات يوثقها التاريخ المصرى القريب، فعلى سبيل المثال هناك عدد كبير من الإصلاحات التشريعية كانت بمبادرة من منظمات المجتمع المدنى، نذكر منها على سبيل المثال وجود لجنة قضائية تدير العملية الانتخابية بديلا عن ما كان يمنحه قانون مباشرة الحقوق السياسية من تولى وزارة الداخلية الإشراف على الانتخابات تلك كانت توصية وحملات مستمرة من المنظمات المدنية فى التسعينيات من أجل إنشاء اللجنة القضائية وهو الذى تحقق بالفعل الآن، كما أن هناك بعض القوانين، مثل إلغاء عقوبة الجلد فى السجون، ومثل إلغاء بعض التشريعات التى كانت تنتهك حقوق المرأة، حيث كانت بمبادرة وبمسودات من المجتمع المدنى، كما أن حملات أطلقتها المنظمات المدنية منذ بداية التسعينيات الماضية حول ضرورة تعيين المرأة قاضية تحققت بالفعل نتيجة تفاوض وضغط سلمى من المنظمات المدنية، وغيرها من القوانين الأخرى مثل قانون العقوبات، وفى تعديل لائحة السجون فيما يتفق مع مدونة الحقوق الدنيا لمعاملة السجناء والاتفاقيات الدولية ذات الصلة وغيرها من التشريعات. كما أن حملة مناهضة ختان الإناث بدأت بمبادرة من المجتمع المدنى المصرى فى منتصف التسعينيات الماضية، كما أن إصلاح النظم الانتخابية كان أيضا بمبادرة وتوصية من منظمات المجتمع المدنى، والمطالبات بضرورة وجود مجلس مستقل للإشراف على شئون الإعلام بعيدا عن تخصيص وزارة متخصصة تتدخل فى شئون الإعلام أيضا تحقق بعد نضال طويل للمجتمع المدنى، وغيره من الإصلاحات التى كان المجتمع المدنى فيها لاعبا رئيسيا أو على أقل تقدير لاعب أساسىفى نشر الوعى بأهمية هذه الإصلاحات والتواصل مع الهيئات التشريعية فى مصر وتقديم مسودات قوانين تتفق مع المواثيق والاتفاقيات الدولية التى التزمت بها الحكومة المصرية. وهذا فضلا عن عشرات الآلاف من القضايا التى تضامنت فيها منظمات المجتمع المدنى مع ضحايا حقوق الإنسان فى مصر وتقديم مساعدة قانونية مجانية، ومن ناحية أخرى لم يكن مثول مصر أمام الأمم المتحدة ممثلة فى لجنة حقوق الإنسان وبعدها المجلس الدولى لحقوق الإنسان لاستعراض حالة حقوق الإنسان فيها أن يتم ويحقق أغراضه دون وجود لمنظمات مجتمع مدنى تقوم بدور المراقب والمتابع لما تقدمه الحكومة المصرية فى تلك المحافل الدولية، والدور التى قامت به هذه المنظمات فى تقديم تقارير ظل تتحدث عن وجهة نظر المجتمع المدنى فى حالة حقوق الإنسان فى مصر وتفند آراء الحكومة المصرية فيما تذكره أمام تلك المحافل. وقد خضعت مصر منذ تأسيس المجلس الدولى لحقوق الإنسان للاستعراض الدورى الشامل ثلاث مرات فى عام 2010، وفى 2014، وفى 2019 وكان لوجود المجتمع المدنى فى تلك المحافل الدولية فى الوقت نفسه الذى استضافت فيه الحكومة المصرية بمثابة تعزيز لمفاهيم حقوق الإنسان. كما أن كافة التوصيات الصادرة من المجلس الدولى لحقوق الإنسان والتى أبدتها بعض الدول من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان فى مصر كان الطرف الوحيد القادر على متابعة هذه التوصيات ومحاسبةالحكومة المصرية على التزاماتها أمام المجلس الدولى لحقوق الإنسان كانت هى المنظمات المدنية فى واقع الأمر، بما كانت تقوم به من متابعة للتأكد من تنفيذ تلك الحكومة للتوصيات، وهو ما أثرى الملف الحقوقى فى مصر باعتبار أن المجتمع المدنى لعب دور العين المحايدة والمهنية من أجل تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان بصرف النظر عن أى اعتبارات تخص الدين، أو اللغة، أو الجنس أو أية اعتبارات سياسية تتعلق بالنظام السياسى. وتخضع مصر بعد أقل من شهرين للمراجعة الدورية الشاملة للمجلس الدولى لحقوق الإنسان للمرة الرابعة فى تاريخها، ويستعد المجتمع المدنى منذ شهور عديدة لإعداد تقارير والاشتباك مع تلك الفعالية التى من شأنها تصحيح مسار حركة حقوق الإنسان فى مصر، وتوعية وتبصير الأجهزة الأمنية بضرورة الحفاظ على مبادئ حقوق الإنسان ومساعدة الحكومة المصرية على الالتزام بتعهداتها الدولية.
ختـامـــــــا:
يمكن القول إن منظمات المجتمع المدنى تحاول فى حدود إمكانياتها وخبراتها التى استمرت منذ عام 1995 حتى الآن فى لعب دور الوسيط الأمين والنزيه بين المواطن المصرى وبين الدولة ومؤسساتها من أجل ضمان حقوق الإنسان، وتعزيز مفاهيم المواطنة باعتبارها مناطا للحقوق والواجبات بصرف النظر عن الدين أو اللغة أو الجنس.