تحليلات

الدور المصرى فى دعم الآليات الدولية لحقوق الإنسان

طباعة

شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة، مجموعة من الخطوات الإيجابية والملموسة فى مجال حقوق الإنسان، حيث قامت الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات ملموسة لتعزيز وحماية حقوق المواطنين. من خلال مجموعة متنوعة من السياسات والتشريعات والمبادرات، تعكس هذه الخطوات التزام مصر بالتقدم نحو مجتمع أكثر عدالة واحترامًا لحقوق الإنسان. وذلك فى إطار التزامها بالاتفاقيات الدولية والتعهدات فى إطار الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان. وتضمنت هذه الخطوات تعديلات دستورية تعزز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما فى ذلك حماية حرية الشخص والمساواة بين الجنسين. كما قامت مصر بالعمل على تحسين الوضع فى مجالات، مثل حقوق المرأة، وتقديم العدالة الاجتماعية، وتحسين ظروف السجون. كما اتخذت مصر خطوات لتعزيز حرية التعبير والصحافة، وتعزيز التضامن والتعايش بين مختلف المجتمعات والأقليات. وعلى صعيد القانون، شهدت مصر تبنى تشريعات تحمى حقوق الإنسان وتعزز المساءلة والشفافية. بالإضافة إلى إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وتفعيل لجنة العفو الرئاسى وكذلك إجراء حوار وطنى.

ولا يقتصر تنفيذ الرؤية المصرية إزاء قضايا وموضوعات حقوق الإنسان على المستوى الوطنى فحسب، بل تحرص مصر على التعبير عن تلك الرؤية وما ترتكز عليها من مبادئ وقيم على المستوى الدولى، وذلك من خلال استمرار التعاون مع الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان، فمصر عضو فى العديد من الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان، كما أنها تقدم تقاريرها الوطنية إلى اللجان التعاقدية، وكذلك خضوعها للمراجعة أمام آلية الاستعراض الدورى الشامل ثلاث مرات، فتلك الجهود تعكس التزام مصر بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتشير إلى الإرادة السياسية للحكومة فى تحقيق التقدم فى هذا المجال.

أولا ــ مصر وجهود تطوير القانون الدولى لحقوق الإنسان:
كانت مصر من أوليات الدول التى وقعت على ميثاق الأمم المتحدة. وناقشت الدورة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة (1946-1947) ما كان يسمى آنذاك «مشروع إعلان حقوق الإنسان والحريات الأساسية». وفى 10 ديسمبر 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال قرارها A/RES/217 A /III، الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وتم إقراره بأغلبية 48 صوتًا، بما فى ذلك مصر، وامتناع ثمانية أعضاء عن التصويت. ولا يزال الإعلان أساس النظام الدولى الحديث لحقوق الإنسان. وكان واضعو الإعلان مصممين على الدخول فى حقبة جديدة لمنع تكرار الجرائم التى شهدتها الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه الوثيقة المهمة طموحة حيث دونت مبادئ عامة توسعت فيما بعد إلى صكوك ملزمة قانونا. ومن أبرز هذه الصكوك العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتم اعتماد كليهما فى عام 1966. وبالتالى فإن مصر وعلى مدار عقود طويلة شاركت فى جهود تطوير القانون الدولى لحقوق الإنسان، من خلال مشاركتها فى صياغة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، وفى المشاورات والتحضيرات لصياغة الاتفاقيات والقرارات الدولية لحقوق الإنسان. فأثناء مناقشة اعتماد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948 قال مندوب مصر ما يلى:
«إن وفده يعرب عن تقديره للمثل العليا التى استرشدت بها اللجنة الثالثة فى عملها، والتى كانت نتيجتها إعلان حقوق الإنسان المعروض الآن على الجمعية.  ويشكل هذا الإعلان، إلى جانب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، التى اعتمدتها الجمعية العامة بالإجماع، خطوة حقيقية إلى الأمام فى إرساء المبادئ القانونية والإنسانية». وأضاف كذلك أن: «العديد من المبادئ المنصوص عليها فى إعلان حقوق الإنسان قد تم وضعها بالفعل فى الدساتير الديمقراطية فى مختلف البلدان، بما فى ذلك مصر». فمنذ إنشاء لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (1946–2006) وهى هيئة فرعية تابعة للمجلس الاقتصادى والاجتماعى، تم تكليفها بالولاية الشاملة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان داخل الأمم المتحدة. ولمدة ما يقرب من عقد من الزمن بعد إنشائها (1947-1955)، كانت مصر الممثل الوحيد للإقليم الإفريقى فى اللجنة. وبعد توقف دام اثنى عشر عاما (1956-1966)، تولت مصر مهمتها التمثيلية لإفريقيا، إلى جانب الدول الإفريقية الأخرى، لمدة أربعة عشر عاما أخرى فى الفترة (1967-1980). وبعد توقف آخر دام خمسة عشر عامًا، مثلت مصر إفريقيا لمدة ثلاث سنوات إضافية (1995-1997).  وبينما كانت ولاية الأمم المتحدة فى مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان على وشك التحول من خلال إنشاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كانت مصر ممثلة للمنطقة الإفريقية خلال العامين الأخيرين من ولاية اللجنة (2004-2005). ومن أصل تسع وأربعين دورة، التى تمثل جميع دورات اللجنة منذ نشأتها وحتى نهاية ولايتها، كانت مصر عضوا فى اللجنة ممثلا عن إفريقيا فى ثمانى وعشرين دورة. وتعد مصر هى الدولة الوحيدة فى تاريخ اللجنة التى مثلت بمفردها منطقة جغرافية لمدة تسع سنوات متتالية. وعقب إلغاء لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان بجنيف بموجب القرار 60/251 فى عام 2006، وقد ساهمت مصر فى تطوير الآليات الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بما فى ذلك مجلس حقوق الإنسان، حيث كانت مصر عضوًا مرتين، وانتخبت مرة نائبًا لرئيس المجلس. وقد تم انتخاب عدد من الخبراء المصريين كأعضاء فى هيئات معاهدات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

ثانيا ــ التعاون مع الآليات الدولية:
أعلنت الحكومة المصرية فى أكثر من مناسبة أنها ملتزمة بمواصلة تعاونها الإيجابى مع آليات مجلس حقوق الإنسان، فانضمت مصر إلى 8 من أصل 9 معاهدات رئيسية ذات صلة بحقوق الإنسان، وهو الأمر الذى يُعد إيمانًا من الحكومة المصرية بأهمية هذه المعاهدات ويعد التزاما واضحا لتنفيذ هذه الاتفاقيات وإيمانا من الحكومة المصرية بسعيها باستمرار لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، حيث إن الانضمام إلى هذه الاتفاقيات يفرض التزامات على الدولة المنضمة وذلك وفقا للمادة (93) من الدستور المصرى والتى تنص على أن «تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة»(1). حيث تتضمن هذه المادة المستحدثة لأول مرة التزام الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتكفل للمواطنين والمقيمين جميع الحقوق المنصوص عليها فى تلك الاتفاقيات إلى جانب الحقوق والضمانات المنصوص عليها فى الدستور والقوانين المصرية، كما تمنع هذه المادة إقرار أى قانون يتعارض مع العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وكذا المادة (151) التى أوضحت اتخاذ هذه المعاهدات قوة القانون الداخلى أيضا بعد تصديق الرئيس وموافقة مجلس النواب(2). كما أن مصر كانت أول دولة توقع على اتفاقية العمال المهاجرين، وقدمت الحكومة المصرية تقريرها الوطنى من الثانى إلى الرابع للجنة العمال المهاجرين فى فبراير 2024، كما قدمت تقريرها إلى لجنة مناهضة التعذيب فى 13 سبتمبر 2021. وتم مراجعته فى نوفمبر 2023، كما قدمت تقريرها إلى لجنة حقوق الإنسان فى عام 2019، وتمت مراجعته فى فبراير 2023. وفى 3 فبراير 2020، قدمت مصر تقريرها المجمع من الثامن إلى العاشر، إلى اللجنة المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وردت فى 7 يونيو 2021 على قائمة المسائل المقدمة لها فى 17 نوفمبر 2020. كما أرسلت مصر تقريرها الوطنى إلى اللجنة المعنية بحقوق الطفل فى 4 فبراير 2020. كما قدمت مصر تقريرها الوطنى إلى اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة فى 4 فبراير 2020. ومن خلال هذه التقارير والمراجعات أمام اللجان المختصة والنقاش والحوار بين جميع أصحاب المصلحة من أعضاء اللجان ومنظمات المجتمع المدنى. مع الوفد الحكومى، يتم الارتقاء بحقوق الإنسان ومناقشة التحديات واقتراح الحلول. وعلى صعيد آلية المراجعة الدورية الشاملة، وهى آلية دولية بمقتضاها تقوم كل دولة من دول العالم بمراجعة ملفها فى حقوق الإنسان مرة كل أربع سنوات ونصف، وراجعت مصر ملفها فى حقوق الإنسان ثلاث مرات منذ إنشاء الآلية فى عام 2006، حيث كانت المراجعة الأولى لمصر فى عام 2010 وتلقت مصر 165 توصية قبلت منها 119 توصية، وفى المراجعة الثانية 2014 تلقت مصر300 توصية قبلت منها 277 توصية، وخلال المراجعة الثالثة التى عقدت فى 13 نوفمبر 2019، قدمت 133 دولة ما مجموع 372 توصية،قبلت الحكومة المصرية منها 294 توصية. وإحاطتها علمًا بـ ٧٨ توصية. وسوف تراجع مصر للمرة الرابعة أمام آلية المراجعة الدورية الشاملة فى دورتها الثامنة والأربعين خلال شهرى يناير 2025. وتقوم الحكومة المصرية منذ أغسطس 2024 ومن خلال اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان والتى تم إنشاؤها بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2396 لسنة 2018 ما يتطلب حاليًا الانخراط فى عملية وطنية، بالتشاور مع المجتمع المدنى والمجلس القومى لحقوق الإنسان، وأصحاب المصلحة الآخرين لإعداد تقرير مصر الوطنى.

ثالثا ــ المبادرات والقرارات الأممية التى تتبناها الحكومة المصرية:
كانت مصر عضوا فى مجلس حقوق الإنسان خلال فترتين، الأولى من (2007-2010) والثانية من (2017–2020). وخلال هذه الفترات قامت البعثة المصرية ومندوب مصر فى مجلس حقوق الإنسان بجنيف برعاية وتبنى عدد من مشاريع القرارات التى تساهم فى تعزيز حقوق الإنسان، كان آخرها خلال الدورة 57 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة فى جنيف خلال الفترة من 9 سبتمبر إلى 11أكتوبر 2024، حيث ساهمت مصر فى مشروع قرار الإرهاب وحقوق الإنسان(3)، والذى يؤكد على ضرورة أن تراعى الدول توافق أى تدابير تتخذها لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف مع القانون الدولى، ولا سيما القانون الدولى لحقوق الإنسان، والقانون الدولى للاجئين، والقانون الدولى الإنسانى، وكذلك التزام الدول باحترام جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيزها وحمايتها، والأهمية الجوهرية لاحترام سيادة القانون. كما ساهمت مصر أيضا فى مشروع القرار رقم A/HRC/57/L.30 المتعلق بالشباب وحقوق الإنسان(4)، والذى يؤكد على أهمية تثقيف الشباب فى مجال حقوق الإنسان، ولا سيما فيما يتعلق بالمساواة وعدم التمييز، فى بناء مجتمعات سلمية شاملة للجميع، وأهمية الدور الذى يمكن أن يؤديه الشباب فى تعزيز السلام والأمن، ولا سيما فى تنفيذ الخطة المتعلقة بالشباب والسلام والأمن، وفى التنمية المستدامة وحقوق الإنسان، وعلى أهمية مشاركة الشباب فى عمليات صنع القرار مشاركة فعلية وهادفة وآمنة وشاملة للجميع. هذا بالإضافة إلى المساهمة فى قرار تنفيذ أهداف السنة الدولية للأسرة وعمليات متابعتها فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وكذلك قرار تعزيز وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى سياق معالجة عدم المساواة، وأيضا قرار الحكم المحلى وحقوق الإنسان. كما قامت مصر بتقديم العديد من المبادرات المتنوعة فى إطار الدبلوماسية متعددة الأطراف لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ففى مجال حقوق المرأة قادت مصر مع عدد من الدول مبادرة لطرح قرار أمام الجمعية العامة خلال عام 2020، بشأن تعزيز الاستجابة الوطنية والدولية السريعة لتأثير كوفيد-19 على النساء والفتيات، وفى مجال حماية الأسرة تقود مصر منذ عام 2014 مبادرة عبر إقليمية فى إطار مجلس حقوق الإنسان تتمثل فى القرار المعنون حماية الأسرة، وفى إطار حرص مصر على الاهتمام بقضايا الشباب ووضعها على الأجندة الدولية لحقوق الإنسان، فإنها تساهم منذ عام 2016 فى تسليط الضوء على دور الشباب فى المجتمعات من خلال مشاركتها فى طرح القرار الخاص بـ «الشباب وحقوق الإنسان» كل عامين بمجلس حقوق الإنسان، كما تتعاون مصر مع عدة دول فى تقديم قرار حول الحق فى العمل بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وذلك منذ عام 2015، وتتعاون كذلك مع دول أخرى فى تقديم قرار بشأن التأثير السلبى لعدم استرداد الأموال المنهوبة على التمتع بحقوق الإنسان. وكذلك قرار المساعدة الفنية وبناء القدرات لليمن فى مجال حقوق الإنسان، وتعزيز التوثيق داخل مجلس حقوق الإنسان، وغيرها من المبادرات والقرارات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان.

رابعا ــ توافق التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية:
حينما تم اعتماد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان من قبل الأمم المتحدة فى عام 1948، كانت تلك المرة الأولى التى تتفق فيها الدول على أن جميع حقوق الإنسان هى حقوق عالمية مترابطة وتكتسب أهمية متساوية، وينبغى أن تحظى بالحماية العالمية كى يعيش كل شخص متمتعًا بالحرية والمساواة والكرامة الإنسانية. وللمرة الأولى يُصبح هناك وثيقة متفق عليها عالميًا تنص صراحة على أن جميع البشر أحرار ومتساوون بغض النظر عن اللون أو الجنس أو المعتقد أو غيره من الخصائص. وأصبح الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بمثابة أساس القانون الدولى لحقوق الإنسان، فهو مصدر إلهام مجموعة مهمة من معاهدات حقوق الإنسان الدولية الملزمة قانونًا، فمن خلال التصديق على معاهدات حقوق الإنسان الدولية، تتعهد الحكومات بوضع تدابير وتشريعات وطنية تتوافق مع التزاماتها التعاقدية. ومن ثم، فإن القوانين المحلية هى أساس تطبيق الحقوق الواردة فى القانون الدولى. ويعد الدستور المصرى هو الوثيقة الأهم والمرجعية الأساسية للنظام القانونى الوطنى، باعتباره عقدا اجتماعيا بين السلطة والشعب، وقد أقر الدستور المصرى مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية المنصوص عليها فى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، الأمر الذى يُعطى هذه المبادئ أعلى مستوى من الحماية باعتبارها نصوصًا دستورية. وفى ضوء أهمية تطوير ومواءمة التشريعات الوطنية للتوافق مع القانون الدولى ومعاهدات حقوق الإنسان، قطعت مصر شوطًا كبيرًا فى تحويل المبادئ الدستورية إلى نصوص تشريعية توفر الحماية القانونية لتطبيقها على أرض الواقع. وصياغة القوانين وتطويرها عملية مستمرة تهدف فى النهاية إلى الارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان وصون الكرامة الإنسانية، لذلك حينما أطلق رئيس الجمهورية «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» فى سبتمبر 2021، أصبح هناك إرادة سياسية حقيقية لتحسين حقوق الإنسان، فمن دون إرادة سياسية لا يمكن ترجمة النصوص القانونية إلى واقع ملموس، فقد اتخذت الدولة المصرية خطوات واضحة على مدار السنوات الماضية، لتعزيز حقوق الإنسان وتأكيد الاهتمام بها، ومع كل خطوة تخطوها الدولة لدعم حقوق الإنسان على كافة المستويات، تظهر النتائج الإيجابية لهذه المساعى، حيث يتزايد الدعم السياسى لقيادة الدولة لإتمام هذه الخطوات وتتقلص مساحات الخلافات، وتتحرك أحزاب وكيانات سياسية نحو مناطق الالتقاء مع الحكومة المصرية لتحقيق الأهداف المشتركة نحو تعزيز حقوق الإنسان، وتوسيع دوائر المشاركة والعمل السياسى، لتكون الغايات الإنسانية هى محور التعاون والالتفاف بين الجميع لتعزيز حقوق المواطن المصرى. وفيما يتعلق بتوافق التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية فقد أصدر المُشرع المصرى عددا من التشريعات والقوانين التى تُساهم فى مواءمة القوانين الوطنية مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التى صدقت عليها مصر، ومن بين هذه القوانين، ما نصت عليها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتى تشكل لحظة تحول فى تعامل الدولة المصرية مع حقوق الإنسان بمفهومها الشامل فهى أول وثيقة شاملة تغطى حقوق الإنسان فى مصر، ولعل قُرب الانتهاء من مشروع قانون الإجراءات الجنائية وما يتضمنه من نصوص قانونية تتوافق مع ما جاء فى العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية خاصة المواد (9، 10، 11، 14، 15، 16) المرتبطة بالحق فى الأمان الشخصى، وضمان المحاكمات العادلة، وتوفير ظروف جيدة للمحبوسين، من أهم التطورات التشريعية التى اتخذت مؤخرا. خاصة وأنه يعالج بعض القضايا التى أثارت الجدل خلال الفترة الأخيرة مثل الحبس الاحتياطى، حيث يستهدف وضع ضوابط للحبس الاحتياطى وإيجاد بدائل له والتعويض عنه وتعميم مشروع النظر عن بعد فى أوامر الحبس، بالإضافة إلى حماية الشهود والمبلغين والمجنى عليهم، فقد خصص مشروع قانون الإجراءات الجنائية عددا من المواد لحماية المجنى عليهم والشهود والمبلغين. كما صدر القانون رقم 1 لسنة 2024 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الذى يتيح استئناف الأحكام الصادرة فى الجنايات من جميع أنواع المحاكم فى 16 يناير 2024، وهو أيضا يتوافق مع المادة 14 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كذلك تم اعتمادالقانون رقم 163 لسنة 2023 المتعلق بإنشاء الجهاز المصرى للملكية الفكرية، والذى يعد آلية تشريعية وطنية لتطبيق استراتيجية السياسة التشريعية للملكية الفكرية فى مصر(5)، وهو ما يتماشى مع المادة 15 من العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما تم إصدار القانون رقم 185 لسنة 2023 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات لجعل التحرش بالمرأة فى وسائل المواصلات العامة أو فى مكان عملها ظرفًا مشددًا للجريمة، وهو ما يساهم فى تعزيز حقوق المرأة، حيث جاء التعديل التشريعى ليتوافق مع الصور المستحدثة من جرائم التعرض للغير فى مكان عام أو خاص بالتحرش الجنسى أو التنمر حال ارتكاب الجريمة فى مكان العمل أو إحدى وسائل النقل العام أو الخاص أو من شخصين أو أكثر. ويتفق التشريع مع التزام الدولة بحماية مواطنيها حيث جاءت ديباجة الدستور لتنص على: (نحن نؤمن بأن لكل مواطن الحق فى العيش على أرض هذا الوطن فى أمن وأمان، وأن لكل مواطن حقًا فى يومه وفى غده)، وهو ما يتوافق أيضا مع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة الصادر فى 1992. هذا إلى جانب القانون رقم 19 لسنة 2024 الخاص برعاية حقوق المسنين، فقد حرصت الحكومة على إعداد تنظيم تشريعى متكامل يعكس تبنيها لسياسات تعبر بوضوح وبشكل قاطع على وضع حقوق المسنين الواردة فى المادة 83 من الدستور موضع التنفيذ، وذلك من خلال سياسات وآليات لتوفير حياة كريمة للمسن تماشيا مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وحقوق كبار السن. وكذلك مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق كبار السن. حيث تضمن القانون حق المسن فى الحصول على مساعدة ضمانية شهرية حال عدم حصوله على معاش تأمينى، واستهدف مشروع القانون ضمــان حقــوق المســنين صحيا، واقتصاديا، وثقافيا، واجتماعيا، وترفيهيا، وتوفيـر معـاش مناسـب يكفـل لهـم حيـاة كريمـة، وذلك بجانب تمكينهـم مـن المشـاركة فـى الحيـاة العامـة، كما تضمن مشروع القانون أيضا نشــر آليات الثقافــة الإلكترونية فــى مراكــز المســنين لتمكينهــم ثقافيا لتهيئــة الثقافــة الذاتيــة بأيســر الوســائل، وكذلك إتاحـة الهيئـة العامـة لتعليـم الكبـار الفرصـة للمسـنين لمواصلـة التعليـم فـى المراحـل الإعدادية والثانويـة، وصولا للتعليم الجامعى. ومن القوانين التى صدرت لتتوافق مع المعايير الدولية أيضا القانون رقم 200 لسنة 2020، القاضى بإنشاء صندوق دعم الأشخاص من ذوى الإعاقة، ويكون تابعا لرئيس مجلس الوزراء، ومقره محافظة القاهرة، مع جواز إنشاء فروع له فى باقى المحافظات وفقا لما نصت عليه المادة الثانية من القانون، وطبقا للمادة «3» من القانون يهدف الصندوق إلى المساهمة فى تقديم الحماية والرعاية والتنمية الاجتماعية للأشخاص ذوى الإعاقة على النحو الوارد بقانون حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2018، ودعمهم فى كافة النواحى الاقتصادية، والصحية، والتعليمية، والتدريبية وغيرها وصرف المساعدات المالية التى تقرر وفقا لأحكام القانون(6). حيث يتماشى هذا القانون مع بنود الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة. هذا بالإضافة إلى القرار رقم 289 لسنة 2021 الصادر فى 29 يونيو 2021الخاص باللائحة النموذجية المنظمة للعمل بمراكز ضحايا الاتجار بالبشر، والتى تضمنت الشروط الواجب توافرها لقبول الضحايا وأهمها ألا يقل السن عن 12 سنة، ومع ضرورة توافر الأوراق الرسمية لإثبات هوية الضحية مع السماح للسيدات ممن لديهم أطفال أقل من 12 سنة باصطحابهم، كما شددت اللائحة على ضرورة عدم الإخلال بأحكام قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر فى 2010، ومراعاة حقوق الضحايا، وحظر تداول المعلومات الخاصة بهم، وحظر استغلال الظروف الاجتماعية لهم وغيرها من المواد الموضحة لآلية العمل بالمراكز وقبول الضحايا ومدد الإقامة(7). وهو ما يتوافق مع اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.

ختـامـــــــا:
يمكن القول إن ما حققته مصر على صعيد حماية وتعزيز حقوق الإنسان هو جزء من عملية بناء شاملة، مبنية على إرادة سياسية صلبة، وتدفعها المبادئ والقيم العليا. فمصر تمتلك بنية مؤسسية قادرة على تعزيز وحماية حقوق الإنسان، أبرزها إنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان فى نهاية عام 2018، والتى مثّلت إضافة لجهود تعزيز البنية المؤسسية الداعمة لاحترام وحماية حقوق الإنسان فى مصر، وتعزيز تنفيذ الالتزامات الدولية والإقليمية لمصر فى ملفها الحقوقى، هذا بالإضافة إلى «استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030»، التى تعتمد عليها البنية المؤسسية على إعمال الحقوق الأساسية للمواطن بوصفه جوهر العملية التنموية، وتسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة من خلال بناء مجتمع عادل يتميز بالمساواة والتوزيع العادل لفوائد التنمية وتحقيق أعلى درجات الاندماج المجتمعى لكافة الفئات وتعزيز مبادئ الحوكمة. وعلى مستوى التخطيط الاستراتيجى، تم إطلاق أول استراتيجية وطنية متكاملة لحقوق الإنسان، والتى مثلت خطوة كبيرة للأمام، إذ تشتمل على برنامج وخطة عمل محددة على مدى خمس سنوات من عام 2021 وحتى 2026، وتستهدف تعزيز كافة حقوق الإنسان المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، بجانب تعزيز حقوق المرأة والطفل وذوى الإعاقة والشباب وكبار السن، فى إطار الالتزام بالدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر.

الهوامش:

1-المادة 93 من الدستور المصرى.

2-  لماذا لا يراجع مجلس الدولة اتفاقيات مصر الدولية؟، الشروق، 8 يونيو 2014، للمزيد على الرابط التالى:
 https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=08062014&id=874cf8f1-9085-49d4-a6c2-2be92cf8eef8

3- نص مشروع الإرهاب وحقوق الإنسان رقم A/HRC/57/L.3، المفوضية السامية لحقوق الإنسان، 2 أكتوبر 2024.
  https://documents.un.org/doc/undoc/ltd/g24/181/52/pdf/g2418152.pdf
 

4-نص مشروع الشباب وحقوق الإنسان رقم A/HRC/57/L.30، المفوضية السامية لحقوق الإنسان، 4 أكتوبر 2024.
  https://documents.un.org/doc/undoc/ltd/g24/183/71/pdf/g2418371.pdf

5-أحمد سعيد عزت عامر، الجهاز المصرى للملكية الفكرية فى ضوء الاستراتيجية الوطنية الجديدة.. رؤية استشرافية، منشورات قانونية، 27 يناير 2024.
 https://manshurat.org/ content/ljhz-lmsry-llmlky-lfkry-fy-dw-lstrtyjy-lwtny-ljdyd-rwy-stshrfy
 

6-انظر الجريدة الرسمية، العدد 39 مكرر (ز)، 30 سبتمبر 2019، للمزيد على الرابط التالى:
 https://www.cc.gov.eg/i/l/404870.pdf
 

7-اللائحة النموذجية المنظمة للعمل بمراكز ضحايا الاتجار بالبشر، موقع منشورات، الرابط،
 https://manshurat.org/node/73609 

طباعة

    تعريف الكاتب

    أيمن عقيل

    أيمن عقيل

    الخبير الحقوقى