تحليلات

التشريعات القانونية ودعم استراتيجية حقوق الإنسان فى مصر

طباعة

تعد حماية حقوق الإنسان وتعزيز الحريات الأساسية من الركائز الأساسية التى تقوم عليها المجتمعات الديمقراطية الحديثة. فى هذا السياق، شهدت مصر منذ إقرار دستور 2014 تحولات جذرية فى بنيتها التشريعية، بهدف مواكبة التطورات العالمية فى هذا المجال وتحقيق متطلبات العدالة الاجتماعية وسيادة القانون. جاءت هذه التحولات استجابة لتطلعات الشعب المصرى بعد ثورتى 2011 و2013، مما دفع المشرع إلى إصدار حزمة واسعة من التشريعات التى تهدف إلى ترجمة هذه الحقوق إلى واقع ملموس، يُعزز من خلالها سيادة القانون، ويُرسخ مبادئ العدالة والمساواة، ويدعم الفئات المهمشة أو الضعيفة أو الأولى بالرعاية.

وقد أولت الدولة اهتمامًا خاصًا بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبر إصدار قوانين وبرامج تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة، ومكافحة الفقر، وتوفير الحماية الاجتماعية مثل برنامج «تكافل وكرامة» ومبادرة «حياة كريمة» لتطوير القرى والمناطق الأكثر احتياجًا، بهدف تحقيق تنمية شاملة تضمن العدالة الاجتماعية والاقتصادية. وتعكس التشريعات التى صدرت فى مصر خلال هذه الفترة التزامًا واضحًا بتعزيز حقوق الإنسان على مختلف الأصعدة، سواء المدنية، أو السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الثقافية. هذا التوجه يعكس تحولًا نحو تبنى نهج شامل لحماية حقوق الإنسان، وتوفير بيئة قانونية تضمن كرامة المواطنين ومساواتهم أمام القانون. ومن هنا يمكن القول إن التشريعات التى أُقرّت فى مصر منذ 2014 تمثل حجر الزاوية فى بناء مجتمع يقوم على احترام حقوق الإنسان، وتكريس سيادة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية لكافة فئات المجتمع. فى هذه الورقة، سوف نستعرض البنية التشريعية المصرية منذ عام 2014، مع تقييم مدى إسهام هذه التشريعات فى دعم وحماية حقوق الإنسان، وتسليط الضوء على التحديات التى تواجه تطبيقها على أرض الواقع.

أولًا- ماهية حقوق الإنسان:
بالنظر  إلى مفهوم حقوق الإنسان نجد أنه كغيرهُ من مفاهيم العلوم الإنسانية التى يصعب وضع تعريف جامع شامل له، وذلك لأنه فى تطور مستمر نتيجة الاستجابة للتغيرات التى تطرأ على المستوى الدولى، والإقليمى، والمحلى. هذا التطور يعكس تعقيد المفهوم وتعدد أبعاده، لذا لم يتم الاتفاق على تعريف محدد له من طرف الباحثين، وعليه تعددت تعريفات حقوق الإنسان والتى اختلفت فى مضمونها من مجتمع إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى، ومن زمن لآخر، ويعود هذا التباين فى التعريفات إلى ارتباط مفهوم حقوق الإنسان بالتصورات المختلفة حول طبيعة الإنسان وحقوقه الأساسية.  ووفقا للأمم المتحدة «حقوق الإنسان متأصلة فى جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو نوعهم الاجتماعى، أو أصلهم الوطنى أو العرقى أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أى وضع آخر»(1). كما تناولها «جاك دونللى» مؤلف كتاب «حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق» على أنها «تلك الحقوق التى تنبع من الكرامة المتأصلة للشخصية الإنسانية والتى يمثل انتهاكها حرمانا للشخص من إنسانيته، كما أنها ضرورية للحياة الكريمة والتى لا يمكن التمتع بها دون هذه الحقوق»(2). ومن خلال هذه التعريفات يمكن القول إن حقوق الإنسان تتمتع بمجموعة واسعة من الخصائص التى تميزها عن غيرها من المفاهيم، مثل التنشئة السياسية والمواطنة، ومن هذه الخصائص.

- حقوق الإنسان لصيقة بالإنسان منذ ولادته حتى الوفاة فلا يمكن الاستغناء عنها أو انتزاعها منه لأى سبب. فهى حقوق لا تشترى، ولا تكتسب، ولا تورث.

- حقوق متكاملة وغير قابلة للتجزئة، فهى مترابطة بعضها بالبعض لا تقبل التجزئة، أى إنه لا يجوز تفضيل نوع معين من الحقوق على غيره، كتفضيل الحق فى الصحة على الحق فى حرية التعبير عن الرأى.

- تتميز حقوق الإنسان بكونها عالمية أى واحدة لجميع البشر بغض النظر عن اللون، أو العرق، أو الدين، أو الجنس، أو الرأى السياسى، أو الأصل الاجتماعى، فهى حقوق لكل الناس على قدم المساواة. وعلى ضوء ذلك  تم تأسيس مجموعة واسعة من الاتفاقيات والإعلانات الدولية التى بلغت أكثر من خمسين وثيقة، ساهمت فى تعزيز حقوق الإنسان وضمان تطبيقها. ومن أبرز هذه الاتفاقيات والإعلانات الدولية(3):

- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى (CERD) -1965. - اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) -1979.

- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (CAT) -1984. - اتفاقية حقوق الطفل (CRC) -1989.

- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (ICMW) -1990.

- اتفاقية حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة (CRPD) -2006.

- الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسرى (CPED) -2006.

ولإعمال حقوق الإنسان على أرض الواقع، انبثق من هذه الاتفاقيات الآليات التعاهدية (لجان تعاهدية) تختص هذه اللجان برصد ومتابعة تنفيذ الدول الأطراف فى الاتفاقيات التزاماتها وتعهداتها، بالإضافة إلى تلقى التقارير الدورية عن الإجراءات والسياسات والتدابير التى تتخذها الدولة الطرف فى الاتفاقية لتعزيز وحماية الحقوق المعترف بها فى الاتفاقية، علاوة على نظام تلقى الشكاوى إذ تتيح الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان لكل من الأفراد والدول الأطراف فيها حق تقديم الشكوى ضد أى دولة تنتهك البنود المنصوص عليها فى هذه الاتفاقيات.  وقد التزمت مصر فى السنوات الأخيرة بالتفاعل مع اللجان التعاقدية وتقديم التقارير الدورية بصفة منتظمة، وذلك فى إطار التزاماتها الدولية حيث وقعت على ثمانى اتفاقيات دولية فيما عدا الاتفاقية الدولية للاختفاء القسرى. وعلى الرغم من جهود الأمم المتحدة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، إلا أن هذه الجهود تناثرت نتيجة اتباع ازدواجية المعايير من قبل الدول الكبرى فى استخدام وسائل الأمم المتحدة فى معالجة حقوق الإنسان وفق المقتضيات والمصالح السياسية، بالإضافة إلى عدم وجود أداة ردع حقيقية للدول التى تنتهك حقوق الإنسان، حيث تكتفى الأمم المتحدة من خلال مجلس حقوق الإنسان بالتنديد وإصدار التوصيات.

ثانيًا- مصر وحقوق الإنسان:
لقد شهدت البنية التشريعية فى مصر تحولات جذرية تزامنت مع تبنى دستور 2014، الذى وضع أسسًا قانونية جديدة تهدف إلى تعزيز مبادئ سيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات، وضمان التوازن بين السلطات الثلاث. وقد أتاحت هذه المرحلة فرصة لإعادة صياغة العديد من القوانين والتشريعات التى تتوافق مع المتطلبات الحديثة للتنمية المستدامة، وتتماشى مع التزامات مصر الدولية فى مجالات حقوق الإنسان، والاقتصاد، والحكم الرشيد.

ا- الدستور المصرى لعام 2014(4):

يحتل الدستور فى النظام القانونى المصرى مكانة عليا لكونه العقد الاجتماعى الذى يربط بين الدولة والمواطنين ويحدد مبادئ الدولة وأنظمتها وأطر السلطة وكيفية توزيعها، ويرجع ذلك لصفته القانون الأعلى الذى يكتسب شرعيته من الاستفتاء الشعبى، مما يجعله تعبيرا عن إرادة الأمة. وقد أولت الدساتير المصرية المتعاقبة اهتماما كبيرا بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، مستلهمةً بالمواثيق الدولية ذات الصلة والتى وقعت عليها مصر وأصبحت طرفا فيها ويقع على عاتقها الوفاء بهذه الالتزامات، حيث وقعت على ثمانى اتفاقيات من أصل تسع اتفاقيات سابق ذكرها. هذا الاهتمام والالتزام أسفر عن ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان كمبادئ دستورية عليا، وهذا ما ركز عليه الدستور المصرى لعام 2014 والمعدل 2019 والذى هدف إلى تضمين مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية فى باب أطلق عليه الحقوق والحريات العامة. وبالنظر  إلى الدستور المصرى لعام 2014 نجد أنه سعى إلى إحداث تحولات جوهرية فى الهيكل السياسى للدولة، وذلك فى سياق الاستجابة لمطالب الثورتين عامى 2011 و2013، ولتلبية تطلعات الشعب المصرى الذى طمح إلى ترسيخ مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد، وتعزيز سيادة القانون، وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وبناء دولة المؤسسات، وتوفير آليات للمشاركة الشعبية فى صنع القرار، وتحقيق التنمية الشاملة والعادلة، فجاء دستور 2014 لينص فى بابه الثالث على مجموعة من الحقوق والحريات العامة التى يجب أن يتمتع بها الموطنون كافة على قدم المساواة ودون تمييز. فقد نص الدستور فى المادة (4) على أن الشعب مصدر السلطات «السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين فى الدستور». كما تطرق إلى مبدأ الحرية السياسية فى المادة الخامسة والتى نصت على أنه يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته». وقد ورد مبدأ المساواة بين الجنسين بالفقرة الأولى والثانية من المادة (11) من الدستور والتى تنص على تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية وفقا لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. وسعى الدستور إلى صون الكرامة الإنسانية فى المادة (51) والتى نصت على «الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها». كما سعت الدولة المصرية إلى منع التعذيب فقد نصت المادتان (52) و(54) على أن «التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم». أما المادة (54) «كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوى الإعاقة». ولتعزيز مبدأ المساواة بين المواطنين نصت المادة (53) على أن «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض». ولحماية حرمة المسكن والحياة الخاصة للمواطنين، نص الدستور فى المادتين (57) و (58) على «للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، لا يجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التى يبينها القانون».  ولحرمة المنازل نصت المادة (58) على «للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر، أو الاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائى مسبب، يحدد المكان، والتوقيت والغرض منه، وذلك كله فى الأحوال المبينة فى القانون، وبالكيفية التى ينص عليها». ومبدأ حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، ورد هذا المبدأ فى المادة (64) من الدستور والتى تنص على أن «حرية الاعتقاد مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون». ولم يغفل الدستور حرية الرأى والتعبير، حيث نصت المادة (65) على أن «حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر». كما تناول الدستور حرية تداول المعلومات فى المادة (68) والتى نصت على أن «المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدا. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقا للقانون». وأعطى الدستور الحق فى تكوين الأحزاب السياسية، حيث نصت المادة (74) من الدستور على أن  «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى، أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى. ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائى». وللتأكيد على الحق فى محاكمة عادلة نصت المادة (96) على أن «المتهم برئ حتى تثبت إدانته»، مما يعزز من حقوق الإنسان فى المحاكمات العادلة والمنصفة. والخلاصة هى تضمن الدستور مجموعة واسعة من الحقوق والحريات العامة، مثل الحق فى الرعاية الصحية، والمسكن اللائق، والحق فى التعليم والحق فى الجنسية، والملكية الفكرية، ومبدأ استقلال القضاء وحصانته، والحق فى التجمع السلمى وتكوين الجمعيات والأحزاب، وحق كل المواطنين فى المشاركة فى إدارة الشئون العامة فى البلاد. كل هذه المبادئ التى نص عليها دستور 2014، والتى تتسق وتتوافق مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية التى انضمت إليها مصر وجعلت لها قوة القانون بعد نشرها فى الجريدة الرسمية، وذلك وفقا لنص المادة (93) والتى تنص على أن «تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة»، وهذا يعكس مدى مراعاة المشرع المصرى لاعتبارات حقوق الإنسان التى أقرتها المواثيق الدولية والتى تُعد بمثابة مرجع ومصدر للدستور ذاته. فلم يكتفِ الدستور بالنص على المبادئ العامة لحقوق الإنسان، بل حرص على ضمان تفعيل هذه الحقوق والحريات على أرض الواقع. ولتحقيق ذلك، حرصت الدولة على تفعيل الآليات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان، من بينها المجلس القومى لحقوق الإنسان، والمجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى للطفولة والأمومة، والمجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة، حيث تتولى هذه المؤسسات مهام متعددة، منها رصد انتهاكات حقوق الإنسان، تلقى شكاوى المواطنين، والعمل على تحسين أوضاع حقوق الإنسان من خلال سياسات وبرامج وطنية.  كما تسعى هذه الآليات إلى التواصل الفعال مع المجتمع الدولى عبر التعاون مع الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان. وتلعب دورًا رئيسيًا فى تقديم التقارير الدورية عن حالة حقوق الإنسان فى مصر إلى اللجان التعاهدية.  وشكل دستور 2014 نقلة نوعية نحو الارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان فى مصر، حيث عكس إدراك الأمة لشمولية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة، مع التأكيد على الالتزام التام بتحقيق المساواة بين جميع المواطنين وضمان تكافؤ الفرص فى التمتع بهذه الحقوق دون أى شكل من أشكال التمييز. هذا التوجه يعكس بوضوح إرادة الدولة المصرية فى حماية كرامة المواطنين وضمان حرياتهم الأساسية، بما يسهم فى بناء مجتمع عادل يحترم حقوق الإنسان ويصون الحريات للجميع.

2- الإطار القانونى لتعزيز حالة حقوق الإنسان:

الفترة من 2014 وحتى الآن حافلة بإصدار العديد من التشريعات الهامة التى مست جوانب مختلفة من الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية. من ناحية، تم التركيز على حماية ودعم حقوق الفئات الأولى بالرعاية والمهمشة من ناحية أخرى، ومن أهم هذه القوانين والتشريعات ما يلى:

• المرأة وتعزيز حقوق الإنسان: إذا نظرنا إلى ملف المرأة نجد أن الدولة المصرية قد سعت منذ 2014 إلى النهوض بملف المرأة إيمانا منها بأنها قاطرة التنمية وحجر الأساس نحو تحقيق مستقبل أفضل، فلم تكتفى فقط بنصوص الدستور الذى يكفل المساواة بين الجنسين ولكن شهدت السنوات الماضية زخمًا قانونيا متعلقا بالقوانين والقرارات الخاصة بالمرأة(5). - ففى عام 2015، تم تعديل القانون رقــــم 113 لعام 2015 الذى يـنظم صـندوق التـأمين الأسـرى، وذلـك لزيـادة موارده لتلبية احتياجات النساء. - قـرار رئـيس الجمهوريـة رقم 106 لسنة 2015 بشـأن حمايــة الأم الســجينة وحقهــا فــى إبقــاء طفلهــا حتى يبلغ الرابعة من العمـر، والحصـول علـى حـق الزيارة بعد هـذه السـن. - ثم تعديل قانون العقوبات 2016 و2021 (المــادة 242) الخاصـة بختـان الإنـاث، حيـث تـم تعديل الجريمـة من جنحة إلى جناية، وفى 2021 تم تشديد العقوبات على من يقومون بهذه الممارسة، بمن فى ذلك الأطباء والمهنيون الصحيون، الذين يمكن أن يواجهوا السجن لمدة تصل إلى 20 عامًا. وهو ما يعكس التزام الدولة بحماية الحقوق الجسدية للنساء وتعزيز صحة المرأة. - تعديل قانون الخدمة المدنية لعـــام 2016 والذى يمــنح مزايا للأمهــات العاملات، مثــل إجازة أمومة لمدة أربعة أشهر بدلًا من ثلاثة أشهر، وذلك بهدف تحسين أوضاع المرأة العاملة فى القطاع الحكومى. فقد عمل على تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والعائلية للمرأة، مما يدعم حقها فى الاستمرار فى العمل دون المساس بواجباتها الأسرية، ما يعزز من استقرارها المهنى والاجتماعى. - تعديل قانون المواريث (القانون 219 لسنة 2017)، واســـتحداث نـــص يعاقـــب من يحجب الميـراث عـن كـل مـن له الحـق فـى هذا الميراث، فقد هدف هذا التعديل إلى ضمان حصول السيدات على نصيبهن من الميراث، بعدما كانت تعانى من الحرمان بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية المنتشرة فى العديد من قرى مصر خاصة الصعيد والمناطق الريفية. فجاء هذا التعديل ليجرم أى شخص يحاول منع الآخرين، وخاصة النساء، من الحصول على حقهن القانونى فى الميراث. - القــانون رقــم 6 لسنة 2020 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقـم 58 لسـنة 1937 لمواجهة المتهربين مـن دفـع النفقـة أو المتعنتـين فـى سداد ديون النفقات. هذا التعديل يعزز من الحماية القانونية للمرأة فى قضايا الأحوال الشخصية، ويدعم حقها فى الحصول على النفقة والحضانة العادلة، مما يساهم فى تحسين أوضاع النساء فى العلاقات الزوجية. - تعديل قانون العقوبات (بالقانون رقم 141 لسنة 2021) والخاص بتغليظ عقوبة التحرش الجنسى، حيث تم تعديل بعض مواد قانون العقوبات لزيادة عقوبة مرتكبى جريمة التحرش الجنسى. فقد جاء القانون ليعاقب على التحرش سواء كان لفظيا أو جسديا أو عبر وسائل الاتصال الحديثة. كما تم رفع العقوبات إلى السجن لفترات أطول وغرامات مالية كبيرة. مما شكل خطوة مهمة نحو تعزيز بيئة آمنة للنساء، ويعزز من حماية النساء من التحرش فى الأماكن العامة والخاصة، ويشجع على مشاركتهن الفعالة فى الحياة العامة دون خوف من العنف أو التمييز. وبناء على ما سبق، يتضح أن الدولة المصرية سعت لدعم حقوق المرأة بشكل كبير منذ عام 2014، بداية من الدستور المصرى لعام 2014، مرورا بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2026)، فقد تمثلت هذه الجهود فى تشديد العقوبات على الجرائم التى تستهدف النساء، مثل التحرش الجنسى وختان الإناث، وضمان حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى ذلك، دور المؤسسات الوطنية مثل المجلس القومى للمرأة فى مراقبة وتطبيق هذه التشريعات، مما يعكس التزام مصر بتعزيز المساواة بين الجنسين وضمان حقوق المرأة فى مختلف المجالات.

• ذوو الهمم:  اتخذت الدولة المصرية عدة خطوات مهمة لدعم حقوق الأشخاص ذوى الهمم، أبرزها إصدار تشريعات جديدة وتعديلات تشريعية بهدف تعزيز اندماجهم فى المجتمع، وحمايتهم من التمييز، وضمان تمتعهم بكافة حقوقهم الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. هذه الخطوات تمثل تحولًا كبيرًا نحو دعم حقوق ذوى الهمم وفقًا لمعايير حقوق الإنسان الدولية، وهو ما يمكن تأكيده من خلال أهم القوانين التى أصدرتها الدولة لدعم هذه الفئة. - القانون رقم 10 لسنة 2018 والذى يعتبر الإطار التشريعى الشامل لحماية حقوق الأشخاص ذوى الهمم. ولأول مرة، يُحدد تشريع مصرى حقوق ذوى الهمم بشكل واضح، حيث يتضمن القانون العديد من الحقوق المكتسبة لهم وضمان حصولهم على مستحقاتهم ودمجهم فى المجتمع بصورة كاملة. فهذا القانون يعتبر الإطار الشامل لحماية حقوق الأشخاص ذوى الهمم يضمن لهم التمتع بحقوقهم الأساسية،  مثل التعليم، والعمل، والصحة، والإسكان. كما ينص القانون على حمايتهم من جميع أشكال التمييز ويعزز مشاركتهم فى الحياة العامة(6).  من أهم الحقوق التى يكفلها القانون (الحق فى التعليم مع توفير الأدوات والتكنولوجيا التى تساعد على تيسير العملية التعليمية لهم- الحق فى العمل حيث يلزم القانون المؤسسات العامة والخاصة بتخصيص نسبة من الوظائف لذوى الهمم (5%)، ويمنع أى تمييز فى التوظيف ضدهم- الحق فى الرعاية الصحية مع توفير برامج إعادة التأهيل المناسبة لاحتياجاتهم- الحق فى المشاركة السياسية من خلال تسهيل مشاركتهم فى الانتخابات وذلك بتوفير بطاقات الاقتراع بطريقة برايل، وبالفعل هذا ما قامت به الهيئة الوطنية للانتخابات فى 2024 أثناء الانتخابات الرئاسية). - مثل هذا القانون يمثل نقلة نوعية فى ضمان تمتع ذوى الهمم بكافة حقوقهم، ويعزز إدماجهم فى المجتمع ويحد من التمييز الذى قد يتعرضون له فى مختلف المجالات.  ولضمان متابعة تطبيق الحقوق المكفولة بموجب هذا القانون، تم إنشاء المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة بموجب القانون رقم 11 لسنة 2019، كهيئة مستقلة تهدف إلى الدفاع عن حقوق الأشخاص ذوى الهمم ومراقبة تنفيذ السياسات والبرامج الحكومية المتعلقة بهم. ويقوم المجلس بدور رئيسى فى التأكد من أن التشريعات المتعلقة بذوى الهمم يتم تطبيقها بصورة فعالة، كما أنه يسهم فى تعزيز التوعية المجتمعية بأهمية إدماج هذه الفئة، وبالتالى يعمل على تعزيز المشاركة الفعالة للأشخاص ذوى الهمم فى الحياة العامة. كما تم  تعديل قانون العقوبات بالقانون رقم 189 لسنة 2020 ليُشكل رادعًا ضد أى شكل من أشكال التمييز أو سوء المعاملة التى قد يتعرضون لها من خلال تشديد العقوبات على أى شخص يمارس التمييز ضد الأشخاص ذوى الهمم أو ينتهك حقوقهم سواء فى أماكن العمل أو فى الأماكن العامة. وفى سياق تعزيز الحماية الاجتماعية والاقتصادية، تم إنشاء «صندوق دعم الأشخاص ذوى الإعاقة» وذلك بموجب القانون رقم 200 لسنة 2020، حيث يهدف هذا الصندوق إلى توفير الدعم المالى والاجتماعى المستدام لذوى الهمم، مما يساعدهم فى الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم، والتأهيل المهنى. تتجلى أهمية هذه القوانين فى قدرتها على خلق بيئة متكاملة تساعد الأشخاص ذوى الهمم على تحقيق إمكاناتهم والمساهمة الفعالة فى المجتمع، مع توفير الحماية القانونية والفرص العادلة لهم فى جميع مجالات الحياة(7).

• لتعزيز حقوق كبار السن : تم صدور القانون رقم 19 لسنة 2024، والخاص بدعم وتعزيز حقوق المسنين، فقد مثل هذا القانون إطار تشريعيا شاملا يضمن حصول المسنين على الرعاية الكاملة فى كافة المجالات الحياتية، بما فى ذلك الرعاية الصحية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والترفيهية. كما أنه استجابة للالتزام الدستورى المنصوص عليه فى المادة 83 من الدستور المصرى، والذى يؤكد على حق المسنين فى التمتع بحياة كريمة ومشاركة فعالة فى المجتمع. والتأكيد على ضرورة مراعاة احتياجات المسنين عند تخطيط وتصميم المرافق العامة(8).

• حماية وتعزيز حقوق الطفل: أولت الدولة المصرية اهتماما كبيرا لتعزيز وحماية حقوق الطفل بما يحقق مصلحة الطفل الفضلى والتى نص عليها الدستور فى المادة (80) حيث نصت على «التزام الدولة بحماية حقوق الطفولة بما يتماشى مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989والبرتوكولات الملحقة بها وانضمت إليها مصر عام 1990، بالاضافة إلى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لعام 2021، والتى وضعت فى محورها الثالث حماية الفئات التى عانت من التهميش لسنوات طويلة ومنها الطفل، ويأتى من بعده قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، والذى تم تعديله بالقانون رقم 126 لسنة 2008 بهدف وضع ضمانات تعزز من حماية الأطفال من الاستغلال والعنف، وركزت على التعليم، والرعاية الصحية، والحماية من العمل المبكر، ومن أهم نصوص هذا القانون ما يلى(9):  نصت المادة (3) من القانون على مجموعة من المبادئ التى تعزز من حقوق الطفل «حق الطفل فى الحياة والبقاء والنمو فى كنف أسرة متماسكة ومتضامنة وفى التمتـع بمختلـف التـدابير الوقائية، وحمايته من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو التقصير أو غير ذلك من أشكال إساءة المعاملة والاستغلال».  ولتعزيز الحق فى التعليم نصت المادة (7) مكرر  على أن «تكفل الدولة إتاحة التعليم المجانى للأطفال حتى المرحلة الثانوية». وهذا يتفق مع المادة (28) من اتفاقية الطفل والتى نصت على حق الطفل فى التعليم المجانى على قدم المساواة وعدم التمييز، وتعزيز الوصول إلى الحق فى التعليم لجميع الأطفال بغض النظر عن حالتهم الاقتصادية. كما تناول القانون الرعاية فى دور الحضانة، حيث نصت المادة (31) على أن «يعتبر دارا للحضانة كل مكان مناسب يخصص لرعاية الأطفـال الذين لم يبلغوا سن الرابعة وتخضع دور الحـضانة لإشـراف ورقابـة وزارة التضامن الاجتماعى طبقًا لأحكام هذا القانون». ويرجع ذلك لأهمية الرعاية فى السنوات الأولى لضمان نمو متوازن للطفل على المستويات الجسدية، والنفسية، والاجتماعية. ولتعزيز حق الطفل فى الرعاية الأسرية نصت المادة 31 مكررًا (2) على إنشاء دور حضانة فى السجون للنساء «ينشأ فى كل سجن للنساء دار للحضانة يتوافر فيها الشروط المقررة لدور الحضانة، يسمح فيها بإيداع أطفال السجينات حتى بلوغ الطفل سن أربع سنوات، على أن تلازم الأم طفلها خلال السنة الأولى من عمره، مما يضمن الحفاظ على حقوقهم الأساسية فى الرعاية الصحية والتنشئة السليمة. كما نص القانون على حق الطفل فى الرعاية البديلة من خلال المادة (46) والتى نصت على  أن «يهدف نظام الأسر البديلة إلى توفير الرعاية الاجتماعية والنفـسية والصحية والمهنية للأطفال الذين جاوزت سنهم سنتين والذين حالت ظروفهم دون أن ينشأوا فى أسرهم الطبيعية، وذلك بهدف تربيتهم تربية سليمة وتعويـضهم عما فقدوه من عطف و حنان»، وذلك يتسق مع المادة (20) من اتفاقية حقوق الطفل التى تنص على «حق الطفل فى العيش فى بيئة أسرية مستقرة. يعزز هذا حق الطفل فى الحصول على الرعاية الأسرية حتى فى ظل غياب والديه». كما أنها تحفظ حقوق الطفل فى الرعاية الأسرية، وتمنحه الفرصة للعيش فى بيئة مستقرة تضمن نموه النفسى والاجتماعى. ولحماية الأطفال حظرت المادة (64) تشغيل الأطفال، حيث نصت على أن «يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن 15 سنة ميلادية، كما يحظر تدريبه قبل بلوغه ثلاث عشرة سـنة ميلادية». فقد عززت هذه المادة من حمايتهم من الاستغلال الاقتصادى تماشيا مع الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية العمل الدولية، وتحمى هذه المادة الأطفال من الأضرار النفسية والجسدية التى قد تنتج عن العمل المبكر. ولم يغفل القانون مبدأ المسئولية الجنائية للطفل، حيث نصت المادة (94) على أن «تمتنع المسئولية الجنائية عن الطفل الذى لم يتجاوز 12 سنة وقت ارتكاب الجريمة». فقد هدفت هذه المادة إلى حماية الأطفال فى نظام العدالة، حيث يتم التعامل مع الأطفال الجانحين بشكل يعزز من إعادة التأهيل بدلا من العقاب الصارم. هذا النهج يُعتبر أكثر توافقًا مع حقوق الطفل كما نصت عليها الاتفاقيات الدولية. لمكافحة الاتجار بالأطفال نصت المادة (291) من قانون العقوبات على أن «يحظر كل مساس بحق الطفل فى الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسى أو التجارى أو الاقتصادى أو استخدامه فى الأبحاث والتجارب العلمية، ويكون للطفل الحق فى توعيته وتمكينه من مجابهة هذه المخاطر». وعليه، نجد أن الدولة المصرية تبذل جهودا حثيثة من أجل النهوض بحقوق الطفل وحمايتها فى إطار التزامها بتطبيق المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، كما تسعى إلى معالجة التحديات المستجدة، مثل الاستغلال الإلكترونى والزواج المبكر، وتوفير الدعم للأطفال فى ظروف خاصة مثل الأطفال اللاجئين وذوى الهمم وذلك من خلال المجلس القومى للأمومة والطفولة.

ثالثا ــ  الجمهورية الجديدة حقوقية بالدرجة الأولى:
• أقرت الجمهورية الجديدة فى مصر سلسلة من التشريعات  والضمانات القانونية لدعم حقوق الانسان ويمكن بيانها كالتالي: • نص الدستور فى المادة (1) على أن «المواطنة وسيادة القانون هما أساس الدولة، وعلى أن الوحدة الوطنية للشعب تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين». تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، وفقا للمادة (9).

• صدور القانون رقم 14 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 396 لسنة 1956 فى شأن تنظيم السجون، واستبدل القانون بعض المسميات منها مراكز الإصلاح والتأهيل بدلا من السجون، وقطاع الحماية المجتمعية بدلا من قطاع السجون، ونزيل بدلا من سجين. وتعكس التعديلات التشريعية لهذا القانون تغيير الفلسفة العقابية لوزارة الداخلية، إذ يستهدف القانون ترسيخ قيم ومبادئ حقوق النزلاء بمراكز الإصلاح والتأهيل، لتوفير الحماية المجتمعية لهم، وإصلاحهم وإدماجهم بالمجتمع. توفير الرعاية للنزيلات، وحاضنات الأطفال، مع توفير ورش وأنشطة لتأهيلهن للعودة للحياة الطبيعية عقب الإفراج عنهن، كما يُسمح لهن برؤية أطفالهن المودعين بدور الرعاية(10).

• صدور القانون رقم (142) لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم زرع الأعضاء البشرية، متضمنا تغليظ العقوبات المترتبة على مخالفة أحكامه(11). • يكفل الدستور فى المادة (94) الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، فيقرر أن مبدأ سيادة القانون باعتباره أساس الحكم فى الدولة، وخضوع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات.

• تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية «استئناف الأحكام الصادرة فى الجنايات، حيث يهدف هذا التعديل إلى العدالة الناجزة وتطبيق أفضل صورها، وتخفيف العبء على محكمة النقض و تنفيذا للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

رابعا ــ  آليات التنفيذ والتطبيق لدعم حقوق الإنسان فى ظل الجمهورية الجديدة(12):
لم تكتف الدولة المصرية بإرساء قيم حقوق الإنسان من خلال الدستور، أو وضع تشريعات جديدة، أو تعديل بعض التشريعات لإحداث نقلة نوعية فى حالة حقوق الإنسان ولضمان كفالة الحقوق والحريات الأساسية، ولكن عملت على صياغة هذه التشريعات فى مجموعة الآليات الوطنية، والمبادرات، والاستراتيجيات والتى تعكس الرؤية التنموية التى تبنتها رؤية مصر 2030 والتى ترتكز على إعمال الحقوق والحريات الأساسية للإنسان باعتباره محور العملية التنموية. فى يوليو 2021، أطلقت الدولة المشروع القومى لتطوير قرى الريف المصرى «حياة كريمة» والذى يهدف إلى تحسين جودة الحياة، ومستوى الخدمات المقدمة للمواطنين من خلال توفير البنية التحتية مثل خدمات مياه الشرب، والصرف الصحى، وزيادة أعداد المدارس، وتهيئة سُبل تحسين الدخل من أجل توفير مستوى معيشى لائق للمواطن المصرى. إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2026) حيث تُعد أول استراتيجية من نوعها تهدف إلى تعزيز الحقوق والحريات الأساسية عبر أربعة محاور رئيسية هى الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق المرأة والطفل وذوى الإعاقة وكبار السن، بالإضافة إلى التثقيف وبناء القدرات فى مجال حقوق الإنسان. وفى عام 2022، تم إعلانه عام المجتمع المدنى مما ساهم فى تعزيز حقوق الإنسان. تم اعتماد الاستراتيجية الوطنية للرعاية البديلة (2021-2030)، والتى تستهدف توفير البيئة الأسرية لرعاية وتنشئة الأطفال وحمايتهم، فى ظل الاتجاه نحو «مأسسة الرعاية البديلة» وفقا للمبادئ التوجيهية للرعاية البديلة للأطفال الصادرة فى 2009 من الجمعية العامة لأمم المتحدة. ولتعزيز الصحة الإنجابية، وتمكين المرأة والاستثمار فى الشباب، وتحسين فرص التعليم، ورفع الوعى بالقضايا السكانية، فضلا عن تحقيق الرفاه الاجتماعى والاقتصادى لجميع المواطنين، تم اعتماد الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية (2023-2030) تستهدف الاستراتيجية تحقيق التوازن بين السكان والتنمية فى عام 2022.  كما عملت على ضمان إتاحة التعليم للجميع دون تمييز، وتحسين جودة التعليم، لذا أطلقت الدولة «الاستراتيجية الوطنية لتنمية الطفولة المبكرة وخطتها التنفيذية (2024-2029)، وتحديث الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم، والتعليم الفنى (2024-2029). وحققت مصر طفرة غير مسبوقة فى مجال دعم وتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين، وذلك بفضل إرادة سياسية داعمة ومساندة لقضايا المرأة، حيث أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عام 2017 هو عام المرأة المصرية فى سابقة تاريخية تنم عن مكانة المرأة المصرية فى مجتمعها، وفى نفس العام أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة، فقد مثلت هذه الاستراتيجية خارطة طريق لتنفيذ جميع المبادرات والأنشطة الخاصة لتمكين المرأة. فى هذا الإطار صدر قرار رئيس الجمهورية رقم ٤٤٦ لسنة 2021 بتعيين 98 قاضية بمجلس الدولة فى سابقة هى الأولى فى تاريخ المجلس. ثم صدر القرار الجمهورى رقم ٢٤٧ لسنة 2022 بتعيين 39 قاضية بمجلس الدولة، كما سعت الدولة لتعزيز فرص المرأة فى شغل المناصب العليا والقيادية، حيث تمثل نسبة المرأة بوظائف كبار المسئولين فى الدولة نحو 10.5% ونحو 6% بالنسبة لشغل وظائف مديرى المؤسسات، ونحو 25.5% بالنسبة لشغل وظائف مديرى العموم. واتخذت الدولة منذ عام 2015 عدة إجراءات لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر وما يتعلق بها من جرائم أخرى، أهمها إطلاق اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر فى ٢٩ سبتمبر 2022 الاستراتيجية الوطنية الثالثة لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر للفترة من (2022 إلى 2026)، وذلك بهدف وضع منظومة متكاملة تضمن مكافحة جرائم الاتجار عن طريق منع وتجفيف منابعها، وتفعيل الملاحقة الأمنية والقضائية والضمانات التى يكفلها الدستور والقوانين الوطنية، وتوفير الحماية اللأزمة للضحايا وإعادة تأهيلهم. كما أطلقت اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث الخطة الوطنية للقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية (2022-2026).

• بالإضافة إلى كما سبق توسعت الحكومة فى دعم برامج الحماية الاجتماعية، مثل «تكافل وكرامة»، وزيادة الإنفاق على الدعم النقدى للشرائح الأكثر احتياجًا، وتطوير نظم المعاشات، بهدف تعزيز الحماية الاجتماعية. كما عززت الدولة جهودها فى حماية الطفل عبر إدماج قسم خاص بحقوق الطفل ضمن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الاستراتيجية الوطنية لتنمية الطفولة المبكرة والإطار الاستراتيجى للطفولة والأمومة (2018-2030)، والاستراتيجية الوطنية للرعاية البديلة (2021-2030). تم أيضًا إصدار قانون لإعادة تنظيم المجلس القومى للطفولة والأمومة، مما رفع المكانة القانونية للمجلس ووسع ولايته(13).  وعلى صعيد رعاية المسنين تم تحسين جودة الخدمات المقدمة للمسنين ورفع كفاءة مؤسسات رعاية المسنين، وتوفير فريق التدخل السريع للكبار بلا مأوى لإنقاذهم وإيداعهم بدور الرعاية لتلقى الرعاية اللأزمة لهم، وإتاحة تلقى الشكاوى والبلاغات الخاصة بالمسنين بلا مأوى على الخط الساخن لوزارة التضامن الاجتماعى، أو من خلال حسابات الوزارة على موقع فيسبوك. كما تم إصدار شهادة رد الجميل للمسنين بعائد يصل إلى 17%. وفى مجال حقوق الشباب، أطلقت الدولة فى عام 2021 «اتحاد شباب الجمهورية الجديدة» بهدف توحيد العمل المجتمعى والتنموى فى إطار «رؤية مصر 2030» وسياسات الدولة لبناء الجمهورية الجديدة. علاوة على البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة والذى يهدف إلى إعداد قيادات شبابية قادرة على تولى المناصب العليا.  كما أطلقت الدولة «البرنامج القومى لتأهيل الشباب للمحليات والمشاركة السياسية» فى عام 2021 تحت عنوان: «قادة المحليات ورؤية مصر 2030» ويوفر «جهاز تنمية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر (مشاريع مصر) التمويلات والخدمات اللازمة للتوسع فى إقامة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، لاسيما للشباب، وخاصة فى القرى الريفية المستهدفة من مبادرة حياة كريمة». ولم تغفل الدولة عن حماية حقوق العمال المصريين وحمايتهم أثناء العمل بالخارج وتوفير الدعم اللازم لهم، فقامت الحكومة باتخاذ عدة إجراءات، منها إعداد دليل «إجراءات التشغيل بالخارج» الذى يهدف إلى تنظيم تشغيل العمال المصريين فى الخارج بما يتماشى مع المتغيرات فى سوق العمل الخارجى والتحديات التى يواجهها. بالإضافة إلى إنشاء «وحدة التوجيه قبل المغادرة» بوزارة العمل لتدريب الشباب وتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم قبل السفر للعمل بالخارج. وإطلاق المنصة الوطنية لسوق العمل لتنظيم العرض والطلب على العمالة المصرية فى السوقين الداخلية والخارجية. ولتعزيز الحق فى حرية الرأى والتعبير، أطلقت الدولة «الحوار الوطنى» من أجل التواصل والتفاعل بين مختلف شرائح المواطنين، والأحزاب السياسية، والمجتمع المدنى، والنقابات وقد ناقش الحوار العديد من الموضوعات المهمة على رأسها الحبس الاحتياطى وحرية تداول المعلومات والحريات الأكاديمية، كما تلقت الأمانة الفنية للحوار (96 ألفًا و532 مقترحًا وطلبًا) من المواطنين، فقد عُقدت أولى جلساته فى مايو 2023 بمشاركة واسعة وفعالة من مختلف القوى السياسية وفئات المجتمع. وانتهت المرحلة الأولى من الحوار فى سبتمبر 2023 بالإعلان عن عدد من التوصيات، والتى تم رفعها إلى السيد رئيس الجمهورية الذى أعلن إحالتها إلى الجهات المعنية بالدولة لدراستها وتطبيق ما يمكن منها(14).

ختـامـــــــا:
يمكن القول إن الدولة المصرية قد حققت طفرة غير مسبوقة فى مجال حقوق الإنسان بداية من دستور 2014 ثم تشريع قوانين جديدة أو تعديل ما هو كائن بالفعل ولم تكتف بهذه النصوص المكتوبة ولكنها عملت على تنفيذها وجعلها واقعا ملموسا، إيمانا منها بحق المواطن المصرى فى العيش بحياة كريمة تليق به، ورغبتها الحقيقية لتحقيق مطالب الثورتين 2011 و2013 وقد تبلور هذا التنفيذ فى شكل المبادرات والاستراتيجيات الوطنية التى أطلقتها الدولة وعلى رأسها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ومبادرة حياة كريمة، حيث سعت من خلالهما إلى إرساء حالة حقوق الإنسان فى ظل نظام ديمقراطى حقيقى يسعى إلى التنمية وبناء حاضر ومستقبل أفضل للجيل الحالى والأجيال القادمة، ولكن يظل هناك مجموعة من التحديات والقضايا المطروحة على الساحة المحلية وتؤثر بشكل سلبى على الحقوق المدنية والسياسية، مثل عدم تعديل تعريف التعذيب بقانون العقوبات والامتناع عن إنشاء هيئة مستقلة للتحقيق فى مزاعم التعذيب، ولا تزال حرية الرأى والتعبير تواجه تحديات حقيقية تحد من ممارستها بشكل واسع، وتبطئ الخطوات فى مسألة إنشاء مفوضية مستقلة لمناهضة التمييز إعمالا للمادة (54) من الدستور، على الرغم من تعديلات قانون الإجراءات الجنائية الأخيرة، إلا أن هذه التعديلات المقترحة تمنح النيابة العامة ومأمورى الضبط القضائى سلطات غير مسبوقة على حساب حقوق المتهم أو المحتجز وحقوق الدفاع. مما جعل المشرع يتمهل فى إصدار التشريع وربما يعمل على تعديلها ليحقق الآمال والأهداف النبيلة للقانون الجديد وذلك لإعطاء فرصة أكبر للحوار الوطنى باعتباره آلية المشاركة فى الشأن العام.

الهوامش:
1-موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، تعريف الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. 

2-جاك دونللى، حقوق الإنسان العالمية بين النظرية والتطبيق، ترجمة: مبارك على عثمان، مراجعة محمد فرحات، المكتبة الأكاديمية، 1998. 

3-موقع الأمم المتحدة، المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، 2006، الرابط التالى: https://2u.pw/z4CB9vBH 

4-موقع رئاسة الجمهورية، دستور 2014، الباب الثالث، «الحقوق والحريات والواجبات العامة». 

5-المجلس القومى للمرأة، المحور التشريعى، يتضمن هذا المحور مواد الدستور المصرى التى تستهدف حقوق المرأة وبعض التعديلات التشريعية فى القوانين. 

6-الهيئة العامة للاستعلامات، دورية دراسات فى حقوق الإنسان، حقوق ذوى الإعـــاقة فى مصر. 

7-منصّة العربيّة للإدماج الرقمى، قانون رقم 157 لسنة 2022، بتعديل بعض أحكام قانون إنشاء صندوق دعم الأشخاص ذوى الإعاقة الصادر بالقانون رقم 200 لسنة 2020.

8-مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، إنفوجراف «الرئيس السيسى يصدّق على قانون رعاية حقوق المسنين». 

9-المجلس القومى للأمومة والطفولة، الآليات الوطنية، قانون الطفل لسنة 1996 وتعديلاته عام 2008. 

10-الجريدة الرسمية، تعديل بعض أحكام قانون تنظيم السجون بالقانون رقم 14 لسنة 2022 (تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعى).

11-المرجع السابق.     

12-التقرير الوطنى لجمهورية مصر العربية والمقدمة إلى آلية الاستعراض الدورى الشامل لمجلس حقوق الإنسان لعام 2025. 

13-تقرير جمهورية مصر العربية المقدم إلى آلية الاستعراض الدورى الشامل لمجلس حقوق الإنسان عام 2019. 

14-مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الحوار الوطنى المصرى. من تعزيز التوافق إلى بناء النموذج، مايو 2023.   

طباعة

    تعريف الكاتب

    عصام شيحة

    عصام شيحة

    المحامى بالنقض، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان