تعد آلية الاستعراض الدورى الشامل (UPR) إحدى الآليات الأممية المهمة لمتابعة تقدم حالة حقوق الإنسان فى بلدان العالم، وتعقد تحت مظلة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى جنيف، وشاركت مصر للمرة الأولى عام 2010، وقدمت الحكومة تقريرها إلى اللجنة المعنية، وقام المجلس القومى لحقوق الإنسان بإعداد تقرير مستقل عن رؤيته لحالة حقوق الإنسان أرفقت مع تقرير الدولة بالإضافة لتقارير منظمات حقوق الإنسان. وشهدت الجولة الثانية عام 2014، مراجعة سجل مصر فى مجال حقوق الإنسان فى 5 نوفمبر 2014، حيث قُدمت تقارير ومعلومات من قبل الحكومة المصرية ومنظمات المجتمع المدنى. وكانت الجولة الثالثة فى نوفمبر 2019، قدمت مصر تقريرها الوطنى، وتلقت 372 توصية من الدول الأعضاء، وأيدت 294 منها عند اعتماد النتائج. كما من المقرر أن تخضع مصر للجولة الرابعة من الاستعراض الدورى الشامل فى يناير 2025، و فى إطار التحضير لهذه الجولة، قدمت 10 منظمات حقوقية مصرية تقريرًا مشتركًا للأمم المتحدة فى أغسطس 2024 .
أولا ــ مشاركة مصر فى الاستعراض الدورى الشامل:
تخضع مصر للاستعراض الدورى الشامل بشكل دورى مثل باقى الدول، والهدف هو تقديم تقارير حول جهودها فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان مع الأخذ فى الاعتبار التزاماتها الدولية، وتشهد عملية الاستعراض تقديم الحكومة للتقرير الوطنى ويشمل معلومات حول التقدم المحرز فى حقوق الإنسان. بالإضافة إلى تقارير الأطراف الأخرى، وتشمل تقارير منظمات المجتمع المدنى، والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وتقارير أممية. وتتم عملية مناقشة الاستعراض فى قصر الأمم المتحدة بجنيف، حيث تقدم الدول توصيات بناءً على التقارير المقدمة. و أبرز النقاط التى يتم مناقشتها: • الحريات الأساسية، مثل حرية التعبير، والتجمع، والدين. • حقوق المرأة والطفل. • مكافحة التمييز والعنف. • مكافحة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة. • حقوق العمال والمهاجرين. • جهود مكافحة الإرهاب وتأثيرها على حقوق الإنسان.
ثانيا ــ توصيات المجتمع الدولى:
تقدم الدول الأعضاء توصيات لتعزيز حقوق الإنسان، وللدولة المصرية الحق فى الاختيار بين قبول أو رفض التوصيات مع شرح أسبابها. وقد أنشأت الدولة المصرية اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان سنة 2018 لمتابعة تنفيذ الحكومة للتوصيات وتعزيز البنية المؤسسية الداعمة لاحترام وحماية حقوق الإنسان، وجاء إنشاء اللجنة العليا ليؤكد ويعكس وجود إرادة سياسية عازمة على تنفيذ كافة التزامات مصر فى مجال حقوق الإنسان، وكذلك وجود قناعة تامة بأن حقوق الإنسان تعد مكونًا مهمًا فى «استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030». وهى لجنة وطنية دائمة لحقوق الإنسان تتبع وزارة الخارجية وتقوم بمهمة تؤكد التزامها بتحقيق تقدم فى المجالات التى أثيرت فى التوصيات. وتعتبر مصر من الدول المتعاونة مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، حيث تشارك الحكومة بانتظام فى اللجان التعاهدية وهى الهيئات التى تم إنشاؤها بموجب معاهدات دولية لحماية حقوق الإنسان، وهى مسئولة عن مراقبة تنفيذ الدول الأطراف لالتزاماتها بموجب المعاهدات الدولية التى صادقت عليها. وقد قدمت الحكومة المصرية خلال الأعوام الثلاثة السابقة تقريرها إلى عدد من اللجان وأبرزها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان (HRC) والتى تراقب تنفيذ العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ولجنة مناهضة التعذيب (CAT) والتى تُشرف على تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وكانت مشاركة مصر عام 2023 هى الأولى منذ أكثر من 20 عاما . جاء ذلك عقب تطورات مهمة شهدتها حالة حقوق الإنسان بعد انتهاء عملية الاستعراض الدورى الشامل فى عام 2019، حيث أخطرت مصر مجلس حقوق الإنسان بالتوصيات التى ترغب فى تنفيذها فى السنوات التالية وتم رسميًا اعتماد النتائج الختامية للاستعراض الدورى الشامل فى 12 مارس 2020. وتلقت مصر 372 توصية من 133 دولة. ومن بين هذه التوصيات، دعمت 270 توصية، وأخذت علما ب 71 توصية، ودعمت بشكل جزئى 31 توصية من بين 71 توصية أخذت علما بها، ووصفت مصر 15 توصية بأنها «غير صحيحة»، و 24 توصية بأنها «تم تنفيذها بالفعل»، وتوصيتين بأنهما «غير مهمتين». كما وصفت توصيتين من هذه التوصيات بأنها «معادية»، وخلال اعتماد الاستعراض الدورى الشامل، رفض ممثل مصر فى الأمم المتحدة مناقشتهما على أساس أنهما «تحتويان على ادعاءات غير صحيحة ومسيّسة». وقد حققت مصر تقدما فى بعض الملفات خاصة فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك فى ظل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وإنهاء حالة الطوارئ وبدء الحوار الوطنى، وتفعيل لجنة العفو الرئاسى، وقيام قاضى التحقيق بالإعلان عن إغلاق القضية 173 المعروفة إعلاميا بالتمويل الأجنبى، وإصدار قانون الجمعيات واللائحة التنفيذية الخاصة به، وتمكين المرأة والشباب وصدور قانون بناء الكنائس . وعقب إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، تم إعادة تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان بقيادة سيدة لأول مرة منذ إنشاء المجلس عام 2004، والذى يعد جهة وطنية مستقلة تأسست لضمان تعزيز وحماية حقوق الإنسان على المستوى الوطنى. دعم حقوق المواطنين المصريين، والعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان، والتأكد من امتثال الدولة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ثالثا ــ ولاية ودور المجلس القومى:
تشمل ولاية المجلس كافة أنحاء الجمهورية، ويختص بالعمل على مستوى الوطن ككل. ويستمد المجلس سلطته من القانون المصرى، حيث ينظم قانون إنشاء المجلس مهامه وصلاحياته وحدود عمله. وقد أكد الدستور الحالى على استقلالية المجلس وعلى دوره فى إبلاغ السلطات العامة عن أى انتهاك يتعلق بمجال عمله، وأن يُؤخذ رأيه فى مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة به وبمجال عمله. كما جاءت تعديلات بعض أحكام قانون إنشاء المجلس بموجب القانون رقم 197 لسنة 2017، التزاما بحكم المادة (214) من الدستور، واتساقا مع مبادئ باريس للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وتلبية للمقترحات والتوصيات الصادرة عن المجلس ذاته، وعززت تلك التعديلات استقلالية المجلس من حيث طريقة تشكيله وأدائه لمهامه وممارسته لاختصاصاته وكذا استقلال موازنته. وتحددت ولاية أعضاء المجلس القومى لحقوق الإنسان فى قرار تشكيل المجلس والذى تم ترشيح أعضائه من النقابات المهنية وذوى الخبرة من جانب مجلس النواب للمرة الأولى فى تاريخ المجلس، وتخضع للتجديد بقرار من الجهات المسئولة فى الدولة، وغالبًا ما تكون مدة الولاية أربع سنوات قابلة للتجديد. ويُعد المجلس جزءًا مهمًا من النظام القانونى والحقوقى فى مصر، ويعمل كحلقة وصل بين الحكومة والمواطنين فيما يخص قضايا حقوق الإنسان.و يقوم المجلس بعدد من المهام الأساسية التى تخدم قضايا حقوق الإنسان فى مصر، ويتمثل أبرزها فيما يلى:
1- التوعية ونشر ثقافة حقوق الإنسان: نشر الوعى المجتمعى بحقوق الإنسان والحقوق الأساسية للمواطنين، من خلال تنظيم ورش العمل، والندوات، والمؤتمرات، وإعداد ونشر التقارير والدراسات المتعلقة بحالة حقوق الإنسان.
2- تقديم التوصيات للسلطات: يعمل المجلس على تقديم توصيات ومقترحات للحكومة المصرية حول كيفية تحسين وتعزيز حقوق الإنسان، من خلال تقديم رؤى قانونية وتنظيمية حول التشريعات والسياسات.
3- رصد وتوثيق الانتهاكات: رصد وتوثيق حالات انتهاك حقوق الإنسان، سواء تلك التى تحدث من قبل الأفراد أو الجهات الحكومية. ويمكن للمجلس إصدار تقارير سنوية حول حالة حقوق الإنسان فى مصر، وتسليط الضوء على الانتهاكات.
4- تلقى الشكاوى: يتلقى المجلس شكاوى المواطنين عبر لجنة الشكاوى وهى الشكاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، ويقوم بدراستها واتخاذ الإجراءات المناسبة إزاءها، بما فى ذلك التواصل مع الجهات المعنية لحل المشكلات.
5- التنسيق مع المنظمات الدولية: يعمل المجلس على التنسيق والتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية المختصة بحقوق الإنسان، ويساهم فى إعداد التقارير التى تقدم للأمم المتحدة والهيئات الدولية حول حالة حقوق الإنسان فى مصر.
6- التدخل لتصحيح الأوضاع: فى بعض الحالات، يمكن للمجلس القيام بتدخلات لتصحيح أوضاع بعض السجناء أو المحتجزين، والمطالبة بتحسين أوضاعهم، أو إطلاق سراحهم إذا كانت حالتهم تنطوى على انتهاكات لحقوق الإنسان.
رابعا ــ المجلس ودعم عملية المراجعة الدورية الشاملة:
يقوم المجلس بدور محورى فى عملية المراجعة الدورية الشاملة، ويمكن تحديد ذلك الدور فيما يلى: 1- إعداد التقارير وتقديم المعلومات: يقدم المجلس تقريرا موازيا (يعرف بتقرير الظل) إلى مجلس حقوق الإنسان، ويتضمن تحليلًا للأوضاع الحقوقية فى الدولة وتقييمًا مستقلًا عن مدى التزام الحكومة بتعهداتها الدولية فى مجال حقوق الإنسان، ويشارك فى التقارير الوطنية التى تقدمها الدولة للأمم المتحدة عبر تقديم رؤيته أو توصياته. 2- التوعية والتشاور مع المجتمع المدنى: يعمل المجلس كحلقة وصل بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى لتسهيل الحوار حول قضايا حقوق الإنسان، و ينظم لقاءات تشاورية مع المجتمع المدنى والجهات المعنية لمناقشة قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالاستعراض الدورى الشامل.
3- متابعة تنفيذ التوصيات: بعد تقديم الدولة لتقريرها والمشاركة فى جلسات الاستعراض، يتابع المجلس تنفيذ التوصيات التى تتلقاها الدولة من مجلس حقوق الإنسان ويعد تقارير دورية عن مدى التقدم فى تنفيذ هذه التوصيات، ويوفر ملاحظات لتحسين الأداء الحقوقى.
4- التعاون مع الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية: ينسق مع المؤسسات الدولية والمقررين الخاصين لمتابعة تنفيذ الالتزامات الحقوقية بما يسهم فى تعزيز الشفافية والموضوعية فى عملية الاستعراض الدورى.
5- تقديم المشورة للحكومة: يقدم المشورة للحكومة بشأن كيفية تحسين أوضاع حقوق الإنسان والاستجابة للتوصيات الواردة من الاستعراض الدورى، ويساهم فى تطوير السياسات والبرامج الوطنية لتحقيق الالتزام بالمعايير الدولية، حيث يعرف المجلس بأنه بيت خبرة واستشارى للدولة فى كل مواضيع حقوق الإنسان.
6- الترويج لثقافة حقوق الإنسان: ينفذ المجلس برامج توعية وتثقيف لتعزيز احترام حقوق الإنسان والتعريف بآليات الأمم المتحدة، بما فى ذلك الاستعراض الدورى الشامل. وقد قام المجلس خلال السنوات الماضية بتطبيق تلك النقاط، وحاول تحقيق التوازن بين التقارير الرسمية التى تقدمها الحكومة ورؤى المجتمع المدنى والخبراء المستقلين. وعبر المجلس، من خلال تقاريره، عن رؤيته لأهمية الاستعراض الدورى الشامل لمصر، حيث يُعد الاستعراض الدورى الشامل فرصة لمصر لتقييم التقدم المحرز فى مجال حقوق الإنسان، والتعرف على التحديات القائمة، والعمل على تنفيذ التوصيات المقدمة من المجتمع الدولى. كما يتيح الفرصة لمنظمات المجتمع المدنى للمشاركة وتقديم تقارير موازية تسلط الضوء على القضايا الحقوقية المهمة. ويستعد المجلس ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية فى مصر للجولة الرابعة من الاستعراض الدورى الشامل، من خلال تقديم تقارير وتوصيات تهدف إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان فى البلاد، وتشيرالتوقعات إلى تركيز الجولة المقبلة على تقييم مدى تنفيذ مصر للتوصيات السابقة، ومناقشة التحديات الحالية فى مجال حقوق الإنسان، مع تقديم توصيات جديدة تهدف إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان فى البلاد.
انتقادات مسيسة: يواجه المجلس عددا من التحديات المؤثرة على عمله، وكانت مثار جدل خلال عملية مراجعة تصنيف المجلس الحاصل على درجة (A)، وهى الدرجة الأعلى فى تصنيف المجالس الوطنية حول العالم، حيث تلقى المجلس انتقادات تتعلق بالتمويل، حيث إن استقلاله المالى مهم ليتمكن من أداء دوره بحرية وشفافية. كما تناولت الانتقادات قدرة المجلس على التأثير على السياسات العامة: قد يجد المجلس صعوبة أحيانًا فى تنفيذ توصياته على أرض الواقع بسبب القيود البيروقراطية وتأخر ردود الجهات الحكومية على مخاطباته . بيد أن جانبا معتبرا من هذه الانتقادات تبدو مسيسة، وتفتقد للمهنية والرصد الدقيق للتطور الحادث فى منظومة حقوق الإنسان المصرية، ولعبت بعض التيارات المؤدلجة دورا فعالا فى محاولة تصدير صورة نمطية سلبية عن ملف الأوضاع الحقوقية فى مصر، بيد أنها لم تتمكن من الوصول لأهدافها، خاصة مع الإشادات الدولية بجهود الدولة المصرية فى الملف الحقوقى.
خامسا ــ تحديث ورقمنة لجنة الشكاوى:
تعد لجنة الشكاوى إحدى الأدوات الرئيسية للمجلس القومى لحقوق الإنسان للتواصل المباشر مع الجمهور، كما تمكن المجلس من رسم صورة عامة لحالة حقوق الإنسان فى البلاد وقياس مدى رضاء المواطنين عن أداء الحكومة، ومن هذا المنطلق يواصل المجلس استقبال المواطنين والاستماع إلى شكاويهم بطرق مختلفة، ومخاطبة الجهات المعنية بمواضيع هذه الشكاوى، ومتابعة التحقيق فيها، ودعم وصول أصحاب الشكاوى للانتصاف وجبر الضرر.
وقام المجلس بإنشاء برنامج إلكترونى لاستقبال الشكاوى عبر شبكة الإنترنت كما قام برقمنة عملية معالجة الشكاوى بالكامل، واستكمالا لهذا قام المجلس بتطوير المنظومة الإلكترونية للشكاوى للاستفادة من مخرجات المنظومة وتحليل الشكاوى والحصول على تقارير نوعية متخصصة، كما قام المجلس أيضا بتصميم تطبيق مبسط لبرنامج الشكاوى ليستخدم على التليفون المحمول، حيث تم الانتهاء من تصميم التطبيق وربطه ببرنامج الشكاوى وتم إطلاقه فى منتصف عام 2024، وأصبح متاح للمواطنين تحميل التطبيق على التليفون الخاص بهم واستخدامه فى استقبال ومتابعة الشكاوى، فضلا عن القنوات التقليدية المتمثلة فى الحضور الشخصى للمقر الرئيسى للمجلس بالقاهرة الجديدة، أو مقر منظومة الشكاوى بالجيزة، وكذلك الفروع المنتشرة فى 11 محافظة، بخلاف استقبال الشكاوى عبر البريد والفاكس والبريد الإلكترونى.
كما اجتمعت لجنة الشكاوى بالمجلس مع المستشارين بهيئة النيابة الإدارية والمسئولين عن الشكاوى والتحول الرقمى ومسئولى الدعم التقنى بالهيئة بمقر هيئة النيابة الإدارية، وتم مناقشة سبل التعاون بين المجلس وهيئة النيابة الإدارية فى إطار البروتوكول الموقع بين المجلس والهيئة حول التعاون والربط الإلكترونى بين منظومة الشكاوى بالمجلس ومنظومة شكاوى هيئة النيابة الإدارية، وبحث سبل الربط الإلكترونى فى طرق الإحالة للشكاوى وتوقيتات السماح بإرسالها لمنظومة الشكاوى بهيئة النيابة الإدارية للتدخل لدى الأجهزة التنفيذية، وتم إحالة عدد من البلاغات لهيئة النيابة الإدارية فى غضون شهر مايو 2024 تفعيلا لنصوص بروتوكول التعاون بالاستجابة لطلبات المواطنين باستخدامها الولاية القانونية على الجهات الحكومية فى بحث عدم ردود تلك الجهات على المجلس لإنصاف أصحاب الشكاوى كما استكمل المجلس رحلة الوحدات المتنقلة والمستمرة منذ أكثر من خمسة عشر عاما، حيث قام المجلس خلال الفترة من 1 يوليو 2023 وحتى 30 يونيو 2024 بزيارة عدد من المحافظات، حيث قام بعقد لقاءات مع السادة المحافظين والمسئولين التنفيذيين داخل كل محافظة والمعنيين بالتعامل مع شكاوى المواطنين والوقوف على جودة الخدمات التى تقدم للمواطنين داخل كل محافظة، وكذلك مع مجالس المدن والمراكز والأحياء والمجالس القروية والجهات الخدمية الأخرى، مثل المستشفيات، والشئون الاجتماعية، ودور الرعاية، والإدارات التعليمية وغيرها، وكذا التعريف بدور وآليات عمل لجنة شكاوى المجلس وتبادل الخبرات معهم . وقد قامت لجنة الشكاوى خلال الفترة الماضية بدور ملموس فى التعامل مع حزمة من الانتهاكات التى تواصل ضحاياها أو ذووهم مع المجلس، كما نجحت من خلال التنسيق والتواصل مع الجهات المعنية فى لعب دور كبير فى تحقيق انفراجة ملموسة فى بعض القضايا الحقوقية التى كانت تشكل تحديات أساسية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان فى مصر خلال الفترات السابقة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل. وكانت أكثر الجهات اهتماما بالرد على بلاغات المجلس هى وزارة الداخلية صاحبة العدد الأكبر من الردود التى تلقاها المجلس، ثم يأتى بعدها النيابة العامة، ثم وزارة التضامن الاجتماعى. أما من ناحية مضمون الردود الواردة سنجد أن وزارة الداخلية والنيابة العامة أبدت اهتماما كبيرا بالشكاوى التى تحمل طابع انتهاك جسيم لحقوق الإنسان، مثل الشكاوى الخاصة بالتعذيب وإساءة المعاملة وشكاوى الاختفاء القسرى، حيث تم التحقيق فى هذه الشكاوى والرد على الغالبية العظمى منها، بجانب الاستجابة للطلبات الأخرى الخاصة بنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل بقدر المستطاع وفى إطار الاشتراطات والقوانين ذات الصلة، مثل طلبات النقل إلى أقرب مركز تأهيل لأسرة النزيل، وطلبات الإفراج سواء كان شرطيا أو عفوا أو صحيا، وكذلك توفير الرعاية الصحية للنزلاء، وبالنسبة للطلبات التى تخص وزارة التضامن الاجتماعى سنجد أنها فى مجملها تتعلق بالمساعدات الإنسانية ذات الطابع الاجتماعى مثل طلبات معاش تكافل وكرامة.
سادسا ــ تفاعلات الواقع الحقوقى المصرى وقبول التوصيات:
ما سبق هو سرد لعمل الشكاوى ويشير إلى فعالية عمل المجلس فى تشكيله الحالى وتفاعل مؤسسات الدولة معه على عكس ما يشاع، فضلا عن قيامه بعدد كبير من زيارات أماكن الاحتجاز وهى كلها إشارات إلى اهتمام الدولة المصرية والقيادة السياسية بملف حقوق الإنسان ورغبتها فى التقدم بثبات، وذلك يظهر بشكل واضح فى عدد من المؤشرات أبرزها:
• استجابة النيابة العامة لتوجيه الرئيس بمراجعة قوائم الكيانات الإرهابية واستبعاد أسماء من ثبت أنه تخلى عن الأفكار الإرهابية وأنه يمكنه العودة مرة أخرى إلى مصر والتمتع بحقوقه.
• استجابة الرئيس لتوصيات الحوار الوطنى بشأن الحبس الاحتياطى ومطالبة الرئيس بتخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس، والحفاظ على طبيعته كإجراء وقائى ضرورى لعمل التحقيقات دون أن يتحول إلى عقوبة، والنظر فى تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطى المختلفة وأهمية التعويض المادى والأدبى وجبر الضرر لمن يتعرض لحبس احتياطى .
• وتعتبر استجابة الرئيس نجاحا جديدا يضاف لنجاحات سابقة للحوار الوطنى منذ الإعلان عن تدشينه العام الماضى، وأصبح نموذجا مصريا ناجحا للعمل على تحقيق الإصلاح السياسى، ويعتمد بالأساس على الحوار والنقاش الصريح واستكشاف كل أبعاد القضايا المطروحة للتعرف على طبيعتها وتطوير الحلول الملائمة لها عبر أطروحات القوى السياسية المختلفة والنشطاء السياسيين المستقلين، ثم صياغتها بلغة منضبطة فى صورة توصيات محددة وفعالة يمكن للحكومة التعامل معها وتنفيذها وتحويلها إلى قرارات وتشريعات.
إن ما نراه هو دليل نجاح لعملية الإصلاح السياسى الشاملة التى أطلقها الرئيس السيسى بالتزامن مع الدعوة للحوار الوطنى، وفيها كانت الإشارة إلى أن الوقت أصبح مناسبا بعد خطوات الإصلاح الاقتصادى وتحقيق الانتصار على الإرهاب للعمل الجاد على بناء حياة سياسية ديمقراطية فى الجمهورية الجديدة، وهى عملية تراكمية بالأساس وفق اتفاق القوى السياسية على القضايا المطلوب حلها وتتحكم فيها الظروف المحيطة وخصوصية كل مجتمع.
ويكتشف المتابع لمسار الإصلاح السياسى المصرى بسهولة أن قضايا حقوق الإنسان من أولويات ذلك المسار، وكان أهمها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وهى نتاج عمل وطنى بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى، وإعلان الرئيس السيسى إنهاء حالة الطوارئ وإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسى وتوالى قوائم الإفراج والاقتراب من تصفية ذلك الملف، ووضع حقوق الإنسان ضمن محددات برامج بناء الإنسان المصرى من خلال وجوده كمادة دراسية فى المناهج الدراسية المختلفة، ودعم تحركات المجلس القومى لحقوق الإنسان كمؤسسة وطنية مستقلة فى تنفيذ مشروعات نشر الثقافة وتطوير آليات تلقى الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان . لقد أثبتت التجربة المصرية أن حقوق الإنسان تزدهر فى بيئة مستقرة ومجتمع آمن تحميه دولة قوية تحترم الدستور والقانون، ولا تعتدى على قيم المجتمع وثوابته الدينية والمجتمعية، وهو ما يعنى أن الرهان على التجارب الوطنية أثبت نجاحه، وأن فرض حقوق الإنسان عبر الضغوط الخارجية واستخدام حقوق الإنسان كسلاح لفرض أجندات يصِم مفهوم حقوق الإنسان ويجعله محل اتهام وتشويه وتخوين. وأكدت التجربة أن التعاون بين الحكومة، والآليات الوطنية، ومؤسسات المجتمع المدنى، والنشطاء المستقلين فى مناخ من الثقة المتبادلة يمكن أن يحقق إنجازات ربما تعطلت لسنوات سابقة، نظرا للشك المتبادل بين الدولة ومنظمات حقوق الإنسان، وان العمل المشترك يمكن أن يكون له الأثر الإيجابى فى حل الملفات المعقدة. ومثل كل دول العالم توازن مصر بين متطلبات الأمن وحقوق الإنسان، وهى عملية صعبة فى ضوء ما تعيشه المنطقة من أزمات وتحديات ربما لا تتكرر فى أى بقعة أخرى من بقاع الكرة الأرضية، تواجه صراعا وجوديا على حدودها الشرقية وصراعا عنيفا فى الجنوب والغرب، مع وجود تنظيمات إرهابية تغذى الأفكار المتطرفة مما يجعل التربة خصبة باستمرار لنموها وتكاثرها وانتشارها، معتمدة على الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإجرامية العابرة للحدود، مثل التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية و«داعش» و«القاعدة» وغيرها، وهو ما يضع أجهزة الدولة الأمنية فى حالة يقظة بلا نهاية لتأمين المجتمع من مخاطر مركبة ومستدامة تضمر الشر لكل الدول العربية وتسعى للتمكن منها. ورغم ذلك التحدى الأمنى الهائل إلا أن القيادة المصرية قررت التقدم إلى الأمام فى ملف حقوق الإنسان، واختارت التجاوب مع المطالب الوطنية لتحسين وضعية حقوق الإنسان بعدما أجمعت عليها كل القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، عبر الحوار الوطنى الذى أثبت فعاليته ونجاحه فى قيادة التفاوض مع الدولة المصرية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب للقوى السياسية ولحركة حقوق الإنسان المصرية. لكن لا يزال ذلك التقدم يحتاج إلى جهد من أجل اكتساب ثقة المؤسسات الدولية فى جدية المسار المصرى الذى تعرض لتشويه منهجى مستمر طوال السنوات الماضية، حتى أصبح ما هو عابر هو القاعدة وهو ما أثر على قدرة المؤسسات الوطنية فى ظل تسييس عمل حقوق الإنسان فى أن تقوم بالدور المأمول منها.
ختـامـــــــا:
يمكن القول إن الإجراءات التعسفية ضد الحراك الطلابى في الجامعات الغربية، أثارت جدلاً واسع النطاق، يمكن القول إن المراجعة الدورية القادمة تمثل فى جوهرها اختبارا مزدوجا للدولة وللمؤسسات الدولية، على الدولة أن تنسق كل خطواتها وتعرض ما حققته من تقدم فى ملف الحقوق المدنية والسياسية وكذلك فى ملف الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وأن يتحرك المجلس القومى ليثبت استقلاليته من خلال تقديم تقريره الحيادى حول أوضاع حقوق الإنسان، وأن تتحرك المنظمات الحقوقية بحرية أكبر فى عرض ما رصدته، وعلى وفود الدول أن تتحلى بالحيادية والمصداقية فى التأكد من المعلومات التى تحصل عليها من المنظمات المستقلة، لأننا أمام تجربة حقيقية فى مصر انتصرت لحقوق الإنسان من واقع تفاعلات الواقع الحقوقى المصرى والاستجابة للتوصيات الدولية المتوازنة والجادة والقادمة على أرضية التعاون والشراكة، وليس من خلال لغة الضغوط أو الإملاءات المرفوضة أمس واليوم وغدا.