تحليلات

مشروع قانون تنظيم المسئولية الطبية بين الحماية والعقاب

طباعة

ثار جدال واسع بين القائمين بالعمل الطبى والقانونيين حول مشروع القانون المقدم من الحكومة للبرلمان بغرفتيه لإقراره، وهل كان يكتفى بنصوص قانون العقوبات والقوانين المكملة للدستور القائمة أم إنه كان ينبغى إصدار قانون خاص بالمسئولية الطبية، ينظم العلاقة بين القائمين على العمل الطبى (مقدمى الخدمة الطبية) وبين المرضى الطالبين للخدمة (متلقى الخدمة الطبية)، وكذا حماية الممارسين الطبيين أثناء أداء عملهم وعدم تعريضهم للضرر، وذلك بعد حدوث الكثير من وقائع التعدى عليهم من جانب بعض أهإلى المرضى أثناء قيامهم بعملهم.ويهدف مشروع القانون إلى تحقيق التوازن بين كافة الأطراف مع التأكيد على الحقوق الأساسية للإنسان، حيث يعتبر مشروع القانون أداة مهمة لتعزيز النظام الصحى وحماية حقوق الأطراف المعنية، كما أنه يسهم فى تحقيق الطمأنينة والحرية لمزاولى المهن الطبية المختلفة أثناء قيامهم بواجباتهم فى تقديم خدمات الرعاية الطبية الوقائية أو التشخيصية أو العلاجية أو التأهيلية، وفى الوقت ذاته توفير الحماية اللازمة لمتلقى الخدمات المشار إليها حال حدوث أخطاء لهم أثناء تقديمها تتعلق بمخالفة الأصول العلمية الثابتة والمستقرة والقواعد الأخلاقية المهنية.

وسوف نتناول مشروع القانون المقدم من الحكومة والذى أقره مجلس الشيوخ وأحاله لمجلس النواب لإقراره وذلك على النحو التالى:

مقدمة:

-كفلت المادة 18 من الدستور لكل مواطن الحق فى الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، وألزم المشرع الدستورى الدولة بالحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل، كما ألزمها بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين بالقطاع الصحى، وهو ما تسعى الدولة جاهدة لإعماله من خلال الارتقاء بالمنظومة الصحية وتطويرها فى كافة المستويات، وإذا كان علم الطب لا يندرج ضمن العلوم الدقيقة المبنية على اليقين العلمى. وإنما هو قائم على العلم التجريبى والتقريبى الذى يهيمن عليه الاحتمال بشكل كبير، ولذلك فهو فى تطور دائم ومستمر نتيجة تطور الأبحاث والدراسات العلمية، وإزاء التقدم الذى شهده هذا العلم وكان له أثر إيجابى بالقضاء على كثير من الأمراض الفتاكة والرقى بصحة الإنسان وسلامته، فقد خلف فى المقابل الكثير من المخاطر والأضرار.

-ولما كانت المسئولية الطبية هى إحدى أهم القضايا التى تحظى باهتمام واسع فى المجالات القانونية والأخلاقية والصحية، فهى تتعلق بالالتزام الذى يقع على عاتق الممارسين الطبيين والقائمين بتقديم خدمات صحية تتسم بالدقة والمهنية وفقا للمعايير العلمية والأخلاقية المعتمدة، ولاشك أن المسئولية الطبية تعزز الثقة بين المريض والممارس الصحى، وذلك من خلال وضع قواعد خاصة فى حالة وقوع أخطاء طبية من جانب مقدم الخدمة، فإذا كان الأصل هو التزام مقدم الخدمة ببذل أقصى درجات العناية والرعاية للمريض فإن المسئولية الطبية هنا تقع فى حالة وقوع أخطاء طبية من جانب هذا الممارس الطبى، لذا فإن تحقيق العدالة وضمان جودة الخدمات الصحية يكون من خلال وضع إطار قانونى وأخلاقى ينظم العلاقة الثلاثية الجوانب بين المريض، والطبيب، والمنشأة الطبية، ويضمن مستوى صحيا مناسبا لكل مريض.

فلسفة مشروع القانون:

ترتكز فلسفة مشروع القانون الجديد المقدم من الحكومة على البرلمان إلى إصدار تشريع يحقق التوازن بين حقوق المريض من ناحية وواجبات الممارسين الطبيين والمسئولين عن إدارة المنشأة الطبية مع ضمان بيئة عمل آمنة وصحية للمريض، والحفاظ على أمن وأمان للعاملين فى المجال الصحى وتعزيز الثقة المتبادلة بين المرضى ومقدمى الرعاية الصحية من خلال وضع إطار قانونى واضح يحدد الالتزامات والمسئوليات ويعالج القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية بطريقة عادلة ومنصفة، ويراعى التطورات العلمية والتكنولوجية فى المجال الصحى، ويهدف إلى بناء نظام صحى مستدام يعزز من جودة الرعاية المقدمة ويحمى حقوق جميع الأطراف المعنيين.

وقد ارتكز مشروع القانون على عدد من النقاط:

أولا- حماية حقوق المرضى من خلال ضمان حصولهم على الخدمات الطبية العالية الجودة ومعاقبة الإهمال أو التقصير الذى قد يؤدى للأضرار بصحتهم أو سلامتهم.

ثانيا- تشجيع الكفاءة الطبية عبر وضع معايير واضحة تحفز الممارسين الطبيين على الالتزام بأعلى درجات المهنية والدقة فى العمل بما يسهم فى تحسين جودة الخدمات الصحية.

ثالثا- تحقيق العدالة حيث يسعى مشروع القانون إلى إنصاف المرضى المتضررين من الأخطاء الطبية دون المساس بحقوق الأطباء الذين قد يقعون ضحية اتهامات غير عادلة من خلال اعتماد آليات تحقيق دقيقة ومحايدة.

رابعا- تعزيز المسئولية الأخلاقية حيث يدعو مشروع القانون إلى الالتزام بالقيم الأخلاقية فى الممارسة الطبية بما يشمل احترام كرامة المرضى وحقوقهم الأساسية.

خامسا- توفير بيئة داعمة للأطقم الطبية من خلال حماية الممارسين الصحيين من التعدى عليهم أثناء عملهم والملاحقة التعسفية وضمان توفير التأمين ضد المخاطر المهنية مما يشجعهم على أداء عملهم بثقة وأمان.

النصوص الدستورية والقانونية الحاكمة لمشروع القانون:

-تنص المادة 18 من الدستور على أنه: لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمإلى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقا لمعدلات دخولهم. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى. وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلى فى خدمات الرعاية الصحية وفقا للقانون.

-وقد نص مشروع القانون على أنه ينظم العمل الطبى الكثير من التشريعات التى تحكم عمل الممارسين بالمهن الطبية منها:القانون رقم 415 لسنة 1954 فى شأن مزاوله مهنة الطب، والقانون رقم 481 لسنة 1954بشأن مزاولة مهنة التوليد، والقانون رقم 537 لسنة1954بشأن مزاولة مهنة الطب وجراحة الأسنان، والقانون رقم 127 سنة 1955 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة، والقانون رقم 165 لسنة 1957بشأن تنظيم مهنة صانعى الأسنان ومحال صنعها، والقانون رقم 137 لسنة 1958 بشأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية، والقانون رقم 59 لسنة 1960 بشأن تنظيم العمل بالإشعاعات المؤينة والوقاية من أخطارها، والقانون رقم 45 لسنة 1969 بشأن نقابة الأطباء والقانون رقم 46 لسنة 1969 بشأن نقابة أطباء الأسنان، والقانون رقم 47 لسنة 1969 بشأن نقابة الصيادلة، والقانون رقم 115 لسنة 1976 بشأن نقابة مهنة التمريض والقانون رقم 51 لسنة 1981 بشأن تنظيم المنشآت الطبية، والقانون رقم 13 لسنة 1983 بشأن اتحاد نقابات المهن الطبية، والقانون رقم 3 لسنة 1985 بشأن النقابة العامة للعلاج الطبيعى، والقانون رقم 71 لسنة 2009 بشأن رعاية المريض النفسى، والقانون رقم 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية، والقانون رقم 14 لسنة 2014 بشأن تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية للعاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة، والقانون رقم 2 لسنة 2018 بشأن نظام التأمين الصحى الشامل، والقانون رقم 19 لسنة 2018 بشأن تنظيم العمل فى المستشفيات الجامعية، والقانون رقم 214 لسنة 2020 بشأن تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية، والقانون رقم 12 لسنة 2022 بشأن إنشاء وتنظيم المجلس الصحى المصرى.

القواعد القانونية التى تضمنها مشروع القانون:

أولا- وضع مشروع القانون أربع مواد إصدار تتضمن قواعد أساسية هى:

-الالتزام بأحكام قانون رعاية المريض النفسى الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2009.

-التزام كـل مـن يزاول إحدى المهن الطبية والمنشآت المبينة بالقانون الاشتراك فى صندوق التأمين الحكومى المنشأ وفقا لأحكامه خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ إصدار القرار الخاص بالنظام الأساسى للصندوق المشار إليه، ولمجلس الوزراء بناء علـى عـرض الـوزير المختص بشئون الصحة مد هذه المدة لمدة أو مدد أخرى لا تجاوز فى مجموعها سنتين.

-التزام الحكومة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به.

-نشر القانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به من اليوم التالى لانقضاء ستة أشهر من تاريخ نشره.

ونرى أن مواد الإصدار تضمنت قواعد يجب النظر فيها من جانب مجلس النواب وهى:

-  تأخير العمل بالقانون لمدة ستة أشهر بعد نشره، ونرى أنه لا مبرر لذلك فالقانون وفقا للقواعد السارية فى كافة التشريعات يتم العمل به فى اليوم التالى لنشره، وأن تنظيم ذلك يكون من جانب الحكومة دون الحاجة لإطالة المدة.

-  كان على مشروع القانون أن يسمح بإنشاء صناديق تعويضات من خلال أصحاب المهن -كالمعمول بها فى العديد من الدول- دون الاكتفاء بصندوق التأمين الحكومى فقط.

-  غاب عن مشروع القانون أن يضع من بين القوانين الحاكمة قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، وقانون رعاية المسنين رقم 19 لسنة 2024، وقانون التأمين الموحد رقم 155 لسنة 2024.

ثانيا- مشروع قانون المسئولية الطبية وحماية المريض:

قسم مشروع القانون لعدد من الفصول على النحو التالى:

الفصل الأول: الأحكام العامة للمسئولية الطبية.

الفصل الثانى: التزامات مقدم الخدمة والمنشأة.

الفصل الثالث: اللجان والخبرة الفنية فى مجال المسئولية الطبية.

الفصل الرابع: التعويض عن الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية.

الفصل الخامس: العقوبات.

وسوف نتناول تلك الفصول من مشروع القانون على النحو التالى:

الفصل الأول: الأحكام العامة للمسئولية الطبية.

-      عرض مشروع القانون فى هذا الفصل لعدد من التعريفات لكلمات وعبارات واردة بمشروع القانون، ويأتى هذا مع توجه المشرع فى العديد من القوانين لتوضيح المقصد من الكلمات والعبارات حتى لا يحدث خلاف حولها.

تنص المادة الأولى من مشروع القانون على التعريفات التالية:

1- المهن الطبية: هى المهن التى يتم من خلالها تقديم خدمات الرعاية الطبية الوقائية أو التشخيصية أو العلاجية أو التأهيلية، والتى يزاولها كل من الفئات الآتية: الأطباء، وأطباء الأسنان، والصيادلة، وممارسو وإخصائيو العلاج الطبيعى، والتمريض العالى، وهيئات التمريض الفنية، والفنيون الصحيون، والفنيون فى فروع الأشعة والتحاليل والبصريات، وتكنولوجيو العلوم الصحية التطبيقية، وفنيو الإسعاف، المرخص لهم بمزاولة المهنة، وغيرها من المهن الطبية الأخرى التى يصدر تشريع يرخص بمزاولتها.

ونرى أن مشروع القانون هنا وعلى الرغم من أنه أشار للقانون رقم 481 لسنة 1954بشأن مزاولة مهنة التوليد، فإنه لم يذكر القابلات فى هذا التعريف وكان عليه أن يتناولها حيث إنها تمارس مهنة التوليد وقد تحدث القابلة ضررا بالحوامل أثناء الولادة.

2- الخدمة الطبية:كافة الإجراءات الطبية والتى تشمل الفحص السريرى، أو الفحوصات المعملية، أو الفحص الإشعاعى، أو الاستشارات الطبية، أو العمليات الجراحية، أو وصف الأدوية أو صرفها أو الرعاية التمريضية أو الإقامة فى المنشآت الطبية، وأى إجراء آخر ذو طبيعة وقائية أو تشخيصية أو علاجية أو تأهيلية.

3- مقدم الخدمة: أى شخص يزاول مهنة من المهن الطبية ويقوم بعمل من أعمال الخدمة الطبية أو يشترك فى القيام بها وفقا لأحكام القوانين المنظمة لذلك.

4- متلقو الخدمة: أى شخص يتلقى الخدمة الطبية من مقدم الخدمة.

5- المنشأة: مكان عام أو خاص مرخص له من الجهة الإدارية المختصة لتقديم الخدمة الطبية وفقا لأحكام القوانين المنظمة لذلك.

6- المضاعفات الطبية: تطور غير مرغوب للحالة الصحية لمتلقى الخدمة أثناء أو بسبب تقديم الخدمة الطبية بلا ارتباط سببى أو شرطى بفعل مقدم الخدمة أو مهارته.

7- الحالة الطارئة: حدث طبى مفاجئ لأحد الأشخاص ويشكل خطرا حادا على حالته الصحية يتطلب تدخلا طبيا فوريا للحيلولة دون تفاقم المضاعفات الطبية المترتبة عليه.

8- الموافقة المستنيرة: التعبير المكتوب المبنى على إرادة حرة وطواعية كاملة والصادر عن متلقى الخدمة إذا كان كامل الأهلية أو من وليه أو الوصى أو القيم عليه إذا كان عديم الأهلية أو ناقصها، فإن تعذر فمن أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية، والذى يتضمن الموافقة الصريحة على تلقى الخدمة الطبية أو رفض تلقيها بعد إعلامه وتبصيره بجميع جوانبها، متضمنا على الأخص الآثار والأخطار المحتملة التى قد تؤثر على قراره فى هذا الشأن، وفقا للنموذج الذى تعده الوزارة المختصة بشئون الصحة.

9- الموافقة: التعبير المبنى على إرادة حرة وطواعية كاملة والصادر عن متلقى الخدمة إذا كان كامل الأهلية أو من وليه أو الوصى أو القيم عليه إذا كان عديم الأهلية أو ناقصها، فإن تعذر فمن أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية، والذى يتضمن الموافقة على تلقى الخدمة الطبية بعد إعلامه وتبصيره بجميع جوانبها.

نرى أن مشروع القانون قد ذكر الموافقة المستنيرة ثم عاد وذكر الموافقة، ونرى أنه كان يجب أن يضع تفرقة بين الموافقة المستنيرة والتى تتعلق بالمساس بالتدخل على جسد الإنسان كإجراء جراحة أو بحث طبى وهذا يتفق مع ما أقره المشرع فى القانون 214 لسنة 2020 بشأن البحوث الطبية الإكلينيكية. وبين الموافقة التى لا تحتاج كتابة وهى تلك الموافقة التى لا تمس جسد الإنسان، مثل عمل التمريض، والكشف، والتشخيص، والعلاج، وغيرها من الأمور التى ليس بها تدخل على جسد الإنسان.

10- الخطأ الطبى: هو كل فعل يرتكبه مقدم الخدمة أو امتناع عن إجراء طبى، واجب عليه اتخاذه وفقا لأحكام هذا القانون، ولا يتفق مع الأصول العلمية الثابتة، أو آداب وتقاليد المهن الطبية الصادرة وفقا لأحكام القوانين المنظمة للنقابات المعنية أو المواثيق الأخلاقية المهنية التى يصدرها المجلس الصحى المصرى، بحسب الأحوال.

11- اللجنة العليا: اللجنة العليا للمسئولية الطبية وحماية المريض المنشأة وفقا لأحكام هذا القانون.

12- الصندوق: صندوق التأمين الحكومى المنشأ وفقا لأحكام هذا القانون.

 - أشار مشروع القانون فى المادة الثانية إلى أنه: يجب على كل من يزاول إحدى المهن الطبية داخل الدولة تأدية واجبات عمله بما تقتضيه المهنة من أمانة وصدق ودقة، وبذل عناية الشخص الحريص التى تقتضيها الحالة الصحية لمتلقى الخدمة للحفاظ على سلامته وحمايته، وفقا للأصول والمعايير الوطنية والدولية للممارسات الطبية الآمنة.

ونرى أن مشروع القانون كان يجب أن يفرق بين نوعين من الالتزامات الطبية وهما الالتزام ببذل عناية والالتزام بتحقيق نتيجة، فهناك الكثير من الالتزامات يجب أن تكون النتيجة فيها محققة، مثل سلامة الأدوات المستخدمة فى العمل الطبى وتعقيم تلك الأدوات، وكذا سلامة الدم المنقول للمريض وغيرها.

 - أشار مشروع القانون فى المادة الثالثة إلى أنه:تترتب المسئولية الطبية على كل خطأ طبى ناتج عن تقديم الخدمة الطبية سبب ضررا لمتلقى الخدمة.ولا يجوز الإعفاء أو التخفيف من المسئولية الطبية قبل وقوع الضرر، ويقع باطلا كل اتفاق على ذلك. ويكون مقدم الخدمة والمنشأة مسئولين بالتضامن عن تعويض الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية.

ونرى أن مشروع القانون كان ينبغى عليه أن ينص على إعفاء المريض من إثبات خطأ القائم بالخدمة فيجب على الأخير إثبات عدم تسببه فى الضرر، كما كان ينبغى عليه أن ينص على التزام مقدم الخدمة بالاستعانة بالمتخصصين إذا استدعى الأمر ذلك، وأن عدم قيامه بذلك ووقوع ضرر على المريض يعتبر إهمالا جسيما، كما أحسن مشروع القانون بحظر الاتفاق المسبق على الإعفاء أو التخفيف من المسئولية باعتباره مخالفا للنظام العام، وكذلك النص على المسئولية التضامنية بين مقدم الخدمة والمنشأة الطبية.

 - أشار مشروع القانون فى المادة الرابعة إلى أنه تنتفى المسئولية الطبية فى أى من الحالات الآتية:

1- إذا كان الضرر الواقع على متلقى الخدمة هو أحد الآثار أو المضاعفات الطبية المعروفة فى مجال الممارسة الطبية المتعارف عليها علميا.

2- إذا اتبع مقدم الخدمة أسلوبا معينا فى الإجراء الطبى يتفق مع الأصول العلمية الثابتة وإن خالف فى ذلك غيره فى التخصص ذاته.

3- إذا كان الضرر قد وقع بسبب فعل متلقى الخدمة أو رفضه للعلاج أو عدم اتباعه للتعليمات الطبية الصادرة إليه من مقدم الخدمة.

الفصل الثانى: التزامات مقدم الخدمة والمنشأة:

نص مشروع القانون على التزامات مقدم الخدمة فى المواد من 5:8 منه

أ- تنص المادة الخامسة من مشروع القانون على أنه: مع عدم الإخلال بالقواعد المنظمة لمزاولة المهن الطبية المختلفة وفى حدود القواعد المنظمة لكل تخصص، يتعين على مقدم الخدمة الالتزام بالقواعد الآتية:

1- اتباع الأصول العلمية الثابتة وتطبيق القواعد المهنية لتخصصه أثناء تقديم الخدمة الطبية.

2- تسجيل الحالة الطبية لمتلقى الخدمة والسيرة المرضية الشخصية والعائلية قبل الشروع فى التشخيص والعلاج.

3- استخدام الأدوات والأجهزة الطبية الصالحة للاستعمال والمناسبة لحالة متلقى الخدمة.

4- تبصير متلقى الخدمة بطبيعة مرضه ودرجة خطورته والمضاعفات الطبية التى قد تنجم عن العلاج والحصول على الموافقة قبل البدء فى تطبيقه، وإذا تعذر ذلك يكتفى بتقرير طبى من الطبيب المعالج ومن طبيب آخر فى التخصص ذاته ومدير المنشأة أو من ينوب عنه، كما يتعين على الطبيب وصف العلاج وتحديد جرعته وطرق استخدامه كتابة وبوضوح مذيلا باسمه ثلاثيا وتوقيعه وتاريخ كتابة الوصفة الطبية.

5- تدوين كل إجراء طبى أو تدخل جراحى يتم اتخاذه متضمنا نوعه وتاريخه بالتفصيل فى الملف الطبى لمتلقى الخدمة.

6-متابعة حالة متلقى الخدمة أثناء وجوده بالمنشأة.

7- التعاون مع غيره من مقدمى الخدمة الذين لهم صلة بعلاج متلقى الخدمة، وتقديم ما لديه من معلومات عن حالة متلقى الخدمة والطريقة التى اتبعها فى علاجه حال طلب الاستشارة.

8- إبلاغ الجهات المختصة عن الاشتباه فى إصابة أى شخص بالأمراض المعدية والتى من شأنها الأضرار بالآخرين لمكافحة انتشار تلك الأمراض، وفقا لأحكام القانون رقم ۱۳۷لسنة ١٩٥٨ فى شأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية.

نرى أن مشروع القانون كان ينبغى عليه أن يضيف التزام مقدم الخدمة بنقل المريض لمنشأة طبية متخصصة فى حالة عدم توافر الإمكانات المادية والبشرية فى المنشأة التى يعمل بها على أن يصحبه متخصص للمنشأة الأخرى وتوضيح أسباب النقل، وهو ما نص عليه فى المادة السادسة فى المحظورات على مقدم الخدمة.

ب-تنص المادة السادسة من مشروع القانون على أنه: مع عدم الإخلال بالقواعد المنظمة لمزاولة المهن الطبية المختلفة وفى حدود القواعد المنظمة لكل تخصص، يحظر على مقدم الخدمة إتيان أى من الأفعال الآتية:

1-تجاوز حدود الترخيص الممنوح له.

2- معالجة متلقى الخدمة دون رضاه فيما عدا الحالات الطارئة أو التى تشكل خطرا على حياته التى يتعذر فيها الحصول على الموافقة لأى سبب من الأسباب، أو الحالات التى يكون فيها مرضه معديا ومهددا للصحة أو السلامة العامة.

3-الامتناع عن علاج متلقى الخدمة فى الحالات الطارئة أو التى تشكل خطرا على حياته حتى تستقر حالته الصحية، وفى حالة خروج الإجراء الطبى عن اختصاص مقدم الخدمة لأى سبب يتعين عليه إجراء الإسعافات الأولية الضرورية لمتلقى الخدمة، وتوجيهه إلى مقدم الخدمة المختص أو إلى أقرب منشأة إذا تطلب الأمر مع إعداد تقرير مختصر عن النتائج الأولية لفحصه.

4-الانقطاع عن علاج متلقى الخدمة دون التأكد من استقرار حالته الصحية، إلا إذا كان الانقطاع راجعا لأسباب لا دخل لإرادة مقدم الخدمة فيها.

5-استعمال وسائل غير مرخص بها أو غير مشروعة فى التعامل مع الحالة الصحية لمتلقى الخدمة.

6-الكشف السريرى على متلقى الخدمة من جنس آخر بدون موافقته أو حضور أحد أقاربه أو مرافق له أو أحد أعضاء الفريق الطبى، إلا فى الحالات الطارئة أو التى تشكل خطرا على حياته.

7-القيام بأى إجراء طبى بالمخالفة للتشريعات المعمول بها أو الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية المعتمدة من المجلس الصحى المصرى.

8-إفشاء سر متلقى الخدمة الذى اطلع عليه أثناء مزاولة المهنة الطبية أو بسببها سواء كان متلقى الخدمة قد ائتمنه على هذا السر أو اطلع عليه بنفسه أثناء متابعته، ويستثنى من ذلك الحالات الآتية:

أ-إذا كان ذلك بناء على طلب متلقى الخدمة أو موافقته.

ب-منع وقوع جريمة أو الإبلاغ عنها ويكون الإفشاء فى هذه الحالة للجهة المختصة وحدها.

ج-إذا كان مقدم الخدمة مكلفا بذلك من جهة التحقيق أو المحكمة المختصة باعتباره خبيرا أو شاهدا.

د-إذا كان مقدم الخدمة مكلفا بإجراء طبى من إحدى شركات التأمين أو من جهة العمل وبما لا يجاوز الغرض من التكليف.

هـ-دفاع مقدم الخدمة عن نفسه فى شكوى مقدمة ضده، على أن يكون ذلك أمام الجهات المختصة، وفى حدود ما تقتضيه حاجة الدفاع.

و-حماية الصحة العامة فى حالة الأمراض المعدية ويكون الإفشاء للجهات المختصة وحدها، وفقا لأحكام قانون الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية المشار إليه.

وقد وضعت هذه المادة التزامات على مقدم الخدمة (الطبيب أو شخص آخر) بأن يؤدى عمله فى ضوء القواعد القانونية والترخيص الممنوح له وعدم مخالفة القواعد الطبية المستقرة وميثاق الشرف المهنى والابتعاد عن مواطن الشبهات والالتزام بقواعد الشريعة الإسلامية فى التعامل مع المرضى، وعدم إفشاء سر المريض إلا وفقا لقواعد محددة تتوافق مع التشريعات واللوائح المنظمة للعمل الطبى.

ونرى أن مشروع القانون قد أحسن فى وضع قواعد خاصة بممارسة المهن الطبية بعد أن أصدر القانون رقم 12 لسنة 2022 بشأن إنشاء وتنظيم المجلس الصحى المصرى، حيث وضع فيه قواعد خاصة بتطوير التدريب الطبى بعد الجامعى وإصدار شهادة معتمدة تسمى البورد المصرى، وتكون تلك الشهادة سابقة على الحصول على ترخيص مزاولة المهنة من النقابات المهنية ويكون الترخيص الممنوح بمزاولة المهنة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد.

ج-تنص المادة السابعة من مشروع القانون على أنه: فيما عدا الحالات التى تستلزم التدخل الجراحى الفورى لإنقاذ حياة متلقى الخدمة وتجنب المضاعفات الطبية الجسيمة له، لا يجوز لمقدم الخدمة أو المنشأة إجراء أو السماح بإجراء العمليات الجراحية، إلا بمراعاة ما يأتى:

1- أن يكون الطبيب الذى يجرى العملية الجراحية مؤهلا لإجرائها بحسب تخصصه العلمى والخبرة العملية ودرجة دقة وأهمية العملية الجراحية، والمزايا الإكلينيكية المعتمدة من المجلس الصحى المصرى.

2-أن تجرى الفحوصات الطبية اللازمة للتأكد من أن التدخل الجراحى ضرورى ومناسب لعلاج متلقى الخدمة والتحقق من أن الحالة الصحية له تسمح بإجراء العملية الجراحية.

3-أن يتم الحصول على الموافقة المستنيرة وفى حالة تعذر الحصول عليها يكتفى بتقرير طبى من الطبيب المعالج ومن طبيب آخر فى التخصص ذاته ومدير المنشأة أو من ينوب عنه يؤكد حاجة متلقى الخدمة للعملية الجراحية.

4- أن تجرى العملية الجراحية فى منشأة مهيأة بدرجة كافية لإجرائها وفقا للضوابط المقررة فى هذا الشأن.

وقد وضع مشروع القانون فى المادة السابعة مبدأ خطيرا بأن نص فى بداية المادة على أنه فيما عدا الحالات التى تستلزم التدخل الجراحى الفورى لإنقاذ حياة متلقى الخدمة وتجنب المضاعفات الطبية الجسيمة له، وهذا تصريح لشخص غير متخصص بإجراء عملية جراحية فى مكان غير مؤهل ومن شخص غير مؤهل. ونرى أنه لا يجوز لمقدم الخدمة أو المنشأة إجراء أو السماح بإجراء العمليات الجراحية مهما كانت الأسباب إلا بتوافر الشروط الواردة فى المادة ولا يجوز استثناء حالة التدخل الجراحى الفورى ولكن يسمح له بإجراء أعمال الطوارئ الضرورية فقط كوقف النزيف وتشغيل الأكسجين للمريض دون التدخل الجراحى على أن يستدعى فورا المختص أو نقل الحالة بسيارة إسعاف مجهزة، لأن إجراء جراحة عاجلة والتدخل الفورى قد يكون سببا فى إنهاء حالة المريض.

د- تنص المادة الثامنةمن مشروع القانون على أنه:يحق لمتلقى الخدمة الخروج من المنشأة، إذا كانت حالته الصحية تسمح بذلك طبقا للأصول العلمية الثابتة، ووفقا لتقرير مكتوب من الطبيب المعالج يفيد انتهاء فترة علاجه.ويكون لمتلقى الخدمة قبول أو رفض الإجراء الطبى ومغادرة المنشأة خلافا لتوصية مقدم الخدمة، بعد الحصول على الموافقة المستنيرة ولا يجوز نقل متلقى الخدمة إلى منشأة أخرى لاستكمال علاجه، إلا بناء على رأى الطبيب المعالج، وتوفير مستلزمات النقل الصحى السليم له.

ونرى أن تلك المادة قد أصابت بأن وضعت الضوابط الخاصة بخروج المريض بعد تحسن حالته، وتركت له الحق فى رفض العلاج، ولكن يجب على مقدم الخدمة إخطاره كتابة بحالته وطلب موافقته المستنيرة، فإذا رفض التوقيع عليه أن يثبت ذلك ويحصل على توقيع أى شخص موجود أثناء ذلك لإخلاء مسئوليته حيال المريض.

الفصل الثالث: ا للجان والخبرة الفنية فى مجال المسئولية الطبية:

نص مشروع القانون على اللجان المختصة فى المواد من 9:19 منه

تنص تلك المواد على القواعد التنظيمية الخاصة بتشكيل اللجنة العليا للمسئولية الطبية وحماية المريض وتبعيتها لرئيس مجلس الوزراء وممثلى الهيئات القائمة على تلك اللجنة، واجتماعاتها الدورية، وضم ذوى الخبرة لأعمالها، كما ينص مشروع القانون على اختصاصات اللجنة ونظر الشكاوى واعتماد التقارير والتسوية الودية، وإخطار النقابات المختصة، وإنشاء قاعدة بيانات، ووضع القواعد الاسترشادية الخاصة بالتعامل مع متلقى الخدمة وحقوقهم وواجبات مقدمى الخدمة قبلهم. كما ينص مشروع القانون على تشكيل أمانة فنية تابعة للجنة العليا من أعضاء المهن الطبية المختلفة من ذوى الخبرة والكفاءة المهنية. كما نص مشروع القانون على تشكيل لجان فرعية تتولى فحص الشكاوى وتكون لها أفرع فى كافة المحافظات، كما وضع مشروع القانون التزاما على اللجنة العليا بتشكيل لجان للتسوية الودية وقواعد وإجراءات التسوية.وتكون اجتماعات اللجنة العليا وأماناتها ولجانها الفرعية ولجان التسوية وإجراءاتها وقراراتها لها طابع السرية ويكون إفشاؤها وفقا للقانون.

وقد وضع مشروع القانون عددا من القواعد بشأن حقوق متلقى الخدمة من بينها:

الالتزام بحق دستورى تنص عليه المادة 97 من الدستور وهو الحق فى التقاضى.

تقديم الشكوى لمتلقى الخدمة ووكيله وأقاربه حتى الدرجة الثانية فى حالة الوفاة أو فقدان الوعى.

تقديم الشكوى إما أمام اللجنة العليا أو من خلال موقع إلكترونى تابع لها أو أمام مكاتب لها تنشأ داخل ديوان كل محافظة.

التزام اللجان الفرعية بتلقى الشكاوى واستدعاء أطراف الشكوى وبحث كافة المستندات الخاصة بها، ولها أن تقوم بإجراء الفحص والكشف الطبى للتحقق من وقوع الخطأ الطبى بالفعل وتأثيره على مقدم الشكوى.

تعد اللجان الفرعية تقارير مسببة بنتيجة الفحص خلال 30 يوما من تاريخ إحالة الشكوى، وإذا لم تنته من الفحص عليها العرض على اللجنة العليا لمد مدة الفحص.

تتضمن تقارير نتيجة الفحص التأكيد على عناصر المسئولية المدنية (خطأ طبى، وضرر، وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر)، وتحديد نسبة العجز إن وجدت.

تعتمد اللجنة العليا التقارير وفقا للضوابط والإجراءات وتخطر مقدم الشكوى خلال 15 يوما من تاريخ اعتماد التقرير.

منح مشروع القانون اللجنة العليا فى حالة توافر أركان المسئولية عرض التسوية الودية على المتضرر أو ورثته ويكون للتسوية الودية قوة السند التنفيذى، وتسليم التسوية للمتضرر أو ورثته.

ألزم مشروع القانون أعضاء اللجان بعدم إبداء الرأى فى أى حالة تكون بينها صلة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة وعليهم التنحى فى حالة استشعار الحرج (كأن يكون مقدم الخدمة - المشكو فى حقه - على صلة صداقة مع أحد أعضاء اللجان).

كما وضع مشروع القانون شروطا ذاتية (شخصية) خاصة بأعضاء اللجنة العليا والأمين العام للجنة العليا وأعضاء الأمانة الفنية للجنة العليا وأعضاء اللجان المشكلة وفقا لأحكام هذا القانون منها:

1- ألا تقل مدة خبرته فى مجال عمله عن خمس عشرة سنة.

2- ألا يكون قد صدر ضده حكم قضائى نهائى فى جناية أو فى جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.

3- ألا يكون قد سبق إدانته فى أية قضايا متعلقة بالمسئولية الطبية.

4- أن يكون محمود السيرة حسن السمعة.

يشار إلى أن مشروع القانون منح المضرور الحق فى التوجه لجهات التقاضى لاتخاذ شئونها، فمن حق المضرور التوجه للقضاء مباشرة والتوجه بشكوى أيضا للجنة العليا كما نص مشروع القانون، إلا أنه فى حالة لجوء المتضرر للقضاء فللمحكمة المختصة وجهات التحقيق والطب الشرعى الاستعانة بتقارير اللجان المختصة حال قيامها بالتحقيق القضائى فيها، ويعتبر أعضاء تلك اللجنة خبراء قضائيين فى تلك الدعاوى ولهم كافة الضمانات المقررة قانونا لسائر الخبراء القضائيين.فلجوء المضرور للجنة العليا لا يحرمه من اللجوء للقضاء واتخاذ الإجراءات القضائية ضد مقدم الخدمة، فإذا أقرت اللجنة بحق المضرور ومنحته التعويض ووافق على التسوية الودية فيكون ذلك تنازلا منه عن الدعوى القضائية، كما أن مشروع القانون منح اللجان الحق فى اتخاذ كافة الإجراءات للتحقق من صحة الشكوى.

الفصل الرابع: التعويض عن الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية:

نص مشروع القانون على التعويض عن الأضرار فى المواد من 20:22 منه

يعرف التعويض بأنه جزاء المسئولية المدنية وأثرها، حيث يتقرر التعويض كأثر لاحق يلتزم به المسئول عن الضرر قبل المضرور نظرا لإلحاقه الضرر به، فيسبب ذلك الضرر مساسا سلبيا بحالة المضرور التى كان عليها قبل وقوع الضرر، فيلتزم بتعويض المضرور عما يترتب على ذلك من نتائج وآثار مالية وغير مالية، فالتعويض يقوم على تصحيح التوازن الذى اختل وأهدر نتيجة وقوع الضرر وذلك بإعادة المضرور إلى الحالة التى كان عليها قبل وقوع الضرر وذلك على حساب المسئول الملتزم بالتعويض، ويشترط لاستحقاق التعويض نشوء الضرر، فالضرر شرط أساسى للتعويض، فلا يرتبط التعويض بوقوع الخطأ ولكن يجب وقوع ضرر فإذا وقع الخطأ ولم يحدث ضرر فلا تعويض.

تنص تلك المواد من 20:22 من مشروع القانون على تغطية الأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية على النحو التالى:

أ-تنص المادة 20 من مشروع القانون على أنه:ينشأ صندوق تأمين حكومى للمساهمة فى تغطية الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية، مباشرة أو عن طريق التعاقد مع شركة تأمين أو أكثر أو مجمعة تأمين توافق على إنشائها الهيئة العامة للرقابة المالية، كما يجوز للصندوق المساهمة فى تغطية الأضرار الأخرى التى تلحق بمتلقى الخدمة أثناء وبسبب تقديم الخدمة الطبية استنادا إلى الدراسات الفنية والاكتوارية التى تعد فى هذا الشأن.ويصدر النظام الأساسى للصندوق وفقا للنموذج المعتمد من مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية.ويخضع الصندوق لرقابة وإشراف الهيئة العامة للرقابة المالية وفقا لأحكام القوانين المنظمة لذلك.

وكان القانون رقم 155 لسنة 2024 بشأن إصدار قانون التأمين الموحد قد عرف صناديق التأمين الحكومية فى المادة الأولى منه بأنها الصناديق التى تتولى عمليات التأمين ضد الأخطار التى لا تقبلها عادة شركات التأمين أو تلك التى ترى الحكومة مزاولتها بنفسها لهدف قومى أو اجتماعى.ووفقا للفصل الخامس من القانون بشأن نشاط تلك الصناديق، فقد نصت المادة 60 وما بعدها على آلية إنشاء تلك الصناديق بقرار من رئيس مجلس الوزراء.

وكان مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية قد أصدر القرار رقم 237 لسنة 2024 بشأن ضوابط تسجيل وتصفية وشطب صناديق التأمين الخاصة والشروط الواجب توافرها فى النظام الأساسى لتلك الصناديق وضوابط تعديلها، ونرى أنه يجب أن يضع أيضا نموذجا خاصا بالصندوق الحكومى المزمع إنشاؤه وفقا المشروع القانون.

ب-تنص المادة 21 من مشروع القانون على أنه: يشمل التأمين حالات الوفاة والعجز والإصابة البدنية والنفسية لمتلقى الخدمة وذلك وفقا لأحكام وثيقة التأمين الصادرة فى هذا القانون. ويكون أداء الصندوق لمبلغ التعويض بناء على التسوية الودية وفقا لأحكام هذا القانون أو بعد حصول متلقى الخدمة على حكم قضائى نهائى بقيمة التعويض.

ج-تنص المادة 22 من مشروع القانون على أنه: مع عدم الإخلال بجميع الأحكام الواردة فى القوانين والقرارات المنظمة لمزاولة المهن الطبية أو الترخيص للمنشآت الخاضعة لأحكام هذا القانون، يُشترط للاستمرار فى مزاولة إحدى المهن الطبية أو الحصول على ترخيص بمزاولتها أو تجديده، وكذلك الحصول على ترخيص المنشآت الخاضعة لأحكام هذا القانون أو تجديده، تقديم شهادة تفيد الاشتراك فى الصندوق.

ونرى أن مشروع القانون قد أحسن بأن اشترط اشتراك المنشآت الخاضعة لأحكام القانون ومقدمى الخدمات بتقديم شهادة اشتراك فى الصندوق، كما أن مشروع القانون قد جعل مبلغ التأمين يشمل الوفاة والعجز والإصابة.

الفصل الخامس: العقوبات:

نص مشروع القانون على العقوبات فى المواد من 23:30 منه

تعرف العقوبات بأنها الجزاء المادى الذى توقعه السلطة القضائية على المخالفين لأحكام القانون، وهذا الجزاء المادى يبدأ من الغرامة وينتهى بعقوبة الإعدام وفقا لنصوص قانون العقوبات، ويجب أن يتضمن أى نص قانونى جزاءً ماديا وإلا كان قاعدة أخلاقية.

فالقاعدة القانونية هى القاعدة التى يلتزم الجميع بتطبيقها، كما تساهم فى جعل النص القانونى قيد التنفيذ، حيث يعرف القانون بأنه مجموعة من القواعد القانونية التى تنظم الحياة والعلاقات بين الأشخاص فى المجتمع.وتمتاز القاعدة القانونية بأنها قاعدة سلوكية - اجتماعية -عامة ومجردة- ملزمة ولها جزاء مادى.

وقد وضع مشروع القانون عددا من العقوبات على النحو التالى:

1-التزام المحكمة بالعقوبة الأشد:

حيث وضع القانون عقوبات ولكنه خشية وجود قانون آخر يضع عقوبات أشد فتوقع العقوبة الأشد.

تنص المادة "23" من مشروع القانون على أنه: مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد منصوص عليها فى أى قانون آخر، يعاقب على الأفعال المبينة فى المواد التالية بالعقوبات المنصوص عليها فيها.

2-التعدى على مقدم الخدمة أو المنشأة:

تنص المادة "24" من مشروع القانون على أنه: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه، كل من أهان بالإشارة أو القول أو التهديد أحد مقدمى الخدمة أثناء تأدية مهنته أو بسبب تأديتها.

كما تنص المادة "25" من مشروع القانون على أنه:يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تجاوز خمسين ألف جنيه، كل من أتلف عمدا شيئا من المنشآت أو محتوياتها، أو تعدى على أحد مقدمى الخدمة أو قاومه بالقوة أو العنف أثناء تأدية مهنته أو بسبب تأديتها.فإذا حصل الإتلاف أو التعدى باستعمال أية أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أخرى تكون العقوبة الحبس الذى لا تقل مدته عن سنة.وفى جميع الأحوال، يحكم على الجانى بدفع قيمة ما أتلفه.

وهنا مشروع القانون قد وضع حماية مطلقة سواء كانت المنشأة عامة أو خاصة، وسواء كان مقدم الخدمة موظفا عاما أم لا، وكان قانون العقوبات قد وضع قواعد خاصة بحماية الموظفين العموميين على النحو التالى:

-تنص المادة 136 من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937على عقوبة الحبس لكل من تعدى على أحد الموظفين العموميين أثناء تأدية عملهم، ونصت على أنه: "كل من تعدى على أحد الموظفين العموميين أو رجال الضبط أو أى إنسان مكلف بخدمة عمومية أو قاومه بالقوة أو العنف أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز مائتى جنيه مصرى".

 - تنص المادة 137 على أنه: "إذا حصل مع التعدى أو المقاومة ضرب أو نشأ عنه جرح تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو غرامة لا تتجاوز مائتى جنيه مصرى. فإذا حصل الضرب أو الجرح باستعمال أية أسلحة أو عصى أو آلات أو أدوات أخرى أو بلغ الضرب أو الجرح درجة الجسامة المنصوص عليها فى المادة 241 تكون العقوبة الحبس".

-أما من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف، فتنص المادة 137 مكررا على أنه: "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنين كل من استعمل القوة أو العنف أو التهديد مع موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ليحمله بغير حق على أداء عمل من أعمال وظيفته أو على الامتناع عنه ولم يبلغ بذلك مقصده، فإذا بلغ الجانى مقصده تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين.وتكون العقوبة السجن فى الحالتين إذا كان الجانى يحمل سلاحا.وتكون العقوبة السجن المشدد إلى عشر سنين إذا صدر من الجانى ضرب أو جرح نشأ عنه عاهة مستديمة، وتكون العقوبة السجن المشدد إذا أفضى الضرب أو الجرح المشار إليه فى الفقرة السابقة إلى الموت".

ونرى أن العقوبات فى مشروع القانون لا تتفق مع قانون العقوبات والأحوط أن تتفق معه فهى أشد من الواردة بمشروع القانون،ويجب أن يعاقب المتعدى على مقدم الخدمة على النحو الذى ورد بقانون العقوبات سواء وقعت المخالفة داخل منشأة عامة أو خاصة، وسواء كان مقدم الخدمة موظفا عاما أم لا، بالإضافة إلى التزام القائم بالفعل بالتعويضات ودفع قيمة التلفيات.

3- مخالفة مقدم الخدمة للالتزامات الواردة بمشروع القانون

تنص المادة "26" من مشروع القانون على أنه:يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام المواد (6، 7، 8) من هذا القانون. ويعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للمنشأة بذات العقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب بالمخالفة لأحكام المواد المذكورة فى الفقرة السابقة إذا ثبت علمه بها، وكان إخلاله بالواجبات التى تفرضها عليه تلك الإدارة قد أسهم فى وقوع الجريمة. وللمحكمة أن تقضى بإيقاف ترخيص المنشأة مدة لا تزيد على سنة، ولها فى حالة العود أن تحكم بإلغاء الترخيص، ويتم نشر الحكم فى جريدتين يوميتين واسعتى الانتشار على نفقة المنشأة. وتكون المنشأة مسئولة بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية.

وقد أشار هذا النص إلى ما يلى:

-التزام مقدم الخدمة والمنشأة بالمواد (6، 7، 8) من هذا القانون والسابق تناولها والتى تتحدث عن التزامات مقدم الخدمة قبل متلقيها، والتزامه القانونى ومخالفة الأصول والقواعد المهنية.

-عقاب المسئول عن الإدارة الفعلية للمنشأة بالعقوبات ذاتها إذا ثبت علمه بها، وكان إخلاله بالواجبات التى تفرضها عليه تلك الإدارة قد أسهم فى وقوع الجريمة.

-منح مشروع القانون المحكمة الحق فى أن تقضى بعقوبة تكميلية وهى إيقاف ترخيص المنشأة مدة لا تزيد على سنة، ولها فى حالة العود أن تحكم بإلغاء الترخيص.

-يتم نشر الحكم فى جريدتين يوميتين واسعتى الانتشار على نفقة المنشأة.

-تكون المنشأة مسئولة بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من عقوبات مالية.

ونرى أن مشروع القانون كان يجب عليه أن ينص على التضامن بين مقدم الخدمة والمنشأة فى التعويضات مع العقوبات المالية باعتبارها التزاما قانونيا يجب أن تتحمله المنشأة مع مقدم الخدمة، والتى سبق أن أشار إليها مشروع القانون فى المادة الثالثة منه.

4-تسبب مقدم الخدمة فى وفاة متلقى الخدمة:

تنص المادة "27" من مشروع القانون على أنه:يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين من تسبب من مقدمى الخدمة بخطئه الطبى فى وفاة متلقى الخدمة.وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبى جسيم أو كان مقدم الخدمة متعاطيا مسكرا أو مخدرا عند ارتكابه الخطأ الطبى أو نكل وقت الواقعة عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الخطأ الطبى وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين.

وفى هذا النص فرق مشروع القانون بين عدد من الحالات وهى:

-تسبب مقدم الخدمة بخطئه الطبى فى وفاة متلقى الخدمة.

-إذا وقعت الوفاة نتيجة خطأ طبى جسيم أو كان مقدم الخدمة متعاطيا مسكرا أو مخدرا عند ارتكابه الخطأ الطبى أو نكل وقت الواقعة عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.

-إذا نشأ عن الخطأ الطبى وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص.

يشار إلى أن مشروع القانون لا يتعامل مع الطبيب الجراح فقط، فقد يرى البعض أن ما ورد بالفقرة الأخيرة من النص لا يتفق مع الطبيب الجراح لأنه يتعامل مع حالة واحدة وأنه لن يتسبب فى وفاة أربع حالات فى الوقت ذاته، فما الداعى لوضع ذلك النص وغاب عنهم أن مقدم الخدمة قد يكون صيدليا يقدم العلاج لأكثر من مريض فيتوفوا نتيجة هذا العلاج، أو قد يكون من هيئة التمريض فيعطى الممرض الدواء لعدد من المرضى، وقد يقع الخطأ أيضا نتيجة امتناع الطبيب عن القيام بإجراء طبى لعدد من المرضى.فالخطأ الطبى كما عرفته المادة الأولى هو كل فعل يرتكبه مقدم الخدمة أو امتناع عن إجراء طبى واجب عليه اتخاذه وفقا لأحكام هذا القانون....، وعليه فمقصد التشريع التعامل مع كافة مقدمى الخدمة وليس مع الطبيب الجراح فقط.

وقد وضع مشروع القانون العقوبات السابق التنويه إليها فى نص المادة على كل حالة على حدة، ونرى أن مشروع القانون كان ينبغى أن يشدد على الوفاة نتيجة الخطأ الطبى بدلا من أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وأن تكون العقوبة لا تقل عن سنة بدلا من ستة أشهر، لأنه جاء فى المادة 28 ونص على أن تكون العقوبة مدة لا تزيد على سنة إذا تسبب فى جرح متلقى الخدمة.

5- تسبب مقدم الخدمة فى إصابة متلقى الخدمة:

تنص المادة "28" من مشروع القانون على أنه: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين من تسبب من مقدمى الخدمة بخطئه الطبى فى جرح متلقى الخدمة أو إيذائه.وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الخطأ الطبى عاهة مستديمة، أو إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبى جسيم، أو كان مقدم الخدمة متعاطيا مسكرا أو مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الطبى، أو نكل وقت الواقعة عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الخطأ الطبى إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين.

وفى هذا النص فرق مشروع القانون بين عدد من الحالات وهى:

-تسبب مقدم الخدمة بخطئه الطبى فى جرح متلقى الخدمة أو إيذائه.

-إذا نشأ عن الخطأ الطبى عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبى جسيم، أو كان مقدم الخدمة متعاطيا مسكرا أو مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الطبى، أو نكل وقت الواقعة عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.

-إذا نشأ عن الخطأ الطبى إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين.

ودون الرجوع لما سبق ذكره بشأن تعدد الحالات الناتجة عن الخطأ الطبى، فقد يرى البعض أن عبارة (جرح متلقى الخدمة أو إيذائه) هى عبارة غامضة لأن الطبيب يحدث جرحا بالمريض أثناء الجراحة، وقد يستغرق هذا الجرح وقتا حتى يلتئم وقد تحدث مضاعفات ليس للطبيب ذنب بشأنها وأن تلك العبارة قد تستغل ضد الطبيب، وللرد على ذلك نشير إلى أن النص قد أشار إلى أن الجرح الناتج عن خطأ طبى مثل قيام الطبيب أثناء إجراء الجراحة بقطع شريان متصل بالقلب أو المخ فتحدث تلفيات به أو أن يقطع عضوا أو يتسبب فى فقده لوظيفته، لذا فإن الأمر لا يتناول الجرح الناتج عن الجراحة التى يقوم بها الطبيب، حتى أن مشروع القانون قد تحدث عن المضاعفات فأخلى مسئولية الطبيب منها حيث عرف فى المادة الأولى المضاعفات الطبية بأنها: تطور غير مرغوب للحالة الصحية لمتلقى الخدمة أثناء أو بسبب تقديم الخدمة الطبية بلا ارتباط سببى أو شرطى بفعل مقدم الخدمة أو مهارته.وعليه فقد تحدث مضاعفات دون أى يكون للطبيب سبب فى وقوعها فلا يسأل عنها لأنه لا تدخل فى الخطأ الطبى، كما أن المحكمة تلجأ للجان الطبية المختصة لتوضح إذا كان الخطأ الذى وقع من الطبيب هو خطأ طبى أم مضاعفات طبية أم نتيجة الجرح الخاص بالجراحة، فمشروع القانون فى المادة 11 تحدث عن أمانة فنية تابعة للجنة العليا من أعضاء المهن الطبية وأشارت المواد التالية للجان فرعية تقوم بفحص الشكوى وتعقد اجتماعا أو عدة اجتماعات مع مقدم الشكوى والمشكو فى حقه من مقدمى الخدمة منفردين أو مجتمعين لسماع آرائهم فى شأن الشكوى وبحث أى مستندات تقدم من جانبهم، ولها استطلاع آراء أفراد الطاقم الطبى فى المنشأة والقيام بإجراءات الفحص والكشف الطبى إذا اقتضى الأمر.وبالتالى فإنها تتأكد من وقوع الخطأ الطبى أو عدم وقوعه.

وقد وضع مشروع القانون العقوبات السابق التنويه إليها فى نص المادة على كل حالة على حده.

6-الحبس الاحتياطى:

الحبس الاحتياطى لا يخرج عن كونه إجراء من إجراءات التحقيق فى جميع الأحوال، وأنه بهذه الصفة ليس عقوبة كما أنه ينبغى ألا يتحول إلى تدبير احترازى يجعله فى مصافِّ العقوبات، وقد تضمنت التعليمات العامة للنيابات فى المادة رقم 381 تعريف الحبس الاحتياطى بأنه:"إجراء من إجراءات التحقيق غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائى من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق وتيسير استجوابه أو مواجهته كلما استدعى التحقيق ذلك، والحيلولة دون تمكينه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجنى عليه، وكذلك وقاية المتهم من احتمالات الانتقام منه وتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة".

ولما كان هذا إجراء من إجراءات التحقيق فقد وضع المشرع ضمانات له حيث تنص المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية على دواعى ومبررات الحبس الاحتياطى وحصرها المشرع فى أربع حالات: [1] إذا كانت الجريمة فى حالة تلبس، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره.[2] الخشية من هروب المتهم.[3] خشية الأضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجنى عليه أو الشهود، أو بالعبث فى الأدلة أو القرائن المادية، أو بإجراء اتفاقات مع باقى الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها.[4] توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذى قد يترتب على جسامة الجريمة.

تنص المادة "29" من مشروع القانون على أنه:تصدر أوامر الحبس الاحتياطى ومدده فى الجرائم التى تقع من مقدم الخدمة أثناء تقديم الخدمة الطبية أو بسببها من عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل أو من فى درجته.

وعليه فإن مشروع القانون قد جعل الحبس الاحتياطى يصدر من رئيس نيابة على الأقل حتى يكون هناك حالة من حالات الاطمئنان لدى مقدم الخدمة، ونرى أنه كان يجب أن ينص على صدور هذا الأمر من رئيس النيابة بعد التشاور مع المحامى العام للنيابات، حتى يكون هناك أكثر من شخص يبحث الأمر.

7- التصالح بين مقدم الخدمة ومتلقيها أو من ينوب عنه:

حرصا من مشروع القانون على المستقبل المهنى لمقدم الخدمة فقد أشار للتصالح بين مقدم الخدمة ومتلقيها أو من ينوب عنه أو ورثته باعتبار أن السلوك الذى قام به نشأ عن خطأ وليس عن عمد، لذا فإنه يجوز لمقدم الخدمة أو وكيله الخاص أو ورثته أو وكيلهم الخاص الحق فى أن يثبتوا أمام النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال الصلح مع مقدم الخدمة، ويجوز الصلح فى أية حالة كانت عليها الدعوى وكذلك بعد صيرورة الحكم باتا.

تنص المادة "30" من مشروع القانون على أنه:للمجنى عليه أو وكيله الخاص ولورثته أو وكيلهم الخاص أن يطلب من جهة التحقيق أو المحكمة المختصة، بحسب الأحوال، وفى أى حالة كانت عليها الدعوى إثبات الصلح مع المتهم فى الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون وتأمر جهة التحقيق بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صيرورة الحكم باتا، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية، ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة أو على الدعوى المدنية.ويجوز أن يكون الإقرار بالصلح أمام لجنة التسوية الودية المشكلة وفقا لأحكام هذا القانون على أن يتم عرضه على جهة التحقيق أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال لاعتماده، ويترتب على الصلح الآثار ذاتها الواردة فى الفقرة السابقة.

وكان المشرع فى المادة 18 مكرر (أ) من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، والمستبدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006، قد سبق أن أشار للتصالح فى بعض الجرائم، حيث تنص تلك المادة على أنه:للمجنى عليه أو وكيله الخاص ولورثته أو وكيلهم الخاص إثبات الصلح مع المتهم أمام النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال، وذلك فى الجنح والمخالفات المنصوص عليها فى المواد 238 (الفقرتان الأولى والثانية)، و241 (الفقرتان الأولى والثانية)، و242 (الفقرات الأولى والثانية والثالثة)، و244 (الفقرتان الأولى والثانية)، و265، و321 مكررا، و323، و323 مكررا، و323 مكررا "أولا"، و324 مكررا، و336، و340، و341، و342، و354، و358، و360، و361 (الفقرتان الأولى والثانية)، و369، و370، و371، و373، و377 (البند 9)، و378 البنود (6، 7، 9)، و379 (البند 4) من قانون العقوبات، وفى الأحوال الأخرى التى ينص عليها القانون.ويجوز للمتهم أو وكيله إثبات الصلح المشار إليه فى الفقرة السابقة.ويجوز الصلح فى أية حالة كانت عليها الدعوى، وبعد صيرورة الحكم باتا.ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل الصلح أثناء تنفيذها، ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة.

مما سبق يتضح أن مشروع القانون يسهم فى حماية الطبيب والمريض فى الوقت ذاته فهو قد وضع لجانا فنية متخصصة فى كافة الممارسات الطبية تتحقق من مدى صحة الخطأ والضرر الواقع على متلقى الخدمة وهل السبب فيها هو مقدم الخدمة أم إنها حادث عارض أو مضاعفات، وبالتالى فالطبيب له أن يتقدم للجنة الطبية ويقدم كافة المستندات والأدلة التى تؤكد صحة موقفهـ وهذه اللجان وبوصفها لجانا طبية فإنها سوف تدرس كافة المستندات، ولها أن تقدم تقريرها للجنة العامة فتثبت مسئولية مقدم الخدمة أو تنفيها، وتتحقق من وقوع الخطأ الطبى من عدمه ومدى جسامته، وتحديد نسبة المشاركة فى الخطأ الطبى حال تعدد المسئولين عنه، وبيان سببه والأضرار المترتبة عليه، وعلاقة السببية بين الخطأ الطبى والضرر، ونسبة العجز فى العضو المتضرر إن وجدت، وهذا فيه حماية للطبيب من الملاحقة التعسفية دون وقوع خطأ طبى منه، كما أنه يعطى المرضى الحق فى التعويض عن الأضرار ومعاقبة المهمل والمقصر من مقدمى الخدمة.

وجاء مشروع القانون لينص على إبلاغ التقارير إلى النقابة المعنية حال توافر شبهة جنائية أو مخالفة تأديبية، ونرى أن مشروع القانون كان يجب أن ينص على عرض مقدم الخدمة بعد إجراء التسوية الودية، إذا ثبت خطأ فى حقه، إلى مجلس نقابته للنظر فى معاقبته التأديبية أو الإدارية والتنظيمية عن عمله، حتى يكون للنقابات دور فى مساءلة عضو النقابة المتسبب فى الضرر، وعليها إخطار اللجنة العليا بما اتخذته من إجراءات تأديبية قبل العضو، كما أنه يجب مشاركة عضو نقابة مع مقدم الخدمة أثناء التحقيق معه وسؤاله أمام اللجان الفنية المختصة، فهذا يدعم العمل النقابى، فمشروع القانون لم يمنح النقابات أى دور فى ذلك.

ونرى أن مشروع القانون قد جاء فى مجمله متوافقا مع النظرة العامة للمشرع فى إجراء الموازنة بين حقوق متلقى الخدمات الطبية وبين القائمين بالخدمات، كما أنه وضع نظاما تعويضيا عن الأضرار من خلال صندوق تأمين حكومى، ونرى أنه كان يجب إصدار وثائق تأمينية لمقدمى الخدمات من خلال الجهات التابعين لهما من نقابات وشركات ومؤسسات تضمن أخطاء المهنة، والتزام تلك المؤسسات التأمينية بتعويض المضرورين بدلا من تحمل الصندوق الحكومى كافة التعويضات أو اللجوء للقائمين بالخدمة لاستكمال مبالغ التعويضات التى تزيد على مبلغ التأمين الحكومى.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    لواء د. خالد مصطفى فهمى

    لواء د. خالد مصطفى فهمى

    أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة والجامعات المصرية ورئيس قسم حقوق الإنسان بجامعة السلام