مقالات رأى

الماسونية لا تعرف الصدف(2/2)

طباعة

تناولنا في المقال الماضى خطوات التمهيد لبعض قواعد وأسس الماسونية العالمية بدءًا من الخيال العلمي ووصولا إلى الذكاء الاصطناعي بكل إيجابياته وجموحه، وأخذني الأمر إلى ضرورة البحث عن ماهية الماسونية كفكرة أو مجموعة أفكار قامت عليها المنظمة السرية التي يُعتَقَد أنها ظهرت في اسكتلندا "كنقابة للبُناة المَهَرَة" في القرن السادس عشر عام 1598، ومنها انتقلت إلى إنجلترا في القرن السابع عشر.

وفي العصر الحديث تعد الماسونية هي الجمعية الأم لمعظم الأخويات والمنظمات و الجمعيات السرية في العالم، وهي بدورها الوريث الأهم لأخطر الحركات السرية التي تشكلت عبر قرون، وكان آخرها منظمة فرسان الهيكل التي نشأت في ظل الحروب الصليبية وتم حلّها في أوروبا لاحقا.

تلك المنظمة "الأخوية" السرية العالمية التي تصف نفسها على مر العصور واختلاف البلدان والأشكال، بأنها "رابطة فلسفية وخيرية أساسا"، وشعارها هو "حرية، إخاء، مساواة"، يتشارك أفرادها أفكارا ومجموعة عقائد واحدة تتعلق بعلوم الماورائيات، وتفسير الكون، ومنظومة الحياة والموت، والإيمان بوجود خالق "إله" بغض النظر عن ديانة الأعضاء، ويُحظر مناقشة الدين والسياسة، رغما عن أن مصطلحاتها وطقوس الانضمام إليها تعتمد بنسبة كبيرة على التوراة، لذلك كثيرا ما تم ربطها بالصهيونية.

حيث يشير دستور الماسونية (الذي كتب ما بين عامي 1679 و1739) إلى أن الماسونية بشكلها الغربي المعاصر هو امتداد العهد القديم من الكتاب المقدس، وأن اليهود الذين غادروا مصر مع موسى شيدوا أول مملكة للماسونيين، وهناك أقاويل أن المسيخ الدجال هو القائد، ولذلك يوجد رمز العين في كل شعاراته، ويقال أيضا إنه السامري، ويعتبرون أنفسهم الفرقة الثالثة عشرة الضائعة من الأسباط.

واجتهد الكثير من نظريات المؤامرة حول تسمية الماسونية، حيث يعتقد البعض أن في هذا المسمى رمزا إلى مهندس الكون الأعظم، ومنهم من ينسبهم إلى المعماري/حيرام أبي أو حورام أبي أو حيرام أبيف،الذي أشرف على بناء هيكل سليمان (إلا أن بحثًا حديثا لرجال الماسونية ذكر أن حيرام أبيف هو الحاكم المصري القديم/ سقنن رع)، ومنهم من ينسبهم إلى فرسان الهيكل الذين شاركوا في الحروب الصليبية، كما يرى بعضهم أنها إحياء للديانة المصرية القديمة.

وتُتهم الماسونية بأنها تقف وراء العديد من الثورات والانقلابات العسكرية في العديد من دول العالم وأبرزها الثورة الفرنسية عام 1789م، والثورة الإنجليزية عام 1640م، فالماسونية استخدمت كل عوامل التأثير على الشعوب بتجنيد مفكرين وعمل شعارات، مثل التنوير والحرية وفيما بعد الديمقراطية للسيطرة على الشعوب وتنفيذ مخططاتهم.

وكان القس/ جيمس أندرسون قد كتب كتاب "دساتير الماسونيين الأحرار" الذي نشر عام 1723 بتكليف من المحفل الماسوني الكبير في لندن، واحتفلت العام الماضي الحركة الماسونية على مستوى العالم بمناسبة مرور 300 عام على صدوره، كشف فيه عن مدى تجذّر وقوة وهيمنة الحركة الماسونية، التي قادت باحتراف كبير عصر التنوير في القرنين الـ17 والـ18 حيث بدأت فيهما عملية هدم النظام العالمي الغربي القديم، وبداية تأسيس النظام الجديد أواخر القرن الـ18.

كما كان لها الدور الأكبر في قيادة العالم الجديد في القرن الـ19 وحتى اليوم، بما تمتلكه من نفوذ سياسي واقتصادي وعلمي متغلغل في كبرى الدول الغربية ومؤسساتها، وعلى رأسها بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، بعد أن تم تدمير المرجعية السياسية، والدينية، والاجتماعية التي كان المجتمع الغربي يستمد منها قوته، لتحل محلها المرجعية الدستورية والقانونية، المتمثلة في قرارات وتشريعات الأغلبية الديمقراطية الحاكمة.

ففى أول مؤتمر صهيونى عام 1897م عقد فى سويسرا ناقشوا فيه خطة مجيء المسيح المنتظر وتهيئة العالم للخضوع له حيث قالوا: لقد ابتدعنا منذ زمن ألفاظا نشرناها عن الحرية والمساواة لترددها الشعوب لنقضى على النوازع الدينية بالحرية التى أصبحت فوضى لكسر القيود، وأننا سنقدم للعمال العطف لحثهم على الثورات ضد الظلم، وندعوهم للانضمام إلى جماعتنا، ونقدم لهم أموالا تحت مسمى الأخوة لنقضى بهم على الحكومات وإضعاف البلاد.

ويعتقد أن الماسونيين يشكلون نحو ستة ملايين شخص على مستوى العالم، وبحسب ما نشرته صحيفة "بيزنس إنسايدر" الأمريكية، والتي استعرضت فيه مجموعة من أكثر أعضاء الماسونية نفوذا وتأثيرا وشهرة حول العالم، مثل الموسيقار/ الألمانى سامهاو موزارت (الذي ألّف عددا من المقطوعات الموسيقية الماسونية، وكان جزءا من إحدى المنظمات الخيرية التابعة للماسونية في النمسا)، ورئيس الوزراء البريطانى الأسبق لمرتين/ وينستون تشرشل، والرئيس الأمريكى الأسبق/ جورج واشنطن، وأيضا الرئيس الأمريكي الأسبق لثلاث فترات متتالية/ فرانكلين روزفلت، والزعيم/ سيمون بوليفار، محرر أمريكا الجنوبية والزعيم السياسي الذي قاد الكفاح للتحرر والاستقلال عن الإمبراطورية الإسبانية، والرئيس/ مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة.

ومن ناحية أخرى تُظهِر الوجه الآخر للعملة، فقد صيغت"بروتوكولات حكماء صهيون"، أو قواعد حكماء صهيون عام 1901، وهي وثيقة مُسربة تتحدث عن خطة لغزو العالم، أُنشِئت من قِبَل اليهود وهي تتضمن 24 بروتوكولا، وقد تم تطويرها من قِبَل مجلس حكماء اليهود لتكشف عن خطة سرية للسيطرة على العالم، تعتمد هذه الخطة على العنف والحِيَل والحروب والثورات، وترتَكز على التحديث الصناعي والرأسمالية لتثبيت السلطة اليهودية.

إن بروتوكولات حكماء صهيون وقد تُسمى أحيانا "البرنامج اليهودى لغزو العالم" ظهرت في وقتين ونسختين متقاربتين: أولا في عام 1901، ثم قاموا بترجمتها إلى اللغة الألمانية منذ عام 1909م، وقُرِأَت في اجتماع البرلمان في فيينا، وبعد اندلاع الثورة الروسية عام 1917م وفرار الكثير من معارضي الثورة إلى أوروبا الغربية، وَسِعَ مجال تأثير البروتوكولات ومع ذلك لم تصبح معروفة دوليا إلا في عام 1920م عندما انتشرت في ألمانيا، وتُرجِمت إلى عدة لغات منها اللغة الإنجليزية، ثم إلى اللغة الفرنسية.

وحسب البروتوكولات فإن السيطرة على وسائل الإعلام والاقتصاد سوف تؤدي على المدى الطويل إلى ازدياد هيمنة اليهود في العالم، حيث عمدت البروتوكولات إلى إبراز فكرة أن التقاليد المحافِظة للكنيسة المسيحية هي ضد التطور والرأسمالية، وتظهر البروتوكولات أيضا أن الماسونية بصورة غير مباشرة هي جزء من خطة حكماء اليهود للهيمنة على العالم، وأنها سوف تستبدل في النهاية بحكومة يكون فيها للديانة اليهودية اليد العليا،كما تتحدث البروتوكولات بصورة مفصلة عن "مملكة" سوف تنشأ في المستقبل، وتشير إلى كيفية إدارة هذه المملكة التي يُفَضِّل فيها الحكماء ألا يكون الدين فيها مسيطرا بشكل واضح وصريح، إنما يلعب دورا رئيسيا من خلف الستار.

بعد كل هذا ولا يزال البعض يحدثنا عن نظريات الصدفة العبثية.. ورغما عن تطابق كل ما سبق من قواعد نشأت عليها "قواعد المنظمة والبروتوكولات"، لكل ما يجري في العالم حتى هذا اليوم، ولا يزال التاريخ يكرر تفاصيل الماضي بشخوص وجغرافيا سياسية مختلفة

طباعة

    تعريف الكاتب

    مها محسن

    مها محسن

    كاتبة مصرية