يعد ملف الأكراد ومستقبل قوات سوريا الديمقراطية إحدى أبرز القضايا تعقيدا على الساحة السورية، ورغم سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ونهاية حالة الاقتتال في الأراضي السورية إلا أن جبهة شمال شرق سوريا لا تزال مشتعلة.
وتستمر الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية والتي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية نواتها، وبين إدارة العمليات العسكرية لعملية "ردع العدوان" والتي تعد هيئة تحرير الشام أكبر فصائلها وكذلك الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
ومنذ اندلاع عملية ردع العدوان في 27 نوفمبر، لعبت قوات سوريا الديمقراطية في منطقة وسط بين قوات المعارضة وقوات نظام الأسد، ففي الوقت الذي كان ينسحب فيه الجيش السوري من مناطق في ريف حلب ومحافظة دير الزور شرق البلاد، ضمن ما عرف بإعادة التموضع[1]، كان يسلم تلك المناطق لقوات سوريا الديمقراطية (قسد[2])، لكن في المقابل باركت "قسد" انهيار نظام الأسد[3]، وشنت قبل أيام من سقوطه معركة العودة لاستعادة قرى في دير الزور[4].
كذلك استغلت قوات المعارضة حالة الاقتتال في الجبهة السورية، لتحقق مكاسب على حساب قوات سوريا الديمقراطية، فقامت بدخول مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي[5]، ويذكر أن إدارة العمليات العسكرية سرعان ما أعلنت عقب دخول دمشق بأنها تباشر عملية عسكرية في ريف دير الزور الغربي، العملية التي انتهت بطرد قوات قسد من مدينة دير الزور بعد أن سلمها النظام لقسد.
وكانت آخر تلك الهزائم هي سيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا على مدينة منبج إحدى معاقل الأكراد في ريف حلب الشرقي بعد اتفاق بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ولا يزال مصير الأكراد غامضا بعد أن أصبح شمال شرق سوريا ساحة للقتال، في تقاطع لعوامل ديمغرافية، وسياسية، وعسكرية، واقتصادية، الأمر الذي زاد المشهد تعقيدا.
تاريخ الأكراد في سوريا:
يعد الأكراد هم أكبر أقلية عرقية في سوريا، وتشير التقديرات إلى أن عددهميبلغ نحو 2.5 مليون نسمة إلى 3.5مليون نسمة، ويتركز وجود الكرد في الشمال السوري في ثلاث مناطق هى محافظة الحسكة، وشمال شرق محافظة حلب في منطقة عين العرب، وشمال غربها في منطقة عفرين.
-
وعاني الكثير من الأكراد من التمييز، مع حرمان نحو 300 ألف كردي[6] من الجنسية السورية نتيجة إحصاء عام 1962 الذي جرد آلاف الأكراد من الجنسية كما يرفضها لأبنائهم مما فاقم العدد مع الوقت[7].
-
ويشكل أكراد سوريا نحو 7.8% من أكراد العالم، لكن رغم ذلك يكتسب الحراك الكردي في سوريا زخما، لارتباطه جغرافيا بنحو 20 مليون كردي في تركيا، الأمر الذي يثير حفيظة أنقرة، كون انفصال أكراد سوريا قد يشجع خطوة مماثلة لأكراد تركيا، كما قد يشكل خط إمداد لحزب العمال الكردستاني الذي يتقاتل مع الحكومة التركية في جنوب شرق تركيا[8].
ومع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، دخل الحراك الكردي في طور جديد، مع تطويرها لأدوات سياسية وعسكرية، تستطيع من خلاله إكساب الحراك الكردي زخما على الساحة السورية، وليكون الأكراد أحد أبرز الفاعلين الرئيسيين لتحديد مستقبل سوريا، وتمثلت تلك الأدوات في الحكم الذاتي لشمال شرق سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية.
المسار السياسي: الحكم الذاتي لشمال شرق سوريا:
في خضم الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من جانب واحد الحكم الذاتي في شمال سوريا والمعروفة باسم روجآفا (Rojava)، كما بدأت في بيع النفط في الآبار التي تسيطر عليها مما اكسبها استقلالا ماليا[9]. وتأسس حكم ذاتي في ثلاث مقاطعات هى الجزيرة (الحسكة)، وعين العرب (كوباني)، وعفرين في يناير عام 2014.[10].
وفي ديسمبر 2015 أعلن عن المجلس الديمقراطي السوري وهو الكيان السياسي التابع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفي مارس 2016، أعلن أن روجآفا منطقة فيدرالية، وفي ديسمبر من العام نفسه، تمت الموافقة على المخطط الدستوري للمنطقة، والتي أعيدت تسميتها بالنظام الفيدرالي الديمقراطي لشمال سوريا. ولا تعترف الحكومة السورية ولا الائتلاف الوطني السوري المعارض بشرعية المنطقة الفيدرالية الشمالية[11].
وتطور الأمر في 16 يوليو 2018، حين أعلن عن تأسست الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في المؤتمر الثالث لمجلس سوريا الديمقراطية في مدينة الطبقة، وتم إقرار هذا القرار بموافقة جميع ممثليها البالغ عددهم 300 والذين تم اختيارهم من أبناء مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.[12]
المسار العسكري.. قوات سوريا الديمقراطية:
ساهمت الحرب الأهلية في سوريا وظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، إلى رفع أسهم الحركات الكردية المسلحة مثل وحدات حماية الشعب الكردية، لتكون شريكا للتحالف الدولي للقضاء على داعش.
-
تشكلت وحدات حماية الشعب من قبل قدامى مقاتلي حزب العمال الكردستاني، بمن فيهم القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، الذي عاد إلى سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية.
وتأسست قوات سوريا الديمقراطية في أكتوبر2015 بدعم من الولايات المتحدة، وهي تحالف متعدد الأعراق من المقاتلين الأكراد والعرب والمسيحيين. لكنها تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية، ولعبت قوات سوريا الديمقراطية دورا حاسم في القضاء على داعش وإخراجه من مدينة الرقة –التي اتخذها عاصمة له-، كما أعلنت في 2019 هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بعد معركة الباغوز، وطرد داعش من آخر جيب لها في شرق سوريا.[13]
لكن في المقابل سعى التدخل التركي منذ 2016، إلى تقويض نفوذ الأكراد، أو لهزيمتهم مباشرة، وذلك عبر شن تركيا ثلاث عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية وهى:
- درع الفرات.
- غصن الزيتون.
- نبع السلام.
- فجر الحرية.
وسعت عملية درع الفرات في أغسطس 2016، إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية من شمال محافظة حلب والمناطق القريبة من الحدود التركية، لكن المعركة قطعت الطريق على قوات سوريا الديمقراطية لربط مناطق سيطرتها في شرق الفرات بمعاقل الأكراد في غرب الفرات وخاصة عفرين[14].
وفي يناير 2018 أطلقت عملية غصن الزيتون والتي نجحت في طرد وحدات حماية الشعب من عفرين، لكن تلك لم تكن آخر المواجهات بين تركيا والقوات الموالية لها، وبين قوات سوريا الديمقراطية[15]، وفي أكتوبر 2019، أطلقت تركيا عملية عسكرية جديدة في شمال شرق سوريا أطلقت عليها اسم "نبع السلام". استهدفت هذه العملية مناطق يسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وهدفت العملية إلى إبعاد قسد عن الحدود التركية بمسافة 30 كيلو مترا، وإنشاء منطقة آمنة جديدة، لإعادة توطين اللاجئين السوريين في المنطقة الآمنة[16] بعد توصل تركيا لاتفاق مع واشنطن وموسكو، كما قامت قوات النظام السوري وقتها باستلام عدد من المناطق من قوات قسد.[17]
وكانت آخر تلك الضربات الموجهه نحو قوات قسد، إطلاق عملية فجر الحرية من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، في 30 نوفمبر 2024، بهدف قطع الطريق لإنشاء "ممر" يربط بين مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي (كان يسيطر عليها الأكراد) ومناطق سيطرتهم في شمال شرق سوريا، وذلك بعد أن سلمت قوات النظام السوري مناطق من حلب لقوات قسد[18]، لتطرد القوات الموالية لتركيا قوات قسد من تل رفعت ومدينة منبج الواقعة غرب نهر الفرات.
مستقبل قوات سوريا الديمقراطية في سوريا:
لا يزال الغموض يلتبس مستقبل الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية والحكم الذاتي لشمال شرق البلاد، بعد سقوط نظام بشار الأسد، ورغم أن هروب الأسد يرفع من أسهم "قسد" كإحدى الفصائل التي كانت ضد النظام، -رغم التنسيق معه في عدد من الملفات- إلا أن هناك عددا من التحديات تواجه قوات قسد على الساحة السورية، والإقليمية، والعالمية.
وبشكل عام فإن الفرص التي تقوي من موقف قوات قسد أقل بكثير من المخاطر والتحديات التي تواجهها، وفيما يلي نسرد أبرز الفرص والتحديات:
أولا- فرص قوات قسد لزيادة نفوذها في سوريا:
-
السيطرة على الأرض:
رغم الضربات المتتالية التي تعرضت لها قوات قسد في شمال وشرق سوريا إلا أن جزءا لا بأس منه من الأراضي السورية لا يزال بقبضة قوات قسد، وقدره المرصد السوري لحقوق الإنسان بنحو 20% مقابل 70% للقوات التابعة لإدارة العمليات العسكرية (التابعة لهيئة تحرير الشام)[19]، فيما يسيطر على الباقي روسيا في الساحل السوري ووجود الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا في شمال وشرق محافظة حلب، ويعني ذلك أنه لا يمكن إغفال قوات سوريا الديمقراطية في أي حديث عن مستقبل سوريا، كونها لاعبا رئيسيا.
1- استمرار خطر داعش:
يعد استمرار وجود داعش في صحراء سوريا أحد أبرز العوامل التي تشكل نقطة قوة لصالح قوات قسد، وسط تحذير واشنطن وموسكو[20] من عودة داعش، واستهداف الولايات المتحدة الأمريكية لـ 75 هدفا للتنظيم في وسط سوريا[21].
ويحتجز أكثر من تسعة آلاف مقاتل من تنظيم داعش في أكثر من 20 منشأة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية في جميع أنحاء سوريا[22]، الأمر الذي سيعزز من دور قوات قسد، ويخلق مصلحة لعدد من الأطراف الدوليين لدعم قوات قسد خوفا من عودة داعش، يذكر أنه لطالما طالبت تركيا الولايات المتحدة بإيقاف دعمها لقوات "قسد"[23].
2- شريك غربي معتدل:
استطاعت قسد أن تثبت نفسها كشريك فعال في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، مما كسب لها دعمًا غربيًا قويًا، خاصة من الولايات المتحدة، والتي زودتها بتدريب وتسليح متقدم. هذا الدعم الغربي يمنح قسد نفوذا سياسيا وعسكريا أكبر على الساحة الدولية، ويجعلها لاعبا أساسيا في أي حل سياسي مستقبلي لسوريا.
كما أن تصدر هيئة تحرير الشام المشهد في سوريا، المصنفة إرهابيا وفق عدد من الدول الغربية، مما يجعل قوات سوريا الديمقراطية هى الشريك الأكثر اعتدالا في الساحة السورية وفقا للغرب.
3- التواصل الإسرائيلي مع قسد:
توجد قنوات تواصل بين قوات قسد وإسرائيل، ونشرت هيئة البث الإسرائيلية عن وجود حوار مع قوات سوريا الديمقراطية، وتعد إسرائيل أكبر الدول التي يمكنها التأثير على موقف الولايات المتحدة في المنطقة[24].
4- الموارد المالية والثروات:
تسيطر قسد على مناطق غنية بالنفط والغاز، مما يوفر لها موارد مالية كبيرة لدعم مؤسساتها وتقديم الخدمات، وتعزيز استقلالها الاقتصادي. هذه الموارد الطبيعية تجعلها هدفا للعديد من الأطراف، مما يزيد من تعقيد الوضع.
ثانيا- تحديات قوات قسد أمام زيادة نفوذها في سوريا:
1- رفض تركيا للحكم الذاتي:
تعتبر تركيا أي تحركات نحو إقامة حكم ذاتي للأكراد في سوريا تهديدًا لأمنها القومي، وتشن هجمات عسكرية متكررة على مناطق سيطرة قسد. هذا التهديد التركي المستمر يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق تطلعات الأكراد، ويؤثر سلبًا على استقرار المنطقة.
2- المطالب الدولية لتوحيد سوريا:
تسعى معظم القوى الإقليمية والدولية إلى الحفاظ على وحدة سوريا، وترفض أي مساعٍ انفصالية. هذا الموقف الدولي يضع قسد في موقف صعب، ويحد من خياراتها السياسية، وتطبيق القرار الأممي رقم 2254 الذي يحث الأطراف على التوقف فورا عن شن أي هجمات ضد أهداف مدنية، ويحث القرار جميع الدول الأعضاء على دعم الجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار ويطلب من الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية.
3- الهزائم على الأرض في سوريا:
تعرضت قوات سوريا الديمقراطية خلال الأيام الماضية لعدد من الخسائر على الأرض السورية، في ظل اختلال موازين القوى بينها وبين تركيا، التي تستمر بشن هجمات جوية في شمال شرق سوريا لاستهداف قوات سوريا الديمقراطية.
وتعرضت قسد لخسائر ميدانية كبيرة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا. هذه الهزائم أضعفت قوتها العسكرية، وقللت من نفوذها على الأرض.
كما يبدو أن الأهداف التركية لن تتوقف عن غرب الفرات، لكنها مرشحة للتوغل شرق نهر الفرات وخاصة في المناطق المتاخمة للحدود مع تركيا، في منطقة عين العرب (كوباني)[25].
4- رفض دولي للانفصال:
سبق وأن خاضت كردستان العراق محاولة للانفصال في عام 2017، ورغم أن نتائج الاستفتاء جاءت لصالح الانفصال إلا أن الخطوة لم تكتمل وسط رفض دولي وإقليمي، الأمر الذي بدوره يحبط أي مساع انفصالية لدى أكراد سوريا.
5- الموقف الأمريكي:
لا يزال الموقف الأمريكي ملتبسا بشأن دعم قوات قسد أمام التوغل التركي المستمر منذ نهاية نوفمبر، ففي الوقت الذي زار فيه قائد القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) الجنرال مايكل إريك كوريلا ، قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بعد أيام فقط من سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد[26]، ورغم الوجود العسكري الأمريكي المتمثل في وجود ما يقرب من 900 جندي أمريكي في سوريا، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية ترى أن الدعم الأمريكي دون المستوى لوقف الهجمات التركية[27]، كما يوجد تخوف لدى الأكراد من أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قد يقدم على سحب قواته من سوريا على غرار أفغانستان، خاصة مع تصريح ترامب أن المعركة في سوريا ليست معركتنا.[28]
6- الوضع الديمغرافي:
-
يعيش الأكراد في سوريا ضمن تركيبة ديمغرافية معقدة، مما يجعل من الصعب تحقيق استقرار في تلك المناطق، ويزيد من احتمالات صراعات داخلية، فليست كل المناطق الخاضعة لسيطرة سوريا الديمقراطية هي مناطق يقطنها الأكراد، فكثير من المناطق التي يوجد فيها مقاتلو قسد يوجد بها أغلبية عربية، كمحافظة الرقة ودير الزور، مما يكسب سيطرة قسد على تلك المناطق نوعا من الهشاشة تجاه أي تمرد محتمل.
وعقب سيطرة قوات قسد الأخيرة على دير الزور عقب انسحاب قوات النظام اندلعت تظاهرات طالبت بضبط الأوضاع الأمنية وإنهاء سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على المدينة.
7- تردي الخدمات:
رغم سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على 20% من مساحة سوريا، ووصلت النسبة قبل ذلك إلى ما يقرب من 30%، واستقرار الأوضاع في منطقة شرق الفرات لما يزيد على خمسة أعوام منذ هزيمة داعش، إلا أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تواجه تحديات في تردي الخدمات ونقص في الطاقة والغذاء والمياه[29]الأمر الذي لا يخلق استقرارا في مناطق سيطرة الأكراد.
سيناريوهات مستقبل الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا:
السيناريو الأول- تقويض قدرات قوات سوريا الديمقراطية:
ستظل قوات قسد في مواجهة تهديدات مستمرة من تركيا وتنظيم داعش وقد تنتهي إلى تقويض قدرات قوات قسد بعد طردهم من معاقلهم الكبرى، خاصة إذا ما قررت الولايات المتحدة التخلي عن دعمها لقسد، هذا السيناريو يفتح المجال لفراغ أمني قد تستغله جماعات متطرفة، مثل تنظيم داعش، أو يتوسع فيه النفوذ التركي، وفي غياب حلول سياسية شاملة، يمكن أن تستمر حالة الحرب والصراع في المناطق الكردية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي.
السيناريو الثاني- الاعتراف بالحكم الذاتي:
يُعتبر هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا في الأمد القريب، خاصة أن ما يحتاجه هو فقط اعتراف القوى الدولية بالأمر الواقع في شرق الفرات، حيث يمكن القبول بمنح الأكراد حكمًا ذاتيًا محدودًا ضمن إطار الدولة السورية. مع ذلك، فإن هذا السيناريو يواجه عقبات، مثل الرفض التركي لأي ترتيبات تقوي وضع الأكراد على حدودها، ووجود خلافات داخلية بين مكونات المنطقة.
السيناريو الثالث- الاندماج في الدولة السورية:
يُعد هذا السيناريو أحد الخيارات الممكنة، حيث يمكن أن يتم دمج مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن الدولة السورية في إطار اتفاق سياسي شامل، وفي ظل التباين الأيديولوجي بين قوات قسد وهيئة تحرير الشام، مما يعيق عملية دمجهم في كيان واحد، علاوة على ذلك، يعتمد نجاح هذا السيناريو على توافق إقليمي ودولي، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل تباين مصالح الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية.
السيناريو الرابع- التقسيم أو إقامة دولة كردية مستقلة:
رغم أن هذا السيناريو يبدو أقل احتمالًا في الوقت الحالي، فإنه يظل احتمالًا قائمًا في حالة استمرار الصراع وتآكل قدرات الدولة السورية بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق، ومع ذلك، فإن معارضة تركيا، وإيران، والعراق لأي كيان كردي مستقل، إلى جانب محدودية الموارد الاقتصادية والبشرية، تجعل هذا الخيار فرص تحقيقه ضعيفة.
ختاما: يمكن القول إن مستقبل الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سوريا يتسم بالغموض والتعقيد بسبب تداخل العوامل الإقليمية، والدولية، والمحلية. ورغم ما حققته قسد من مكاسب عسكرية وسياسية، فإنها تواجه تحديات وجودية قد تعيق قدرتها على الحفاظ على نفوذها أو تطوير مشروع الحكم الذاتي.
على المستوى الإقليمي، يُعد الرفض التركي لأية مكاسب سياسية للأكراد عقبة رئيسية، حيث تعتبر أنقرة التحركات الكردية تهديدًا لأمنها القومي. أما دوليًا، فإن الدعم الأمريكي المشروط لقسد لا يقدم ضمانات كافية، في ظل المصالح المتغيرة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، واحتمالية تقليص وجودها العسكري. داخليًا، تواجه قسد تحديات ديمغرافية وخدمية، حيث إن التوترات بين المكونات العرقية في مناطق سيطرتها، وضعف البنية التحتية، يزيدان من هشاشتها أمام أي اضطرابات داخلية.
يبقى الحل الأمثل مرهونًا بإرادة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة تراعي مصالح الجميع وتضع حدًا للصراع في سوريا، وترسم طريقا لمستقبل البلاد ما بعد حكم بشار الأسد.