كانت سياسة الهند الخارجية تقوم دائما على مبدأ عدم الانحياز. وخلال الحرب الباردة، كانت الهند مثالا يحتذى به فى هذا الجانب. وفى سياسة الهند الأمنية يتجلى مبدأ عدم الالتزام فى المفهوم الاستراتيجي، أى إن الهند لا تنضم إلى تحالف عسكري، بل تبحث عن شركاء استراتيجيين اعتمادا على تحدى السياسة الأمنية. وبعد زوال الاتحاد السوفيتى انتقلت العلاقات الطيبة معه إلى العلاقة مع روسيا. وأصبحت الهند أحد أهم المشترين الرئيسيين لمعدات الدفاع الروسية بشكل أساسى. وحتى أثناء الغزو الروسى لأوكرانيا فى عام 2022 والعقوبات التى لحقت بروسيا من قبل العديد من الدول، يأتى الغاز الطبيعى والنفط أيضًا من روسيا. ومع ذلك، فى الوقت نفسه تحتفظ الهند أيضًا بعلاقات جيدة مع الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا. بشكل عام، تحاول الهند الحفاظ على أفضل العلاقات الممكنة مع أكبر عدد ممكن من الدول، مع الابتعاد عن أى صراع على السلطة بين القوى الكبرى ومقاومة أى ضغوط للانحياز إلى جانب ما. ولأهمية الاقتصادية والسياسية المتزايدة للهند توفر لها المجال اللازم لتحقيق ذلك.
ومن جانب آخر فإن الهند فى منافسة واضحة مع جمهورية الصين الشعبية. ويتجلى هذا بشكل خاص فى الصراع الحدودى الذى لم يتم حله حول جبال الهيمالايا، حيث واجهت لقوات من كلا البلدين بعضها البعض على بعض أقسام ما يسمى بخط السيطرة الفعلية منذ الحرب الهندية-الصينية فى السبعينيات. ومع ذلك، فإن التنافس مع الصين يؤثر بشكل أكبر على طموحات الصين للهيمنة فى آسيا، والتى من وجهة نظر الهند تتم فى المقام الأول من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية. ومشاريع البنية التحتية المنفذة فى ميانمار وباكستان (العدو اللدود للهند). وعلى وجه الخصوص، يشكل التحالف الاستراتيجى بين الصين وباكستان مصدر قلق بالنسبة للهند.
كما تنظر الهند إلى إنشاء الصين لمنشآت عسكرية فى المحيط الهندى وما حوله باعتباره تهديداً محتملاً لأمنها الخارجي. ومن جانبها، تحاول توسيع نفوذها فى المحيط الهندى وبحر الصين الجنوبى ــ حيث تخوض الصين صراعاً إقليمياً طويل الأمد مع كل الدول المجاورة تقريباً. وفى السنوات الأخيرة، قامت الهند بشكل خاص بتحديث وتوسيع قواتها الإقليمية. البحرية ووسعت وجودها العسكرى فى المحيط الهندى. ردا على أزمة عام 2020، عندما اشتد القتال بين القوات الهندية والصينية على خط السيطرة الفعلية، عززت الهند أيضًا التزامها بالحوار الأمنى الرباعى (Quad)، وهو تنسيق للأمن البحرى يضم الولايات المتحدة، والهند، واليابان، وأستراليا، والذى يستهدف طموحات الصين البحرية فى منطقة آسيا والمحيط الهادى (1).
ورغم أن العلاقات مع روسيا جيدة، وأن الهند تعرف كيف تستخدم بشكل عملى العقوبات المفروضة على الاقتصاد الروسى من قِبَل العديد من الدول لصالحها، فإن مسار المواجهة العدوانى الذى تتبعه روسيا ضد الغرب يتناقض مع النهج غير القائم على المواجهة الذى تتبناه الهند. كما تتبع الهند عقيدة عدم الضربة الأولى، أى إنها تستبعد صراحةً تنفيذ ضربة نووية أولى على الإطلاق. وعلى النقيض من عقيدة روسيا، فإن العقيدة الهندية تمنع توجيه ضربة نووية ضد دولة غير مسلحة نووياً. ومع ذلك، تجنبت الهند حتى الآن انتقاد روسيا علناً. وامتنعت الهند عن التصويت فى الأمم المتحدة (كما فعلت دول البريكس الأخرى). ومع ذلك، فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية، أكدت حكومة الهند مرارا وتكرارا على أهمية ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ السيادة وحرمة الأراضي. ولا تزال روسيا أكبر مورد للأسلحة للهند، لكن حصتها انخفضت فى السنوات الأخيرة مع اعتماد الهند بشكل متزايد على إنتاج الأسلحة الخاصة بها، كما قامت بتنويع محفظة مورديها، كما أنها لا ترغب فى توتر علاقتها مع الولايات المتحدة من خلال إبرام عقد كبير مع روسيا(2).
وأما عن وجهة نظر الهند بشأن البريكس فكما ذكرنا أعلاه، فإن عدم الانحياز هو أحد المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الهندية. وبناء على ذلك، فإن الهند لا تعتبر مجموعة البريكس كتلة لأنها لن تنضم إليها. إن مشاركة الهند فى الصيغ المتعددة الأطراف تهدف دائماً إلى منحها أكبر قدر ممكن من المرونة أو اكتساب حرية جديدة.
فى عام 2016، نشر مجلس النواب بالبرلمان الهندي، ورقة موجزة عن البريكس، تعرض وجهة النظر الهندية حول المجموعة على النحو التالى : "تتمتع الهند بعلاقات اقتصادية وثقافية وثيقة مع شركائها فى مجموعة البريكس. وتقدر الهند مشاركتها فى مجموعة البريكس كمنصة للتنسيق والتشاور والتعاون فى الشئون الجارية. ويمكن النظر إلى التزام الهند تجاه مجموعة البريكس فى سياق التزامنا الدولى الاستباقى وواسع النطاق لبناء عالم ينعم بالسلام والرخاء"(3).
وكانت الهند هى البادئة بإنشاء بنك التنمية الجديد والعديد من أشكال التعاون بين دول البريكس، مثل منتدى التحضر فى البريكس والمنتدى الأكاديمى. وتتعلق مبادرات واقتراحات البريكس الهندية الأخرى بموضوعات، مثل الرعاية الصحية بأسعار معقولة، والتعليم عبر الإنترنت، وجامعة البريكس الافتراضية، ودورات اللغة، والتبادلات الشبابية، والتعاون بين الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والسياحة، وإدارة الكوارث. ومن اللافت للنظر أن المواضيع المطروحة للهند لا تتعلق بمجالات مثل السياسة الأمنية أو الحرب ضد الإرهاب، ولكن يمكن أن تكون فى المقام الأول فى سياسة التنمية والتعاون.
وهناك أيضًا انتقادات لعضوية البريكس داخل الهند وخارجها. حيث يتعرض النفوذ الصينى المتنامى للانتقاد: فنظراً للتنافس بين الهند والصين، فمن الخطأ أن تكون الهند جزءاً من صيغة لا تعمل بأى حال من الأحوال على كبح طموحات الهيمنة الصينية فى جنوب وجنوب شرق آسيا، بل إنها تشجعها أيضاً. كما أن تعاون الصين الوثيق مع باكستان ودعوتها القوية لإدراجها فى مجموعة البريكس علامة على أن الصين لا تأخذ المصالح الهندية فى الاعتبار فحسب، بل إنها تستخدم أيضاً مجموعة البريكس لإضعاف الهند استراتيجياً. وفى الوقت نفسه، هناك العديد من الدول الأخرى التى أبدت اهتمامًا بعضوية البريكس، وهذه الدول تميل نحو الصين أكثر من الهند بسبب العلاقات التجارية والاستثمارات المكثفة. علاوة على ذلك، فإن إدراج الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يمكن أن يزيد من تعزيز جهود الهند فى هذا الصدد لإنشاء "رباعية ثانية " فى غرب آسيا مع الولايات المتحدة الأمريكية. علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن مجموعة البريكس تطورت إلى كتلة تتمحور حول الصين ومعادية للغرب (أو على الأقل نظر إليها الغرب على هذا النحو نظرا للسياسة الخارجية الواضحة المناهضة للغرب التى تنتهجها روسيا والعضو الجديد إيران) تنتهك مبدأ عدم الانحياز. مبدأ السياسة الخارجية الهندية وتعرض علاقات الهند الطيبة مع الدول الغربية للخطر. وحقيقة أن الدول الديمقراطية -التى تعتبر الهند نفسها منها- أصبحت الآن أقلية فى مجموعة البريكس، تلحق أيضاً الضرر بسمعة الهند الدولية. بالإضافة إلى ذلك، لم تعد دول البريكس تتمتع بالاقتصادات سريعة النمو التى كانت متوقعة وقت تأسيسها. وبالتالى فإن المزايا الاقتصادية للعضوية قد انخفضت.
المراجع:
1- https://www.chathamhouse.org/2023/03/india-china-relations-quad-answer
2- https://www.reuters.com/world/india/india-pivots-away-russian-arms-will-retain-strong-ties-2024-01-28/
3- https://loksabhadocs.nic.in/Refinput/New_Reference_Notes/English/INDIA_BRICS.pdf