مقالات رأى

خطـة الانتشـار .. بيـن النظريـة والتطبيـق

طباعة

تُعرّف خاصية " الانتشار" على أنها عملية تنتقل فيها جزيئات المادة من الحيّز ذى التركيز المرتفع، إلى الحيز الأقل تركيزًا داخل المحاليل دون الحاجة إلى غشاء أو ما شابه .. هي نظرية علمية في المقام الأول، تم تطبيقها عسكريا بأكثر من منظور وهدف، سواء خارج حدود الدول لأسباب متنوعة تأتي ما بين مزاعم حماية مصالحها أو تأمين قواعدها العسكرية في هذه الدول أو حتى حفظ وصون الأمن الدولي، أو داخل حدود الدول لحمايتها والحفاظ على هيبتها، حيث تأتي في صورة إعلانٍ للطوارىء، أو فرضٍ لحظر التجوال.

      و" الطوارئ " هي الحوادث المفاجئة التي تحدث في دولة ما أو في منطقة ما، وإعلان حالة الطوارئ هي قيام سلطات دولة ما بـمجموعة من الإجراءات والتدابير على المستوى الوطني، أو على مستوى محدد من الدولة، بهدف الحفاظ على النظام العام، وضبط الأمن، إبّان وقوع أحداثٍ استثنائية، تهدد الأمن والسلامة العامة، كأعمال الشغب، أو المظاهرات العارمة، أو هجماتٍ واسعة، أو كوارث أوغيرها.

وهناك ما يُعرف بإعلان " حالة الطوارئ الصحية العالمية "، مثل الحالة التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية، بعد انتشار فيروس كورونا في 18 دولة في العالم، والتي تمنحها سلطة إصدار تنبيهات وتحذيرات تتعلق بالسفر للمدن والمناطق والبلدان المتأثرة بالمرض، ومراجعة تدابير الصحة العامة التي اتخذتها بلدان العالم لضمان أوضاعها الصحية، وإذا ما قامت دولة ما، بفرض قيود على السفر أو التجارة، بشكل يتجاوز توصيات المنظمة، يحق للمنظمة الدولية أن تطلب تبريرات وتفسيرات علمية لتلك الإجراءات.

بينما " الحظر " هو المنع من الخروج، وحظر التجول هو إجراء تتخذه الحكومات عند وقوع اضطرابات داخلية، أو بسبب عدوان خارجي، أو أحداث طبيعية يُمنَع بمقتضاه السير في الطرقات، ولا شك أن إعلان "حالة الطوارئ" هو أشمل من إعلان " حظر التجوال "، فحظر التجوال يمكن أن يكون أحد الإجراءات التي تقوم بها السلطات لتطبيق حالة الطوارئ، أو لتطبيق عملية تنظيمية ما، تماما كما فرضت السلطات العراقية حظرا للتجوال في عموم العراق في سبتمبر الماضي لإجراء التعداد السكاني.

ويهمنا في هذا السياق– متخطية في هذا حالة القلق الدولية العامة- الإشارة إلى كل مرات انتشار الجيش المصري في العمق الداخلي خاصة تلك المرات التي فرض فيها حظرا للتجوال، لأسباب متنوعة ما بين محاولات السيطرة على الأمن العام، أو منع انتشار الأوبئة أو غيرهما، فقد عاصر معظمنا تلك المرات من فرض حظر التجوال، وعليه فنحن شاهدون على العصر وبمثابة رواة للتاريخ الحديث لأبنائنا وأحفادنا من بعدهم.

التطبيق الأهم في كل تلك المرات من انتشار الجيش، كان في دقة التنظيم وسيولة الخروج إلى الميادين العامة والشوارع الرئيسية، كان المعظم منا يحرص على العودة لمنازلهم قبيل بدء فترة حظر التجوال، حتى إن دقت الساعة، خرجت علينا الدبابات والمدرعات من حيث لا نعلم وكأنها كانت تقف تحت كل مبنى أو على ناصية الميادين، كل مركبة فيهم تعرف أين ومتى تقف ومتى تتحرك من جديد، في حركة شديدة الدقة والنظام تماما كأسراب النمل المحترفة بالفطرة.

خطة الانتشار تلك، منحتنا ميزة السلام النفسي وقت اللاسلام الفعلي من حولنا، فما كانت رؤية مدرعات الجيش المصري تجوب أو تستقر في أي مشهد مهتز على مدار عهدنا الحديث إلا وزادتنا إحساسا بالطمأنينة والأمن، فهو دائما وأبدا بمثابة رمانة ميزان كل المواقف التي يعلو فيها صوت الفوضى أو الابتلاء، فيأتي حكيم الزمان ليلقي بعصاه فتصمت العوام وتستقر أجراس الإنذار المدوية.

وبرغم كل الحادث من حولنا، ما بين إبادة لشعب بأكمله في قطاع غزة، واعتصار لأنفاس آخر في لبنان، ومستقبل سوريا الذى صار على المحك بين عدة أطراف متصارعة ومتناحرة هناك، ما بين هيئة تحرير الشام (النصرة)، وحركة أحرار الشام، وحركة نور الدين الزنكي، والجبهة السورية للتحرير، وجيش العزة وفصائل محلية من إدلب، بخلاف فصائل من الجيش الوطني لتركيا من جهة، والجيش السوري، والقوات الروسية، والميليشيات الإيرانية من جهة أخرى، تظل الأنظار ملتفتة إلى قواتنا المنتشرة على الحدود المصرية، والقلوب مطمئنة داعية للعين الساهرة، والبيادة الرابضة، واليد التي تحمل السلاح.

طباعة

    تعريف الكاتب

    مها محسن

    مها محسن

    كاتبة مصرية