ارتفعت حدة الصراعات بالمنطقة بفعل دولة الاحتلال، فما بين غزة شمالا ولبنان جنوبا، تبرز الممارسات الإسرائيلية الممنهجة وبالرغم من بروز عدد من المستجدات عُدت كفيلة بإحداث بعض التغييرات، إلا أن التصعيد العسكرى، ما بين قوات الكيان وجماعات المقاومة، لا يزال سيد الموقف، وإن بدت مناورات إسرائيل الأخيرة ناحية لبنان واتجاهها إلى القبول المبدئى بوقف إطلاق النار، فى محاولة لقطع الطريق على جهاديى غزة والتقاط الأنفاس عقب تراجع واضح فى قدرات الجيش الإسرائيلى، وربما اختلاف أهداف نتنياهو فى غزة عن لبنان، ضاعف من القبول بالتهدئة المبدئية عند الخط الأممى، ومع ذلك تظل مقاربات الرئيس الأمريكى الجديد حول كيفية صياغة معادلة لسلام، تشمل كافة المناطق المتنازع عليها بجهادييها من جانب ودولة الاحتلال من جانب آخر، لكن فى ضوء حتمية التحوط من سياسات ترامب المرتقبة، تحديدا تجاه الشرق ومناطقه المتصارع عليها، تظل الهدف المنتظر والمُعَّول عليه فى التسكين ولو الجزئي للصراعات الدائرة بالمنطقة.
مسارات سياسة ترامب الخارجية:
لا بد من الإحاطة بقناعات ترامب الخارجية، ومن ثم إمكانية الوقوف علي سياساته المرتقبة، تحديدا تجاه الشرق وصراعاته الدائرة، سيما ما جاء فى مرتكزاتها ومحدداتها...
انتهاج السياسات العنيفة:
تعامل ترامب من منظور استعلائى مع كافة الأقطاب الدولية، ولم يهتز، بل مضى في سياسات عنيفة، أربكت الساحتين الإقليمية والدولية، وربما لم يراعِ التغييرات الدولية، أو حتى حرص على مواكبة النظام الدولي.
استهدف ترامب من خلال هذه السياسات المتسرعة، الابتعاد قدر الإمكان عن سياسات أوباما، واصفا إياها بالسياسة الضعيفة، حيث يرى ترامب أن سياسات أوباما السابقة، لم تحم المصالح الأمريكية، فلم يكن يمضى حديث عن الشرق الأوسط، والتعامل الأمريكي، ولا سيما الاتفاق النووي الإيراني، حتى يندد ترامب بالسياسات السابقة.
العنصرية وسياسات الإرباك:
انتهج ترامب العنصرية والتحيز ضد ما هو غير أبيض، كما جاء أيضا في خطاباته الشعار الشهير" أمريكا أولا"، واعتمد سياسات التعالي خلال انعزاله عن كافة الاتفاقيات الإقليمية والدولية، حيث برزت السياسات الانعزالية في انسحابه من اتفاقيات التجارة الحرة والبيئة والمناخ وغيرها، وربما لم يعبأ بالأعراف أو القوانين الدولية، حتى في علاقاته بالخليج واتجاهه ناحية الشرق، لم يراعِ الاتفاقيات الدولية، ولا أدل من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترافه بها عاصمة لإسرائيل، وتحرك في هذا الاتجاه متحديا الحلفاء قبيل الخصوم، بل متحديا الديمقراطية الأمريكية نفسها.
انتهج أيضا ترامب سياسات الإرباك وعدم الاتزان، وهو ما برز في أحاديثه وخطاباته، أضف أيضا تهديداته المتواصلة بقطع المعونات والمساعدات، عما يختلف معه وهو ما جاء في جملته الشهيرة، نساعدهم ثم يصوتون ضدنا، أيضا إشكالياته مع الأجهزة التشريعية، والتغييرات المتلاحقة في إدارته، جميعها تحركات كشفت بقوة حجم الإرباك والذى يحيط بترامب وسياساته.
التشدد والانغلاق مع بروز الشعبوية:
ظهرت عناصر التشدد والانغلاق واضحة من قبل ترامب، إبان إدارته للملف النووي وتعسفه مع كافة الشروط، حتى إنه لم يبق على أي من عناصر هذا الاتفاق والتي اعتمدها أوباما، أيضا اختياره لبعض عناصر إدارته، والمعروف عنهم التشدد تجاه الشرق أمثال جون بولتون مستشار الأمن القومي ومايك بومبيو وزير الخارجية الأسبق، حيث تحدث بومبيو عن إيران مشيرا إلى دعمها للجماعات الإرهابية وتجارة السلاح، وأنها تدعم نظام الأسد في سوريا، وربما أراد بومبيو وقتها تبرير الدخول الأمريكي لسوريا، وترتيب اللعبة الأمريكية في المنطقة على أسس جديدة.
برزت أيضا سياسات ترامب واضحة، إبان حملته الانتخابية وقبيل تقلده مفاتيح الأمور، خصوصا في انتقاده لهيلاري مؤكدا عدم قبوله لنتائج الانتخابات حال فوز كلينتون، وهو ما يؤكد تفهمه للشعبوية ومضامينها، بديلا عن الديمقراطية ومفاهيمها، أيضا أحداث مدينتي تشارلوتزفيل والقدس، والتي أظهرت تقاربا واضحا بين شوفينية ترامب وسياساته الخارجية العدائية وتعصبه للبيض، ولكل ماهو يميني متعصب، والأبرز اللوبي الإسرائيلي.
إشغال الرأي العام ولفت انتباه وسائل الإعلام والصحافة، اعتبرت أبرز سياسات ترامب، فكان بوسعه إقالة أحد عناصر إدارته، أو حتى تعيين آخر عبر تويتة أو تصريح على وسائل التواصل، أيضا الإعلان عن الحروب أو دعم الدبلوماسيات، كل ذلك كان بالنسبة له يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بديلا عن الغرف المغلقة والاجتماعات السيادية وعلى أعلى مستوى، وطالما أساء استخدام تويتر حتى إغلاق حسابه، ولم يتمكن من فتحه.
وحينما توعد سوريا وكان يجهز من أجل ضربها، بث ذلك عبر منصات التواصل، ولم يحدد الموعد تاركا العالم كله في حالة ترقب، كما توعد روسيا أيضا بالضرب، ممتدحا السلاح الأمريكي وقوته، وهو ما وصفه المتابعون، بالشخصية غير السوية والبعيدة عن الاتزان.
مقاربات واحتمالات:
تصاعد الأزمات بالمنطقة وتحولها إلى إشكاليات، دفع بتعثر إتمام المفاوضات بين الأطراف الأصيلة، ومنه تم التعويل على الرئيس الأمريكى الجديد "دونالد ترامب"، فى ترقب لسياساته المقبلة، وعقب إعلانه فوزه على المرشحة الديمقراطية ومنافسته "كمالا هاريس"، ومع الأخذ فى الاعتبار بقناعاته والتى أشرنا إليها أعلاه، من ثم فهناك ضرورة حول استدعاء قناعات ترامب تجاه المنطقة –تحديدا- وإشكالياتها وإبان فترته الأولى 2016-2020، وفى إبان فترته الأولى طرح ترامب خطته للسلام فى الشرق الأوسط، ما تم اعتباره صفقة من قبل الكيان قال عنها نتنياهو فرصة وليست صفقة، ولن نفوتها، حيث اقتضت الخطة نفسها، إقامة فلسطين لكن مع وضع بعض الاعتبارات المجحفة فى مقدمتها عدم ضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين، مع ضم الضفة الغربية وغور الأردن، مع الاعتراف طبعا بيهودية إسرائيل، أضف تأكيد ممارسة إسرائيل لحكم فيدرالى تتولى خلاله مهام الخارجية، والدفاع، والأمن، وأيضا مراقبة المجال الجوى، بالمقابل نزع سلاح الجهاديين أى أن تكون فلسطين بلا أى أنظمة دفاع أو تسليح، كما لن تكون متصلة أو حتى على حدودها الأساسية ما قبل 1967، أما القدس الشرقية موضع النزاع، فبديهى ستؤول لإسرائيل، على أن يكون نصيب فلسطين جزءا بسيطا منها، فلها أن تنتقي أى منطقة تكون عاصمة، ومن ثم تسميتها بالقدس!
لم يذكر ترامب آلياته والتى ينتوى انتهاجها لإحلال السلام بالمنطقة، لكن لا شك قد يتجه إلى تهدئة الأوضاع ، خصوصا أنه يميل للانكفاء على الداخل ويتحرك ومن قناعة مفاداها أن موارد أمريكا هى لأمريكا، ومن ثم لن يسمح بحجم المساعدات العسكرية المتعارف عليها والموجهة لإسرائيل، حتى فى ضوء ضغوط اللوبى الصهيو-أمريكى، ومن ثم فثمة مقاربتان تبرزان فى الأفق:
المقاربة الأولى:
هى أن ينتهج ترامب المعادلة نفسها كما هى، معتمدا على نفس ظروف ومتغيرات أوسلو 19930-1995، محاولا سلب الفلسطينيين مرة أخرى، فكما سمحت أوسلو لإسرائيل بما يعادل 45% من مساحة الضفة الغربية، سيصيغ ترامب المعادلة نفسها، مستغلا الحرب الدائرة، وقد يسوق صفقة القرن من جديد، فى تصدير لها كونها الحل الوحيد للتسكين، سيما مع استمرار دولة الاحتلال فى التصعيد العسكرى وعدم القبول بالمفاوضات، حتى ما قبلت به فى الجنوب اللبنانى من وقف إطلاق النار، سريعا ما عاودت خرقه، ولم تقبل بعودة النازحين اللبنانيين، ومن ثم لن تقبل حماس خصوصا أنها ليست ضمن أطراف المعادلة الجديدة، وقد يتسبب الأمر فى زيادة انشقاقات الداخل الفلسطينى.
المقاربة الثانية:
فيها قد تُضاف بعض التعديلات فى ضوء التغييرات الجيوسياسية والتى تشكلت على خلفية التصعيد الأخير، أيضا بعض المقايضات والمرتقب أن تجرى ما بين واشنطن والخليج، وقد يضطر ترامب إلى منح الفلسطينيين بعضا من حقوقهم فى إطار الصفقة الجارية نفسها، ووقتها ستتجه كافة الأطراف ناحية الحل الجذرى ومفاده حل الدولتين وإقامة فلسطين على حدود ما قبل 1967، وهنا ليس أمام ترامب سوي صياغة معادلة يقبل به نتنياهو، يتم صياغتها وتصديرها كونها معادلة أمان، إذا أرادت إسرائيل الأمان والحصول على رهائنها مع عودة لاجئيها ومستوطنيها، فلا بد من القبول بهذه المعادلة، وربما من المستبعد صياغة هذه المقاربة، إلا فى إطار ممارسة عدد من الضغوط السياسية والقضائية تُثار ضد نتنياهو تحديدا، وعلى نحو يضمن ملاحقته داخليا سواء من المعارضة أو المحتجين وأهالى الرهائن، وربما قد تستغل المطالب المتصاعدة بإعادة تشكيل الحكومة الإسرائيلية، ووقتها لن يحصر ائتلاف ننتنياهو مقاعده نفسها.
المصادر:
_ Eric Rouby and AdrienShu،Rendrecompte de la politiqueétrangèreAméricaine à l'ère de Trump: le cas des relations avec l'Amérique central et la caraïbe،journal des étudescaribéennes،open edition journals،N.42،2019
_ Anthony Faiola،Maduro calls for restructuring venezuela's foreign debt،Washington post،2 November 2017،URL:in: https://www.washingtonpost.com،Access date: 16th March 2020
_ White House،Remarks by president Trump and Prime Minister Abe of Japan in Joint Press conference،Mar-a- lago،Florida،18 april 2018 ،URL: https://www.whitehouse.gov،access date،24th April 2020