آفة حارتنا النسيان ويضاف إليها البتر والجحود وفقا لمعطيات العصر الذي يروج لكل ما هو "مُطالَبَة بالحقوق"، حتى وإن كانت مزيفة أو في غير موضع، ذلك دون إيلاء أي اهتمام لمفاهيم "تقديم الواجبات"، فالمجتمعات التي هي صورة مكبرة من الأسرة الواحدة، لا ترقى وتتقدم إلا بتقديم أفرادها لواجباتهم قبيل مطالباتهم بحقوقهم، هكذا نشأنا وهكذا تربينا قبل صعود نجم الفتن وفوضى تداخل وتبدل كل الأدوار.
فالإبن أو الإبنة داخل الأسرة لا يحصلون على مكافأة النجاح إلا بعد ظهور نتيجة الامتحان، بما يعكس حجم مجهود الأبناء خلال فترة الدراسة، وبما يمنحهم لاحقا ميزة الحصول على عائد إيجابي أيا ما يكون وفقا لظروف وقدرات رب الأسرة، ومن الأهمية بمكان في هذا الإطار ذكر أهمية توزيع الأدوار داخل كيان الأسرة بما يمثل عدلا وتوازنا وتكاملا للقيام بتلك الأدوار بشكل صحيح، وتفاديا للتكرار، أو التداخل، أو التزاحم، أو الازدواج.
لكن الغريب في الأمر أن "نكران النعم" وهو إحدى الآفات التي تضاف لآفة حارتنا، فهي لا تشير بل لا تتذكر من الأساس الجهود العديدة المبذولة في اتجاه فكرة توزيع الأدوار، ومسايرة التقدم وتداعيات العولمة وما استتبعها من تغييرات على مستوى العالم تخص البشر، وتعاملاتهم، وتنقلاتهم، ومواقع عملهم، وتفاصيل حياتهم اليومية، نظرا لأن الأمر لم يعد رفاهية وفقا لمفاهيم التقدم أو التأخر، أو بمعايير بما يسمى الأمم المتحضرة أو أمم العالم الثالث.
فقد أتت أزمة الوباء الملعون كوفيد-19 لتؤكد للعالم بأكمله أن العزلة التي وُضِعَ فيها العالم إجباريا كانت كفيلة بأن تصنع بدائل معيشية لأفراد هذا الكوكب، فحركة التنقل توقفت تماما، ما أثمر عن خسائر فادحة في كل القطاعات، وعلى رأسها القطاعات المصرفية، خاصة تلك التي لا تزال تتبع السبل والطرق التقليدية في التداول المالي.
لذا، فإن أحد أكبر الدروس المستفادة من آثار كورونا الملعونة، أن القادم لا محالة للدول التي تمتلك العلم وتطبيقاته ومستجدات تطبيقاته أيضا، فالحركة والتغير والتجدد لهم صفة السرعة بشكل يصعب تصوره، إلى الدرجة التي قد تكلف الدول وجودها على كوكب الأرض من عدمه.
ومن هنا، أصبح اللجوء إلى رقمنة المجتمعات والدول، أي تحويل كل أمور الحياة اليومية من بيانات لأفراد المجتمع، وتعاملاتهم بين بعضهم البعض، وتسيير أمورهم فيما يخص الأمن، والغذاء، والتعليم، والعمل، والتنقل، والعلاج، والتقاضي وما إلى آخره بشكل إلكتروني تمثله العملية الرقمية.
ومن هنا أيضا، كانت الحاجة التي استدعت وجود الاختراع، كما قالها المثل الإنجليزي القديم Necessity is the mother of invention، أي إن الحاجة أم الاختراع، وأنالقوة الدافعة الرئيسية لمعظم الاختراعات الجديدة هي الحاجة.
وما أحوجنا إلى اختراعات نافذة تقوم بتسيير أعمالنا وتختصر المسافات والأزمنة، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر أحد التطبيقات الذكية التي أُطلِق عليها وصف "العبقرية المصرية" وهو تطبيق إنستاباي، وهو اختصار لكلمة Instant Payأي الدفع اللحظي، وهو بالطبع ما يعكس الدور الأساسي الذي يقوم عليه هذا التطبيق ويقوم به من خدمات مختلفة ومتنوعة، وكلها خدمات تتميز بالتنفيذ اللحظي، وأيضا سهولة إثبات تنفيذ الخدمة اللحظية تلك عن طريق التطبيق نفسه.
من الجدير بالذكر، أن تطبيق إنستاباي كان قد أطلقه البنك المركزي المصري في مارس من عام 2022، وهو تطبيق مرتبط بالشبكة القومية للتحويلات اللحظية لإتمام التحويلات عبر الموبايل، من حساب إلى حساب، أو إلى بطاقة ميزة مسبقة الدفع، أو إلى المحافظ الذكية، وقد وصل عدد مستخدمي هذا التطبيق إلى 11.5 مليون عميل وفقا لآخر الإحصائيات، ومن المتوقع وصول قيمة التعاملات إلى 2.7 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر الحالى،بزيادة قدرها 215% مقارنة بـ 855 مليار جنيه في عام 2023، مع تحقيق نمو بنسبة 4700% مقارنة بعام 2022.
ويسمح هذا التطبيق بحدود تحويل الأموال عبر التطبيق بأن يصل الحد الأقصى للتحويل لقيمة المعاملة الواحدة بقيمة 70 ألف جنيه، والحد الأقصى لإجمالى المعاملات اليومية فى التحويل قيمة 120 ألف جنيه، والحد الأقصى للمعاملات الشهرية للتحويل قيمة 400 ألف جنيه.
هذا ومن المقرر أيضا بحسب إعلان المنصة الرسمية لتطبيق إنستاباي على السوشيال ميديا مؤخرا أن يتم تشغيل التطبيق للمصريين بالخارج في بداية 2025، بحيث يستطيعون إجراء أي عمليات تحويل للنقود بين جميع البنوك العاملة في القطاع المصرفي المصري، والمحافظ الإلكترونية التابعة لشركات الاتصالات، وتظهر تلك التحويلات في حسابات العملاء البنكية لحظيا.
يأتي هذا في إطار المنظومة الوطنية للمدفوعات اللحظية- التي تم إطلاقها في أبريل 2022- والتي تعد من أهم مشروعات البنية التحتية لنظم الدفع التي يرعاها البنك المركزي، لتكون بديلا متكاملا للمدفوعات النقدية التي تتيح كافة خدمات التحويلات للعملاء لحظيا طوال أيام الأسبوع على مدار 24 ساعة.
ويمثل ذلك استمرارا لجهود البنك المركزي المصري في تحفيز المواطنين على استخدام الخدمات المالية الرقمية، والاستفادة بما تقدمه من مميزات لإنجاز الخدمات المالية بسرعة، ومن أي مكان، وفي أي وقت، بما يساهم في التحول لمجتمع أقل اعتمادا على أوراق النقد، وتعزيز فكرة الشمول المالي والإقبال على خدماته، تسهيلا على كل الأطراف، ودعما لمعايير الأمان والخصوصية، واختصارا للوقت وضمانا لسرية بيانات العملاء.
أخي المواطن، المنفعة الحدية للخدمات لا تتوقف، وتسابق الأزمنة وتتخطى الحدود، ووجب علينا اللحاق بها، لا بالركاب، فدعونا لا ننتظر اختبارات وبائية أو قدرية أخرى لا قدر الله، فالمقدرات مكتوبة .. أما الاختيارات فمتروكة.