تحليلات

الأبعاد الاستراتيجية للعلاقات الصينية-الباكستانية وتوازن القوى الإقليمي

طباعة

فى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين أصبحت العلاقات الصينية-الباكستانية ذات طبيعة إقليمية ودولية. وواصلت باكستان والصين تعزيزهما للعلاقات الثنائية. وفى عام 2010 بعد زيارة رئيس الوزراء الصينى إلى باكستان تم تحديد نقاط التعاون الرئيسية بين البلدين كالتالى:

1- تلتزم الدولتان بتعميق الشراكة الاستراتيجية بينهما.

2- إن الصداقة والتعاون بين باكستان والصين يصب فى المصالح الأساسية للبلدين ويعزز السلام والاستقرار والتنمية. وقد انعكس ذلك من خلال:

الشراكات الاستراتيجية:

فقد كانت الصين المورد الرئيسى للأسلحة الباكستانية فى الستينيات، وشملت مساعداتها العسكرية بناء عدد من مصانع إنتاج الأسلحة والدبابات فى باكستان. والآن يشتمل التعاون السياسى العسكرى على التدريبات العسكرية المشتركة، واستخدام الاستخبارات، ومكافحة الإرهاب،وجدير بالذكر أن معظم أنظمة الأسلحة الرئيسية فى باكستان هى من أصل صينى. وفى المجال النووي، يشمل التعاون مشاريع الاختبار للأسلحة النووية، وتوريد اليورانيوم المخصب وفقًا لاتفاقية التعاون النووى لعام 1986 بين الصين وباكستان. وتدعم الصين بشكل كامل طموحات باكستان النووية وتعزز قدراتها العسكرية، مما يجعلها الدولة الوحيدة فى العالم الإسلامى التى تمتلك أسلحة نووية.

ومن ناحية أخرى تدعم باكستان سياسة " الصين الموحدة"، وتعارض استقلال تايوان، وتدعم أيضا ممارسات الصين فى منطقة شينجيانغ الغربية، وتضمن أن منظمة التعاون الإسلامى لن تقبل أى قرارات مناهضة للصين فيما يتعلق بالقضية. وترد الصين بالمثل حيث استخدمت مرارا وتكرارا عضويتها الدائمة فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للدفاع عن باكستان ضد اتهامها برعاية الجماعات الإرهابية المناهضة للهند.

وفى السابق كانت الصين تدعم "الحرب من أجل تقرير المصير" لشعب كشمير، وظلت تدعو دائما إلى التوصل إلى حل سلمى للمشكلة وفقا لرغبات الشعب الكشميرى. وأشارت إلى أن قضية كشمير هى قضية ثنائية ويجب حلها على أساس اتفاقيات شيملا وليس قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولكن منذ عام 1994، توقفت الصين عن تقديم الدعم المفتوح لإسلام آباد فى قضية كشمير. وفى 1999 اضطر رئيس الوزراء الباكستانى نواز شريف إلى قطع زيارته للصين عندما رفضت بكين تقديم الدعم العلنى للجانب الباكستانى فى قضية الاشتباكات فى كارجيل.

الممر الاقتصادى:

فى سياق النزاع الإقليمى بين الهند وباكستان، من المهم الحديث عن طريق الممر الاقتصادى المقترح (CPEC)، الذى يمر عبر المناطق الباكستانية المتنازع عليها مع الهند. وتخشى الهند من أن يؤدى بناء ممر اقتصادى إلى تدويل النزاع فى كشمير. ومن الممكن أيضا أن يساعد فى حل التحدى الأكبر الذى يواجه باكستان: وهو موقفها الأمنى ​​الضعيف. ومن المفترض أن يعبر طريق الممر الاقتصادى مقاطعة بلوشستان والمناطق القبلية الأخرى. وهذا الجزء من باكستان هو موطن حركة طالبان ومنطقة للنشاط العسكرى، ومن الممكن أن يشكل الإرهاب المحلى خطرًا على العمال الصينيين والبنية التحتية فى المنطقة وعلى مشروع الممر الاقتصادى الصينى-الباكستانى ككل،ولا يوجد حاليًا يقين من أن الطرق ستكون آمنة للمشروع الاقتصادى. ومن ناحية أخرى يمكن أن يكون للممر الاقتصادى الصينى-الباكستانى، الذى يبدأ فى شينجيانغ، تأثير مفيد على اقتصاد المنطقة وبالتالى تقليل التوترات بين الصين والأويغور. وبهذا المعنى، يمكننا القول إن الصين تسعى إلى تحقيق أهداف تجارية لتعزيز أمنها. وفى الوقت نفسه، فإن مشكلات النشاط الإرهابى من الممكن أن تسبب بعض الاحتكاك بين بكين وإسلام آباد.

كما تشعر الصين بالقلق أيضًا بشأن العلاقات التى تربط بين "الإرهابيين الأويغور" وتنظيم الدولة الإسلامية، وفى الوقت نفسه لا تستطيع أن تتجاهل التقارير التى تفيد بأن الجماعات المتطرفة فى ولاية جامو وكشمير تحظى بدعم مباشر من باكستان، و"حركة المجاهدين".

واستنادا إلى الخلفية التاريخية والأحداث التى تصف طبيعة الشراكة الباكستانية-الصينية، فضلا عن العلاقات التجارية والجوانب الاستراتيجية للتحالف الباكستانى-الصيني. ومن سمات هذه العلاقات الثنائية هو اتجاه التعاون متبادل المنفعة، والذى يأخذ فى الاعتبار وجود لاعب ثالث هو الهند.

والأساس النظرى لدراسة العلاقات بين الدول الثلاث هو  توازن التهديدات التى تبرزالمصالح الحقيقية للدول فى تكوين العلاقات المشتركة، وينبغى النظر إلى العلاقات الباكستانية-الصينية فى إطار النظام القائم فى منطقة جنوب آسيا. وبالإضافة إلى الصين وباكستان، هناك جهات فاعلة أخرى فى هذا النظام أثرت بشكل خطير على العلاقات الباكستانية-الصينية، بما فى ذلك الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية. وفى هذا السياق من الضرورى تسليط الضوء على الهند كعضو مباشر فى الهيكل الذى يتم من خلاله النظر فى العلاقات الثنائية. وعلى الرغم من تفوق الصين على باكستان فى القوة، إلا أن الأخيرة لم تختر تكتيك اتباع منافس أقوى ولم توازن ضده، كما تظهر نظرية توازن التهديدات والتوازن يعنى التوافق مع قوة مهددة، بينما متابعة المنافس هو تكتيك يسمح لك بالحصول على نوع من الربح منه. وفى بعض الأحيان تفضل الدول التوازن، وفى بعض الحالات تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة. وفى الوقت نفسه، فإنهم أكثر خوفًا بسبب التهديدات التى تأتى من جيرانهم. وباكستان أضعف بكثير من منافستها (الهند) ولها مشكلات داخلية مختلفة، لذلك فضلت التحالف مع الصين لعدم وجود موقف تهديد من جانبها. وترى باكستان أن الصين شريك فى التحالف يمكنه مساعدتها فى ضمان الأمن والسلامة الإقليمية. والهدف الرئيسى لسياسة باكستان هو منع نمو قوة الهند وتشكيلها كلاعب رئيسى فى جنوب آسيا وخارجها. لقد أدى عدم تكافؤ القدرات واختلال توازن القوى بين باكستان والهند إلى عدم ثقة الخصم الأضعف فى قدراته. وفى الوقت نفسه، فإن العلاقة القائمة بين الصين وباكستان تضمن لهما تعزيز المصالح الاستراتيجية التى سعوا لتحقيقها لفترة طويلة: حل قضية كشمير لصالح باكستان، ومنع الهيمنة الهندية، وحل المشكلات مع باكستان والأمن والإرهاب، وتوسيع العلاقات الاقتصادية فى المنطقة وخارجها. وفى رؤية الصين فإن باكستان دولة لن تتدخل فى توسيع نفوذها فى المنطقة.

وتعتبر باكستان الصين دولة يمكنها أن تقدم لها المساعدة المالية، والعسكرية، والدبلوماسية، والسياسية فى حالة حدوث مواقف غير متوقعة، بما فى ذلك تصاعد حالة الصراع مع الهند.

إن نطاق المصالح المتبادلة بين الصين وباكستان واسع للغاية، حتى إن التغييرات فى القيادة والأنظمة فى كلا البلدين لم تؤثر على العلاقات بين الدولتين، ويمكننا أن نسلط الضوء على النقاط الرئيسية التى تميز الشراكة بين باكستان والصين:

1- إن اتحاد الدولتين الصين وباكستان -حدث بسبب وجود تهديد مشترك- الهند.

2- تنظر باكستان إلى الهند باعتبارها عملاقًا عسكريًا متناميًا، قوته الإجمالية تنمو باستمرار (الإمكانات العسكرية والاقتصادية، والإنجازات السكانية والتكنولوجية)، والتى يمكن أن تهدد البلدان المجاورة.

3- كان الموقع الجغرافى للهند، فضلا عن وجود حدود مشتركة مع الصين وباكستان، سببا فى خلق الخوف بين الدول المجاورة والمختلفة (وخاصة باكستان)، من أن الهند تشكل تهديدا محتملا لسلامتها. وهذا يؤكد فرضية أن قرب المعتدى يجبر الجيران على البحث عن حلفاء بالقرب منه.

وعلى هذا فبوسعنا أن نخلص إلى استنتاج مفاده أن السياسة الخارجية الباكستانية تسعى إلى: تحقيق التوازن فى مواجهة تهديد يقع فى جوارها المباشر ـ الهند، وتشكيل تحالف مع جارة قوية ـ الصين، القادرة على موازنة ذلك التهديد. ومن المهم الإشارة إلى أن اختلاف الأنظمة السياسية والعامل الأيديولوجى لا يؤثر على الرؤية العامة للمشكلات بين الدولتين. وباكستان هى الدولة غير الشيوعية الوحيدة التى تعترف بها الصين كصديقة وحليفة لها.

وبالنسبة لباكستان فإن مكانة الصين كقوة عظمى تمتلك كل قوتها يمكنها أن توفر لباكستان الدعم من المجتمع الدولى والرعاية فى المنظمات الإقليمية (على سبيل المثال، فى منظمة شنغهاى للتعاون، التى بدأت جمهورية الصين الشعبية انضمام باكستان إليها). كما تتمتع الصين بنفوذ فى الأمم المتحدة وتمتلك حق (الفيتو) فى مجلس الأمن. وهى أيضًا عضو فى مجموعة موردى المواد النووية، وهو أمر مهم بالنسبة لباكستان كدولة غير موقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما تقدم الصين الدعم لباكستان فى الحصول على التكنولوجيا وتطوير الأسلحة النووية.

وتستطيع باكستان تحقيق النهضة الاقتصادية بمساعدة الصين حيث إن بناء ميناء جوادار فى أعماق البحار على ساحل مكران فى بلوشستان، بدعم مالى من جمهورية الصين الشعبية، يعطى باكستان الفرصة لتكثيف العلاقات التجارية مع آسيا الوسطى الغنية بالطاقة.

ومن المهم أن نلاحظ أن تصرفات بكين تهدف إلى توسيع نطاق قواتها البحرية ووجودها فى جوادار الباكستانية كجزء من تنفيذ استراتيجية "عقد اللآلئ"، والتى يتمثل جوهرها فى الوصول المباشر إلى المحيط الهندى من خلاله حيث إن هذا الأمر له عدد من الأهداف الاستراتيجية منها:

1- الضغط العسكرى والسياسى على الهند.

2- التقليل من النفوذ الأمريكى فى أفغانستان وباكستان.

3- مراقبة أنشطة الانفصاليين الأويغور.

وتهدف استراتيجية الصين تجاه باكستان إلى خلق الجو الأكثر أمانا والأكثر ملاءمة بفضل نشر المشاعر المؤيدة لبكين وقمع التهديد المناهض للصين الذى يشكله المسلحون والمتطرفون فى باكستان. كما أن الصين مهتمة بالاستفادة من العلاقات الطيبة التى تربط باكستان بالدول الإسلامية، وخاصة الشرق الأوسط. ويمكن أن نستنتج أن الصين فى استراتيجيتها، تهدف إلى خلق شراكات مع الدول الأخرى، مع التركيز فى المقام الأول على الإقليمية.

وفى ظل السيناريو الدولى المتغير، بدأت العلاقات التجارية والاقتصادية تتطور بقوة بين باكستان والصين. ويعد مشروع الممر الاقتصادى الصينى-الباكستانى مؤشرا على انتشار النفوذ الجيواستراتيجى للصين وتعاونها المتبادل للمنفعة مع باكستان. ومن منظور سياسى محلى أو إقليمى أو دولي، أظهرت الصين استعدادها لمواصلة تعزيز علاقاتها مع باكستان. وفى المستقبل المنظور، سوف تستمر العلاقات الباكستانية-الصينية فى التطور، وسوف يتوسع نفوذ الصين فى وسط وجنوب آسيا مع سعى الصين إلى تنفيذ عدد من المبادرات الاقتصادية التى تجمع بين المنطقتين. حيث تسعى الصين جاهدة لتحقيق مكانة القوة العظمى بما يتوافق مع نقاط قوتها، والتى يمكن أن تؤثر على النظام الدولي.

مصادر تم الاستفادة منها:

1- Historical Evolution of Military Cooperation between China and Pakistan: From Strategic Partnerships to All-Weather Friendship.

2-  Pakistan-China Relations and its Implication for India (2008-2018) - August 2022 Journal of South Asian Studies 10(2): 251-260.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى حندقها أحمد

    د. منى حندقها أحمد

    أستاذ الدراسات الهندية-الباكستانية