تحليلات

تفاعلات العلاقات الأمريكية بـ"المثلث الأسيوي"

طباعة

يستخدم مفهوم "المثلث" فى العلاقات الدولية للتعبير عن العلاقات الثلاثية بين الدول والتى ينتج عنها تحالفات استراتيجية وعلاقات تنافسية، وكان قد أطلق من قبل على العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتى، والصين منذ أوائل السبعينيات. والهدف الرئيسى هنا هو تعريف مفهوم "المثلث" وتطبيقه فى سياق العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب وبين باكستان، والهند، والصين من جانب آخر.

والحقيقة أن للنظام الدولى تأثيرا على العلاقات بين الدول الأمر الذى يؤثر على توازن القوى والتهديدات، حيث تبحث كل دولة عن حلفاء يشاركونها المصالح المشتركة ويشكلون تحالفات تضمن هدفهم الرئيسى "الأمن".

قبل وصف سمات "المثلث" الذى تتفاعل فيه باكستان، والهند، والصين مع الولايات المتحدة يجدر بنا أن نسلط الضوء على المتطلبات الأساسية لتشكيل مثل هذه الهياكل النمطية للعلاقات، ففى الظروف الراهنة لا يمكن لأى جهة فاعلة فى العلاقات الدولية أن تعمل خارج إطار النظام الدولى.

ومن المناسب أولًا إلقاء نظرة سريعة على طبيعة العلاقات الثنائية بين دول المثلث. فالسمة الإيجابية أو السلبية للعلاقات الثنائية يتم تحديدها من خلال سلوك اثنين من الجهات الفاعلة فيما يتعلق ببعضهما البعض، ويمكننا أيضًا إضافة مصالح كل طرف من الأطراف والنتيجة التى يريدون الحصول عليها نتيجة التحالفات والعلاقات. وفى هذا السياق يؤثر نوع التماثل والاتصال بشكل غير مباشر على العلاقة مع الطرف الثالث. أما إذا كانت الأطراف الثلاثة فى "المثلث" تمتلك قدرات نووية، فإن ذلك يقلل من تفاقم العلاقات فى التحالف الثنائى إلى الحد الأدنى، وقد يعتمد التماثل والاتصالات على علاقة كل من الطرفين بالطرف الثالث.

و"المثلث" فى جنوب آسيا" الهند – باكستان – الصين " يتعلق أولًا- بمكانتهم الدولية. فالهند إحدى أسرع الدول نموا فى العالم. وتعتبر الصين من أكبر الدول العظمى، وهى إحدى القوى الفضائية الرائدة، وتمتلك أكبر جيش فى العالم من حيث العدد. وأما باكستان فتتمتع بنفوذ كبير فى دول العالم الإسلامى. ثانيا- كل هذه الدول لديها قدرات نووية. ثالثًا- لكل دولة فى هذا المثلث حدود مشتركة، يتم التنازع على أجزاء منها. رابعًا- تعتبر الدول الثلاث نفسها جزء من العالم النامى، على الرغم من أن الصين والهند هما أسرع الاقتصادات نموًا فى العالم، فى حين تتخلف باكستان عنهما فى العديد من النواحى.

ونعتبر أن الهدف الرئيسى للعلاقات بين باكستان والصين هو احتواء الهند فى المنطقة (ومن المثير للاهتمام أن الولايات المتحدة تسعى إلى استخدام الهند باعتبارها الحلقة الأكثر أهمية فى احتواء الصين). كما تشكل العلاقات الوثيقة بين الصين وباكستان مصدر قلق دائم للهند. ولا نغفل عن أن بنية العلاقات العدائية بين الهند وباكستان كانت سببًا فى تكثيف الصداقة الباكستانية-الصينية.

وتشعر الهند بالقلق إزاء الصعود المحتمل للصين، وهذا يبرر حشدها العسكرى والاقتصادى استعدادا لصراع محتمل، ورغم أن الوضع قد لا يصل إلى مثل هذا التطور، فإن الفشل فى احتواء صعود الصين يشكل تحديا حقيقيا لها.ومن المهم أن نلاحظ أن الهند تتوقع حروبًا قصيرة ومكثفة وسريعة مع باكستان والصين المجاورتين على خلفية الإرهاب والتهديدات النووية. ومن ناحية أخرى، تساعد المعضلة الأمنية فى تفسير السبب وراء استمرار التطور العسكرى باعتباره أولوية استراتيجية بالنسبة للصين. إن الصين، مثل أى دولة أخرى، تسعى جاهدة إلى تحقيق الأمن، خاصة أن حدودها غير آمنة مع الهند، وأفغانستان، وروسيا.

وكانت المعضلة الأمنية سببًا فى إحداث تغييرات فى النهج الذى تتبناه الصين فى التعامل مع الاعتراف بوجود تهديدات (مثل الأسلحة النووية)، كما ترغب الصين فى تحسين وضعها كقوة اقتصادية رائدة، وأحد أهدافها الرئيسية هو أن تصبح قوة اقتصادية مركزية فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.ومن ثم كانت العلاقات الثلاثية بين الصين، والهند، وباكستان تدفع بهم نحو المنافسة وحماية أمنهم.

وأما دائرة المطالبات الباكستانية ضد الهند فتبدأ بقضية كشمير، والصراع على المياه العذبة، وتعزيز الهند لقدراتها العسكرية، ومشكلة الأسلحة النووية، وتنتهى مرة أخرى بكشمير. وهكذا فإن مخاوف باكستان تجبرها باستمرار على اللجوء إلى إجراءات لاحتواء الهند. ومن ثم كانت التحالفات مع القوى الأخرى، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والصين. ونظرا للعلاقات التنافسية، فإن أى محاولة من جانب أى دولة لتعزيز أمنها الخاص سوف يُنظر إليها على أنها تهديد للمصالح الأمنية للدول الأخرى.

ونشير إلى أن "المثلث" الباكستانى – الهندى - الصينى يتسم بعدم تكافؤ جوانبه وعدم تناسقه، حيث إن مؤشرات القوة العسكرية والاقتصادية للفاعلين الثلاثة داخل "المثلث" يمكن أن تصفه بأنه بنية غير متماثلة ذات قمتين رئيسيتين "الصين والهند" حيث إن إمكاناتهما تتجاوز بكثير إمكانات باكستان.

علاقة الولايات المتحدة مع دول المثلث:

تمثل الولايات المتحدة إحدى كبرى الأسواق للصادرات الصينية، والهندية، والباكستانية، وواحدة من أكبر مصادر الاستثمار الأجنبى فى البلدان الثلاثة. وللجاليات العرقية من الدول الثلاث أعداد كبيرة فى المجتمع الأمريكى حيث يعيش الآلاف من الأمريكيين فى الهند والصين، ويذهبون إلى هناك كرجال أعمال ومستثمرين. إن الولايات المتحدة، باعتبارها قوة عالمية، تنظر إلى جنوب آسيا استنادًا إلى المصالح السياسية والأمنية العالمية. لقد كان النفوذ الأمريكى على الصين، والهند، وباكستان معقدًا، وخاصة فى العلاقات الثنائية مع كل من الدول الثلاث.فأثناء الحرب الباردة، أدخلت الولايات المتحدة باكستان إلى نظام تحالفها، الأمر الذى أدى إلى تعزيز العلاقات السوفيتية-الهندية. وفى الوقت نفسه، كانت سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين تعتمد دائمًا على توازن القوى الدولى فى ظروف فوضى النظام الدولى والتهديد (الوهمى أو الحقيقي) للتوسع السوفيتى فى آسيا.

وفى أفغانستان عام 1979، وجدت باكستان نفسها مرة أخرى على رقعة الشطرنج للتنافس بين القوى العظمى وأصبحت محور اللعبة الأمريكية الجديدة فى الحرب الباردة. وطوال فترة الثمانينيات كانت الصين والهند لاعبين ثانويين فى مسائل السلام والصراع فى المنطقة. ومع ذلك، ومن خلال منظور أوسع خلال هذا العقد كانت باكستان، والولايات المتحدة، والصين شركاء استراتيجيين، وكذلك الاتحاد السوفيتى والهند. وكان "المثلث" الباكستانى – الهندى - الصينى فى ذلك الوقت أشبه برقعة شطرنج الحرب الباردة. وقد أثر التحول الذى طرأ على النظام الدولى منذ نهاية الحرب الباردة على توازن القوى فى جنوب آسيا، فضلًا عن التصورات حول الولايات المتحدة. لقد فتح نظام الاقتصاد الحر فى الهند فرصًا للتعاون أمام الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، دفع التفكير الاستراتيجى الجديد للولايات المتحدة إلى إبرام "بروتوكول متفق عليه بشأن التعاون الدفاعي" مع الهند.

وفى حقبة التسعينيات أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين مبنية على المعاملات الاقتصادية إلى حد كبير، وتركزت على الأسواق الصينية المتوسعة. كما تغيرت النظرة إلى باكستان وتناقضت مع الصورة السابقة. ومن الأمثلة على تدهور العلاقات العقوبات الأمريكية المفروضة على باكستان فيما يتعلق بالتجارب النووية. وهكذا، بعد نهاية الحرب الباردة سعت الولايات المتحدة لتقوية علاقاتها الاقتصادية مع الصين، وساهمت فى عزلة باكستان، وأنشأت منصة لتطوير شراكة استراتيجية مع الهند. ومع ذلك، بعد الهجمات الإرهابية فى عام 2001، بدأ التفاعل الأمريكى مع الصين، والهند، وباكستان يتحول مرة أخرى، وعادت باكستان كحليف للولايات المتحدة فى الحرب ضد الإرهاب. وفى عام 2006، تم التوقيع على اتفاقية التعاون فى الاستخدام السلمى للطاقة النووية بين الهند والولايات المتحدة.

وقد سلطت المجالات الدفاعية والتدريبات العسكرية المشتركة الضوء على الحاجة إلى مساعدة الهند على لعب دور مهم فى الشئون العالمية. وفى الوقت نفسه، عملت الولايات المتحدة على تعزيز علاقاتها مع باكستان، التى تعتبر الآن حليفها الرئيسى من خارج حلف شمال الأطلسى فى جنوب آسيا. إلا أن مشكلة الإرهاب تقوض ثقة الولايات المتحدة فى باكستان. وتعكس الخلافات بين الولايات المتحدة وباكستان حول القضايا المتعلقة بضربات الطائرات بدون طيار، وتعليق المساعدات الأمريكية، والعمليات مع القوات البحرية الأمريكية، وقتل أسامة بن لادن، واعتقال ريموند عن عوامل سلبية لتطوير العلاقات الثنائية. بعد الهجمات الإرهابية فى عامى 2008 و2011. أدانت الولايات المتحدة بشدة هجوم مومباى وعرضت على نيودلهى مساعدتها فى التحقيق، قائلة إن "حكومة الولايات المتحدة تواصل مراقبة الوضع فى الهند، وهى حليفتنا وصديقتنا". وفى الوقت نفسه، لم تتدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان - فالولايات المتحدة تقدم المساعدة المالية لباكستان وتساعد فى المجال العسكرى، مع الإشارة إلى أن هذه الإجراءات ليست موجهة ضد الهند التى تسعى الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، وخاصة فى ظل إدارة الرئيس "بايدن"، إلى تقوية وتعزيز الشراكة الدفاعية معها. واليوم لدى الولايات المتحدة فرصة حقيقية لتعزيز موقفها فى جنوب آسيا، بل إنها تتحدث عن نظام أمنى جديد فى المنطقة وتدفع باكستان والهند إلى التفاوض على أساس ثلاثى. ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة دعت إلى عقد اجتماعات بين الهند وباكستان من أجل حل المشكلات المشتركة. وفى عام 2009 صرحت بأن الهند وباكستان تواجهان تحديات مشتركة، وسوف ننخرط فى حوار مستمر لإيجاد حل مشترك لمكافحة الإرهاب وضمان الأمن الإقليمى.

ويشير الوضع الحالى إلى أن الولايات المتحدة تنظر إلى الصين على أنها تهديد محتمل، وإلى أن الهيمنة الإقليمية للصين التى تعمل على دفع الولايات المتحدة إلى الخروج من جنوب شرق آسيا. وفى الوقت نفسه، تخشى الدول المجاورة من عظمة الصين أكثر من الولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى أن التناقضات الاقتصادية العميقة بين الصين والولايات المتحدة بشأن قضايا العملة والتجارة، والخلافات السياسية حول حقوق الإنسان، ومشكلات التبت وتايوان، ومسألة السيادة فى بحر الصين، وعدد من التناقضات السياسية الأخرى تشير إلى أن تهديدات الصين لن تختفى من الخطاب الأمريكى، فهى فى عمق سياسة الأمن القومى الأمريكى الحالية للرئيس "بايدن". كما وعدت الولايات المتحدة بدعم الهند فى مختلف القضايا فى مجلس الأمن. وفى الوقت نفسه، بمقارنة نقص الثقة بين الولايات المتحدة وباكستان، والتنافس الاستراتيجى بين الولايات المتحدة والصين، والتناقضات بين الولايات المتحدة والهند، يمكننا أن نستنتج أن الهند ليس لها تأثير خطير على العلاقات الثنائية مع أمريكا مثل الصين. وبالتالى فإن الولايات المتحدة تنظر إلى الهند باعتبارها شريكًا، فى حين تعتبر الصين منافسًا لها. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تساهم الهند فى تفاقم العلاقات الأمريكية-الصينية، لأنها مهتمة أيضًا بلعب دور عالمى. وبالنظر إلى المستقبل، فمن المرجح أن تظل الهند على الهامش فى حرب باردة محتملة بين الصين والولايات المتحدة، ولكنها سوف تتحدى هيمنتها أيضا.

تم الاستفادة من المصادر التالية:

پاکامریکہتعلقات، تاریخکےآئینےمیں، ڈاكـٹـر رشيد احمد خان، روزنامـدنيا، اشاعت 5-4-2022ء.

- پاکامریکاتعلقات، على أنور، نوائـےوقت 16-4-2022ء.

- باکچینتعلقاتکے۷۰سال، خالد رحمن، چیئرمینانسٹیٹیوٹآفپالیسیسٹڈیز- اسلام آباد، 2021ء.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى حندقها أحمد

    د. منى حندقها أحمد

    أستاذ الدراسات الهندية-الباكستانية