تحليلات

أبعاد مستقبل "حزب الله" اللبنانى بعد محاولة استهداف "نتنياهو"

طباعة

أعلن الجيش الإسرائيلى يوم 19 أكتوبر 2024 أن مسيرة قادمة من لبنان أصابت منشأة فى مدينة قيساريا الساحلية بالقرب من أحد مقرات إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلى "بنيامين نتنياهو" الذى لم يكن موجودا فيه آنذاك، جاء ذلك غداة إعلان "حزب الله" اللبنانى عن بدء مرحلة جديدة من الحرب ضد إسرائيل للرد على الضربات المتتالية التى تلقاها الحزب بدءا من اغتيال القيادات مرورا بالاختراق الأمنى والاستخباراتى وتفجيرات "البيجرز" وليس انتهاء باغتيال الأمين العام للحزب "حسن نصرالله" فى 28 سبتمبر الماضي، مما ينذر باتجاه الحزب للتصعيد، رغم الدعوات الدولية للتهدئة التى كان أحدثها زيارة المبعوث الأمريكى "أموس هوكستين" للبنان يوم 21 أكتوبر الجارى لبحث آليات وقف الحرب بلبنان، فى ظل تقارير عن شروط إسرائيلية لوقف القتال، بيد أن النتائج الفعلية لتلك الدعوات ترتبط بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ما ينذر بأن منطقة الشرق الأوسط تتجه لإعادة ترتيب موازين القوى سياسيا وعسكريا وفق المعطيات الجيوسياسية الراهنة.

محددات المشهد الحالى لحزب الله اللبناني:

أعلن "حزب الله" اللبنانى غداة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، الانضمام لجبهة "الإسناد" لدعم حركة "حماس" بعد "طوفان الأقصى" فى 7 أكتوبر 2023، واستمرت المواجهات بينه وبين إسرائيل لمدة 11 شهرا كبدت الطرفين خسائر مادية وبشرية ودفعت 90 ألف مستوطن للنزوح من شمال إسرائيل، ومنذ منتصف عام 2024 صعد "حزب الله" اللبنانى من حدة الاشتباكات اليومية على الجبهة الجنوبية، فى مقابل تصعيد إسرائيلى بلغ ذروته باغتيال الأمين العام للحزب "حسن نصرالله"، مما أدخل الحزب فى أزمة بنيوية كاشفة غير مسبوقة منذ نشأته عام 1982 ستحدد ملامح مستقبله، ويمكن قراءة واقع "حزب الله" اللبنانى كما يلي:

- الاختراق الأمنى والاستخباراتى للحزب: شنت إسرائيل فى يومى (17، 18) سبتمبر 2024، هجوما إليكترونيا عبر تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية الخاصة بعناصر "حزب الله اللبناني" المعروفة باسم "البيجرز"حيث تمنسفها مما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة أكثر من 1500 عنصر من عناصر الحزب الذين كانوا يستخدمون تلك الأجهزة، ومثل ذلك التفجير تغير نوعى فى المواجهات بينهما، عقب ذلك نفذت إسرائيل عددا من الاغتيالات لقيادات من "حزب الله" اللبناني، واستهدفت فرقة "قوة الرضوان" الأقوى داخل الحزب والمعروفة باسم (وحدة النخبة العسكرية) له، مما يشير لحالة ممنهجة ومستمرة من الاختراق الأمنى والاستخباراتى للحزب لأن عملية تفجيرات "البيجرز" قد تم الإعداد لها قبل سنوات عبر اختراق الجهاز الأمنى للحزب رغم أنه كان يوصف بالمتميز وصعب الاختراق، مما يرجح حدوث الاختراق الأمنى الإسرائيلى لجهات أخرى مرتبطة "بحزب الله" اللبنانى وتسريب معلومات امنية تمكن تل أبيب من استهداف قيادات الحزب بهذا الشكل، مثل الحرس الثورى الإيرانى أو الجهات الأمنية الإيرانية المرتبطة بالحزب، ويعزز هذه الفرضية ما تردد حول اعتقال مدير مكتب قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى "إسماعيل قاآني" والتحقيق معه بتهمة التخابر مع إسرائيل.

- اغتيال "نصرالله" وقيادات الصف الأول:أعلنت إسرائيل عن اغتيال الأمين العام "لحزب الله" اللبنانى "حسن نصرالله" (64 عاما) فى غارة لمقر الحزب بحارة "حريك" بالضاحية الجنوبية لبيروت مساء يوم الجمعة 27 سبتمبر 2024، وسادت حالة من الغموض والتكذيب من الحزب قبل تأكيد خبر الاغتيال الذى ترك الحزب فى حالة فوضى سياسية وأمنية وشغور لقيادته مستمر حتى اليوم، نظرا لما تمتع به "نصرالله" الذى قاد الحزب لمدة (32 عاما) من شخصية كازيرمية استطاع تأسيس أقوى ميليشيا مسلحة فى العالم على مدى تلك السنوات، واجهت إسرائيل مرتين (2000-2006) وأجبرتها على الانسحاب من الأراضى اللبنانية، كما ينسب "لنصرالله" الفضل فى توسيع الدور الإقليمى للحزب عبر وجوده العسكرى فى سوريا واليمن، مع اغتيال "نصرالله" تم اغتيال 18 من القيادات العسكرية والسياسية بالصف الأول والثانى للحزب، مما ضاعف حالة الفوضى وغموض حول إدارة الحزب حاليا ومن يتخذ القرار، الأمر الذى يؤكد فرضية الاختراق الأمنى والاستخباراتى للحزب من جهات عليا لتتمكن إسرائيل من معرفة مكان وجود تلك القيادات التى تم استهدافها بغارات جوية محددة ودقيقة، ووصف "نتنياهو" عملية الاغتيال بأنها كانت "ضرورية ولا تعنى أن المهمة انتهت"، ما يشير لاستمرار المواجهات العسكرية بين الحزب وإسرائيل.

ومن أبرز القيادات الحزبية التى اغتيلت هى: قائد فرقة الصواريخ "إبراهيم قبيسي"، وقائد العمليات العسكرية "إبراهيم عقيل"، وقائد العمليات العسكرية لقوات الرضوان الخاصة "أحمد وهبي"، والقادة الميدانيون "محمد ناصر" و"طالب عبدالله"، كما تم اغتيال ثمانية من أعضاء المجلس التنفيذى ومجلس شورى الحزب أبرزهم خليفته "هاشم صفى الدين" مما دفع نائبه "نعيم قاسم" للسفر لطهران ليتجنب اغتياله وللحفاظ عليه كقيادى مرشح لتولى منصب "الأمين العام الجديد" للحزب بعد انتهاء الحرب.

- تدمير ترسانة أسلحة "حزب الله" اللبناني": أشارت العديد من التقديرات السابقة أن "حزب الله اللبناني"كان يمتلك أكثر من 150 ألف صاروخ و100 ألف عنصر مسلح وتتنوع ترسانة "حزب الله" من الأسلحة وتشمل وفق تقارير استخباراتية إسرائيلية (راجمات الهاون، صواريخ كاتيوشا، صواريخ سكود وكروز، ومنصات إطلاق الصواريخ والقذائف)، ورغم أن تل أبيب أعلنت مقتل 1500 عنصر من الحزب وتدمير ثلثى ترسانته المسلحة من الصواريخ إلا أن هناك تشكيكا فى ذلك، فقد بدأت إسرائيل حملة قصف جوى مكثفة استهدفت مخزونات ومستودعات الأسلحة والذخيرة لدى "حزب الله" فى الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع ومدن جنوب لبنان بل وامتدت بعض الغارات لشمال لبنان، مما يؤكد أنها تعتزم القضاء على ترسانة أسلحة الحزب بالكامل، بيد أن ذلك الهدف لن يكون ميسرا نظرا لتوزيع الحزب ترسانة أسلحته فى عدد من المدن اللبنانية، كما أن الحزب حال تمكن من ترتيب أوضاعه الداخلية سيمكنه تعويض خسائره من تلك الأسلحة، نظرا لأنه أصبح "ذاتى التمويل" ولا يعتمد على الدعم والتمويل الإيرانى بشكل كامل حاليا فالتمويل الذاتى للحزب يتنوع بين (الاتجار بالمخدرات وتصنيعها، الاتجار بالأسلحة وتصنيعها، غسل الأموال) وهذا يوفر له الموارد المالية اللازمة لتسليح عناصره.

- استمرار التصعيد المتبادل:أعلن "حزب الله" منتصف أكتوبر 2024 عن "بدء مرحلة جديدة وتصعيدية فى المواجهة مع العدو الإسرائيلي"، وغداة ذلك بدأ بالفعل فى توجيه ضربات مؤلمة للعمق الإسرائيلى كان بينها تفجير قاعدة "بنيامينا العسكرية" ما أدى لمقتل 4 جنود وإصابة 70 آخرين، ثم استهدف منزل "نتنياهو" والمستوطنات الشمالية بإسرائيل فضلا عن استهداف مدينة "حيفا" باستمرار بما لها من أهمية استراتيجية واقتصادية، هذا بالإضافة للاشتباكات اليومية بين عناصر الحزب والجنود الإسرائيليين بالشريط الحدودى المشترك منذ مطلع أكتوبر لمنع التوغل البرى الإسرائيلى بالجنوب بعدما أعلنت تل أبيب بدء "عملية عسكرية برية محدودة فى جنوب لبنان" التى لا تزال تحتل فيه (قرية الغجر، ومزارع شبعا)، فى المقابل تشن تل أبيب حملات جوية تصعيدية مكثفة على مقرات ومخازن أسلحة "حزب الله" كان آخرها استهداف مقرات المؤسسة المالية للحزب "القرض الحسن" فى الضاحية الجنوبية لبيروت مساء يوم 20 أكتوبر الحالى، كما تركز الضربات الإسرائيلية على أماكن تمركز مقرات وعناصر "حزب الله" اللبنانى فى (الضاحية الجنوبية، والبقاع، وجنوب نهر الليطاني). حيث تسعى لإزاحة عناصر الحزب خلف الليطانى لإنشاء منطقة عازلة، والسماح لسكان المستوطنات الإسرائيلية بالعودة إلى ديارهم. وهو ما يرفضه الحزب بالطبع، مما ينذر باستمرار التصعيد المتبادل بين الطرفين لعدة أسابيع مقبلة.

-تراجع شعبية الحزب: أسس "حزب الله" اللبنانى عام 1982 بتمويل ودعم إيرانى ولا يقتصر وجوده على دوره العسكرى بل إنه يمثل تيارا أيديولوجيا وطائفيا داخل المجتمع اللبنانى، كما أنه حزب سياسى رئيسى على الساحة اللبنانية له 15 نائبا بالبرلمان اللبنانى من أصل (128) وتعد تلك أكبر كتلة برلمانية مع حلفائه من حركة "أمل" الشيعية بزعامة رئيس مجلس النواب "نبيه بري"، كما أنه متغلغل فى المجتمع اللبنانى لاسيما الطائفة الشيعية عبر مؤسساته التعليمية، والمالية، والإعلامية، والصحية، واكتسب شعبيته ودوره السياسى العسكرى من مقاومة الاحتلال الإسرائيلى لجنوب لبنان (1982-2000) ثم مواجهة العدوان الإسرائيلى على لبنان عام 2006 الذى استمر (34 يوما) وخرج منها الحزب منتصرا وفق أدبياته السياسية وتعزز شعبيته بعد ذلك، كما أصبح القوة السياسية الأكبر والأبرز فى لبنان بوصفه المقاوم المدافع عن سيادة الدولة، بيد أنه بعد ذلك بدأت شعبيته فى التراجع عام 2008 عندما أصبح يفرض موقفه السياسى على اللبنانيين ويحتكر القرار السياسى والعسكرى للدولة، ثم انهارت شعبية الحزب فى المواجهة الحالية مع إسرائيل حيث تتهم معظم القوى اللبنانية وأنصارها الحزب بأنه السبب الرئيسى فى الحرب الإسرائيلية الحالية على لبنان التى أسفرت عن مقتل 2500 شخص ونزوح مليون وربع مليون مواطن لمدن الشمال، وتأجيج النزاعات الطائفية وانهيار الاقتصاد اللبنانى وتعطيل العملية التعليمية بالبلاد، ولذا فإن الحزب بعد انتهاء المواجهات العسكرية سيكون عليه إعادة تقديم نفسه للمجتمع اللبنانى مرة أخرى بناء على نتائج المواجهات الحالية.

مستقبل "حزب الله" اللبناني:

يتعرض "حزب الله" اللبنانى منذ شهر ونيف لضربات أمنية واستخباراتية غير مسبوقة ولم يتعد الدعم الإيرانى له الخطاب السياسى الموجه للقاعدة الشعبية فى لبنان حتى لا تفقد الثقة فى المرجعية الإيرانية لها، ولم يكن هذا الرد الإيرانى المتوقع على مساعى إسرائيل لتدمير أقوى أذرعها بالمنطقة التى استثمرت فيها لأربعة عقود، ولذا فإن مستقبل "حزب الله" اللبنانى يرتبط بعلاقة طردية مع مستقبل "الميليشيات الشيعية" الإيرانية فى الشرق الأوسط، حيث يشير عدد من الشواهد إلى أن إيران تتجه لتقليص دور هذه الميليشيات الموجودة فى (لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن) بعدما تضخم دورها للغاية على مدى العقد الماضى واستفادت منه طهران لأقصى درجة عبر التدخل فى الشأن الداخلى لتلك الدول وتهديد الأمن الإقليمي،وحان الوقت لتستخدم طهران "الميليشيات" كورقة تفاوض بينها وبين الغرب للتوصل لصفقة سياسية وترتيبات أمنية تفرج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة بالغرب التى يحتاجها اقتصاد البلاد المتأزم، بيد أن ذلك يتوقف على الفائز فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة يوم 5 نوفمبر المقبل وموقفه من الشرق الأوسط، فالمرشح الجمهورى "دونالد ترامب" يتخذ موقفا متشددا من طهران ولا يتوقع إبرام صفقة معها، بعكس منافسته المرشحة الديمقراطية "كمالا هاريس"، وبناء عليه وفى ظل المعطيات الميدانية والجيوسياسية الراهنة فإن مستقبل "حزب الله" اللبنانى يتراوح بين عدد من السيناريوهات كما يلي:

1- السيناريو الأول.. نزع سلاح "حزب الله" والتهدئة بلبنان:

زار المبعوث الأمريكى للبنان "أموس هوكستين" بيروت يوم 21 أكتوبر الجارى لبحث آليات وقف الحرب بلبنان، فى ظل تقارير عن شروط إسرائيلية لوقف القتال بينها (نزع سلاح حزب الله اللبنانى بالكامل بإشراف دولي، ووجود القوات الإسرائيلية فى المجال الجوى والبحرى اللبناني، وتراجع "حزب الله" شمال نهر الليطاني، وإنشاء منطقة عازلة بجنوب لبنان)، ومن المرجح رفض لبنان والمجتمع الدولى لتلك الشروط نظرا لأنها تمثل تعديا واضحا على سيادة الدولة اللبنانية، بيد أن هناك تقارير أمريكية تفيد بأن واشنطن تدعم الحملة الإسرائيلية على الحزب لنزع سلاحه وتقليص دوره السياسى والعسكرى فى لبنان مقابل تعزيز مؤسسات الدولة اللبنانية والاتجاه لانتخاب رئيس لبنانى جديد وهو الأمر الذى يعرقله الحزب منذ عامين، ولذا فإنه من المرجح أن يتم تنفيذ هذا السيناريو حال فوز "هاريس" بالانتخابات الأمريكية، وستخضع تلك الشروط الإسرائيلية للتفاوض مع واشنطن، وبيروت، وباريس التى ترغب فى سرعة إنهاء الحرب بلبنان وإعادة الهدوء لها.

وسيوافق "حزب الله" على ذلك السيناريو حال نجحت تل أبيب فى تدمير ترسانة أسلحته أو معظمها وحال خسر فى المعارك الحالية بجنوب لبنان وتراجع خلف نهر الليطاني، لأنه سيكون بحاجة للمزيد من الوقت لترتيب بيته الداخلى وتعيين القيادات العليا بالحزب وإعادة رسم سياسته الداخلية والخارجية، لاسيما فى ظل استمرار شغور قيادته وفقدان الشخصية الكاريزمية "لنصرالله" بما كان يملكه من شعبية وقدرة على الحشد والتأثير فى قاعدته الشعبية، حيث إن المرشح لخلافته "نعيم قاسم" قد ألقى خطابين لم يسفرا عن أى تعاطف شعبى معه مما دفع الحزب لإعادة نشر خطابات مسجلة لـ "نصرالله" ما يؤكد غياب الرؤية لإدارة الحزب حاليا، كما أن هذا السيناريو ستدعمه طهران إذا تم إبرام صفقة سياسية جديدة بينها وبين واشنطن، خاصة أنها حتى الآن ترفض تقديم دعم فعلى عسكرى لحزب الله وتم تسريب تقارير تؤكد طلب الحزب من طهران تنفيذ عمليات لدعمه بيد أنها رفضته وأكدت القيام بذلك "بالوقت المناسب" مما يشير إلى أنها تتقاعس عن دعمه بغية التفاوض مع المجتمع الدولي، وهذا لا يعنى أن طهران ستنهى عمل الميليشيات ولكن يكفى تقليص قوتها العسكرية وتحجيم دورها السياسى الداخلى وهذا ينطبق على حزب الله اللبنانى ليصبح فريقا ضمن عدد من الفرقاء اللبنانيين المتساوين فى عناصر القوة وليس المهيمن على صنع القرار السياسى والعسكري،وهذا السيناريو سينعكس إيجابا على الدولة اللبنانية عبر تعزيز مؤسساتها وانتخاب رئيس جديد للبلاد وانتشار الجيش اللبنانى بكامل مدن الجنوب مع دعمه عبر قوات "اليونيفيل" الدولية.

2- السيناريو الثانى.. تفكك الحزب وبدء حرب أهلية بلبنان:

يرتبط هذا السيناريو بسلفه، حيث إن نزع سلاح "حزب الله" اللبنانى سيترك عناصره فى حالة من "الفوضى والصدمة" وربما يلجأون لإنشاء تنظيمات مسلحة صغيرة ومتنوعة فى ظل غياب القيادة المؤسسية الكاريزمية للحزب، وحاليا يقوم الحزب بإدارة عملياته العسكرية عبر ما يعرف "بالمجموعات المنفردة"، وهى مجموعة صغيرة تتكون من خمسة أو ستة عناصر يحددون عملية نوعية ضد أى هدف إسرائيلى ولكل مجموعة قائد، ويرجح أن من يقود كافة تلك المجموعات حاليا هم "ضباط بالحرس الثورى الإيراني"بعد اغتيال كافة القادة العسكريين بالحرب، وستقوم تلك التنظيمات بتنفيذ عمليات نوعية ضد الأهداف الإسرائيلية لمقاومة وجودها بالجنوب وكرد فعل على هزيمة الحزب، كما يمكن أن تنفذ عمليات تخريبية انتقامية داخل المجتمع اللبنانى وضد سائر الطوائف بالمجتمع ومؤسسات الدولة، وهو ما سيؤدى لارتفاع حدة الاحتقان الطائفى بلبنان، وربما يسفر عن اندلاع نزاعات مسلحة بين تلك الطوائف أو "حرب أهلية جديدة" يشعلها عناصر "حزب الله" اللبنانى انتقاما من المجتمع، بيد أن هذا السيناريو صعب التنفيذ نظرا لعدم امتلاك سائر الطوائف ترسانة أسلحة "كحزب الله"، وليس بالضرورة اندلاع حرب أهلية بيد أن الأعمال التخريبية ستكون ملجأ لعناصر الحزب للتعبير عن غضبهم حال هزيمتهم، وسيصاحب هذا تراجع الدور السياسى للحزب داخل لبنان وخارجه.

3- السيناريو الثالث.. انفصال الحزب عن الراعى الإقليمى وإدارته ذاتيا:

يستند هذا السيناريو لما تردد عن وجود خلافات حادة بين "حزب الله" اللبنانى وإيران من قبل اغتيال "نصرالله" نتيجة تقاعسها عن دعمه فى المواجهات المستمرة مع إسرائيل وما تردد حول اختراق الحرس الثورى الإيرانى للوصول لمعلومات عن قادة الحزب لتحديد أماكن اغتيالهم، وهو ما ينذر بأن طهران ترغب فى تقليص دعمها للحزب لصالح ميليشيات أخرى بالمنطقة، مثل (الحشد الشعبى بالعراق، والحوثيين باليمن، والميليشيات السورية)، ويفرض هذا السيناريو أن إيران قدمت الدعم العسكرى والسياسى للحزب طوال أربعة عقود واليوم يمكنه الاعتماد على التمويل والإدارة الذاتية، نظرا لأن الساحة اللبنانية تراجعت فى الفكر الاستراتيجى الإيرانى لصالح تعزيز الوجود العسكرى فى سوريا والعراق مثلا وهو ما يمثل تمددا إيديولوجيا استراتيجيا إيرانيا وسط أكبر المجتمعات الشيعية بالمنطقة، وهناك عدد من الدلائل على ذلك، منها توجه عناصر إيرانية لنقل العائلات المهمة والقيادات الباقية من "حزب الله" اللبنانى للعراق، وفرض الجيش السورى قيودا على تنقلات وأسلحة وحركة عناصر الحزب داخل سوريا، ورفض تقديم أى دعم للحزب أو التورط فى المواجهات الحالية مع إسرائيل، وهو ما سيدفع العناصر الباقية للحزب التى تنتمى للصف الثانى والثالث للقبول بالتخلى الإيرانى عنها وإدارة نفسها ذاتيا لاسيما وأن الحزب قد تمدد اقتصاديا فى عدد من الدول الأوروبية وأمريكا الجنوبية، بما يوفر له العوائد المالية لتعويض أسلحته وإدارة المواجهات مع إسرائيل.

 وحال تم تنفيذ هذا السيناريو فإن حدة المواجهات مع إسرائيل ستقل ولكنها لن تنتهى وسيستمر الحزب فى تنفيذ عمليات نوعية فى العمق الإسرائيلى للرد على الهجمات الإسرائيلية على مقراته وعناصره، وهذا بغية الحفاظ على مكتسباته السياسية والاقتصادية فى الداخل اللبناني، وهذا سيؤدى على الصعيد الداخلى لاستمرار عرقلة انتخاب الرئيس اللبنانى حيث ربط "بري" انتخاب الرئيس بوقف الحرب، كما أنه سيؤدى على الصعيد الإقليمى لتقليص دور الحزب بسوريا مقابل تعزيز وجوده بالعراق، وتصاعد نفوذ الميليشيات المسلحة الشيعية بالعراق واليمن التى أصبحت مصدر تهديد للأمن القومى الإقليمى عبر الهجوم على السفن والتهديد بغلق الممرات الملاحية وهو ما يجعلها ورقة تفاوض رابحة بيد إيران مع المجتمع الدولي.

4- السيناريو الرابع.. استعادة الحزب قوته وبدء حرب استنزاف طويلة:

يستند هذا السيناريو الى فرضية مهمة وهى أن "حزب الله" اللبنانى أسس على فكر ايديولوجى استراتيجى لم ينته بموت قادته وأبرزهم "نصرالله"، كما أن اغتيال واشنطن لقادة التنظيمات الإرهابية، مثل (داعش، القاعدة) لم يؤد لنهاية وجود هذه التنظيمات رغم تراجع قوتها وتأثيرها الإقليمى والدولي، ولذا فإن "حزب الله" اللبنانى يمر بمرحلة انتقالية صعبة ولكنه سيتمكن من استعادة قوته عبر ترتيب بيته الداخلى وبدء حرب استنزاف طويلة ضد إسرائيل وقد بدأت ملامح ذلك من خلال توجيه ضربات مؤلمة للأخيرة، وهذا السيناريو سينفذ حال تم تعيين قيادة جديدة كاريزمية غير معروفة للحزب تقوم بتجميع عناصره وإدارته سياسيا وعسكريا، وربما يستغرق ذلك أسابيع أو أشهر، بيد أن تنظيم محكم "كحزب الله" اللبنانى يصعب القضاء تماما عليه، وسيتعزز تنفيذ هذا السيناريو حال تلقى الحزب وعناصره دعما إقليميا من الراعى الأول له إيران والميليشيات والتنظيمات الشيعية بالمنطقة لاسيما من العراق الذى رحبت أوساطه الشيعية بعناصر الحزب، وكذلك سيكون داعما هاما للحزب تقديم دعم شعبى له من بيئته الشيعية بلبنان التى لا تزال تعيش صدمة فقدان "نصرالله"، وبناء على هذا السيناريو فإن الحزب سيقوم بإعادة هيكلة البناء المؤسسى والعسكرى له وترقية عناصره من الشباب لتولى مناصب قادة الصف الأول والثانى سياسيا وعسكريا، وحال نجح هؤلاء فى وضع خريطة طريق جديدة للحزب تحدد أطر عمله بالساحة السياسية اللبنانية وفى مواجهة إسرائيل فإن الحزب سيستعيد قوته مرة أخرى، وهذا بالطبع من المفترض أن يتم بسرية تامة لمنع استهداف تل أبيب لتلك القيادات الجديدة.

وحال تم ذلك فإن الحزب سيبدأ حرب استنزاف طويلة ضد إسرائيل ربما تتحول لحرب إقليمية شاملة، سترهق الاقتصاد والمجتمع اليهودى الذى يحارب منذ عام ونيف، كما أن ذلك سينعكس سلبا على الدولة اللبنانية التى ستخوض حربا فرضت عليها وربما يتم تجميد أى حديث عن انتخاب رئيس جديد للبلاد وتستمر إدارة الدولة عبر حكومة تصريف الأعمال والتمديد لقائد الجيش العماد "جوزيف عون" لمنع فراغ المؤسسة العسكرية، وهو ما سيؤدى لتدهور الوضع الاقتصادى اللبنانى السيىء فضلا عن تداعياته الاجتماعية.

مما سبق، نرى أن اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبنانى "حسن نصرالله" وما تبعه من ضربات للحزب يمثل نقطة تحول فى تاريخه، وطريقة تعامل الحزب معها ستحدد مستقبله ومستقبل الدولة اللبنانية، كما أن نتائج المواجهات الراهنة بين الحزب وإسرائيل ترتبط بالمرحلة الانتقالية التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط والتى تشهد تغييرات جيوسياسية فى موازين القوى ستسفر عن ترتيبات أمنية وسياسية جديدة ربما تستغرق سنوات ليتم تحديد ملامحها، وهو ما سيؤثر على الأمن الإقليمى والقومى لكافة دول المنطقة.   

المصادر:

1-ماذا بعد اغتيال حسن نصر الله؟.. مستقبل حزب الله ومآلات المواجهات مع إسرائيل، 29 سبتمبر 2024.  

https://trendsresearch.org/ar/insight/ماذا-بعد-اغتيال-حسن-نصر-الله؟-مستقبل-ح/

2- أندرى كوجوكار، ومايكل هوروفيتز، كيف انهارت أسطورة "حزب الله" الذى لا يقهر.. فى أسبوع، 6 أكتوبر 2024.

https://www.majalla.com/node/322525/سياسة/كيف-انهارت-أسطورة-حزب-الله-الذي-لا-يقهر-في-أسبوع

3- Killing of Nasrallah is a key prize for Israel, but it’s too early to write off Hezbollah. https://edition.cnn.com/2024/09/29/politics/what-disables-terrorist-groups-nasrallah-hezbollah/index.html

4-Hezbollah faces an uncertain future after the assassination of Hassan Nasrallah. publihed 1 october 2024 3 minute read. https://www.chathamhouse.org/2024/10/hezbollah-faces-uncertain-future-after-assassination-hassan-nasrallah

5- Jeffrey Feltman, Steven Heydemann. What will Nasrallah’s death mean for the Middle East?,September 30, 2024. https://www.brookings.edu/articles/what-will-nasrallahs-death-mean-for-the-middle-east

6- Hassan Nasrallah is dead. What happens next in the Middle East?https://www.usip.org/publications/2024/10/hassan-nasrallah-dead-what-happens-next-middle-east

7- Jonathan Panikoff.AfterNasrallah, three quandaries shape the future of the war—and the Middle East. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/after-nasrallah-three-quandaries-shape-the-future-of-the-war-and-the-middle-east

8- Hanin Ghaddar.What Nasrallah’s Death Could Mean for the Hezbollah Network, Sep 28, 2024. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/what-nasrallahs-death-could-mean-hezbollah-network

9- Death of Hezbollah chief Nasrallah raises question of what comes next. https://www.france24.com/en/middle-east/20240928-death-hezbollah-chief-raises-questions-what-comes-next-nasrallah-lebanon-israel-mideast-crisis-safieddine

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحث أول ومحاضر فى العلوم السياسية