اختتم الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" زيارته لتركيا يوم 4 سبتمبر 2024، التي استمرت يوما واحدا، استقبله خلالها نظيره التركي "رجب طيب أردوغان" وعقدا معا جلسة مباحثات ثنائية بقصر "بيشتبه" الرئاسي، ناقشا خلالها سبل تطوير التعاون المشترك والملفات الإقليمية المعنية، لاسيما الحرب بقطاع غزة والملف الليبي، كما عقدا الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي الرفيع المستوى بين مصر وتركيا، ثم وقعا الإعلان المشترك الصادر عنه، ويتضمن (36) بندا تؤطر لتطوير التعاون الثنائي في ظل الإعداد للاحتفال بمئوية العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، كما شهدا الرئيسان توقيع 20 اتفاقا ومذكرة تفاهم ثنائي في شتى المجالات. يمكن القول إن تلك الزيارة قد أنهت مرحلة التطبيع بين دولتين إقليميتين ذواتى ثقل جيواستراتيجي وأذنت ببدء مرحلة "التعاون الاستراتيجي" بينهما التي ستنعكس إيجابا على مختلف القضايا الإقليمية، لاسيما في ظل توقيت الزيارة لأنها تأتي في ظل جملة من المتغيرات الجيوسياسية الإقليمية والدولية لعل أبرزها إطالة أمد الحرب بقطاع غزة والمخاوف من توسعها إقليميا، وإطالة أمد الحرب الأوكرانية، وتصاعد حدة التنافس الروسي- الصيني- الأمريكي دوليا، ما يعزز أهمية التوافق الإقليمي المصري- التركي لمعالجة الملفات العالقة بالشرق الأوسط وشرق المتوسط والقرن الإفريقي.
* نتائج جيوسياسية:
تعد زيارة الرئيس "السيسي" لأنقرة الأولى لرئيس مصري منذ 12 عاما، وتأتي بعد 6 أشهر من زيارة مماثلة قام بها "أردوغان" للقاهرة في 14 فبراير الماضي. وتمثل زيارة "السيسي" المرحلة الأخيرة في عملية التطبيع بين الدولتين التي بدأت قبل 3 أعوام وتكللت بالنجاح، حيث اختارت القاهرة وأنقرة الحوار المباشر لتقريب وجهات النظر بينهما، وهو ما تجلى فى تلك الزيارة. فقد حظى الرئيس المصري باستقبال رسمي حافل بتركيا وحرص "أردوغان" على استقباله ووداعه في مطار "إيسنبوجا" بأنقرة، وهو ما يخالف العرف التركي الدبلوماسي، وأسفرت الزيارة عن عدد من النتائج الجيوسياسية المهمة لعل أبرزها:
-حرص مشترك لتطوير التعاون الاستراتيجي: كشفت الزيارة عن وجود رغبة رئاسية مصرية-تركية مشتركة للانتقال بالعلاقات الثنائية لمرحلة "التعاون الاستراتيجي"، حيث أبدى الرئيس "السيسي" سعادته بزيارته لأنقرة، وأوضح أن "الدولتين تجمع بينهما علاقات تاريخية وشعبية عميقة الجذور، وتربطهما علاقات سياسية قوية، وتعكس الزيارة الإرادة المشتركة لبدء مرحلة جديدة من الصداقة والتعاون بين البلدين استناداً لدورهما المحوري في محيطيهما الإقليمي والدولي"، وأكد "السيسي" أن زيارته لتركيا تعكس "إرادة لبدء صداقة جديدة بين القاهرة وأنقرة"، وهو ما أكده "أردوغان" أيضا، كما كشفت القاهرة وأنقرة عن الاعداد لعدد من الفعاليات المهمة التي ستبدأ العام المقبل للاحتفال بمرور مئة عام على العلاقات بينهما، التى بدأت فى عام1925.
-عقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي: ترأس "السيسي" و"أردوغان" الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي الرفيع المستوى بين مصر وتركيا، وقد وصف الرئيس "السيسي" عقد الاجتماع الأول بأنه "نقلة نوعية"للعلاقات الثنائية في كافة المجالات. بدوره أوضح "أردوغان" أن"المجلس سيوطد التعاون بجميع المجالات وأكد أن التجارة والاقتصاد يشكلان البعد الأقوى للتعاون المصري- التركي"، ثم وقعا الإعلان المشترك الصادر عنه ويتضمن (36) بندا تحدد أطر مستقبل التعاون المصري-التركي في شتى المجالات، وكذلك يؤكد التوافق البيني لمعالجة الملفات الاقليمية، وحدد الإعلان أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة تعتمد على "روابط الصداقة القوية والقيم المشتركة ومبادئ الاحترام المتبادل، والتفاهم المشترك والتعاون واحترام مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة"، كما كشف عن رغبة الدولتين في "ترفيع شراكتهما وتعاونهما في كافة المجالات إلى المستوي الاستراتيجي، واستكشاف قطاعات جديدة للتعاون بينهما، والتأكيد على الأهمية المحورية للتعاون الاقتصادي في تحقيق الرخاء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعبي الدولتين، كما تم الإعلان عن تشكيل مجموعة "التخطيط المشترك" برئاسة وزيري خارجية الدولتين للبدء في العمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين في كافة المجالات.
جدير بالذكر أنه تم توقيع اتفاقية لإعادة تشكيل المجلس في فبراير الماضي خلال زيارة "أردوغان" للقاهرة، وذلك لإحياء المجلس بعد توقفه لمدة 13 عاما، حيث كان الاتفاق الأول على عقد اجتماعات المجلس عام 2010، ولكن عقد الاجتماع الأول له عام 2012 وتوقف بعد ذلك.
- محورية التعاون الاقتصادي: أكد الرئيس "السيسي" حرصه على "منح التسهيلات الممكنة لرجال الأعمال الأتراك في ظل مناخ الاستثمار المتميز بمصر الذي مكنهم من زيادة حجم أعمالهم وبيع منتجاتهم في مصر والتصدير للخارج، وكذلك تطوير التعاون فى مجال السياحة". بدوره جدد "أردوغان" رغبة بلاده في رفع معدلات التبادل التجاري بين الدولتين إلى 15 مليار دولار خلال السنوات المقبلة (تبلغ حاليا نحو 6 مليار دولار)، مما يؤكد أن تطوير التعاون الاقتصادي كان هو الدافع الرئيسي فى التقارب بين الدولتين لأنه لا يحمل أي مصادر خلاف بين الدولتين بغية تحقيق الاستفادة القصوى لكلا منهما فالسوق المصرية تتجاوز 100 مليون مستهلك كما أن القاهرة هي بوابة للأسواق الإفريقية، وهو ما تطمح أنقرة للاستفادة منه، في المقابل تسعى مصر لتعزيز صادراتها لتركيا ودول جوارها بالقوقاز وشرق أوروبا.
جدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا وصل إلى 3 مليارات دولار خلال النصف الأول من عام ،2024 وكانت أهم الصادرات المصرية لتركيا (اللدائن، الأسمدة، الحديد والصلب، آلات وأجهزة كهربائية وآلية وأجزاؤها، ملابس جاهزة)، وبلغت قيمة الاستثمارات التركية في مصر 77.8 مليون دولار خلال عام 2023، مقابل (33.2 مليون دولار) استثمارات مصرية في تركيا، ومن المتوقع ضخ استثمار جديد بقيمة 500 مليون دولار العام المقبل، وتصل العمالة التركية في مصر إلى 100 ألف شخص.
- توقيع 17 اتفاقية بشتى المجالات:شهد الرئيسان المصري والتركي توقيع 17 اتفاقية بين الدولتين فى شتى المجالات، لعل أبرزها:
· توقيع مذكرات تفاهم بشأن تطوير المنطقة الصناعية بالعاصمة الإدارية المصرية الجديدة، واتفاقية تخصيص أرض لتطوير المنطقة الصناعية بمدينة أكتوبر الجديدة.
· توقيع مذكرة تفاهم في مجال سياسة المنافسة بين هيئة المنافسة فى الدولتين، ومذكرة تفاهم فى مجال التعليم العالي.
· توقيع مذكرة تفاهم بمجال النقل في قطاع السكك الحديد والطيران، والبنية التحتية ومجال التكنولوجيا والتعاون العلمي والاقتصادي والفني، وكذلك مذكرة تفاهم فى مجال الزراعة.
· تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي الخارجية بشأن التعاون في مجالات الصحة والعلوم الطبية وإدارة تنمية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدولتين.
· وقعت مذكرة تفاهم للتعاون وبناء القدرات بين وزارتي التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
· كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي المالية، ومذكرة لتعزيز التعاون المشترك فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
- تعزيز التعاون بمجال الطاقة: كشف "أردوغان" عن أن بلاده ترغب في توطيد علاقاتها بمصر في قطاعي الغاز الطبيعي والطاقة النووية. جدير بالذكر أن روسيا بنت محطة طاقة نووية بتركيا وتقوم ببناء محطة "الضبعة" للطاقة النووية بشمال مصر، كما أن أنقرة قد ألمحت من قبل عن رغبتها في الانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط، ويضم (مصر، واليونان، وقبرص، وإيطاليا، واليونان، والأردن، وفلسطين وإسرائيل)، الذي يهدف لتنظيم ترسيم الحدود بين دوله بعد اكتشاف احتياطيات غاز ضخمة بسواحل شرق المتوسط، حيث يمكن لأنقرة والقاهرة التعاون فيما بينهم لنقل الغاز المصري للقارة الأوروبية عبر المشاركة في خطوط الأنابيب التركية بما يعود بالنفع على الدولتين، بينما تسعى الدول الأوروبية لإيجاد بدائل عن "الغاز الروسي" الذي كانت تعتمد عليه كمصدر رئيسي للطاقة لديها.
-أهمية تطوير التعاون العسكري: أوضح الإعلان المشترك الصادر عن الاجتماع الأول للمجلس الاستراتيجي المصري التركي، رغبتهما في تطوير التعاون العسكري بينهما، لا سيما في ظل موافقة أنقرة على تزويد القاهرة بمسيرات (بيرقيدار) التركية، وسعى القاهرة للحصول على المقاتلة التركية (كآن) التي توصف بأنها من الجيل الرابع أو الخامس، كما تبحث الدولتان عدة مشاريع مستقبلية في التصنيع العسكري المشترك.
كانت تركيا قد شاركت في "المعرض الدولي الأول للطيران والفضاء" الذي افتتحه الرئيس "السيسي" في مطار العلمين مطلع سبتمبر الجاري، وعرضت عددًا من منتجاتها العسكرية المحلية، منها (المقاتلة التركية "قآن"، ومروحية "تي129 أتاك"، ومسيرة "أق سونغور")، وفي أبريل 2024 قام رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية السابق الفريق "أسامة عسكر" بزيارة لأنقرة لبحث التعاون في مجال الصناعات الدفاعية والإنتاج المشترك، وهو ما يبرهن على "تحول استراتيجي" في العلاقات بين الدولتين ويعكس رغبتهما الصادقة في تطوير التعاون بشتى المجالات وليس فقط الاقتصادية، ولعل ثمة آفاق جديدة لتطوير التعاون العسكري بين الدولتين، أبرزها التصنيع المشترك وتأسيس مناورات سنوية مشتركة بحرية في شرق المتوسط.
-تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي: شدد الإعلان المشترك على أهمية تعزيز التعاون بين الدولتين في مكافحة الإرهاب بمختلف أشكاله وصوره، ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، بما في ذلك تهريب المهاجرين غير الشرعيين والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات، وهي جرائم "عابرة للحدود" تهدد دول الشرق الأوسط كافة، ويمكن لمصر نقل تجربتها في معالجة أزمة "الهجرة غير الشرعية" لتركيا التي مازالت تعاني منها حيث يتدفق العشرات يوميا إليها من حدودها البرية والبحرية من دول الجوار التى تعانى الاضطرابات، كما سيكون مهما للدولتين تعزيز التعاون لمواجهة(التهديدات الأمنية السيبرانية) التي يتصاعد خطرها كتهديد غير تقليدي للأمن القومي.
- السعي لتنوع التعاون الثقافي: أكد الرئيس "السيسي" ضرورة الاستفادة من "الروابط التاريخية والثقافية الممتدة الجذور بين مصر وتركيا" في تعزيز التعاون بالحاضر والمستقبل، حيث يُقبل المئات من الطلاب الأتراك على تعلم اللغة العربية والالتحاق بالأزهر الشريف وربما تتم مضاعفة عدد المنح السنوية لهم، كما أنشئ بمصر مركز "يونس أمرة" لتعليم اللغة التركية، ولذا يجب مضاعفة الأنشطة والفعاليات بين الدولتين لتشمل كافة القطاعات الثقافية والفنية والإبداعية، وهو ما سينعكس إيجابا على تعزيز التعاون الاقتصادي والسياحي بينهما.
* انعكاسات إقليمية إيجابية:
يمكن القول أن العلاقات المصرية-التركية تتجاوز كونها علاقات بين دولتين نظرا للثقل الإقليمي لكل منهما وتناولت المباحثات حزمة من القضايا العربية والإقليمية التي تشهد تحولات نوعية ستحدد مستقبل الشرق الأوسط بالمدى القصير، وهو ما أكده الرئيس "السيسي" فى ختام مباحثاته مع "أردوغان"، حيث أوضح "إن التحديات في المنطقة تتطلب تنسيقا مصريا تركيا"، نظرا لأن كلتا الدولتين لهما نفوذ وتمدد عربي إفريقي-أوروبي، كما أن الأزمات الإقليمية باتت متداخلة ومتشابكة بعضها بعضا، ولذا فإن الزيارة أكدت التوافق المصري التركي لمعالجة الأزمات الأقليمية كما يلي:
- دعم متبادل للحفاظ على الأمن القومي: أكد "أردوغان" رفضه "للاتهامات الإسرائيلية بحق مصر" في إشارة الى التصريحات الاستفزازية الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتياهو"، كما أوضح "أردوغان" قبل ذلك بضرورة حل أزمة "سد النهضة" سلميا، وهو ما يعزز الموقف المصري في الدفاع عن أمنها القومي أمام أزمتين تواجههما حاليا الأولى بشأن الترتيبات الأمنية بقطاع غزة بعد وقف الحرب والأخرى بشأن التهديد للأمن المائي المصري، حيث يأتي موقف أنقرة للتأكيد على الدعم الإقليمي للموقف المصري. في المقابل، جدد الرئيس "السيسي" رغبته في استمرار حالة "التهدئة الحالية في منطقة شرق المتوسط والبناء عليها وصولاً إلى تسوية الخلافات القائمة بين الدول المتشاطئة بالمنطقة"، في إشارة للخلاف التركي - القبرصي - اليوناني حول التنقيب التركي عن الغاز الطبيعي بالمنطقة، وهو ما يمثل دعم مصري للاعتماد على الحوار لحل الأزمة بشرق المتوسط كما يمكن للقاهرة التوسط بين (أنقرة، وأثينا، ونيقوسيا) لمعالجة الخلافات بينهم نظرا لعلاقاتها المتميزة مع الدول الثلاث، وهذا الدعم الإقليمي المتبادل سيؤدي لتعزيز الموقفين المصري والتركي للحفاظ على أمنهما الإقليمي والاعتماد على الحوار لمعالجة تلك الأزمات.
-الدعوة لمعالجة القضية الفلسطينية: دعا الرئيسان لضرورة مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة والمستمرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في قطاع غزة، ووقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وتدفق المساعدات الإنسانية والطبية دون انقطاع على القطاع، كما طالبا بوجود تنسيق ودعم دولي لإعادة إعمار غزة، ووقف أي تصعيد محتمل بالضفة الغربية، والإعداد الفوري لاستئناف مفاوضات السلام تمهيدا لإعلان الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، كما جددا الدعوة لضرورة توحيد الصف الفلسطيني، وأعربا عن استعدادهما لبذل المزيد من التنسيق والتعاون المصري-التركي لتحقيق ذلك في إطار عضويتهما بلجنة الاتصال المعنية بغزة التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية. يلاحظ أن ثمة تطابقا في الرؤيتين المصرية والتركية لمعالجة القضية الفلسطينية قد برز جليا خلال عام 2023، ما أدى لمضاعفة زخم التقارب بين الدولتين.
- ترحيب مصري بالتقارب التركي- السوري:رحب الرئيس "السيسي" بالتقارب الأخير بين تركيا وسوريا وإعلان الدولتين عن رغبتهما في تطبيع العلاقات بينهما، وأكد أنه يسعى لحل الأزمة وفق قرارات الأمم المتحدة، لاسيما قرار مجلس الأمن الدولي (رقم 2254) وتحقيق الحل السياسي لرفع المعاناة عن الشعب السوري والحفاظ على وحدة الدولة السورية وسيادتها وسلامة أراضيها، والقضاء على الجماعات الإرهابية، كما أكد الرئيسان على ضرورة توصيل مساعدات الإغاثة الإنسانية ومشروعات التعافي المبكر للشعب السوري، وطالبا المجتمع الدولي بالمساهمة في جهود إعادة الاعمار للمناطق المدمرة بسوريا، هذا الترحيب المصري بالتقارب التركي- السوري دافعا رئيسيا لاستمرار جهود التقارب بين أنقرة ودمشق وإنهاء الأزمة السورية تماما، كما يمكن للقاهرة أن تصبح وسيطا لحل الملفات العالقة بينهما أو تستضيف بعض الاجتماعات المزمع عقدها المعنية بالأمر.
- توافق لإنهاء الإنقسام الليبي:تعد مصر وتركيا من أكثر الدول الإقليمية المعنية بالملف الليبي ولعل التوافق بينهما على "معالجة الأزمة وفق قرارات الأمم المتحدة ودعم عملية سياسية بقيادة ليبية، وبتسهيل من قبل الأمم المتحدة بهدف الحفاظ على أمن واستقرار وسيادة ليبيا وسلامتها الإقليمية ووحدتها السياسية"، سيكون محددا رئيسيا لإنهاء الأزمة، حيث ستستخدم كل دولة نفوذها لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبين في الشرق والغرب لإنهاء أوجه الوجود المسلح وتوحيد المؤسسات السياسية والعسكرية، وإنهاء الانقسام الليبي عبر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف دولي.
- دعم لمعالجة الأزمات العربية: أكد الإعلان المشترك على أهمية دعم سيادة واستقرار العراق ودفع جهوده نحو التنمية وإعادة الإعمار، وهو دعوة مهمة لأنها تأتي من دولتين ترتبطان باتفاقيات متعددة مع العراق، كما دعا الرئيسان لوقف الصراع الدائر في السودان منذ عام ونيف ودعما أي مبادرات خاصة بحل الأزمة سلمياً، وكذلك طالبا باحترام حرية الملاحة في الممرات الإقليمية والدولية بالبحر الأحمر، واستئناف المبعوث الأممي لليمن جولاته لحل الأزمة سلميا، كما أبدى الرئيسان دعمهما لسرعة انتخاب رئيس لبناني لإنهاء الشغور الرئاسي المستمر منذ عامين وجددا رفضهما لأي اعتداءات إسرائيلية على الأراضي اللبنانية ووقف التصعيد المتبادل على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية.
- إرساء السلام بالقرن الأفريقي:اتفق الرئيسان على ضرورة العمل لإرساء السلم والأمن والاستقرار في القرن الإفريقي والحفاظ على علاقات حسن الجوار والصداقة بناءً على الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة، في إشارة للدعم المصري التركي للصومال الذى يتعرض لانتهاكات مستمرة من قبل إثيوبيا بعد توقيع الأخيرة في فبراير 2024 على اتفاق لتأجير ميناء صومالي دون موافقة الحكومة الشرعية بالبلاد. جدير بالذكر أن مصر قد أرسلت فى الآونة الأخيرة طائرتين عسكريتين لمقديشو للمرة الأولى منذ 40 عاما للمساهمة في الحفاظ على أمن البلاد بموجب اتفاق وقع بين الدولتين، كما تمتلك تركيا قاعدة عسكرية متطورة في الصومال، ولذا فإن التنسيق المصري التركي سيمكنه إرساء السلام بالفعل في الصومال والقرن الإفريقي ومنع أي تهديد لسلامة دول المنطقة.
- تعدد مستويات التنسيق الإقليمي والدولي: أشار الإعلان المشترك لسعى القاهرة وأنقرة لتعزيز السلم والرخاء والاستقرار إقليميا وتعزيز التنسيق والتعاون بينهم بالمحافل الدولية لمواجهة التحديات الراهنة (التنمية المستدامة، وتغير المناخ، وحماية البيئة، والأمن الغذائي)، وهو توجه متميز يعزز التعاون بينهما حيث تشترك الدولتان في عضوية عدد من المنظمات الدولية منها (الأمم المتحدة، والتعاون الإسلامي، ومجموعة الثماني الإسلامية الاقتصادية)، فضلاً عن تشجيع القاهرة للمزيد من الحوار والتعاون بين تركيا وجامعة الدول العربية، كما تعمل أنقرة على الانضمام لمجموعة "بريكس" التي انضمت لها مصر مطلع العام الحالي ومن المقرر أن تحضر الدولتان القمة المقبلة للمجموعة في أكتوبر 2024 بمدينة "قازان" الروسية، وسيكون الدعم المصري للطلب التركي بالإنضمام للمجموعة عاملا مؤثرا لقبوله.
خلاصة القول، إن جميع الأزمات العربية تمر بمرحلة انتقالية نوعية، لعل أبرزها القضية الفلسطينية، وهو ما أسفر عن حالة من "الاضطراب" بالشرق الأوسط خلال العامين الماضيين، تزامنت مع تصاعد التوتر بين القوى الكبرى (الصين، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية) انعكست سلبا على مجريات الأحداث بالمنطقة، وبدأت نزاعات لتقاسم النفوذ بين القوى الكبرى وحلفائها الإقليميين ووكلائها المحليين داخل كل دولة، مما أدى لتفاقم الأزمات وهنا يكمن أهمية التوافق المصري- التركي الذي بات ضرورة ملحة لمعالجة القضايا الإقليمية المتعددة والحفاظ على الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط الحافة بالاضطرابات، والتي تشهد تحولات في موازين القوى الدولية والإقليمية سينتج عنها إعادة ترتيب لتوازنات القوى بالشرق الأوسط وتأسيس نظام إقليمي جديد سيكون لمصر وتركيا دور مركزي فيه.