مقالات رأى

الدستور المصرى وركائز التنمية المستدامة

طباعة

صدر الدستور المصرى عام 2014 بعد عصف سياسى لعدة سنوات، صاحب ذلك العديد من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية فى المجتمع المصرى ما شكل رؤية جديدة لدى الأفراد ولدى السلطة الحاكمة بحتمية التغيير والانطلاق نحو تكوين دولة تحتضن رؤية هذا التغيير، وعلى جانب آخر كانت الساحة الدولية فى الدائرة البعيدة والدائرة القريبة من مصر حافلة بالعديد من التغيرات كذلك، ما أثر على البعد الاستراتيجى المصرى فى إفريقيا والمنطقة العربية وحوض البحر المتوسط.

على جانب آخر، كان تحرك المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة نحو إعادة صياغة منظومة جديدة لحقوق الإنسان وحتمية إعادة النظر لسبل العيش على هذا الكوكب لتحقيق الاستدامة اللازمة وضمان حقوق الأجيال المقبلة؛ حيث بدأ ذلك منذ عام 2000 عندما أطلقت الأمم المتحدة أهدافها الإنمائية وهى:

-  القضاء على الفقر.

-  تعميم التعليم الابتدائى.

-  تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

-  تقليل وفيات الأطفال.

- تحسين الصحة النفسية.

- مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز والملاريا.

- كفالة الاستدامة البيئية.

- إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.

بمراجعة المتغيرات الجيوسياسية والاجتماعية بات ضروريا إعادة تشكيل هذه الأهداف الإنمائية بشكل أكثر توسعا وتشعبا؛ حيث اعتمدت جميع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة عام 2015 هذه الأهداف(SDGs)  للتنمية المستدامة، فكانت دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030، وهو ما يمكن إجماله فيما يلى:

- لا للفقر.

- القضاء التام على الجوع.

- الصحة الجيدة والرفاهية.

- جودة التعليم.

- المساواة بين الجنسين.

- المياه النظيفة.

- الطاقة النظيفة.

- العمل اللائق والنمو الاقتصادى.

- الصناعة والابتكار والبنية التحتية.

- الحد من عدم المساواة.

- المدن والمجتمعات المستدامة.

- الإنتاج والاستهلاك المسئول.

- العمل المناخى.

- الحياة تحت الماء.

- الحياة على الأرض.

- السلام والعدل والمؤسسات القوية.

- شراكات لتحقيق الهدف.

فكانت أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الصادرة المعلنة عام 2015 صورة مستحدثة ومختلفة لأنها:

عالمية: فهى إطار عالمى تنطبق على جميع البلدان.

تحويلية :تتيح خطة عام 2030، بوصفها خطة من أجل "الناس والكوكب والازدهار والسلام والشراكة"، نقلة نوعية من نموذج التنمية التقليدى. وتوفر رؤية تحويلية من أجل تحقيق تنمية مستدامة.

شاملة وجامعة :تعِدُ خطة عام 2030، إلى جانب التزامها بتحقيق سلسلة واسعة من الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ببناء "مجتمعات أكثر سلامًا وعدلا واحتضانًا للجميع، دون أى استثناء".

وحقوق الإنسان ثابتة فى أهداف التنمية المستدامة وفقا لما استقرت عليه هذه الحقوق منذ صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948، وكذلك فإن مدارسة حقوق الإنسان هى من المواد المهمة التى تزين الدساتير، وتحدد إلى أى نقطة وصلت النظم القانونية والدساتير لحماية هذه الحقوق.

لم يخل دستور مصر الصادر عام 2014 من ملامح النص على هذه التنمية المستدامة؛ حيث احتمل العديد من أفكار التنمية المستدامة بدءا من مقدمته؛ حيث ورد إن مصر تاريخ عريق من التطور ونقطة انطلاق لتحول أكبر ما يعنى النظرة الجديدة إلى دور الدولة فى عملية التنمية المستدامة، وهو ما يتفق مع الفكرة المرنة والتحولية لأهداف للتنمية المستدامة.

أما عن نصوص الدستور فقد حفل الدستور المصرى بالعديد من الأفكار الجديدة أو التى تم تحديثها للتماشى مع نطاق التغيرات الداخلية والخارجية بشأن التنمية بحيث ارتبطت هذه المواد بكل النقاط التى استعرضتها أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ومن ذلك:

المادة 8 التى ناقشت فكرة التضامن الاجتماعى وهو ما أكدته فيما بعد المادة 17، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، وتأكد ذلك بالمادة 9 حيث قررت أن تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز.

 كانت المادة 11 من المواد الفارقة فى تناول أفكار التنمية المستدامة؛ حيث نصت على أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور. والالتزام بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا، وتضيف المادة 12 أن العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أى مواطن بالعمل جبرا .

انتقلت المادة 18 إلى فكرة الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، ثم الحق فى التعليم فى المادة 19 وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز.

ذهبت المادة 27 إلى إرساء المفاهيم الاقتصادية، وذكرت التنمية المستدامة بشكل صريح؛ حيث قرر النص استهداف تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والالتزام بمعايير الشفافية والحوكمة، والمادة 29 التى قررت مقوم الزراعة فى الاقتصاد وهى ما ترتبط بسلامة الحياة البرية، وتناولت المادة 32 فى السياق ذاته الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وهو ما ورد به بنص صريح فكرة حماية حقوق الأجيال المقبلة، وتأكد فى المادة 44 والخاصة بحماية نهر النيل، ثم المادة 46 التى قررت حماية النظام البيئى وأنه لكل شخص الحق فى بيئة صحية سليمة، فى تأكيد مستمر على النطاقات والمفاهيم ذاتها.

نصت المادة 53 على فكرة سيادة القانون ومؤسسات الدولة القوية ومساواة الأفراد أمام القانون، وتأكد ذلك بالمادة 94 التى قررت سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة.

ثم تبلور ذلك من خلال تحقيق الأهداف المباشرة للتنمية المستدامة فى المادة 78؛ حيث نصت على أن تكفل الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، والحق فى الغذاء الصحى الكافى فى المادة 79.

تأكد اتجاه الدولة من حيث هذه المفاهيم الدولية للتنمية المستدامة؛ حيث جاءت المادة 93 وأضافت التزام الدولة بالاتفاقات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما يمكن الانتهاء معه أن الدستور المصرى ومع صدوره عام 2014 قبل إعلان أهداف التنمية المستدامة، لم يغب عنه التحرك الدولى فى ذلك، ولم يأت فقط بملامح التنمية المستدامة وإنما استبق هذه التحركات فى تصور واقعى وقابل للتطبيق حول ركائز هذه التنمية وما تتطلبه من خطط واستراتيجيات.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. معتز محمد أبوزيد

    د. معتز محمد أبوزيد

    قاض- محاضر مواد القانون العام- خبير تشريعات حقوق الإنسان