مقالات رأى

هل أمريكا على موعد مع اعتلاء أول رئيسة لسدة الحكم؟

طباعة

تتوالى الأحداث وتتعاقب فى مسلسل الانتخابات الرئاسية الأمريكية الذى لا يخلو من التشويق الهوليودي بما حمله ويحمله من توتر فى الأحداث وكثير من المنعطفات التى تجعل من التنبؤ بنتيجة هذه الانتخابات مقامرة غير مأمونة الجانب. فبعد مناظرة رئاسية وصفت بالـ"كارثية" على حد تعبير الكثير من المراقبين الأمريكيين وجمعت بين الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن ومنافسه الجمهورى الحالم بالعودة للمكتب البيضاوى دونالد ترامب، توالت الأمور وتشعبت. فالعلاقة الشائكة بين بايدن وترامب لم تبدأ بعودة الأخير للسباق الانتخابى، لكنها تعيد لنا مشهد اقتحام مؤيدى ترامب لمبنى الكونجرس فى خلال جلسة تضمنت المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية آنذاك التى أقصت ترامب، ونصَّبت بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية لأربعة أعوام تلت.

مشهد ساوته بعض التقارير الصحفية الغربية بمشاهد هجمات الحادى عشر من سبتمبر قائلة: "على غرار أحداث 11 سبتمبر 2001 سيسجل تاريخ الولايات المتحدة يوم 6 يناير باليوم الذى هدد فيه أنصار رئيس مقيم فى البيت الأبيض الديمقراطية الأمريكية ديمقراطية يعدها باقى مواطنى العالم نموذجا يحتذى فى مجال احترام حقوق الإنسان وإرادة الأغلبية وشرعية الانتخابات[1].لم تتوقف المهاترات بين الرئيس الأمريكى الحالى ومنافسه ترامب؛ حيث حصلت بينهما مشادة كلامية، وألقى بعضهما أسوأ الأوصاف على الآخر على مرأى ومسمع من العالم، فى مشهد قدم مادة زخمة لمستضيفى البرامج الكوميدية المهمين فى الولايات المتحدة الذين وجدوا فى هذا المشهد من الفكاهة ما لا حدود له.

 انتهت المناظرة وكان من المنتظر عقد أخرى قبل موعد الانتخابات المقبلة، لكن هذه المناظرة إن حصلت فلن يكون على طرفها الآخر جو بايدن، الذى أعلن انسحابه من السباق الانتخابى، لكن سيحتل المنصة الأخرى مرشح ديمقراطى لا يزال اسمه أو اسمها قيد البحث من قبل الحزب الديمقراطى؛ حيث يحاول الحزب الديمقراطى حاليا خوض سباق مع الزمن لطرح مرشحه لخوص الانتخابات الرئاسية المقبلة، فتعنت الرئيس الحالى جو بايدن وإصراره على الاستمرار فى السباق الانتخابى على الرغم من كبر سنه وعلامات ظهرت عليه بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة تشير إلى عدم أهليته الصحية لشغل هذا المنصب لفترة رئاسية ثانية، هذا التعنت وضع الحزب فى مأزق ما إن كان بالإمكان دفع مرشح بسرعة لسباق انتخابى قد لا يكون باليسير، فهو ينسحب من سباق الانتخابات قبل أربعة أشهر فقط من موعدها المقرر.

تلى المناظرة بأيام قليلة تعرض مرشح الحزب الجمهورى والرئيس الأمريكى السابق ترامب لمحاولة اغتيال خلال مؤتمر خطابى فى بنسلفانيا اتهم فيها الأخير بايدن ونائبته هاريس فى الإخفاق فى حمايته؛ ما قد يجعله يستغل هذه الحادثة لتعزيز فرصه فى الوصول إلى البيت الأبيض. تندر الأمريكيون على الإصابة الطفيفة التى حصلت لترامب فى أذنه اليمنى، وذهب آخرون للقول إن هذا الحدث قد يكون مدبرا لرفع فرص ترامب فى الوصول إلى سدة الحكم، وعلى الصعيد المقابل رأى ترامب ومناصروه أن إهمالا حتميا من إدارة الرئيس بايدن بتأمين مؤتمره الخطابى كان السبب فى ذلك ما قد عرض حياته للخطر.

لكن تعود التكهنات لترجح كفة نائبة الرئيس الأمريكى الحالى كاميلا هاريس بالفوز بثقة الديمقراطيين كمرشحة للحزب فى السباق الرئاسى المقبل. هاريس التى يرى الكثير من الأمريكيين أنها لم تكن لها إنجازات تذكر على الصعيدين الداخلى الأمريكى والخارجى فى السياسات الأمريكية الخارجية. لكن آخرون يعزون ذلك لكون منصب نائب الرئيس الأمريكى لا يمنحه الكثير من الحيز فى المشاركة بشكل فاعل بل يتندر الأمريكيون على نواب الرؤساء قائلين إن مهمتهم الوحيدة هى انتظار وفاة الرئيس ليحلوا محله.

ستواجه كاميلا هاريس حال حسم ترشيحها من قبل حزبها لخوض انتخابات الرئاسة منافسا قد يمكن وصفه بالشرس لكن ليس لحنكته السياسية، بل على العكس لكونه شخصا ليس من السهل توقع ما سيقوم به. رئيس شهدت الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة رئاسته المنصرمة نوعا من الاستقرار الاقتصادى شعر به المواطن العادى على الصعيد الداخلى، على العكس مما قدمه بايدن للأمريكيين من أعباء اقتصادية قد يرجع بعض أسبابها لانتشار وباء كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية وما ترتب عليهما.

بينما لا يخفى على أحد أن ترامب سليط اللسان ويتحدث بلغة الشارع الأمريكى الذى يفهمها الكثير ليس فقط من مؤيديه لكن من المواطن الأمريكى العادى بغض النظر عن مستوى تعليمه وثقافته.

 ويقوم ترامب باللعب على مشاعر الأمريكيين الذين تدغدغهم شعارات كتلك التى ينادى بها مثل "أمريكا عظيمة"، وبجعل الحلم الأمريكى واقعا يعيشه كل أمريكى كما يروج خلال حملاته الانتخابية. فدونالد ترامب رجل الأعمال الذى يتحدث لغة الاقتصاد والرفاهية التى يعد بها الأمريكيين، الذى يرى بكل تدخلات أمريكا الخارجية مضيعة للوقت ولمقدرات أمريكا.

ولطالما انتقد إدارة ترامب على دعمها لحروب خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية يراها ترامب بلا منفعة. لا، بل ذهب لأبعد من هذا فى استعراض قدرته على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية فى يوم واحد على حد تعبيره؛ حيث قال أمام حشد من مناصريه خلال المؤتمر السنوى للقادة المحافظين: "سأحل المشكلة وسأحلها بأسرع ما يمكن، ولن يستغرق الأمر أكثر من يوم واحد. أعرف جيدا ماذا سأقول لكلا الطرفين. "[2]

على الجانب الآخر، ظهرت كاميلا هاريس فى أول خطاب لها فى مجموعة من المؤيدين لحزبها الديمقراطى بعد تزكيتها من قبل الرئيس بايدن لخوض السباق الانتخابى فى ولاية ويسكنسن؛ حيث ألقت كلمة فى جمع من المؤيدين للحزب، وألقت بخطاب رأى فيه المحللون بأنه لا يرتقى للمناسبة، فقد كان خطابا ركيكا عزاه البعض إلى قصر المدة التى فصلت بين تزكية الرئيس الأمريكى لها وبين موعد الخطاب.

فى الوقت ذاته يرى المحللون الأمريكيون أنها تواجه تحديات فى غاية الخطورة؛ فقد تواجه معارضة من قبل الحزب الديمقراطى الذى تنتمى إليه وكذلك من الحزب الجمهورى، جنبا إلى جنب كونها امرأة ملونة[3] من أصول مهاجرة، وهذا ما قد يستخدمه ترامب فى دغدغة مشاعر مناصريه من البيض الأمريكيين الذين قد يجدون فى هاريس مرشحا غير ملائم لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا كان واضحا جدا فى الهجوم اللاذع الذى شنه الرئيس السابق دونالد ترامب على المرشحة المحتملة كاميلا هاريس فى أول لقاء مفتوح له بعد تنحى الرئيس الحالى جو بايدن عن خوض سباق الرئاسة؛ حيث نعتها ترامب بـ"الكاذبة التى تسترت على بايدن"، وشدد على كونها "لا تحب إسرائيل"، محذرا بأن هذا الحال سيستمر حال انتخابها كرئيسة، محذرا من أنه لا يمكن لأى شخص محب لإسرائيل أن ينتخب كاميلا لرئاسة الولايات المتحدة.

لكن هذا الخطاب الهجومى الحاد من قبل ترامب على هاريس وإقحامه للشأن الإسرائيلى قد يكون سلاحا ذا حدين، فمن الممكن أن يكون هذا حافزا للناخبين من أصول عربية أو إسلامية أو إفريقية لدعم هاريس، فعلى سبيل المثال يرى بعضهم أن هناك فرصة ذهبية لها للحصول على أصوات الناخبين العرب فى ولاية ميتشجان إضافة إلى احتمال الدعم الكبير لها من قبل الجاليات الهندية، لكونها تنحدر من أصول هندية، إضافة إلى الأمريكيين الشباب الذين أصبحوا يرون فى سياسات أمريكا تجاه إسرائيل والدعم المطلق لها مهددا للمبادئ الأمريكية. هاريس لم تحضر الخطاب الذى ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى الكونجرس، واختارت أن تقوم بحضور مؤتمر آخر حدث فى الوقت ذاته.

هاريس كان من المفترض أن تترأس الجلسة من الناحية البروتوكولية، لكنها لم تفعل. وهو غياب استغله منافسوها من الحزب الجمهورى لمهاجمتها بلا هوادة؛ حيث جاء على لسان رئيس مجلس النواب من الحزب الجمهورى مايك جونسون بأن غياب هاريس عن خطاب نتنياهو "أمر فاضح ولا يمكن تبريره".

تبنت هاريس موقفا قد يمكن وصفه بالمتوازن منذ بدء الحرب على غزة وظهر هذا فى خطاباتها المتعلقة بهذا الشأن؛ حيث أدلت بتصريحاتبعد محادثات أجرتها وجها لوجه مع نتنياهو داخل البيت الأبيض، قائلة: "لقد حان الوقت لإنهاء هذه الحرب"، وشددت هاريس كذلك على الحاجة إلى إيجاد طريق لحل الدولتين.

 هذا ما لم يفعله منافسها ترامب الذى شهدت إسرائيل إبان توليه رئاسة الولاية المتحدة الأمريكية عصرا يمكن وصفه بالذهبى فهو الرئيس الأمريكى الذى تجرأ على إعلان القدس عاصمة لدولة إسرائيل ضاربا عرض الحائط كل ما تضمنه قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصراع العربى الإسرائيلى ولكون القدس الشرقية المحتلة عام 1967هى عاصمة لدولة فلسطين، منهيا بذلك فرص حدوث اختراق فى هذا الملف.

 كما دأب خلال فترة رئاسته على تشجيع التطبيع العربى الإسرائيلى لا سيما الخليجى الإسرائيلى بما عرف حينها باتفاقات إبراهيم. ولا يخفى ترامب الذى التقى نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لأمريكا دعمه المطلق لإسرائيل، مستخدما هذا فى حملته الانتخابية قائلا إنه لا يمكن لأى شخص محب لليهود ولإسرائيل ألا يدعمه فى الانتخابات الرئاسية.

أما فيما يتعلق بجزئية اختيار نائب للرئيس وهى عامل مهم فى ترجيح كفة الرئيس الفائز فى السباق الانتخابي؛ حيث يكون اختيار نائب الرئيس مساهما فى حشد أصوات من فئات وشرائح أوسع، فإن ترامب يبدو أنه يسبق منافسته فى هذه النقطة بمراحل؛ حيث إنه قدم للناخبين الأمريكيين جيمس ديفيد فانس الحاصل على درجة الدكتوراه فى القانون. فيما مازالت هاريس تحاول فى سباق مع الزمن انتقاء نائب لها من قائمة عشرة نواب انسحب منها اثنان، وهذا سيكون من أهم أولوياتها فى المرحلة الحالية؛ حيث يعد اختيارا دقيقا من شأنه تقويض أو دعم فرصها فى سباقها الانتخابى حال ترشحها من قبل الحزب الديمقراطى لتمثيله.

لم يحسم بعد حتى اللحظة ما إن كانت هاريس ستكون مرشحة الحزب الديمقراطى لخوض غمار الانتخابات ضد ترامب، لكن فى حال حدوث ذلك فإن فهذا سيجعل التنافس بينهما شديدا، فقد شرحت فى أكثر من مناسبة عدم توافقها مع سياسات الرئيس الأمريكى السابق ومنافسها الحالى دونالد ترامب، سواء فى سياساته الخارجية او الداخلية حين شغل منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

على الجانب الآخر، يرى ترامب فى أول تصريح له بعد تزكية بايدن لنائبته كامبالا هاريس بأن هزيمتها ستكون "أسهل من هزيمة بايدن"، وواصفا إياها بـ"المجنونة الضاحكة"، لكن هذا لا يبدو واضحا فى قراءة أرقام الاستطلاعات، فوفقا لآخر استطلاعات النيويورك تايمز فيما يتعلق بترامب وهاريس فإن الأرقام أظهرت تقاربا حيث حصل ترامب على 48% فى مقابل 45% لهاريس.

يرى الكثيرون أن فرصها فى الفوز حال ترشحها قد تكون وفيرة خاصة بعد حصولها على دعم الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما وزوجته اللذين يحظيان بشعبية كبيرة فى أوساط الأمريكيين لا سيما الشباب.

قد تكون كاميلا هاريس على موعد مع كتابة فصل جديد من فصول الولايات المتحدة الأمريكية، ليس لكونها أول سيدة تنتخب لمنصب نائبة الرئيس الأمريكى فقط لكن لفرص قد تمكنها من أن تصبح أول امرأة تتولى منصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بل أول امرأة سوداء من أصول مهاجرة تشغل هذا المنصب. يعيد هذا للذاكرة فشل مرشحة الحزب الديمقراطى هيلارى كلينتون للانتخابات الرئاسية عام 2016 فى وجه خصمها ترامب آنذاك بنسبة 62.08% إلى 34.36%. لكن هذا ليس أمرا سهلا فهى لا تسابق ترامب فقط لكن عامل الوقت الزمنى القياسى الذى تحتاج خلاله لإنجاز ذلك قد يأتى بما لا تشتهى هاريس ولا مؤيديها.

 أقل من مئة يوم تفصلنا عن معرفة من الفائز بهذا السباق، لكن إلى ذلك الحين تبقى كل الاحتمالات مفتوحة فى سباق انتخابى يترقب نتائجه العالم بأسره.

الهوامش:

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    ميساء جيوسي

    ميساء جيوسي

    باحثة وكاتبة صحفية