تمضى الدولة المصرية قدما صوب تحقيق حوكمة التخطيط الاقتصادى الكفء والمنظم، وذلك من خلال رسم السياسات الاقتصادية، وتوجيه مختلف الأنشطة والفعاليات الاقتصادية، وضبط مساراتها بشكل علمى منظم ومنهجى؛ إذ تحرص القيادة السياسية من كثب على تسريع وتيرة التنمية المستدامة وحسن إدارة الاستثمارات، فضلا عن الوقوف على معالجة الإخفاقات التى قد تصيب عملية التخطيط الاقتصادى لما لها من آثار سلبية ليس فقط فى الاقتصاد الوطنى، بل أيضا فى تنافسية الاقتصاد الوطنى دوليا. فصلابة الاقتصاد الوطنى ودرجة مرونته فى احتواء الأزمات العالمية والإقليمية تتوقف على مدى حوكمة عملية التخطيط الاقتصادى الكفء بالأساس، فالتخطيط هو قلب الاقتصاد الوطنى الذى يضخ الموارد بدقة منتظمة مع انضباط التوقيت لشرايين الاقتصاد أى قطاعته المُختلفة التى تنعكس على صحة الاقتصاد داخليا وازدهاره خارجيا.
تجدر الإشارة إلى أنه قد تم تأسيس وزارة التخطيط فى مصر عام 1958، وعام 1960 وُضعت أول خطة خمسية. والجدير بالذكر، أن فكرة التخطيط الاقتصادى قد ظهرت لأول مرة على يد العالم النرويجى كريستيان شونهيدر Kristian SCHONHEYDER" فى بحثه الذى نشر عام 1910، ثم تطورت الفكرة من الناحية العلمية فى أثناء الحرب العالمية الأولى سنة 1914 فى ألمانيا، كما اعتمدته بريطانيا للنهوض باقتصادها فى فترة ما بعد الحرب. وقد توسع تطبيق نهج التخطيط الاقتصادى وذلك بعد قيام الاتحاد السوفييتى بوضع خطة خماسية للتنمية الاقتصادية من أجل التحول من الاقتصاد الزراعى إلى الاقتصاد الصناعى، ومع ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929 عملت العديد من دول أوروبا إلى تبنى التخطيط الاقتصادى للتغلب على أسباب ونتائج هذه الأزمة، وتوسعت الدول فى تطبيق التخطيط الاقتصادى فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من خلال مشروع "مارشال Marshal Plan" وذلك لمواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى نتجت عن الحرب والنهوض باقتصاداتها.
التخطيط الاقتصادى هو نهج تستعين به الدول لتوجيه التنمية الاقتصادية وتنظيمها فى حدود مواردها وإمكاناتها المتاحة؛ حيث إنه من الصعب على الدول النامية لمواردها أن تحقق أهدافها باستخدام آليات السوق؛ لذا تقوم الدول بموازنة ما لديها من موارد متاحة ومستهدفات التنمية المستدامة. من ثم، يعكس التخطيط الاقتصادى تدخل الدولة فى تخطيط الاقتصاد بهدف تخطيط التنمية بطريقة أكثر تنظيما مع الأخذ فى الحسبان إشراك القطاع الخاص فى عملية تنفيذ التنمية. وتقوم الفكرة الأساسية للتخطيط الاقتصادى على حسن إدارة وتسيير قطاعات الاقتصاد الحقيقى من قِبل الدولة وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. ويعرف التخطيط الاقتصادى بأنه عبارة عن تحديد أهداف معينة، مع وضع الآليات، والتنظيمات، والإجراءات التى تكفل تحقيق هذه الأهداف بأقل تكلفة اجتماعية ممكنة. كما أن حوكمة التخطيط الاقتصادى تساعد على تحديد الاحتياجات وحصر موارد الدولة المتاحة وأصولها والعمل على استكشاف موارد الدولة والتنقيب عن ذخائرها سواء فى البر والبحر من أجل تعظيم الموارد وتنميتها وتنوعها مع تحقيق الاستغلال الأمثل وترشيد الاستهلاك بما يحقق كفاءة التوزيع لهذه الموادر بالتزامن مع زيادة النمو السكانى المطرد، الأمر الذى يسهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان التنمية المستدامة.
تنتهج الحكومة المصرية الجديدة نهج التخطيط الاقتصادى الكفء والتخصص الاقتصادى الذى يتجلى واضحا فى اتباع معايير اختيار تعتمد على كفاءات وطنية ذات خبرات دولية وإعادة هيكلة تشكيل الحكومة من خلال دمج وزارات وإنشاء وزارات وفصل وزارات مثل وزارة الصناعة ووزارة النقل ووزارة التجارة والاستثمار ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى؛ حيث ضمان حوكمة التخطيط الاقتصادى الذى يحقق التنمية الاقتصادية من خلال برنامج عمل يتسم بالتخطيط المنظم مدعوما بمُستهدفات محددة ومؤشرات تقييم الأداء الدورى مع حوكمة آليات التمويل التنموى والاستثمارى بما يسهم فى ضمان كفاءة استخدام موارد الدولة وتعظيم الناتج المحلى الإجمالى من خلال وضع سياسات الاقتصاد الكلى الرامية إلى تحقيق العدالة التوزيعية واستدامة تنمية موارد وأصول الدولة والاستثمار فيها بما يحقق حياة كريمة لكل مواطن مصرى ومواطنة مصرية. هذا إلى جانب تخطيط التنسيق بين السياسات الاقتصادية سواء السياسات المالية، والتجارية، والاستثمارية والنقدية، مع الأخذ فى الحسبان المصلحة الوطنية العليا الهادفة إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى والأمنى وفقا لمعايير الحفاظ على الأمن الوطنى والأمن القومى الاقتصادى والأمن الاجتماعى.
وعلى هدى ما تقدم، تؤدى وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى دورا أصيلا فى تحقيق حوكمة التخطيط الاقتصادى الكفء، وتعظيم موارد وأصول الدول، والعمل على تنشيط عجلة الاستثمار التنموى، وحسن إدارة الاستثمارات وتنافسية الاقتصاد الكلى، وتحقيق التنسيق والتكامل بين السياسات الاقتصادية.
تكمن أهمية حوكمة التخطيط الاقتصادى خلال الفترة المهمة فى تاريخ مصر الاقتصادى فى تسريع وتيرة تحقيق مستهدفات التنمية المُستدامة وتحفيز إشراك القطاع الخاص فى التنمية المستدامة، وذلك من خلال ضمان الاستخدام الأمثل لموارد الدولة وحسن كفاءة توزيع موارد الدولة واستغلالها الاستغلال الأمثل دون إهدار موارد الدولة سواء موارد طبيعية أو موارد بشرية.
كما أن تقييم مدى صلابة اقتصادات الدول فى امتصاص تداعيات الأزمات الاقتصادية سواء محليا، إقليميا، دوليا يعتمد على مدى حوكمة التخطيط الاقتصادى الكفء ما يقى اقتصادات الدول أزمة إهدار الموارد أو استنزفها بسبب اخفاق سياسات التخطيط الاقتصادى فى حصر الموارد والأصول وتأمين الاحتياطى الكافى من الموارد من خلال تعظيم موارد الدول وتنوعيها وعدالة توزيعها. ويتسبب فشل التخطيط الاقتصادى فى زعزعة الاستقرار الاقتصادى فى جميع القطاعات ونقص الموارد سواء طبيعية، موارد بشرية وموارد مالية.
لذا، حوكمة التخطيط الاقتصادى له دور محورى لاستدامة وتنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق معدلات التنمية المطلوبة بالسرعة المقررة للوصول بدخل الفرد إلى ما يحقق رخاءه ويضمن مشاركته كقيمة مضافة فى تعظيم الناتج المحلى الإجمالى، ويسهم فى دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى.
فى ضوء ما تقدم، يسهم التخطيط الاقتصادى الكفء فى تحديد الأهداف الاستراتيجية فى مجالات الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والاستثمار، ويهدف لتعبئة الطاقات المادية والمعنوية للدولة بطريقة علمية وإنسانية، من أجل استخدامها الاستخدام الأمثل لإشباع الحاجات المادية والمعنوية.لذا، عملية التخطيط الاقتصادى يمكنها أن تنظم جميع مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، الأمر الذى يضمن تحقيق الترابط والتنسيق بين قطاعات الاقتصاد الحقيقى، مع ضمان أن الاقتصاد سوف ينمو بصورة منتظمة ومنسقة، وبوتيرة تتميز بالسرعة والكفاءة فى الإنجاز؛ إذ يسهم التخطيط الاقتصادى الكفء فى تنمية الموارد البشرية واستثمار الموارد الطبيعية، وذلك من خلال تنفيذ الخطط التنموية والمبادرات والمشروعات التنموية وفق خطة زمنية محددة ومربوطة بمؤشرات تقييم أداء تقيس معدلات الإنجاز بشكل دورى ومستمر.