فى إطار مساعي المرشح الرئاسى "دونالد ترامب" لتعزيز فرص فوزه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، جاءت محاولة اغتياله كفرصة ذهبية مهدت طريق عودته إلى البيت الأبيض من جديد؛ فعلى الرغم من خطورة الموقف ووجود حياته على المحك فإن نجاته من محاولة الاغتيال منحته الدعم الذى كان يسعى لحشده منذ انطلاق حملاته الانتخابية؛ فوفقا لمنصات التنبؤ السياسى وصلت احتمالية فوز "ترامب" إلى 70%، فيما انخفضت نسبة فوز "بايدن" إلى 16%(1).
احتمالات فوز المرشحين الرئاسيين فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024
فى أثناء إلقائه خطابه فى تجمع انتخابى فى ولاية "بنسلفانيا" يوم السبت الموافق 13 يوليو 2024، تعرض المرشح الرئاسى الجمهورى "دونالد ترامب" إلى محاولة اغتيال فاشلة عن طريق إطلاق أعيرة نارية اخترقت الجزء العلوى من أذنه اليمنى، وأسفرت عن مقتل أحد المارة وإصابة شخصين آخرين بجروح خطيرة، وعلى إثر الحادث تم نقل "ترامب" إلى مركز طبى لتلقى العلاج ثم عاد إلى منزله بحالة جيدة.
كشفت التحقيقات الأولية عن أن منفذ الهجوم هو شاب يبلغ من العمر 20 عامًا يدعى "توماس ماثيو كروكس" قام بتوجيه عدة طلقات نارية صوب منصة "ترامب" من سطح مبنى مرتفع، وصرح المتحدث باسم جهاز الخدمة السرية الأمريكية أن المشتبه به قُتل على الفور فى مكان الحادث، ولا يزال مكتب التحقيقات الفيدرالى يحقق فى الحادث بوصفه محاولة اغتيال.
حتى الآن لم يتم تحديد الدافع وراء الاغتيال، لكن تتباين الآراء بين إمكانية عدِّه حادثا فرديا أو وجود جماعات متطرفة وراء الهجوم، ورغم تلميحات بعض الجمهوريين بتحمل الحزب الديمقراطى بقيادة الرئيس الأمريكى الحالى "بايدن" مسئولية الحادث، فإنه من المستبعد وجود صلة بين الهجوم والحزب الديمقراطى المنافس؛ لأن ذلك سيكون بمنزلة إعلان بانتهاء الحزب الذى يواجه حاليا تنافسا شرسا مع الحزب الجمهورى بقيادة "ترامب" وتحديات كبيرة تعوق مسألة استمرار مرشحه "جو بايدن" فى السباق الرئاسى، لكن على العموم هذا لا ينفى أن إزاحة ترامب تحقق مصالح الكثير من أعدائه. وحتى انتهاء التحقيقات، بالتأكيد ستسيطر على المشهد السياسى التكهنات والتنبؤات حول المستقبل السياسى فى الولايات المتحدة وما ستشكله حوادث العنف السياسى على نتائج الانتخابات.
تأثير الحادث فى المشهد السياسى ومسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية:
إن محاولة الاغتيال الأخيرة لدونالد ترامب ليست الأولى من نوعها، بل يتسم التاريخ الأمريكى بكثرة حوادث العنف السياسى والاغتيالات الناجحة والفاشلة؛ فقد نجحت من قبل عملية اغتيال أربعة رؤساء أمريكيين هم إبراهام لينكولن، وجيمس جارفيلد، وليام ماكينلى، وجون كيندى، فيما تعرض باقى الرؤساء إلى محاولات فاشلة كالتى تعرض لها جيمى كارتر عام 1979، ورونالد ريجان عام 1981، وبيل كلينتون 1994، وجورج دبليو بوش 2001، بالإضافة إلى عدة محاولات تعرض لها باراك أوباما منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة(2)، كما تعرض ترامب نفسه لعدة محاولات اغتيال سابقة، لكن جاءت محاولة الاغتيال الأخيرة فى وقت حرج للغاية بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ فلا يفصلنا عن إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية سوى ثلاثة أشهر، ومن ثم سيبقى الوضع الأمريكى الداخلى متأرجحًا نتيجة تزايد حالة الاستقطاب السياسى والانقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين حول قضايا الهجرة، والحرب على غزة، والضرائب، والإجهاض، وغيرها من القضايا التى تسببت فى انتشار الكراهية وتحفيز العدائية فى الولايات المتحدة واشتعال المنافسة بين المرشحين المحتملين، وبالتأكيد سيخلف ذلك تداعيات على الشأن الأمريكى ككل.
تفاعلات الداخل الأمريكى:
لا شك فى أن الحادث سيسهم فى تعميق حالة الاستقطاب وتصاعد وتيرة حدة خطابات الكراهية، وبالتأكيد ستتزايد المخاوف حول انتشار حالات العنف السياسى والفوضى وحالة عدم الاستقرار التى باتت تهدد الديمقراطية الأمريكية المزعومة، ونظرًا لحساسية الوضع الذى تمر به الولايات المتحدة فى الآونة الأخيرة، لا يمكن الجزم بتأثير واقعة الاغتيال فى قرارات المواطنين بشأن التصويت فى الانتخابات، فنحن الآن بصدد سيناريوهين محتملين، الأول هو أن الحادث وما نتج عنه من تعاطف ودعم شعبى متزايد سيعزز موقف ترامب فى العملية الانتخابية، وسيمنحه فرصة التخلص من الاتهامات الجنائية الموجهة إليه، التى كانت تقف عائقًا أمام مسيرته الانتخابية طوال الفترة السابقة، بما فى ذلك قضية اقتحام الكونجرس فى يناير 2021 والحكم الصادر فيها بشأن تمتع ترامب بالحصانة الجزئية ما أسهم فى خلق مناخ سياسى غير مستقر بين الخصمين وأنصارهما؛ فقد كانت تلك القضية هى الأمل المتبقى أمام الديمقراطيين لإزاحة "ترامب" من السباق الرئاسى، ومن المتوقع أن يتمسك بعض الجمهوريين بالإشارة إلى تورط الديمقراطيين فى محاولة الاغتيال استنادا إلى ذلك، على أساس أن إزاحته بالقضايا الجنائية لم تنجح فأصبحت التصفية الجسدية هى الحل الأخير.
فى الواقع، ترجح الأحداث المتتالية كفة الرئيس السابق "ترامب"، حتى إن الغالبية بدأت تؤمن بأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض هى مسألة وقت لا أكثر، خاصة بعد العقبات التى يواجهها الرئيس الحالى "جو بايدن" سواء فيما يتعلق بحالته الصحية التى تشكك فى قدرته على توليه فترة رئاسية ثانية، أو دعوات التخلى عن السباق الرئاسى الموجهة إليه من نخبة الحزب الديمقراطى الذين يعتقدون بأن "بايدن" أصبح غير مناسب لمنافسة الحزب الجمهورى، وأن الحزب الديمقراطى أصبح بحاجة إلى مرشح جديد ينقذهم من خسارة السباق الرئاسى التى باتت حتمية إذا استمر "بايدن"، لكن يواجه الحزب حاليًا عقبة أخرى وهى أنه لا يوجد بديل يستطيع قيادة الحزب فى السباق الرئاسى(3).
ولكن على الرغم من أنه للوهلة الأولى يبدو أن الحادث جاء فى مصلحة "ترامب"، وانعكس ذلك فعليا وبشكل واضح فى استطلاعات الرأى التى دعمته سريعًا فى الساعات الأولى من الواقعة، لكن ماذا بعد هدوء موجات التعاطف وإمعان النظر فى الواقعة من كل الاتجاهات؟ لا يمكن توقع استمرار حالة الرضا والدعم الشعبى بعد سكون الأوضاع وتحليل آثار الحادث بشكل عملى بعيدا عن موجات التعاطف المحيطة بترامب فى الوقت الحالى؛ فتنفيذ محاولة اغتيال مرشح رئاسى وسط أنصاره واللجوء إلى أساليب العنف كأداة للتعبير عن الرفض عكس صورة غير مطمئنة عن مستقبل الديمقراطية الأمريكية، ويهدد الثقة بمنظومة الأمن وقدرتها على الحفاظ على الديمقراطية واحتواء الفوضى إذا عاد ترامب للبيت الأبيض، وستزداد المخاوف حول إمكانية تكرار تلك النوعية من أعمال العنف السياسى التى أصبحت سمة ظاهرة فى المشهد الأمريكى، فبعيدًا عن المشاعر الإنسانية تجاه ترامب يمكن أن تتسبب الواقعة فيما بعد فى قلب الموازين وإشعال المخاوف فى صدور الأمريكيين، ما يجعل تراجعهم عن دعم ترامب أمرًا محتملًا فى الشهور المقبلة.
على كل حال، السياسة الأمريكية فى حالة تقلب مستمر ولا يوجد ضمان على استمرار الأحداث فى سياق معين؛ فحتى الآن كفة "ترامب" هى الكفة الراجحة، ولكن لا يمنع ذلك حدوث تحولات فى المشهد الانتخابى إذا طرأت مستجدات أخرى خلال الأشهر المقبلة، خاصة مع حالة عدم الاستقرار التى يشهدها الداخل الأمريكى فى الفترة الأخيرة.
الشأن الخارجى:
من جهة أخرى، أعرب زعماء العالم عن استنكارهم لمحاولة اغتيال الرئيس الأمريكى السابق، ورفضهم للعنف السياسى فى دولة تعد نموذجًا للديمقرطية؛ فأدان الاتحاد الأوروبى، وبريطانيا، ودول آسيا، والمحيط الهادئ، والأمريكتان، الهجوم وتمنوا لترامب الشفاء العاجل، كما دعت موسكو الولايات المتحدة إلى تقييم سياساتها فى التحريض على الكراهية، وربطت بين محاولة اغتيال دونالد ترامب وسياسة الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا والدعم المادى والعسكرى الذى تقدمه لكييف فى حربها ضد روسيا، واقترحت موسكو بأنه من الأفضل استخدام هذه الأموال لتمويل الشرطة الأمريكية وغيرها من الخدمات التى من المفترض أن تضمن القانون والنظام فى الولايات المتحدة.
يعد مستقبل العلاقات الخارجية الأمريكية رهنا بالانتخابات الرئاسية الأمريكية التى تتكشف نتائجها يومًا بعد يوم؛ حيث ترتبط الولايات المتحدة مع دول العالم بعلاقات متنوعة ومعقدة، وعدم الاستقرار الداخلى وتباين سياسات المرشحين يعمقان مخاوف شركاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء؛ فاستمرار "بايدن" لفترة رئاسية ثانية ستكون له تداعيات تختلف تمامًا عن عودة "ترامب" للبيت الأبيض؛ وذلك بسبب اختلاف سياسة كل منهما عن الآخر، فعلى سبيل المثال يتعلق مصير دول حلف شمال الأطلسى بنتيجة السباق الرئاسى الأمريكى؛ ففوز ترامب سيجعلها تواجه تهديداته بانسحاب الولايات المتحدة من الناتو وقطع التمويل العسكرى ما سيضعها فى مأزق أمام سياسات روسيا واستتباب أمن الغذاء والطاقة، فيما سيضمن لها فوز بايدن استمرار مصالحها فى المسار الطبيعى، وسينعكس ذلك بالتأكيد على العلاقات الروسية – الأمريكية؛ ففى مقابل عودة ترامب وتدهور العلاقات الأمريكية مع الناتو ستتحسن علاقة واشنطن بموسكو التى تفضل سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب، والعكس صحيح إذا استمر بايدن فى منصبه.
تترقب الصين أيضًا النتائج وتتخوف من عودة ترامب صاحب القرارات غير المتوقعة والسياسات الأكثر تشددًا تجاهها، خاصة بعد أن تحسنت العلاقات الصينية - الأمريكية بشكل طفيف فى عهد بايدن،. فبشكل عام يتبنى كل من بايدن وترامب سياسات صارمة تجاه التنين الصينى بوصفه أكبر خطر يهدد نفوذها الاقتصادى، لكن تنظر الصين إلى الرؤساء الأمريكيين المحتملين من منظور الخصم الأقل ضررا.
مستقبل العلاقات المصرية - الأمريكية
ترتبط جمهورية مصر العربية مع دول العالم بعلاقات متوازنة، وتقف على مسافات متساوية مع كل الدول بالشكل الذى يضمن حماية مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية؛ حيث تتبنى مصر سياسة خارجية منفتحة ورشيدة ترتبط بتحقيق الأهداف والمصالح الاستراتيجية لكن دون الانخراط فى علاقات تهدد مبادئ السياسة الخارجية المصرية. وبشكل عام شهدت العلاقات المصرية الأمريكية تحسنًا ملحوظًا فى العقد الأخير، خاصة بعد حالة الجمود التى شهدتها العلاقات بعد الفترة الرئاسية الثانية لباراك أوباما نتيجة الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين وما ترتب عليه من تجميد المعونات العسكرية لمصر وتباعد العلاقات، لكنها لم تصل إلى مرحلة القطيعة، لكن مع وصول ترامب إلى سدة الحكم تحسنت الأوضاع، وأصبحت العلاقات المصرية الأمريكية تقوم على المصالح المتبادلة والمشتركة، ولم تتأثر تلك المصالح أيضًا بوصول "بايدن" إلى البيت الأبيض. بناء عليه، أدانت مصر الحادث الذى تعرض له الرئيس السابق والمرشح الرئاسى "دونالد ترامب"، ودعت إلى استكمال الحملات الانتخابية فى أجواء سلمية خالية من الإرهاب أو العنف أو الكراهية.
المراجع:
1. “Presidential Election Winner 2024.” Polymarket. Accessed July 14, 2024. https://polymarket.com/event/presidential-election-winner-2024?tid=1720949546972.
2. Diver, Tony. “From Lincoln to Trump: The Bloody History of US Assassination Attempts.” The Telegraph, July 14, 2024. https://www.telegraph.co.uk/us/politics/2024/07/14/history-of-us-assassination-attempts-from-lincoln-to-trump/.
3. Honderich, Holly. “Democrats Weigh Risks and Rewards of Losing Biden.” BBC News, July 7, 2024. https://www.bbc.com/news/articles/c29de41zn2go.