تحليلات

دلالات أداء مرشحى الرئاسة الأمريكية فى المناظرة الانتخابية الأولى

طباعة

لطاما كانت المناظرات بين المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية تقليدا ظل على مدار أكثر من ستة عقود، فمنذ أن أقيمت أول مناظرة بين جون ف. كينيدى وريتشارد نيكسون عام 1960، ظلت مناظرات الانتخابات الأمريكية ممارسة مستدامة فى السياسة الأمريكية يستطيع من خلالها المرشحون عرض برامجهم للمواطنين وتقديم أسئلة وحجج للمنافس إلى جانب دحض الحجج المقدمة إليهم[1]. ودائما ما كان المرشحون حريصين على تقديم أفضل أداء ممكن فى تلك المناظرات لما لها من تأثير على تفضيلات المواطنين الانتخابية. أقيم فى السابع والعشرين من يونيو الماضى بولاية جورجيا الأمريكية أول مناظرة فى مشوار الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين الرئيس الحالى ومرشح الحزب الديمقراطى جو بايدن والرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهورى دونالد ترامب فى سابقة تاريخية تجمع لأول مرة بين رئيس حالى ورئيس سابق فى مناظرة. اختلفت هذه المناظرة فى طبيعتها عن بقية المناظرات الأخرى، فكانت هذه المناظرة تحت تنظيم شبكة الـ CNNفى سابقة لم تحدث منذ 1988، حيث كانت لجنة المناظرات الرئاسية هى الجهة المسئولة عن نقل وتنظيم تلك المناظرات. الجدير بالذكر أن هذه المناظرة امتازت ببعض الشروط الخاصة دون سائر المناظرات الأخرى، فقد منع المرشحون من التواصل مع فريقهم أثناء فترات الاستراحة لتصحيح الأخطاء أو لتزويد المرشح بمعلومة ما، علاوة على ذلك منعوا أيضا من اصطحاب ورقة ملاحظات معدة مسبقا إلى قاعة المناظرة.

من هذا المنطلق، نستعرض أبرز ما ورد فى المناظرة التى دارت بين جو بايدن ودونالد ترامب بالتركيز على أهم القضايا التى تمت مناقشتها فى المناظرة إلى جانب تحليل تداعيات ومخرجات هذه المناظرة على فرص المرشحين الانتخابية قبل شهور قليلة من الانتخابات الرئاسية التى ستقام فى نوفمبر المقبل.

أولا- الاقتصاد:

لعل ملف الاقتصاد هو أبرز ملف بالنسبة للمواطن الأمريكي، فحالة الاقتصاد تتفاعل مع المواطن بشكل يومي.من هذا المنطلق كان ملف الاقتصاد هو أول ملف يطرح من خلال منسقى المناظرة على المرشحين، حيث وجهوا سؤالا لبايدن بخصوص التضخم وازدياد أسعار السلع الأساسية فى الأسواق فى عهده، وزعم الأخير أن هذه الحال كانت نتاج ما ورثته إدارته من إدارة ترامب التى لم تحسن إدارة أزمة فيروس كورونا، وقد عملت إدارته على إصلاح هذا الوضع من خلال تقليل نسب البطالة التى وصلت إلى ما يقارب الـ 15% أثناء إدارة ترامب، وقد أشاد بأن إدارته قد وفرت للشعب الآلاف من فرص عمل، علاوة على ذلك فقد أكد أن إدارته عملت على تخفيض أسعار السلع الأساسية وستستمر فى ذلك فى فترته الثانية لو قدر له النجاح. أما ترامب فقد أنكر هذه الاتهامات، مشيدا بالاقتصاد الذى سلمه لإدارة بايدن وبإدارته لأزمة كورونا وزاعما أنه أنقذ البلاد من أزمة اقتصادية كبرى كانت لتكون بمثابة الكساد الكبير الذى ضرب الولايات المتحدة الأمريكية مطلع 1929، وقد صرح بأن فرص العمل التى وفرها بايدن تم الاستحواذ عليها من قبل المهاجرين غير النظاميين الذين عبروا الحدود فى عهد الأخير.

أما بخصوص الضرائب، فقد لام بايدن استراتيجية ترامب التى خفض من خلالها الضرائب على الأغنياء والشركات الكبرى لأكثر من تريليونى دولار، وزعم أن هذه الاستراتيجية أدت إلى زيادة العجز ولم تصب فى مصلحة عامة الشعب مضيفا أن الأغنياء والشركات الكبرى عليهم أن يحملوا عبئا ضريبيا أكبر لكى تتمكن الدولة من سد العجز وتطوير كافة القطاعات والخدمات. عارض ترامب تلك الادعاءات زاعما أن تلك الاستراتيجية تؤدى إلى الأرباح لا العجز، وأنه يسعى فى فترته الثانية لوضع تعريفة جمركية تقدر بـ10% على كل السلع الواردة من الخارج مبررا أن هذا سيمنع دولا كبرى مثل الصين والهند من استغلالهم وسيقلل العجز. من ناحية أخرى عارض بايدن هذا زاعما أنه سيتسبب فى زيادة التضخم وصعوبة المعيشة على المواطنين.

ذُكر على الهامش خروج الجيش الأمريكى من أفغانستان حيث وصفه ترامب بأنه أسوأ يوم فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والأكثر إحراجا، حيث برر أن إدارة بايدن تركت خلفها فى أفغانستان آلاف الجنود والعديد من المعدات التى تقدر بمليارات الدولارات، أما بايدن فقد تفاخر بأنه الرئيس الوحيد فى هذا العقد الذى لم يمت فى عهده أى جندى أمريكي.

ثانيا- قضية  الإجهاض:

منذ قضية "رو ضد وايد"[2] عام 1973 التى صدر بموجبها قرارًا للمحكمة الدستورية العليا فى الولايات المتحدة قضت فيه المحكمة بأن دستور الولايات المتحدة يحمى بشكل عام الحق فى إجراء الإجهاض ظل هذا الحق قائما، ولكن مع تولى ترامب للحكم فى 2016 عمل على إسقاط وإضعاف هذا الحق، وبالفعل وبعد مغادرة ترامب للمكتب الرئاسي، ألغت المحكمة الدستورية العليا القرار فى يونيو 2022، منهية الحق الدستورى فى الإجهاض فى حكمها فى قضية دوبس ضد منظمة جاكسون لصحة المرأة[3]، مانحة الولايات الحق فى تحديد ضوابط الإجهاض. ولعل الإجهاض من أكثر الملفات الشائكة فى الشارع الأمريكي، حيث هنالك تباين كبير بين المواطنين بخصوص هذه القضية، ويمكن الاستدلال بأهمية هذا الملف من خلال ترتيبه فى المناظرة، حيث تم مناقشته ثانيا بعد ملف الاقتصاد.

بخصوص هذا الملف، صرح ترامب بأن فى حال عودته لن يعمل على منع حبوب الإجهاض وقد شدد بأن جهوده التى تمثلت فى تعيينه لثلاثة قضاة كبار فى المحكمة الدستورية العليا وقد ساهموا فى إنهاء الحق الدستورى فى الإجهاض وإسناد القرار للولايات، مصرحا بأن هنالك اختلافات ثقافية وفكرية بين الولايات وأنه من غير المنطقى أن نتعامل بسياسة مقاس واحد يناسب الجميع، بل وأضاف أيضا أن وضعا مثل هذا سيترك الأمر لتصويت المواطنين المحليين واختياراتهم زاعما أن هذا ما كان يريده الشعب. علاوة على ذلك فقد نعت ترامب السياسيين التابعين للحزب الديمقراطى بأنهم متطرفون فى هذا الملف، ومثل هذا التطرف ينتج من خلاله حالات إجهاض فى الشهر الثامن أو الشهر التاسع فى بعض الحالات. من ناحية أخرى، عارض بايدن ادعاءات ترامب زاعما أن الحق الدستورى فى الإجهاض كان مرحبا به من الشعب الأمريكى، مضيفا أنه من غير المنطقى أن يكون هنالك حدود زمنية يصبح من بعدها الإجهاض جريمة مستشهدا بمثال ولاية تمنع الإجهاض بعد الأسبوع السادس من الحمل وامرأة مقيمة فى هذه الولاية لم يتسن لها فرصة مقابلة طبيب قبل انقضاء تلك الفترة، مضيفا إلى ذلك حالات الاغتصاب التى تؤدى إلى الحمل. وختم بايدن هذه النقطة بتأكيده أن قرارا مثل الإجهاض يجب أن يؤخذ من خلال حكم الطبيب الذى قد يختلف باختلاف الحالة، لا بقرار من السياسيين، مؤكدا أنه سيعمل على إعادة قرار رو ضد وايد. أشار ترامب بخصوص حوادث الاغتصاب بإلقائه اللوم على المهاجرين غير النظاميين الذين تسللوا إلى داخل البلاد خلال فترة بايدن.

ثالثا- الهجرة وتأمين الحدود:

يوجد بخصوص هذا الملف تضاد بين المرشحين، حيث لطالما كان ترامب معروفا برفضه التام للمهاجرين غير النظاميين، ويمكن الاستدلال على هذا من خلال وضع تأمين الحدود، خاصة الجنوبية، أولوية على مدار فترة حكمه. من ناحية أخرى واجه بايدن العديد من الانتقادات بخصوص المهاجرين غير النظاميين الذين تسللوا إلى داخل حدود البلاد أثناء فترة حكمه، مما أدى إلى ازدياد معدلات الجريمة والفساد إلى جانب حدوث تغييرات ديمغرافية ملحوظة فى بعض المدن والولايات.

صرح بايدن بخصوص هذا الملف بأن إدارته تعمل بجد لتقليل حالات التسلل من خلال العمل على تأمين الحدود بشكل أكثر فعالية وإضافة عدد أكبر من الضباط على الحدود، مشيرا إلى أنه يحظى بدعم وتزكية اتحاد دوريات الحدود. ختم بايدن بقوله إنه نجح فى تقليل نسبة الدخول غير النظامى للبلاد بـ40% عما استلمته إدارته من ترامب وسيعمل فى فترته القادمة على تقليل النسبة أكثر. على النقيض، أشار ترامب إلى أن تحت حكمه كانت الولايات المتحدة تملك حدودا آمنة، بل وأكثر الحدود أمانا فى تاريخ البلاد، وأن إدارة بايدن سمحت للعديد من المجرمين والإرهابيين بالدخول إلى البلاد وأنه سيعمل فى حال انتخابه مرة أخرى على ترحيل أى فرد ليس لديه الوثائق المطلوبة للبقاء داخل الولايات المتحدة.

رابعا- السياسة الخارجية:

تعود أهمية هذا الملف حاليا إلى الحروب المستمرة على الساحة الدولية وموقف الولايات المتحدة منها، وبالتحديد الحرب الروسية-الأوكرانية التى دخلت عامها الثالث وحرب غزة التى مضى على اندلاعها أكثر من تسعة أشهر.

بخصوص الحرب الروسية -الأوكرانية، زعم ترامب أن هذه الحرب لم تكن لتندلع لو كان هو الذى على رأس البيت الأبيض، مصرحا بأن الإحراج الذى تعرضت له الولايات المتحدة أثناء الخروج من أفغانستان فتح الطريق لبوتين لغزو أوكرانيا، حيث ظهرت الولايات المتحدة بشكل ضعيف ومخز، أضاف إلى ذلك أنه أيضا لو كان موجودا فى المكتب لما كانت حرب السابع من أكتوبر لتندلع من الأساس، مشيرا إلى أن إيران هى من تحرك حماس وأنه عمل فى عهده على إضعاف إيران اقتصاديا وعسكريا فلم تكن لتستطيع أن تمول حماس بالتمويل المطلوب وبالتالى لم تكن لتندلع الحرب. وختم ترامب بتفاخره أن فى فترته لم تندلع أى حروب وكانت منطقة الشرق الأوسط هادئة، أما الآن، وتحت إدارة بايدن، فإن المنطقة مشتعلة، إلى جانب ذلك أكد أن شروط بوتين لإنهاء الحرب، والتى تتمثل فى الإبقاء على الأراضى الأوكرانية التى استولى عليها وإلغاء ملف أوكرانيا للانضمام لحلف شمال الأطلنطى مرفوضة، وأن فى حال فوزه بالانتخابات سيوقف الحرب قبل يناير 2025. أما بايدن فقد أكد بخصوص الحرب الروسية-الأوكرانية على خطورة بوتين الذى يسعى لإعادة المجد السوفيتي، واستشهد بقول بوتين فى بداية الحرب إنه يسعى لضم العاصمة كييف، فمن هذا المنطلق يزعم بايدن أنه يجب إيقاف بوتين لأن استمراره يمثل تهديدا لحلف شمال الأطلنطى، ويزعم بايدن أن بوتين لن يتوقف عن الامتداد وسيمتد هذا التوسع إلى دول أخرى، علاوة على ذلك فقد أشار بايدن إلى أن المساعدات التى ترسلها الولايات المتحدة لأوكرانيا تتمثل فى أسلحة ومعدات ولكنه لم يرسل لهم أموالا. أما بخصوص حرب غزة فقد أشار بايدن إلى أن مقترحه لحل النزاع يلقى ترحيبا كبيرا من شتى الأطراف بما فى ذلك إسرائيل، ولكن حماس تضغط لكى تستمر الحرب ولكنه سيعمل للضغط على حماس لقبول المقترح وسيستمر فى دعم إسرائيل حتى تنتهى الحرب ويعود الأسرى والسلام. على النقيض يرى ترامب أن إسرائيل هى التى تود أن تستمر الحرب ويشير إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تسمح لإسرائيل بأن تستمر فى الحرب حتى تقضى على حماس وتنتصر، ناعتا بايدن بأنه "فلسطينى سيئ وضعيف".

خامسا- الديمقراطية – حادث السادس من يناير 2021:

حادثة السادس من يناير 2021 فى مبنى الكابيتول فى واشنطن العاصمة كانت هجومًا على مقر الكونجرس الأمريكي. جرى الهجوم بعد فترة قصيرة من خطاب ألقاه الرئيس السابق دونالد ترامب بالقرب من البيت الأبيض حيث شجع أنصاره على السير إلى الكابيتول والاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، التى فاز بها بايدن.خلال الهجوم، اقتحم الآلاف من أنصار ترامب الحواجز الأمنية ودخلوا المبنى، مما أدى إلى فوضى واسعة النطاق وتوقف جلسة الكونجرس المشتركة التى كانت فى طور التصديق على نتائج الانتخابات. تم إجلاء أعضاء الكونجرس من المبنى وتسبب الهجوم فى أضرار مادية كبيرة للمبنى وسرقة بعض الممتلكات، وقد واجه ترامب اتهامات بأنه المسئول عن التحريض على العنف.

أكد ترامب أنه شجع أنصاره على الاحتجاج بسلام ووطنية لا بعنف، علاوة على ذلك أنه نصح المسئولين بتأمين المبنى بشكل مكثف من قبل الحرس الوطنى ولكن تم رفض هذا المقترح. من ناحية أخرى حمل بايدن ترامب المسئولية كاملة عن تلك الأحداث مشيرا إلى أن ترامب مجرم مدان، رد الأخير عن هذا بقوله إن بايدن معرض أن يكون هو أيضا مجرم مدان فور مغادرته للمكتب الرئاسي. علاوة على ذلك، زعم ترامب أن بايدن وحزبه يروجون بصورة مخزية للقضايا الموجهة إليه ويحاولون تشويه سمعته.

سادسا-أزمة المناخ:

لعل أزمة المناخ التى تتمثل فى التغييرات المناخية والاحتباس الحرارى اللذين يؤديان إلى ارتفاع منسوب المياه فى المحيطات مما يعرض ملايين البشر للخطر، هى أكبر أزمة تواجه البشرية فى الوقت الحالي، علاوة على ذلك فقد كان عام 2023 هو الأكثر حرا فى التاريخ. تواجه الولايات المتحدة بوجه خاص خطورة شدة الحرارة.. حرائق غابات وأعاصير مدمرة.

صرح ترامب بخصوص جهوده لحماية البيئة بأنه سيسعى لضمان مياه نظيفة وهواء نقى، وأن الولايات المتحدة تحت إدارته حققت أفضل الأرقام عبر تاريخها بخصوص البيئة. عارض بايدن هذا مشيرا إلى أن ترامب لم يفعل شيئا لحماية البيئة، بل وانسحب من اتفاقية باريس للمناخ 2015 التى تهدف إلى احتواء الاحترار العالمى لأقل من درجتين ويسعى لحده إلى 1,5 درجة[4]، مشيرا إلى أنه عاد إلى الاتفاق فور فوزه بالانتخابات لأنه يدرك أن التغير المناخى هو أكبر تهديد للبشرية. من ناحية أخرى برر ترامب انسحابه من الاتفاقية بأنها كانت ستكلف الولايات المتحدة تريليون دولار فى ظل أنها لن تكلف دولا مثل الصين، وروسيا، والهند شيئا، فانسحابه منها كان يصب فى مصلحة البلاد.

سابعا- القلق العام بشأن سن المرشحين، صحتهم وكفاءتهم:

تظل مسألة سن المرشحين موضع قلق بين المواطنين فى الشارع الأمريكي، فمن جهة نجد أن بايدن الآن بعمر الـ81، ومن جهة أخرى نجد أن ترامب لديه 78 سنة. من هذا المنطلق يشك الناخبون فى قدرة المرشحين الصحية والعقلية وما إذا كانت تلك القدرات ستكون كافية لقيادة دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية.

صرح بايدن بأنه فى صحة ممتازة ولديه الكفاءة المطلوبة لقيادة البلاد لفترة أخرى، ويستشهد بنجاحاته فى فترته الأولى ونجاحه فى معالجة الموقف الذى ورثه من ترامب الذى أساء إدارة ملف جائحة كورونا وملف الاقتصاد. أما ترامب فقد تباهى بأنه اجتاز الاختبارات المعرفية العديدة بامتياز وتحدى بايدن لخوض اختبار معرفي، ومن ناحية أخرى أشار إلى أنه بصحة جيدة مستشهدا بفوزه بعدة بطولات فى رياضة الجولف مؤخرا.

تحليل ديناميكيات المناظرة:

ظهر التخبط والقلق بمجرد مرور بضع دقائق من المناظرة، حيث أصدر الحزب الديمقراطى بيانا رسميا أثناء المناظرة مشيرين فيه إلى أن الرئيس جو بايدن يعانى من نزلة برد، وجاءت هذه الحركة كتعليل لأداء بايدن فى الدقائق الأولى من المناظرة، حيث واجه صعوبات فى إكمال الجمل، وزلات اللسان وتلعثم فى الكلام عدة مرات. ربما كان أكبر تحد لبايدن هو الإثبات للمواطنين أنه فى صحة مناسبة ويملك الكفاءة المطلوبة لقيادة البلاد فى فترة رئاسية أخرى، وبفضل أدائه المتواضع لم يستطع أن يحسم هذه الإشكالية، بل أظهر أنه يعانى من مشكلات يمكن ملاحظتها بسهولة بخصوص هذه النقطة.

من ناحية أخرى فقد شهدت المناظرة العديد من المبالغات والادعاءات الكاذبة من كلا المرشحين سيتم استعراض بعض منها فيما يلي: فبخصوص الاقتصاد، زعم ترامب أنه عندما ترك المكتب الرئاسى لم يكن هنالك تضخم، ولكن فى الواقع عندما تم تنصيب بايدن رئيسا للولايات المتحدة كانت نسبة التضخم 1.4% إلى جانب وجود فيروس كورونا الذى كان لا يزال يمثل خطرا آنذاك على الاقتصاد[5]. أما بخصوص ملف المهاجرين غير النظاميين فقد قال بايدن إنه تم تزكيته ودعمه من اتحاد دوريات الحدود، وهو الذى أنكره الأخير على حسابه الخاص بموقع "أكس" مغردا "للتوضيح، لم ولن نزكى بايدن أبدا"[6]. من ناحية أخرى، قال بايدن أثناء المناظرة إنه الرئيس الوحيد فى هذا العقد الذى لم يمت أى جندى أمريكى خارج الولايات المتحدة الأمريكية فى عهده، ولكن فى أغسطس 2021 قتل 13 جنديا أمريكيا فى مطار بكابول، أفغانستان فى عمل انتحاري[7]، إلى جانب مقتل ثلاثة جنود فى الأردن يناير الماضي، والجدير بالذكر أن بايدن قد حضر الجنازة التى أقيمت لأولئك الجنود. على الجانب الآخر، اعتمد ترامب عدة مرات على المبالغات وقلما أيد ادعاءاته بوقائع أو أرقام، فعبارات مثل "كنا أفضل اقتصاد فى التاريخ" أو "الكل كان ضد قرار رو ضد وايد" اعتمدت على التعميم ولم يدعمها حتى بأى أدلة. هذه الادعاءات الكاذبة جعلت المواطن فى حيرة وتخبط، فطبقا لاستطلاعات الرأى التى نشرتها شبكة الـ CNNوالتى شملت تصويت مشاهدى المناظرة، فـ 81% منهم لم يغير تفضيله الانتخابى بعد المناظرة[8].

هنالك العديد من الأسئلة التى لم يجب عليها المرشحون أو لم يناقشوها بالشكل المطلوب، فعلى سبيل المثال لم يرد ترامب على سؤال وجه له بخصوص ماهية مجهوداته فى فترته الثانية إذا تم انتخابه لتخفيض أسعار رعاية الطفل، حيث تكلم عن المهاجرين غير النظاميين، وقد تكرر الموضوع مرة أخرى عندما سئل عن رأيه بخصوص فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة. من ناحية أخرى تجنب بايدن بعض الأسئلة المحددة واعتمد على الحديث عن الملف بشكل عام، وظهر هذا خلال سؤاله عن ماهية المجهودات التى سيبذلها لتحسين الضمان الاجتماعي، حيث اعتمد على وصف المشكلة بدلا من الحديث عن مجهوداته أو مقترحاته. جدير بالذكر أيضا أن ترامب ذكر المهاجرين غير النظاميين فى حديثه على مدار المناظرة 18 مرة فى شتى الملفات.

بشكل عام كانت المناظرة عبارة عن حلقة هجومية من ترامب مقابل جهود دفاعية من بايدن وفقد المرشحون الهدف الأسمى من المناظرة فى عدة مناسبات، وهو محاولة إقناع الناخبين بسياساتهم. فعلى سبيل المثال اعتمد ترامب على انتقاد إدارة بايدن وتمجيد إدارته دون التركيز على ذكر ما ستقدمه إدارته للمواطن فى حالة انتخابه مرة أخرى فى عدة مرات.

بخصوص ملف السياسة الخارجية، فلم يتم تناوله بالشكل المطلوب، ولكن أبرز ما ورد فيه هو وعد ترامب بأنه سينهى الحرب الروسية-الأوكرانية فى غضون شهر من فوزه بالانتخابات فى حال انتخابه. ونجد أن هنالك تباينا بخصوص التهديد الأكبر للولايات المتحدة فى وجهة نظر الاثنين، فبايدن يرى أن روسيا تمثل الخطر الأكبر على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي، أما ترامب فيرى أن الصين تمثل التهديد الأكبر على البلاد خاصة من الناحية الاقتصادية. أما بخصوص حرب غزة، فاختلف المرشحان فى مسألة أى طرف يريد استمرار الحرب، فيرى بايدن أنها حماس ويشير ترامب أنها إسرائيل، ولعل قول ترامب إنه يجب على الولايات المتحدة ترك إسرائيل تنهى المهمة يشير إلى توجهاته بخصوص الحرب.

فى المجمل، وطبقا لاستطلاعات الرأى التى نشرت من شبكة الـ CNNفـ 67% ممن شاهدوا المناظرة يرون أن ترامب قد فاز بالمناظرة[9]، ولكن فى الواقع هذا لم يكن بفضل أداء ترامب الجيد بل بفضل أداء بايدن المتواضع الذى واجه صعوبات فى إثباته للمواطنين أنه لديه الكفاءة والصحة المطلوبة للاستمرار فى المنصب. بالرغم من أن عدة مصادر أظهرت أن هنالك قلقا داخل الحزب الديمقراطى بخصوص أداء وكفاءة بايدن، فقد أكد الأخير عدة مرات بعد المناظرة أنه لن ينسحب وسيظل مرشح الحزب الديمقراطي[10].

ختاما:

    يمكن القول إن المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس الحالى جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب لم تكن مجرد حدث سياسى عابر، بل كانت مواجهة مكثفة تسلط الضوء على القضايا الأكثر أهمية للمواطن الأمريكي. تباينت مواقف المرشحين بشكل كبير وتركوا خلفهم العديد من الأسئلة التى لم يتم الرد عليها، إلى جانب العديد من الادعاءات الكاذبة مما أدى إلى زيادة حيرة المواطن. على الرغم من أن الاستطلاعات تشير إلى أن ترامب قدم أداء أقوى، إلا أن السبب الرئيسى كان الأداء المتواضع لبايدن الذى لم ينجح فى طمأنة الناخبين حول صحته وكفاءته. يبقى أن نرى كيف ستؤثر هذه المناظرة على توجهات الناخبين فى الأشهر القليلة المقبلة قبل الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر المقبل، مع وجود مناظرة ثانية من المنتظر أن تكون فى العاشر من سبتمبر المقبل.

المراجع:

[1]Donaldson, Gary. The First Modern Campaign – Kennedy, Nixon, and the Election of 1960. Lanham, MD: Rowman & Littlefield, 2007.

[2]Thomson-DeVeaux, Amelia. "Roe v. Wade Defined An Era. The Supreme Court Just Started A New One." FiveThirtyEight. 2022.

[3]Supreme Court of the United States. Dobbs, State Health Officer of the Mississippi Department of Health, et al. v. Jackson Women’s Health Organization et al. No. 19-1392. 2022.https://www.supremecourt.gov/opinions/21pdf/19-1392_6j37.pdf

[4]Cara A. Horowitz. “Paris Agreement.” International Legal Materials 55, no. 4 (2016): 740–55. http://www.jstor.org/stable/10.5305/intelegamate.55.4.0740.

[5]Politifact. "2024 Presidential Debate Fact-Check: How Accurate Were Joe Biden, Donald Trump?" Accessed July 5, 2024. https://www.politifact.com/article/2024/jun/28/2024-presidential-debate-fact-check-biden-trump/#Inflation%20and%20economy

[6]@BPUnion “To be clear, we never have and never will endorse Biden.”, Twitter post, June 28, 2024 https://x.com/BPUnion/status/1806501048724430943

[7]Statista. Number of fatalities among Western coalition soldiers involved in the execution of Operation Enduring Freedom from 2001 to 2021” Accessed July 5, 2024. https://www.statista.com/statistics/262894/western-coalition-soldiers-killedafghanistan/#:~:text=The%20number%20of%20soldiers%20killed,of%20the%20War%20on%20Terror.

[8] CNN. “CNN Flash Poll: Majority of debate watchers say Trump outperformed Biden” Accessed July 5, 2024. https://edition.cnn.com/2024/06/28/politics/debate-poll-cnn-trump-biden/index.html

[9]CNN. “CNN Poll: Most voters think Democrats have a better chance of keeping White House if Biden isn’t the nominee” Accessed July 5, 2024. https://edition.cnn.com/2024/07/02/politics/cnn-poll-post-debate/index.html

[10] BBC. “Biden says he 'screwed up' debate but vows to stay in election” Accessed July 5, 2024. https://www.bbc.com/news/articles/crgrwgnvqgvo

طباعة

    تعريف الكاتب

    عمرو علاء

    عمرو علاء

    باحث فى العلوم السياسية