مقالات رأى

ثورة 30 يونية وإعلان "دولة المواطنة"

طباعة

عندما يقف الرئيس عبد الفتاح السيسى رافضًا بكل قوة وبروح المواطن المصرى الأصيل الجريمة الداعشية البشعة على الأرض الليبية التى راح ضحيتها مواطنون مصريون فى مشهد تطيير الرءوس بسيوف من غادرت قلوبهم وعقولهم أى مشاعر إنسانية ، ليعلن حينها ــــ وبعد دقائق ــ أنه يحتفظ بحق الرد، ووفق تعبيره كمواطن يجرى فى عروقه دم الوطنية ، ومن واقع مسئوليته كحاكم، قال تعبيره الشهير إنها " مسافة السكة "، وكان الرد بالفعل خلال ساعات، وكان القصاص العظيم، ولأول مرة يتابع المواطن المصرى بشكل عام والمصرى المسيحى بشكل خاص أننا نعيش على أرض وطن قرر فيه الحاكم إعادة بناء اللحمة بين مواطنيه بكل حماس، بل إعادة بناء علاقة بين المواطن والدولة تضمن له العيش فى سلام بعد تمكينه من حقوق " المواطنة الكاملة " الذى ظل يحلم بحمايتها.

لقد احتشد مواطنونا جميعًا ( مسلمين وأقباطًا) بحالة اندماج وطنية رائعة في صفوف ثورة 30 يونية فى كل ميادين المحروسة، يهتفون بحماس بسقوط " حكم المرشد " ، ثم كان مشهد 3 يوليو التاريخي بحضور الأزهر والكنيسة وممثلي القوى الوطنية  ليصدر بيان وإعلان نهاية عصر حكم جماعة الشر، وللأسف كان رد الفعل الانتقامى الجنونى من جانب عصابات أهل الشر موجهًا بالأساس ضد الأقباط، مذابح ودمار وخراب، فاشتعلت الحرائق فى عشرات الكنائس والمبانى الخدمية الملحقة بها فى 14 أغسطس 2013، فماذا كان رد فعل الأقباط ؟ ..

لقد جاء الرد سريعًا على لسان بطريركهم الذى استشعر خطورة ودقة وحساسية الموقف الملتهب فأطلق مقولته الرائعة " وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن، وهذا ثمن بسيط لحرية وطننا، نقدمه عن طيب خاطر" ، وسارعت أجهزة البناء وإعادة التشييد بالقوات المسلحة إلى ترميم وإعادة بناء ما دمره وخربه إخوان الشر المدمر ، و إطفاء الحرائق التى أشعلها الإرهابيون فى جنبات الوطن  ، وواصل قداسة البابا التصريحات المطمئنة ، لكل من يسأله عن تطورات الواقع، ويدعو كل من يلتقيه من قيادات ورموز سياسية في العالم لدعم الموقف المصرى لتجاوز صعوبة خلع جماعة الشر ورفعها وتطهير جسد الوطن من ندبات الوجود الإخوانى الرذيل، واعتبار ما حدث للكنائس وللمواطن المسيحى أمورًا داخلية وشأنًا مصريًا خالصًا سيتم التعامل معه ، متجاوزًا أهداف من أرادوا شرًا بالبلاد قد تصل بهم لاحتمالات الشروع في  إشعال " حرب أهلية "..

نعم، وأكرر إننى أرى أن أعظم ثمار ثورة 30 يونية تلك المشاركة الرائعة من جانب نساء وأقباط مصر وحالة الاندماج الوطنية والتفاعل السياسى مع أحوال ومتغيرات الوطن ...وساعد على تحفيز ودفع الأقباط ما تناقلته كل وسائل الميديا من تهديدات تحريضية لاستهداف وجودهم وسلامة حياتهم على أرض وطنهم ..

وعليه ، قد يكون من غير المناسب والدقيق قول البعض إنه مع الرئيس " عبد الفتاح السيسى " وثورة 30 يونية قد تم ترميم العلاقة بين الدولة والأقباط ، لأن ما قام به الرئيس هو بحق يمثل إعادة بناء لعلاقة المواطن المسيحى بالدولة وأجهزتها وأيضًا بكل مواطنيه على الأرض المصرية ، ذلك بعد أن عاش عقودًا من التجاهل وأعوامًا فى مواجهة جماعات التطرف والإرهاب التى تُركت تكبر وتنمو وتجيش قواها ضد عقيدته وكنيسته، مع استباحة أمواله وأملاكه والنيل من مكتسباته بطول البلاد وعرضها، فى اعتداء سافر على حقوق المواطنة..

لقد تابع المصريون جميعا فى زمن حكم الإخوان ما تم لتسهيل إجراءات تمكين الجماعة وخلاياها وعناصرها الإجرامية من مؤسسات الوطن .. أصبح هناك 11 من بين 36 وزيرًا من الإخوان ..12 محافظًا من بين 27 محافظًا .. 235 نائبًا بمجلس الشعب من 498 نائبًا... 115 فى مجلس الشورى من 270 .. 60 فى المائة من النقابات العمالية .. 12 ألف وظيفة فى الجهاز الإدارى للدولة من الإخوان!!

أرى أنه من غير المقبول الكلام عن "مسلمين وأقباط"فى سياق الحديث عن مكتسبات ثورة "30 يونيه"؛ لأن المكاسب فى النهاية للشعب والوطن بأكمله. ولعل من أهم المكاسب هو تراجع نسب الأحداث الطائفية فى المحافظات، وميل الدولة الواضح إلى تطبيق المعنى الأشمل لمفهوم المواطنة، وتفعيل خطاب التعايش، والمساواة. وأرى أيضًا أن هناك العديد من الجهود والقرارات تُبذل لتفعيل فكرة "المواطنة" كأحد أبرز منطلقات البناء فى الجمهورية الجديدة بعد 30 يونية.. منها الحرص على إقرار قانون لـ " تنظيم بناء الكنائس"، وتقنين أوضاع الكنائس المغلقة، فقد كان بناء الكنائس يحكمه مرسوم عثمانى منذ عهد الاحتلال العثمانى لمصر.. وعليه كان حرص الرئيس السيسى على إصدار القانون الخاص بدور العبادة متضمنًا علاجًا لأوضاع الكنائس التى تم إقامتها فى عهود سابقة.

ومن مظاهر ترسيخ مفهوم المواطنة، كانت تلك الزيارات التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى للكنيسة خلال احتفالات عيد الميلاد في حدث غير مسبوق، كذلك إقامة جنازة عسكرية للأقباط الذين استشهدوا فى استهداف كنيسة البطرسية وتقديم الإرهابيين للمحاكمة، إنها إشارة إلى قوة الدولة التى لا تفرط فى دماء أبنائها.

إن إنجازات ثورة 30 يونية فى مجال تفعيل مظاهر وتجليات تحقيق "المواطنة الكاملة" هى بداية حقيقية لإعادة بناء دولة المواطنة والدليل هو إعادة بناء العلاقة السليمة والرائعة بين الدولة ومواطنيها على اختلافهم برعاية ومتابعة رائعة من رئيس الجمهورية الجديدة..

طباعة

    تعريف الكاتب

    مدحت بشاي

    مدحت بشاي

    كاتب صحفى