روسيا تراجع موقفها المؤيد للنظام في سوريا وقد تشهد الأيام المقبلة تغيراً دراماتيكياً في ذلك الموقف لصالح الشعب السوري وفي صف المجتمع الدولي. وإيران الحليف الرئيسي للنظام السوري قد لا تستمر طويلاً في تأييده إذا لم يستطع أن يحمي نفسه، بعد أن عجز عن الاستفادة من الفرص العديدة التي حصل عليها من أجل إصلاح وضعه في الداخل وبالتالي، فإن طهران ستعيد حساباتها وستبدأ تفكر في مصالحها وتعمل على تقليل خسائرها قدر الإمكان.
أصدقاء النظام السوري يتناقصون يوماً بعد يوم وخيارات نظام الأسد باتت محدودة... فماذا سيفعل؟ وهل سيستمر في مواجهة شعبه وتصفيته؟ وهل سيواصل مواجهة العالم بأسره ليواجه حينها تدخلاً عسكرياً أممياً، أم أنه سيفاجئ العالم ويقبل بالحل العربي ويتنحى الأسد عن الحكم؟!
لم نلمس إجابة رسمية أو عملية لهذه الأسئلة خلال الأيام الماضية، فكل ما فعله النظام السوري أنه عمل على رفع عدد ضحاياه من أبناء شعبه وسمح لروسيا أن تبالغ في طلب الثمن الذي ينبغي أن تحصل عليه كي تتخلى عن نظام الأسد، لكن لن تمر إلا أيام قليلة ليكتشف النظام أنه تأخر كثيراً وأنه لم يبق أحد معه ولا حوله وسيبقى الحليف الإيراني يحاول الذود عنه، لكن ذلك لن يكون إلى ما لا نهاية، فسيتوقف النظام الإيراني عن ذلك الدعم، خصوصاً عندما يكتشف أن الأوراق التي كان يعتقد أنه سيلعب بها في دول الخليج وفي المنطقة وضد بعض الأهداف الخارجية، لم تعد مجدية، حينها سيبحث لنفسه عن صفقة ترضيه.
كل ذلك يعني أن اللعبة انتهت بالنسبة للنظام السوري الذي تجاهل مطالب شعبه المشروعة طوال سنوات وتعامل بقسوة مع تحركاته السلمية خلال الأشهر الماضية، فهل يدرك هذه الحقيقة؟ وهل يدرك أن اللعبة انتهت فعلاً وأن حلفاءه بدأوا يبحثون عن مصالحهم؟ وهل يدرك أنه خلال أيام سيصبح وحيداً؟
حتى هذه اللحظة لا يبدو أن النظام السوري يدرك ذلك، ومن الواضح أنه يعيش في بوتقة منعزلة عن الواقع فيعلق أحلامه وتمنياته على الوهم ويوجه سهامه إلى الخارج ضد جيرانه العرب ويتهم أبناء شعبه بالإرهاب، وهذا ليس بالغريب، فسلوك الأنظمة المشرفة على الانهيار غالباً ما يكون كذلك.
لقد أصبح النظام السوري اليوم يهاجم دول الخليج وكأن هذه الدول هي التي أثارت الشعب السوري، ونسي هذا النظام أنه بسبب سوء إدارته وردود أفعاله -منذ اعتقال الأطفال الذين كتبوا على الجدران وتم اعتقالهم ومن ثم الإساءة إلى أهاليهم- وضع نفسه في هذا الوضع السيئ، حيث اندلعت منذ ذلك اليوم الثورة في سوريا دون تدخل الخليجيين ولا العرب ولا أميركا ولا أوروبا ولا غيرهم... فما يحدث اليوم هو خيار شعبي سوري بامتياز، والملفت أن النظام السوري حصل على فرصة دامت عدة أشهر كي يتعامل مع الوضع الداخلي وينهي الاضطرابات ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، الأمر الذي حتم على العرب والمجتمع الدولي التدخل لحماية الأبرياء الذين يقتلون كل يوم.
عندما خرج الشعب السوري وصرخ بأعلى صوته، يفترض أن النظام قد فهم أن اللعبة انتهت. عندما تدخل العرب للوصول إلى حل يرضي النظام ويرضي الشعب الغاضب، يفترض أن النظام أدرك أن اللعبة قد انتهت. عندما تكلم العالم بأسره مطالباً النظام السوري بالكف عن جرائمه ضد شعبه يفترض أن يكون النظام أدرك أن اللعبة قد انتهت. عندما وصل الملف السوري إلى جامعة الدول العربية يفترض أن يكون النظام أدرك أن اللعبة قد انتهت. عندما وصل الملف السوري إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة يفترض أن يكون النظام قد أدرك أن اللعبة قد انتهت.
بعد كل هذا، لا يزال النظام السوري لا يدرك بأن اللعبة قد انتهات؟ فما الذي ينتظره النظام؟ هل ينتظر أن تعود الجماهير الغاضبة الثائرة إلى بيوتها؟ لا يبدو ذلك منطقياً.
السؤال الآن: ما هي الخطوة التالية التي ستوقف حمام الدم الذي يعاني منه إخواننا في سوريا؟ هل سيقبل النظام ويترك الحكم؟ وهل سيفوض الأسد صلاحياته كاملة لنائبه كما اقترحت المبادرة العربية؟ أم سيصر على تدمير المدن والقرى وبالتالي لن يكون أمام العالم غير خيار التدخل العسكري لإنهاء الأزمة في سوريا؟
لا أحد يتمنى التدخل العسكري لأنه سيكون الخيار الأصعب والأسوأ، لكن من الواضح أن النظام السوري بتعنته وعدم تعاونه يجر العالم إلى مربع الحرب، من منطلق علي وعلى أعدائي، وهذا الخيار لن يكون في صالح النظام خصوصاً أنه يمكن أن يتفاداه، ونتمنى أن لا يكرر النظام السوري خطأ صدام قبل عشر سنوات عندما رفض الحلول العقلانية واتخذ الحلول العنجهية التي قضت عليه وأدخلت العراق وشعبه في متاهات الغزو الخارجي والحرب الطائفية.
ربما يدرك النظام السوري أن التدخل العسكري خيار لا يحظى بدعم كاف حتى الآن على الساحتين العربية والدولية بسبب تكلفته العالية، لكن لا يجب أن يستبعد النظام السوري هذا الخيار!
إذا أصبح التدخل العسكري الحل الوحيد لإنهاء الأزمة في سوريا فهل ستشارك الولايات المتحدة فيه؟ دراسة أميركية صدرت مؤخراً تقول إن أي تدخل عسكري غربي في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا يحتاج لدعم عسكري أميركي كافي وكبير، وإن أميركا قادرة بما تمتلكه من قدرات عسكرية تكنولوجية متقدمة على هزيمة قوات النظام السوري الذي يمتلك جيشاً ضخماً ولكن كثيراً من أسلحته قديمة وبالية إذا ما قورنت بالترسانة الأميركية.
أخيراً، إذا كان احتمال التدخل العسكري هو المرجح، فهناك أسئلة تطرح نفسها، منها: ما هي احتمالات اندلاع حرب طائفية داخل سوريا بحكم أن السلاح بيد طائفة وأن الثورة تقودها طائفة أخرى، وبين الطائفتين تنقسم الطوائف الأخرى؟ وما هي احتمالات أن تدهور النظام السوري في حالة الهجوم العسكري عليه والقيام بأعمال انتقامية؟ وما هي احتمالات استخدامه "حزب الله" وبعض الجماعات المتحالفة معه لإثارة عدم الاستقرار في المنطقة ومحيطها؟... يبدو من الوضع الحالي أن جميع هذه الاحتمالات ممكنة لكنها في نفس الوقت تبدو ضعيفة.
اقرأ المزيد : وجهات نظر | الأسد... انتهت اللعبة | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=64171#ixzz1mSARA97G
---------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء 15 فبراير 2012.