بمشاركة رؤساء الدول الإفريقية اختتمت أعمال القمة الـ37 للاتحاد الإفريقى فى أديس أبابا التى عقدت على مدى يومين تحت شعار "تعليم إفريقى يواكب القرن الحادى والعشرين"، وهيمن العدوان الإسرائيلى على غزة، والأزمة بين إثيوبيا والصومال، والصراعات فى القارة على جدول أعمال القمة، قمة ناقشت تعزيز التعاون بين دول القارة، والقضايا المحورية، وآليات دعم العمل الإفريقى المشترك، والأمن والسلم، قمة حضرها رئيس الوزراء الفلسطينى محمد اشتيه الذى ناشد الاتحاد الإفريقى بفرض عقوبات على إسرائيل بسبب خرقها القانون الدولى بشكل متعمد لوقف عدوانها وبرنامجها الاستيطانى، ذاكرا أن الاتحاد الإفريقى أصاب عندما منع إسرائيل من أن تكون دولة مراقبا فى الاتحاد، ومنع تسلل ممثلين عنها إلى هذا المحفل العام الماضى، وأيضا حضور الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا الذى يحرص على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دول القارة، وتصريحاته ضد التهجير القسرى لسكان غزة، وإقامة دولة فلسطينية، ما أدى إلى قيام إسرائيل بسحب سفيرها من البرازيل، وأيضا صرحت بأن الرئيس البرازيلى غير مرغوب فيه، قمة جاءت بعد عقد محكمة العدل الدولية جلسات الاستماع لعدوان إسرائيل على الأراضى الفلسطينية.
قمة جاءت وسط أزمات سياسية غير مسبوقة فى الداخل الإفريقى ووسط أوضاع إنسانية قاتمة تهدد سكان القارة البالغ عددهم مليار نسمة، فيشهد السودان تفاقما فى الأوضاع الإنسانية غير المسبوقة والصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأيضا توتر الصومال مع إثيوبيا بعد إعلان الأخيرة أن اتفاقا بينها وبين إقليم أرض الصومال يسمح لها باستغلال منفذ بحرى فى إقليم أرض الصومال على ميناء بربرة لمدة خمسين عاما.
جاء البيان الختامى للقمة بضرورة إجراء تحقيق دولى مستقل فى انتهاك إسرائيل للقانون الإنسانى الدولى فى غزة واستهداف المستشفيات، ومطالبة إسرائيل بالاستجابة الدولية بوقف إطلاق النار، والامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية، ورفع الحصار على القطاع، ومنع الإبادة الجماعية، أيضا اختتمت القمة وسط تصاعد التوتر بين إثيوبيا والصومال بمحاولة الحكومة الإثيوبية عرقلة وفد الرئيس الصومالى من المشاركة فى القمة، لكن فى المقابل نجح الزعماء فى تجنب أزمة جديدة وهى الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقى لمدة عام بانتقال الرئاسة من رئيس جزر القمر غزالى عثمانى إلى الرئيس الموريتانى محمد ولد الغزولى فى بداية القمة.
مصر وأمن دول القارة:
دائما لمصر الدور التاريخى والمحورى فى القارة الإفريقية النابع من حرصها على استقرار أمن القارة، والنهوض بالأشقاء الأفارقة؛ حيث ترأس السفير حمدى لوزا نائب وزير الخارجية للشئون الإفريقية، الذى أناب عن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى، الوفد المشارك من مصر؛ حيث تمثلت جهود مصر تجاه دول القارة فى الآتى:
- حرص مصر على السلم والأمن الإفريقيين.
- ضرورة دعم سيادة الصومال ووحدة أراضيه، وثمنت مصر الجهد المبذول لمكافحة الإرهاب.
- اهتمام مصر البالغ بملف إعادة الإعمار لدول القارة.
- التعاون بين مركز القاهرة الدولى لتسوية النزاعات وحفظ بناء السلام ومفوضية الاتحاد الإفريقى على السلم والأمن والدور الإنسانى.
- الجهد المصرى لتنفيذ الخطة العشرية لأجندة 2063 لتنمية إفريقيا.
- جهود مصر للمشروعات فى القارة من إنشاء السدود والربط الكهربائى والبنية التحتية.
- جهود مصر تجاه الشباب الإفريقى بإقامة مؤتمرات الشباب وإقامة المشروعات من أجلهم.
- جهود مصر فى اتخاذ المبادرات الصحية لسكان القارة.
- دعم وتنفيذ مشروعات التكامل القارى.
قمة وسط أزمات غير مسبوقة:
ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسى فى معرض حديثه بالأمس فى افتتاح فاعلية مؤتمر ومعرض مصر الدولى السابع للطاقة أن التمويل يصعب على الدول الإفريقية. وذكر موسى فكى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى خلال اجتماع المجلس التنفيذى للاتحاد الذى يضم وزراء خارجية الدول الأعضاء أن السودان يشتعل، والصومال لا يزال عرضة للتهديد المتطرف، والوضع المتأزم والمقلق فى القرن الإفريقى، وتأزم الوضع الليبى، مضيفا أن تجدد الأزمات الإنسانية المرتبطة بالحروب، والانقلابات العسكرية، والعنف غير المسبوق، وتغيرات المناخ، كلها تشكل مصادر قلق، وتهدد بشكل خطير بنهوض إفريقيا، وتمثلت الأزمات الإفريقية أيضا فى الآتى:
- عدم الاستقرار السياسى فى دول القارة.
- التحديات الاقتصادية غير المسبوقة التى تشهدها القارة وتحديات التمويل.
- تحديات التغير المناخى الذى تواجهه القارة.
- ما يشهده السودان من أزمات وصراعات وحروب أهلية.
- أزمة تشهدها دولة الكونغو الديمقراطية منذ نهاية عام 2021 ويرجع سببها إلى النزاع بين جيش الدولة المدعوم من جماعة الوطنيين المسلحة ومتمردى حركه"إم 23" المدعومة من الجيش الرواندى.
- المشكلات التى تواجه دول غرب إفريقيا.
- أزمة السنغال التى اندلعت فى بداية هذا الشهر بسبب تاجيل الرئيس ماكى سال الانتحابات الرئاسية رغم انفراجة الأزمة بعد أن رفضت المحكمة الدستورية الخميس الماضى قرار التأجيل، وتعهد الرئيس بإجراء الانتخابات فى وقتها.
- التحديات التى تواجه الشباب والمرأة بشكل خاص.
- قمة غابت عنها ست دول أعضاء بسبب تعليق عضويتها من جراء الانقلابات العسكرية، وهى: بوركينا فاسو، وغينيا، والسودان، ومالى، والجابون، والنيجر.
حرب غزة تهيمن على القمة:
- ثمن موسى فكى خطوة دولة جنوب إفريقيا تجاه غزة وقرار محكمة العدل الدولية.وأشاد بأن دعوى جنوب إفريقيا تعد انتصارا للقارة بأكملها ولكل الدول الداعمة للقضية الفلسطينية. وأدان موسى فكى الإبادة التى يتعرض لها سكان غزة.
- ثمن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط جميع المواقف الإفريقية من أجل فلسطين.
- ذكر محمد اشتيه رئيس الوزراء الفلسطينى أن إسرائيل ترتكب أبشع الجرائم فى حق الشعب الفلسطيني، داعيا المجتمع الدولى إلى اتخاذ موقف جادوفرض العقوبات لوقف عدوانها.
- أشاد أيضا اشتيه بموقف جنوب إفريقيا بإدانة ومتابعة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
- أدانت القمة الحرب الإسرائيلية على غزة والعقاب الجماعى ضد المدنيين.
- أدانت القمة تهجير سكان قطاع غزة.
- لا بد أن تكون فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة.
- يجب أن يتمتع الشعب الفلسطينى بكامل حريته وبدولته المستقلة.
مصر تتقدم بمذكرة للعدل الدولية ضد إسرائيل:
لمصر الدور الفعال تجاه القضية الفلسطينية والجهد المبذول من قبل الرئيس والدبلوماسية المصرية فى إيقاف الحرب على غزة، وإيصال المساعدات، وحل الدولتين، وجهود الوساطة المصرية للإفراج عن الرهائن، وعقد الهدنة الإنسانية، والأهم قيام مصر بالتقدم بمذكرة للعدل الدولية حول ممارسات إسرائيل فى فلسطين المخالف للشرعية الدولية.
وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات فإن مصر ستشارك فى الرأى الاستشارى الذى طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية حول السياسات والممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وقد قدمت مصر مذكرة للمحكمة بتقديم مرافعة شفهية أمام المحكمة بعد غد 21 فبراير، وأن المرافعة الشفهية تتضمن تأكيد اختصاص محكمة العدل الدولية بنظر الرأى الاستشارى على أساس الجمعية العامة للأمم المتحدة أحد الأجهزة المخولة وفقا لميثاق المنظمة بطلب رأى استشارى من المحكمة نظرا لأن الأمر يتناول الأبعاد القانونية للمستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة فى الأراضى المخالفة لمبادئ القانون الدولى وقرارات الشرعيه الدولية.
فيما يتعلق بموضوع الرأى الاستشارى تشمل المذكرة المصرية تأكيد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلى الذى دام أكثر من 75 عاما بالمخالفة لمبادئ القانون الدولى والإنسانى، وكذلك سياسات ضم الأراضى، وهدم المنازل، وطرد وترحيل وتهجير الفلسطينيين بالمخالفة للقواعد الآمرة بالقانون الدولى العام، ومنها حق تقرير المصير للشعب الفلسطينى، وحظر الاستيلاء على الأراضى من خلال استعمال القوة المسلحة، كما تتضمن المذكرة رفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصرى وغيرها من الممارسات الإسرائيلية التى تنتهك بشكل صارخ مبادئ القانون الدولى الانسانى والقانون الدولى لحقوق الإنسان، فالمذكرة والمرافعة المصرية تطالبان المحكمة بتأكيد مسئولية إسرئيل عن كل تلك الأفعال غير المشروعة دوليا، بما يحتم انسحاب إسرائيل بشكل فورى من الأراضى الفلسطينية المحتلة بما فى ذلك القدس، وتعويض الشعب الفلسطينى عن الأضرار التى لحقت به نتيجة لتلك السياسات والممارسات غير المشروعة دوليا، فضلا عن مطالبة كل دول العالم والمجتمع الدولى بعدم الاعتراف بأى أثر قانونى للإجراءات الإسرائيلية، والكف عن توفير الدعم لإسرائيل، واضطلاع المنظمات الدولية والأمم المتحده بمسئولياتها فى هذا الصدد.
ختاما:
رغم الأزمات الإنسانية غير المسبوقة التى قد تعصف بالإنسان أولا، ورغم المشهد المؤسف الذى تمر به عدد من الدول الإفريقية من صراعات وحروب أهلية، فإننا نجد جهدا إفريقيا غير مسبوق من أجل حفظ الدماء والحفاظ على أمن القارة واستقرارها، ونجد جهدا إفريقيا أيضا تجاه غزة وحل القضية الفلسطينية واستقلال فلسطين وسيادتها، وحضور رئيس الوزراء الفلسطينى القمة مناشدا المجتمع الدولى باتخاذ موقف جاد وسريع تجاه غزة وتهجير سكانها، وجهد مصر النابع من دورها التاريخى تجاه الجوار الإقليمى والأشقاء. ولكن يظل السؤال هل تفلح كل هذه الجهود أمام الصلف الإسرائيلى المعتاد؟ هل تنجح القمم فى إنقاذ القارة من شبح الحروب الأهلية والصراعات التى تطول دولها التى تهدد أمن القارة والمنطقة بأكملها حتى لا تتسع رقعة الحرب؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.