فى توقيت بالغ الأهمية فى ظل ما تشهده المنطقة من أزمات وتوترات على جميع الأصعدة، تأتى إثيوبيا بأزمة جديدة بانتهاك سيادة الصومال، الأمر الذى قام على إثره الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود بزيارة القاهرة، لبحث الأزمة مع الرئيس عبدالفتاح السيسى لتنسيق المواقف مع مصر. وللرئيس عبد الفتاح السيسى نهجه الدائم تجاه دول المنطقة بحفظ سيادة أراضيها والدفع دائما بالحل الدبلوماسى الذى هو نهجه منذ توليه شئون البلاد، والحل دائما يكون وفق الرأى والطرح المصرى كمسئولية مصر التاريخية تجاه المنطقة والأشقاء لدورها المحورى على مر التاريخ، وجاء الرد المعهود من الرئيس عبد الفتاح السيسى مطمئنا للجانب الصومالى خلال هذا اللقاء؛ حيث أكد أن مصر لن تسمح بأى تهديد للصومال وأمنه، وقال: لا نسمح بتهديد أشقائنا خاصة إذا طلبوا منا التدخل، ونرفض التدخل فى شئون الصومال ووحدة أراضيه، والصومال دولة عربية، له حقوق ضمن الدفاع المشترك. وذكر الرئيس أن ما يتعلق بالاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا ودعم مصر للصومال يتمحور فى الآتى:
- تحدثنا علنا أننا فى مصر كان لنا موقف واضح تم تسجيله، وصدر بيان عن وزارة الخارجية المصرية برفض هذا الاتفاق.
- نؤكد رفض مصر التدخل فى شئون الصومال، أو المساس بوحدة أراضيه، مشيرا إلى أن هذا الموضوع إحدى النقاط التى تمت مناقشتها مع الرئيس الصومالى.
- إن رسالتى لإثيوبيا لكى تحصل على تسهيلات من الأشقاء فى جيبوتى والصومال وإريتريا يكون بالمسائل التقليدية المتعارف عليها والاستفادة من الموانئ، وهذه أطر لا يرفضها أحد، ولكن محاولة القفز على أرض من الأراضى لمحاولة السيطرة عليها لن يوافق على ذلك أحد.
- أشار سيادته إلى أن الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال غير مقبول لأحد.
- الصومال دولة عربية، وله حقوق طبقا لميثاق الجامعة العربية فى الدفاع المشترك لأى تهديد له.
- أكد الرئيس أن مصر لن تسمح بتهديد الصومال أو المساس بأمنه.
- طمأن الرئيس السيسى الرئيس الصومالى قائلا: "اطمئن نحن معكم".
تصريحات الرئيس جاءت فى توقيت بالغ الحساسية لما يواجهه الصومال من انتهاك إثيوبى لأرض الصومال وسيادتها، ووفق تطلع الصومال للدعم المصرى فى هذه الأزمه، وجاءت تصريحات الجانب الصومالى مثمنة لدور مصر التى كانت من أوائل الدول التى أعلنت مواقفها فور اندلاع هذه الأزمة بتأكيد الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية.
إثيوبيا تفتح جبهة أخرى للنزاع
الحرب تتسع فى المنطقة بهذا المنعطف الجديد الذى يطول القارة السماء بمشهد تاريخى لم تعتده الدول بقيام إثيوببا بتوقيع اتفاق مبدئى بينها وبين إقليم أرض الصومال غير المعترف به دوليا فى الأول من يناير من هذا العام بشأن حصولها على منفذ بحرى لها على أرض الإقليم؟! خطوة غير متوقعة من قبل إثيوبيا أن تفتح جبهة أخرى عليها وخاصة أنها لم تحسم موقفها من أزمة سد النهضة، أو تضع حلولا لمصر والسودان لإنهاء ملف المياه، لتقوم بهذه الخطوة متعللة بأنها دولة حبيسة لا تمتلك أى سواحل ما يؤثر ذلك فيها اقتصاديا، وتعتمد على جيبوتى فقط فى التجارة عبر البحر. لذا، أن يكون لإثيوبيا منفذ بحرى هو مسألة وجود بالنسبة إليها كما صرح رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، وجاء رد الفعل الدولى منددا بالخطوة ورفضتها جامعة الدول العربية ذاكرة أن هذا الاتفاق يعد انتهاكا لسيادة الدولة الصومالية وتأجيج الأوضاع داخل الصومال؛ حيث يشهد الصومال أوضاعا داخلية متأزمة من جراء الإرهاب، أو الوضع الاقتصادى المتفاقم وتعثر المفاوضات بشأن علاقة إقليم أرض الصومال المنفصل عن الصومال، وقد جاء هذا الاتفاق لينسف جهود استئناف المفاوضات بينهما لحل الأزمة، هو اتفاق يضرب مبادئ القانون الدولى عرض الحائط، ما أسفر عنه قيام مجلس الوزراء الصومالى باتخاذ قرار اعتبر فيه أن مذكرة التفاهم التى وقعت بين إثيوبيا وأرض الصومال هى غير قانونية، ومن ثم ملغية وباطلة لأنها تمثل انتهاكا للقانون الدولى ووحدة أراضى جمهورية الصومال الفيدرالية.
لمحة عن الاتفاق
وقع رئيس الوزراء آبى أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيهى عبدى مذكرة تفاهم تاريخية سميت بالاتفاق المبدئى فى أديس بابا لاستئجار إثيوبيا ميناء بربرة على البحر الأحمر كمنفذ بحرى بطول 20 كم لإقامة قاعدة تجارية لمدة 50 عاما فى مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة، وأيضا فى مقابل إقامة شراكة أمنية واقتصادية وسياسية بينهما، وتعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية، وتعزيز المصالح المتبادلة بينهما، ورغبة إثيوبيا فى أن يكون لها منفذ بحرى يحقق طموحها الاقتصادى مع الدول المطلة على البحر الأحمر، وأيضا فى مقابل حصول أرض الصومال على حصة تمثل 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية التى تبلغ إيراداتها 6 مليارات دولار. مذكرة التفاهم تحقق آمال إثيوبيا وتطلعاتها لتكون دولة مشاطئة بعد أن كانت دولة حبيسة، لكنها تضرب المبادئ الدولية عرض الحائط، خاصة بعدما أكد مستشار الأمن القومى لآبى أحمد أن مذكرة التفاهم تمهد الطريق لإثيوبيا لإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر.
تأثير الاتفاق فى الصومال:
- أثار الاتفاق غضبا عارما فى الصومال، فقامت على الفور باتخاذ قرار باستدعاء سفيرها فى إثيوبيا اعتراضا على هذا الاتفاق كرد على توقيع مذكرة التفاهم، واعتبار هذا الاتفاق انتهاكا لسيادتها.
- احتمالية الانزلاق إلى حرب لا تحمد عقباها، خاصة بعدما توعد حمزة عبدى بار رئيس الوزراء الصومالى بالرد.
- إن هذا الاتفاق يهدد استقرار القرن الإفريقى.
- تعد أرض الصومال هذا الاتفاق أمرا ضروريا لضمان حمايتها من التهديدات التى تواجه انفصالها، خاصة من الحكومة الصومالية التى لا تعترف بهذا الاستقلال، وتراه استقلالا أحاديا.
- تحقيق مكاسب اقتصادية لإقليم أرض الصومال من خلال المشروعات الإثيوبية على المنفذ البحرى، وإيجاد ممر جوى للإقليم من خلال الاعتماد على الخطوط الجوية الإثيوبية.
- هذا الاتفاق يعرقل جهود التفاوض التى يقوم بها الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود بعد إعلان استئناف المفاوضات بين الطرفين من أجل وحدة الصومال، وأن يصبح إقليم أرض الصومال ضمن النظام الفيدرالى للصومال.
- القلق من قيام حركة الشباب الصومالية بشن هجمات على أرض الصومال وإثيوبيا؛ حيث ترفض الحركة هذا الاتفاق، وأنذرت من إتمامه.
دلالات هذه الاتفاق لإثيوبيا:
- إقدام إثيوبيا على هذه الخطوة هو خلق مكانة لها فى المياه البحرية.
- خطوة جيوسياسية فى الإقليم لإثارة الوضع إفريقيًّا لصرف النظر عن ملف سد النهضة.
- تحويل الرأى العام الإثيوبى لمصلحة آبى أحمد بعد التوتر الداخلى الذى تشهده إثيوبيا.
- كسب آبى أحمد للداخل الإثيوبى خاصة بعد تعثره فى إقناع الدول المشاطئة لإيجاد منفذ بجرى لإثيوبيا على البحر الأحمر.
- إعلان آبى أحمد تأسيس قاعدة عسكرية على البحر الأحمر يعزز موقفه فى الانتخابات القادمة.
السيناريوهات المحتملة لهذا الاتفاق:
- لجوء إثيوبيا إلى مزيد من التصعيد لتنفيذ مخططها إن لم تفلح المفاوضات.
- زيادة التوتر السياسى بين إثيوبيا وإريتريا فى حال معارضة الصومال لهذا الاتفاق؛ حيث تتجه أنظار آبى أحمد إلى إريتريا التى رفضت قبول إثيوبيا على مينائها.
- إلغاء اتفاق 2017 بين أرض الصومال وإثيوبيا وشركة موانئ دبى العالمية لتطوير ميناء بربرة، ومن ثم إلغاء ربط الميناء بالداخل الإثيوبى.
دلالات الاتفاق فى هذا التوقيت:
- الحروب بالوكالة للدول الكبرى لمساعدة إثيوبيا على إقامة قواعد عسكرية لها على البحر الحمر بهذا الاتفاق.
- الزج بإثيوبيا من قبل دول بعينها لحماية مصالحها فى المنطقة.
- تعقد الموقف بين مصر وإثيوبيا لعرقلة التوصل إلى حلول بشأن سد النهضة.
- تمسك موسى بيهى بهذا الاتفاق لإجبار الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى على الاعتراف بأرض الصومال.
- تفاقم الوضع فى البحر الأحمر وتعقده لدول المنطقة.
- استغلال إثيوبيا لانشغال المجتمع الدولى بالأزمة الفلسطينية لإيجاد موطئ قدم لها على البحر الأحمر، ودفع الصومال للاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة.
- هذا الاتفاق يثير التخوف من الأطماع التوسعية لإثيوبيا وبقية الدول الإفريقية.
- قيام إثيوبيا بإيجاد بديل عن جيبوتى التى تعتمد عليها لتمرير اقتصادها.
- هذا الاتفاق من شأنه التأثير فى العلاقات ما يشكل تهديدا جديدا لوحدة القارة.
- تنامى الحركات الانفصالية والإرهابية عبر الحدود.
- خطوة جديدة فى قواعد اللعبة السياسية تقف وراءها الدول الكبرى.
- إبعاد النظر عن القضية الفلسطينية.
- تحقيق أغراض الدول العظمى إلى تقسيم الدول الإفريقية إلى دويلات باعتراف إثيوبيا بأرض الصومال وخاصة بعد طرد القارة لاستعمار الغرب (فرنسا).
تداعيات الاتفاق على مصر:
كعادة الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى يهتم بوحدة وسلامة الأراضى العربية والإفريقية جاء موقفه الحاسم بدعم وحدة وسيادة الصومال من خلال لقائه الرئيس الصومالى والقمة التى تصدرت المباحثات المصرية الصومالية خلالها مستجدات الأوضاع فى القرن الإفريقى والتطورات بعد إبرام إثيوبيا هذا الاتفاق، ومن قبل مع اندلاع الأزمة طالبت مصر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية بالتحرك العاجل لمنع إثيوبيا من الاستمرار فى انتهاك السيادة الوطنية للصومال؛ ما يمنح الصومال الحق الكامل فى الدفاع عن وحدة وسيادة أراضيه، فتمتلك مصر عددا كبيرا من الموانئ على البحر الأحمر بين سياحى وتجارى ونفطى، ولهذا الاتفاق تداعيات خطيرة على مصر، تتمثل فى:
- تهديد الملاحة لمصر ما يمثل تهديدا للأمن القومى مع قضية المياه.
- الارتدادات الجيوسياسية على مصر نتيجة لهذا الاتفاق.
- تهديد مباشر لقناة السويس.
- تحويل النظر العالمى والإفريقى عن قضية سد النهضة.
ختاما:
ستظل مصر لها الدور الريادى بالتقارب الجيوسياسى مع دول الإقليم والعالم من أجل إرساء الأمن والأمان وعدم اتساع رقعة الحروب التى تأخذ معها الأخضر واليابس وتستعر بشكل غير مسبوق لتطول القاره السمراء، فهل تفلح جهود آبى أحمد؟ وهل يقتنع المجتمع الدولى بمبرراته التى يتعلل بأن بلاده لابد من أن يكون لها ميناء على البحر الأحمر حتى تتحول إلى دولة غير حبيسة وتزدهر اقتصاديا على حد تعبيره وأن تكون قوة بحرية؟ هل يستمر فى غض النظر عن أمن المنطقة وأمانها فى ظل أزمة سد النهضة وتأجيج إثيوبيا؟ هل ينجح المجتمع الدولى فى عدم الاعتراف بهذا الاتفاق وخاصة بعد رفض الصين وجيبوتى وكينيا له؟ هل تدعم دول العالم مصر فى لجوء الصومال إليها لمساندته فى هذه الأزمة، أم تكون فرصة لفتح جبهة أخرى للحرب لصرف النظر عن القضية الفلسطينية وفتح جبهات أخرى لزعزعة أمن مصر؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام، وتحيًة للرئيس عبد الفتاح السيسى عما يتحمله، وموقفه المشرف مع كل من يلجأ إليه.