لعملية طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر 2023، وما تبعها من الحرب على غزة الكثير من النتائج والتداعيات على جميع الأطراف المشاركة فيها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وإذا ما بدأنا بالأطراف الفاعلة الأساسية فى هذه العملية وهى إسرائيل ثم الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأول لها ومحركة الاصطفاف الغربى خلف الجانب الإسرائيلى، وأخيرا المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها (12 فصيلا تقريبا) لخلصنا إلى أن حجم الخسائر الإسرائيلية ضخم للغاية سواء على المستويات الاقتصادية، أو العسكرية، أو السياسية، وحتى المعنوية، وإن كان أهم خسائرها هو زعزعة الثقه لدى المواطن اليهودى بقدرات جيش الدفاع الإسرائيلى بل بقدرة الدولة اليهودية ذاتها على البقاء والاستمرار داخل محيطها الإقليمى الذى أصبح يلفظها اليوم أكثر من أى وقت مضى فى ظل ما اقترفته من جرائم إبادة غير مبررة للشعب الفلسطينى (أكثر من 22 ألف شهيد حتى الآن) بغرض دفعهم إلى الهجرة الجماعية خارج الأراضى الفلسطينية بغرض تصفية القضية الفلسطينية، الأمر الذى أصبح معه استمرار حالة التعايش السلمى للدولة اليهودية داخل هذه المنطقة أمرا فى غاية الصعوبة، ما أفقد الشعب اليهودى الشعور بالأمان أو الاستقرار حاليا وفى المستقبل المنظور. من ثم، فمن المرجح بدء تيارات من الهجرة العكسية للمواطنين اليهود إلى خارج إسرائيل خاصة يهود أوروبا الغربية (الإشكيناز) بمجرد انتهاء عملية غزة الدائرة الآن.
أما على الجانب الاقتصادى فقد خسر الاقتصاد الإسرائيلى قرابة 52 مليار دولار حتى الآن ما يمثل 10% من إجمالى الناتج القومى الإسرائيلى (وفق تصريحات محافظ البنك المركزى الإسرائيلى) إلا أن أكبر الخسائر الاقتصادية تمثل فى وقف حملات الهرولة نحو التطبيع المجانى مع إسرائيل الذى تبنته عدد من الدول حتى قبيل بدء هذه الحرب بأيام، الأمر الذى سيزيد من حالة التأزم الاقتصادى التى تعيشها تل أبيب خاصة مع عدم قدرة مجموعة الدول الأوروأمريكية على ضخ المزيد من المساعدات الاقتصادية المباشرة إلى إسرائيل فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، ومعاناة تلك الدول المتمثلة فى إمداد ودعم أوكرانيا فى حربها ضد روسيا رغم ما تمثله الأخيرة من أهمية جيواستراتيجية لدول غرب أوروبا والولايات المتحدة، ومن ثم فقد أصبح نتنياهو فى موقف لا يستطيع معه إيقاف تلك الحرب دون تحقيقها أى نتائج ملموسة وواضحة، ولا يمتلك أيضا رفاهية الاستمرار فيها!! ما يعنى أنه قد انتحر سياسيا وإلى الأبد، الأمر الذى سيؤدى ولا شك إلى دخول الدول اليهودية فى مرحلة من عدم الاستقرار السياسى فترة ليست بالقليلة للبحث عن حكومة إنقاذ وطنى (مؤقتة) لتصلح ما أفسدته حكومة الحرب الحالية، أما الجانب الأمريكى فقد استيقظ متأخرا بعد سلسلة من التخبط وسوء الأداء المعهود فى إدارة بايدن بعد أن شعر متأخرا بأن دعمه غير المحدود لإسرائيل سياسيا وعسكريا واقتصاديا قد أحرق حرفيا سمعة الولايات المتحدة عالميا كدولة عظمى تقود عالما أحادى القطبية فى سبيل تعزيز موقف إسرائيل ما هدد مكانتها العالمية إلى حد بعيد خاصة إذا ما وضعنا فى الحسبان الأداء الأمريكى المتخبط فى الأزمة الأوكرانية الروسية، الأمر الذى أصبح معه فقد أمريكا لمكانتها كقطب أوحد أقرب من أى وقت مضى، ومن ثم فعلى بايدن وحزبه الديمقراطى الاستعداد لفقد المنصب الرئاسى فى الانتخابات القادمة (نوفمبر 2024)، فالرئيس بايدن (المدعوم بقوة من الصهيونية العالمية) قد جانبه التوفيق فى العديد من الملفات الدولية الكبرى الشائكة التى ألقت بظلالها السلبية بشكل مباشر ليس على العالم الخارجى فقط بل على الداخل الأمريكى أيضا.
من أهم أهداف الحرب على غزة وتداعياتها على المنطقة هو فرض أمر واقع جديد وإحداث تغيير ديمغرافى فى تلك المنطقة دائمة التأزم عن طريق التهجير القصرى للفلسطينيين من قطاع غزة فى اتجاه شمال سيناء وتهجير سكان الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية، فى سيناريو معد سلفا لتصفية القضية الفلسطينية تماما وفرض إسرائيل سيطرتها على كامل الأراضى الفلسطينية المحتلة، ومحو دولة فلسطين من الوجود، وإن ما تم من تسلسل للأحداث يوحى ولا شك بالتنسيق الكامل مع الجانب الأمريكى وبعض الدول الأوروبية الفاعلة فى هذا الشأن، وكان اختيار التوقيت الحالى لعدة أسباب منها قرب انتهاء فترة بايدن الرئاسية وغير المضمون إعادة انتخابه لأسباب سياسية وصحية (وهو القائل لو لم يكن هناك إسرائيل لاخترعناها!!) وإن حاملات الطائرات التى هرعت إلى المنطقة ومعها سفن حمايتها فى الأيام الأولى للعملية هو تخطيط مسبق، الهدف منه إجبار كل من مصر والأردن تحديدا وبالدرجة الأولى على قبول الأمر الواقع الجديد، وليست موجهة إلى أى أطراف أخرى فى المنطقة كما تزعم الآلة الإعلامية الغربية، بل لا يمكن لنا فصل ما يحدث من أزمات اقتصادية طاحنة فى الداخل المصرى حاليا عن مجريات الأمور فى المنطقة، تلك الأزمات الاقتصادية التى تتفاقم فى توقيت متزامن فى إطار ممارسة أكبر قدر من الضغط الأمنى والعسكرى والاقتصادى والسياسى على القيادة المصرية لإجبارها على الرضوخ وقبول سيناريو التهجير القصرى للفلسطينيين فى توقيت بالغ الحساسية لمصر (الانتخابات الرئاسية المصرية)، وهو الأمر الذى لم يغفله مخططو تلك العملية عند تحديد التوقيت الأنسب لها، لكن الشعب المصرى كالمعتاد فطن إلى ما يُكاد له بمخزونه الحضارى الهائل، وتجاوز تلك الفترة الحرجة بذكاء ووعى هائلين، فكان أن أقبل فى كثافة على أداء واجبه الدستورى فى الانتخابات الرئاسية، مؤكدا التفافه خلف قيادته الحالية فى هذا الظرف الدقيق والحساس رغم كل المصاعب الاقتصادية التى يعانيها بفعل فاعل، ما أدى إلى تصاعد وتيرة الضغوط الاقتصادية على مصر من خلال تنفيذ خطة ممنهجة لخنق الممر الملاحى الأهم للعالم ولمصر وهو قناة السويس (المصدر الرئيسى للعملات الأجنبية لمصر) من خلال افتعال أزمات أمنية تعرقل الملاحة التجارية فى جنوب البحر الأحمر باستخدام جماعات وتشكيلات إرهابية مسلحة فى تلك المنطقة أكبرها جماعة الحوثيين، بهدف تحويل جزء من مسار التجارة العالمى إلى ممر رأس الرجاء الصالح على حساب كثافة المرور فى قناة السويس (18 شركة ملاحية أعلنت تغيير مسارات سفنها إلى رأس الرجاء الصالح) وبما يبرر للوجود البحرى العسكرى الغربى المكثف فى تلك المنطقة الآن! وهو ما يشير إلى احتمالية وجود تفاهمات أمريكية مع تلك الجماعات بصورة أو بأخرى، فتلك الجماعات ومن على شاكلتها فى المنطقة ينحصر دورها فى كونها تمثل مخلب النمر الذى تستخدمه كل من أمريكا وإسرائيل لإرهاب دول الخليج العربى ووضعها فى موقف الطرف المهدد أمنيا باستمرار حتى يسهل استنزافه وإخضاعه للسياسات والإرادة الصهيوأمريكية، الأمر الذى أدركه قادة الخليج مؤخرا، فكان أن حاولوا فتح قنوات اتصال مباشر مع الجانب الإيرانى ذى التأثير المباشر والكبير فى تلك الجماعات من خلال دول القيادة الحالية للمنطقة العربية (مصر – السعوديه – الإمارات ) بشكل منفصل لكل منها، لكنه متزامن بما يؤكد وجود تنسيق كامل بينها فى هذا الشأن.
من ثم، كان الرد الأمريكى سريعا ومفاجئا نحو العودة إلى فكرة إحياء سيناريو يوم القيامة لمنطقة الشرق الأوسط، وتعود فكرة هذا السيناريو المدمر للمنطقة العربية الذى حاول التحالف الأوروأمريكى تنفيذه مطلع العقد الماضى (2010) من خلال ما سموه ثورات الربيع العربى برعاية الحزب الديمقراطى الأمريكى نفسه الحاكم الآن (المختطف من الصهيونية العالمية) ممثلا فى أوباما وهيلارى كلينتون وهى الثورات التى اندلعت فجأة فى توقيتات متزامنة بفعل نظرية التأثير المتتالى (dominos effect)، بغرض خلع كل الأنظمة الحاكمة الرئيسية فى الدول العربية الكبرى ذات التأثير والثقل، وأن يحل محلها حكم ينتمى إلى تيار معين ذى أيديولوجيا محددة، فليس صدفة أن يسقط النظام فى تونس فيتولى الحكم تيار "النهضة" (الإخوانى)، ثم يسقط النظام فى مصر فيتولى الحكم حزب الحرية والعدالة (الإخوانى)، ويسقط نظام القذافى فى ليبيا فيسيطر حزب العدالة والبناء (الإخوانى) على طرابلس بالقوة، أما السودان فقد كان بالفعل تحت حكم التيار الإخوانى (المتخفى تحت البدلة العسكرية) منذ انقلاب عام 1989 الذى دبرته الجبهة القومية الإسلامية (الفرع السودانى للإخوان)، حتى قطاع غزة تحكمه وتسيطر عليه جماعة حماس (فرع الإخوان فى فلسطين).
أما الوضع فى سوريا، فرغم الضعف النسبى للجماعة هناك نتيجة للسياسات الصارمة تجاه الجماعة خلال العقود الماضية فى عهد حافظ الأسد والتى استمر عليها نجله من بعده إلا أن هذا الضعف لم يمنع الجماعة من تشكيل ميليشيات مسلحة تعمل على إسقاط نظام بشار بالتعاون مع كل القوى الخارجية الممكنة من خلال قتالها ضد الجيش الوطنى السورى مستترة تحت عدة مسميات مختلفة (الجيش السورى الحر – جماعة أحد - جيش خالد بن الوليد وغيرها). ومن ثم فمن السذاجة بمكان أن نظن أن المحاولات المستميتة التى تمت من دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة لتمكين جماعة الإخوان من حكم المنطقة العربية بالكامل تمت بالصدفة، أو بمعزل عن الدعم والتخطيط الأوروأمريكى، ولم لا، فالإخوان قدموا أنفسهم للغرب على أنهم الحليف المطيع الذى سيحقق لهم كل ما أرادوا من تفتيت وتقسيم للأوطان وتدمير للجيوش العربية الوطنية، وهو أحد أهم أهداف الصهيونية العالمية، وهو ما تم بالفعل فى السودان، وليبيا، واليمن، وسوريا، وكان من المفترض أن يتم فى مصر( لولا عناية الله، ثم ثورة 30 يونيو وقوة وتماسك الجيش المصرى) الأمر الذى أدى إلى توقف المرحلة الأولى من سيناريو يوم القيامة رغم تحقيقه لنجاحات جزئية، فهذا السيناريو المشئوم يتضمن ثلاث مراحل رئيسية؛ تستهدف المرحلة الأولى منه تمكين تنظيمات الإخوان من حكم الهلال السنى بالمنطقة الذى يضم دول (تونس – ليبيا– السودان – الصومال – أجزاء من اليمن – أجزاء من دول الخليج العربى– أجزاء من سوريا "السنية"، وهى الأجزاء التى تحررت من قبضة بشار طبقا للمفهوم الإخوانى – العراق السنى..)، ومن خلفهم مصر، ليصبح هذا الهلال السنى فى مواجهة الهلال الشيعى الموجود فعلا فى البحرين وأجزاء من دول شبه الجزيرة العربية وسوريا (بشار الأسد) والعراق الشيعى وجنوب لبنان!! ، ومن ثم عقب استكمال مرحلة تكوين الهلالين المتناحرين على أسس عقائدية (سنى وشيعى) وهما اللذان تحكمهما قيادات اختيرت بعناية ذات أيديولوجيات دينية متشددة يناصرها عشرات الملايين من الأتباع فى كلا الجانبين، تكفر كل منهما الآخر وتستبيح دمه!! فسرعان ما ستبدأ المرحلة الثانية من سيناريو يوم القيامة وهى إشعال نيران الفتنة العقائدية بين السنة والشيعة، وإشعال حرب دينية تلتهم الأخضر واليابس فى المنطقة لتدمر وتستنفد ما بقى من الجيوش العربية والإسلامية تستمر لسنوات (تم إجراء تجربة ناجحة فى حرب الخليج الأولى - استمرت ثمانى سنوات بلا مهزوم أو منتصر!!) يتمكن خلالها تحالف الدول الأوروأمريكى فى إمداد كلا الجانبين بالسلاح والذخائر والسلع الاستراتيجية، فتنعش اقتصادات الغرب المتهاوية، وتتمكن من فرض سيطرتها على الممرات البحرية المهمة بحجة حماية التجارة الدولية، ومصادر الطاقة فى الخليج والبحر المتوسط، وإحداث أكبر قدر من الفوضى الشاملة فى المنطقة تسمح معها بتمديد إسرائيل إلى حدودها المأمولة شرقا وغربا، مع تنفيذها لمخططاتها فى الإبادة والتهجير القسرى للفلسطينيين! وعقب تحقيق تلك الحرب لأهدافها من تدمير للبنية التحتية والقوة العسكرية ومصادر الثروة لكلا الجانبين على حد سواء، تبدأ المرحلة الثالثة من السيناريو الأسود وهو التوسط بين الجانبين لإنهاء النزاع المسلح بينهما والتفاوض مع جميع الأطراف لإيقاف إطلاق النار الدائم، تبدأ معها مرحلة إعادة الإعمار برعاية أوروأمريكية أيضا للجانين المتناحرين ليستمر مخطط إنعاش الاقتصاد الغربى لسنوات طويلة أخرى قادمة!
هذا السيناريو أطلقنا عليه سيناريو يوم القيامة؛ لأنه يعنى دمار المنطقة ومن فيها، فهو يهدف ليس إلى تدمير وإضعاف الدول العربية والإسلامية بل إلى تدمير الحضارة الإسلامية بالكامل بتفجيرها من الداخل، هذا السيناريو الأسود كان قد توقف مؤقتا بفعل ثورة 30 يونيو فى مصر؛ حيث ذكرها الرئيس السيسى للمصريين دون تفسير: (إنتوا غيرتم الدنيا كلها)؟؟ وهو قول لم يستوعبه الكثيرون فى حينه، لكن على ما يبدو أنه قد عاد هذا السيناريو للظهور من جديد الآن بهدف تحقيق نفس النتائج لكن باختلاف الوسائل، من خلال محاولات توسيع الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية الحالية إقليميا عن طريق استفزاز أذرع فى المنطقة (جماعات الحوثيين - حزب الله - حماس - ..) بهدف إحياء سيناريو يوم القيامة وتحقيق أكبر قدر من الفوضى فى المنطقة عن طريق إشعال حرب إقليمية ضخمة يتحقق من خلالها الهدف الرئيسى من عملية غزة وهو تصفية القضية الفلسطينية على حساب كل من مصر والأردن كما أسلفنا حيث يجب إشغالهما بصراع وجود من العيار الثقيل مع إحدى القوى الإقليمية؛ حيث فشلت حتى الآن كل المحاولات لتوريط مصر والسودان فى حرب مع إثيوبيا بسبب سد النهضة، فبدأ تفعيل السيناريو البديل من خلال الدفع للدخول فى مواجهة مباشرة مع عرب الخليج؛ فطائرات الحوثيين شبه الموجهة على جنوب إسرائيل، وصواريخ حزب الله الجوفاء من الجنوب اللبنانى على شمال إسرائيل، وأخيرا اغتيال عبد الله موساوى أحد قادة الحرث الثورى داخل الأراضى السورية بالإضافة إلى التفجيرات التى تمت فى أثناء الاحتفال بالذكرى الرابعة لمقتل قاسم سليمان التى راح ضحيتها العشرات ، ثم اغتيال أحد أبرز قادة حماس (صالح العارورى) داخل الأراضى اللبنانية، كلها ما هى إلا خطوات مرتبة للتصعيد العسكرى الممنهج فى المنطقة بغرض استفزاز حزب الله وإجباره على توجيه ضربة صاروخية لأهداف إسرائيلية تنتفض على إثرها الولايات المتحدة فى دعم حليفتها؛ فتنطلق الطائرات الأمريكية من قواعدها الآمنة ، (حيث تم إخراج حاملة الطائرات الأمريكية جيرالدفورد من مسرح العمليات بشكل مفاجئ دون مبرر واضح) ليتم توجيه ضربات عقابية لكل من جماعات الحوثيين جنوب البحر الأحمر، وحزب الله جنوب لبنان، وربما لبعض الأهداف الأخرى عقابا؛ ليكون رد الفعل المتوقع منهم جميعا توجيه ضربات صاروخية على الأهداف الأمريكية فى الخليج (القواعد العسكرية الأمريكية فى الخليج –المقرات والمنصات البحرية للشركات الدولية الكبرى العاملة فى الخليج - ..) فى إطار دفاعهما الطبيعى عن النفس وعن الإسلام كما سيتم الترويج إعلاميا، فتصاب مصافى البترول وحقول الغاز وعدد من القواعد الأمريكية فى دول الخليج، وبعض السفن التجارية والحربية فتشتعل المنطقة بحرب إقليمية تتوقف معها إمدادات الطاقة من منطقة الشرق الأوسط ( 40% من حجم الإنتاج للبترول العالمى – أكثر من 80% من الاحتياطى العالمى) تتدخل على إثره الأساطيل الحربية المحتشدة جنوب البحر الأحمر فى التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة تحت مسمى (حارس الازدهار) للسيطرة على الممرات الملاحية وتأمين مصادر الطاقة، ويضغط اليهود أكثر على فلسطينى غزة؛ لتنفيذ التهجير القسرى (هذا الملف الذى لم يغلق بعد).
وقد يتم تنفيذ عملية شاملة خاطفة بتعاون أمريكى إسرائيلى ضد حزب الله لإزاحته إلى شمال نهر الليطانى فى الجنوب اللبنانى، ليس بغرض تأمين مستعمرات شمال إسرائيل من الأعمال العدائية لحزب الله فقط كما هو معلن بل للاستيلاء على الضفة الجنوبية لنهر الليطانى، والدخول فى مفاوضات يدعمها فرض أمر واقع جديد على الجانب اللبنانى (المتخم بالجراح وفى أضعف حالاته حاليا) من أجل مشاركته مياه نهر الليطانى، باستغلال حالة الفوضى وعدم الاستقرار التى ستحل بالمنطقة؛ حيث بدأت إرهاصاتها الأولى بتوقيع إثيوبيا اتفاقا مع حكومة أرض الصومال الانفصالية (غير المعترف بها دوليا حتى الآن!!) للحصول على منفذ بحرى إثيوبى على البحر الأحمر لأول مرة فى تاريخها لتدخل إثيوبيا بصفتها فاعلا جديدا على خط الأزمة الحالية جنوب البحر الأحمر، لتزيد من احتقان المنطقة الملتهبة أصلا، ولتسهم فى هذا السيناريو الأسوأ فى تاريخ المنطقة عوضا عن إخفاقها حتى الآن فى إشغال مصر بأزمة سد النهضة كما كان مخططا لها.
إن حجم التحديات والتهديدات التى تواجه المنطقة العربية وفى القلب منها مصر غير مسبوق بكل ما تحمله الكلمة من معنى بعد أن اتخذ التحالف الأوروأمريكى من سياسة الإدارة بالأزمات منهاجا ثابتا له فى سبيل تحقيق جميع أهدافه وتطلعاته سواء عند مواجهته للدب الروسى الذى يعمل بقوة على استعادة مكانته الدولية كقوى عظمى، الأمر الذى يستلزم عرقلته، فكانت (الأزمة الأوكرانية) وكذلك هو الحال عند مجابهته للتطور السريع للجانب المصرى فى إعادة بناء جميع قدراته الذاتية فى سياق حرصه على بناء الجمهورية الجديدة، واستعادة دوره كقوة إقليمية رئيسية ذات مكانة دولية فاعلة خاصة بعد ما حققته مصر من تطور ملموس فى المجالين الاقتصادى والعسكرى اللذين يعدان ركيزتى عناصر القوة الشاملة للدولة، الأمر الذى سينعكس سلبا بالتبعية على الحليف الاستراتيجى الدائم (إسرائيل) وعلى خططها التوسعية فى المنطقة ويخل بميزان القوى الإقليمية لمصلحة مصر، فكان لا بد من عرقلة هذه القفزة التنموية غير المسبوقة فى تاريخ مصر المعاصر بافتعال مجموعة من الأزمات المتتالية بدءا من زرع الإرهاب خاصة فى شمال سيناء خلال العقد الماضى مرورا بأزمة سد النهضة الإثيوبى وتأثيراتها السلبية المحتملة فى حصة مصر المائية التاريخية، وانتهاء بأزمة غزة ومحاولات تهجير الفلسطينيين إلى شمال سيناء وعرقلة الملاحة فى قناة السويس، ثم المحاولات الخسيسة الحالية لإشعال حرب إقليمية فى المنطقة، تعود بها مصر ومعها معظم الدول العربية عشرات السنوات للخلف لتظل إسرائيل هى القوة الإقليمية الوحيدة الكبرى فى المنطقة وواحة الديمقراطية والعلم والأكثر امتلاكا للتكنولوجيا، فتتمكن من فرض إرادتها على الجميع وإخضاع المنطقة بالكامل لسيطرتها.