الثلاثاء: 31 - 1 - 2012
عرض: أحمد محمود مصطفى - باحث فى العلوم السياسية
في ظل ما شهدته المنطقة العربية من صعود للتيار الإسلامي بعد ربيع الثورات العربية، حصد حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين بمصر، غالبية المقاعد في انتخابات برلمان الثورة، واحتل صدارة المشهد السياسي لخبرته العميقة، وحضوره على الصعيد الوطني. إلا أن انتصار حزب جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهى أكبر الدول العربية وأكثرها نفوذا ومحور الاستقرار الإقليمي، أثار تساؤل الأوساط السياسية والأكاديمية الغربية والعربية حول أسباب هذا الفوز وما الذي يمكن أن يفعله الإخوان؟ .
هذا التساؤل كان محور دراسة جوناثان براون - المتخصص في الحركات الإسلامية في العالم العربي - عن مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي في يناير الحالي تحت عنوان "عندما يصبح النصر خياراً: جماعة الإخوان المسلمين في مصر تُواجه النجاح". وتحاول الدراسة استشراف التحديات التي تواجهه الحركة بعد نجاحها، والعلاقة بين الحزب والجماعة، والتحولات التي طرأت على العمل السياسي للجماعة، ورؤيتها للتحديات التي تواجهه المجتمع المصري.
رؤى انتخابية جديدة
عرض براون للتحول في رؤية الإخوان المسلمين، حيث كان شعارهم منذ البداية "مشاركة لا مغالبة"، ووضعوا نصب أعينهم هدفاً يتمثل في الحصول على ثلث مقاعد البرلمان، حيث كان يترجم السقف الذي وضعته الحركة في ظل النظام السابق، بما يتيح لها حق الاعتراض (الفيتو) على التعديلات الدستورية، وكذلك يرقى للحصول على مقعد على طاولة السلطة السياسية. وقد تنصلوا أيضاً من الرئاسة (على الرغم من أنهم احتفظوا بحقهم في دعم مرشح من خارج الحركة)، وتم فصل العضو البارز عبد المنعم أبو الفتوح، عندما أعلن ترشحه للرئاسة.
وبحلول أواخر فصل الربيع، بدا أن طموحات الحركة تتجه صعوداً، عندما أشار قادة الحركة إلى أنهم سوف ينافسون على نصف السباقات الانتخابية لتأمين العدد المستهدف من المقاعد. وعندما بدأت الحملة، دخل حزب الحرية والعدالة معظم السباقات الانتخابية، وبالفعل تمكن من الحصول على الأكثرية.
وفي السياق ذاته، يدعي قادة الحزب أنهم ظلوا أوفياء لتعهدهم الأصلي، حيث إن حزب الحرية والعدالة لن يكون له وضع الأغلبية المحصنة، ولكنها ستكون من نصيب مجموعة من الأحزاب، معظمها غير إسلامية (التحالف من أجل الديمقراطية). إلا أن التحالف يتكون من مجموعة صغيرة من الشركاء، مما يجعل من السهل على الإسلاميين تقزيمهم. ومن المرجح أن يكون هناك ما يكفي من الحلفاء الأيديولوجيين في البرلمان، بحيث يتمكن حزب الحرية والعدالة من جمع أغلبية في مجال التصويت، متى رغب في ذلك.
ويقدم الكاتب مقاربة بين موقف كل من حركة حماس وحزب الحرية والعدالة، كلاهما يخطو الخطوات نفسها، حيث اتجهت حركة حماس للمشاركة في الانتخابات، إلا أنها لم تدرك متى كان الفوز في متناول اليد؟ ومتى اتُخذ قرار السعي للحصول على الأغلبية؟ وهو ما يحدث الآن مع الإخوان المسلمين في اتخاذ قرارات مصيرية في تاريخها من خلال سلسلة من الخطوات المتتابعة، كل واحد منها يتيح فرصا غير متوقعة.
واتجهت جماعة الإخوان المسلمين دائماً نحو المشاركة الاجتماعية في أي مجال يكون مفتوحاً لهم، ويرون أن جذورها راسخة في مجتمعاتهم المحلية، وأنهم يقدمون بديلاً فاضلاً للنظام الفاسد الذي حكم المصريين لفترة طويلة، وسمح باستخدام القوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من أجل المنفعة الخاصة.
الإخوان بين السلطة الكاملة والمسئولية المشتركة:
أوضحت الدراسة أن خيار حزب الحرية والعدالة في قضايا المديين القصير والمتوسط كان الاستمرار في موقف المسئولية المشتركة، نظراً لصعوبة إقامة ائتلاف شامل، لأن أداء الحزب أخاف خصومه، وقادهم لاعتبار قوة الإخوان المسلمين أكبر هواجسهم، هذا بالإضافة إلى أنها لا ترغب في إنفاق رأسمالها السياسي على قضايا قصيرة الأجل أو هامشية.
إلا أنها سجلت موقفا قويا بشأن القضايا طويلة الأجل مثل كتابة الدستور، وظهر ذلك جلياً عندما دعت جماعة الإخوان المسلمون مؤيديها للتظاهر ضد وثيقة السلمي (المبادئ الدستورية) في نوفمبر الماضي. إلا أن رؤية الحزب عن الدستور تتمثل في كونه دستورا ديمقراطيا يسمح بممارسة السيادة الشعبية من خلال المؤسسات القائمة في مصر، ووجود أحكام أكثر فاعلية، في ضوء الفصل بين السلطات وحماية حقوق الإنسان.
ويرى الكاتب أن حزب الحرية والعدالة يستعد للفوز بعدد من خصائص العملية الانتقالية في مصر، تشير إلى أنه مهما يكن عدد الأصوات التي تجذبها جماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية، فسوف يكون لها رأي قوي، ولكن ربما لا يكون مهيمنا في الوقت الراهن، بسبب القواعد الضبابية وغير المستقرة التي تحكم بلداً يمر بمرحلة انتقالية.
فلم يعد دور المجلس المنتخب واضحاً، فقد تم تجريد البرلمان من دوره الرقابي، وأهمها تلك التي تتطلب أن يحصل الوزراء على ثقة الأغلبية في البرلمان، فضلاً عن دور تشريعي يتقاسم سلطة إصدار القوانين مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة (بموجب الإعلان الدستوري الذي صدر بأمر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مارس 2011).
لذا، يمثل البرلمان الجديد منبراً مهماً لجماعة الإخوان المسلمين لطرح رؤيتها، وربما السعي إلى مباشرة العمل في مشاريع تشريعية محددة، لكنه لن يكون بالمكان الذي ستكون قادرة من خلاله على أن تحكم أو تقيم تحالفات واضحة. فمع احتمال أن يكون البرلمان هدفاً لسيل من المطالب والمظالم، فإن القدرة على توسيع المسئولية ستكون مفيدة سياسياً.
الانتقال من المعارضة إلى الحكومة
يرى الكاتب أن جماعة الإخوان المسلمين أصدرت الكثير من المقترحات المتعلقة بالسياسات والبرامج التي تكاد تكون مفصلة لتغطية جوانب هائلة من الشئون العامة، إلا أن هناك بالتأكيد مناطق رمادية، وهي واسعة وأيديولوجية بطبيعتها.
ويشير الكاتب إلى السياسة الخارجية، وهي أعظم حالات الإخوان غموضاً، فمن المحتمل أن تؤجل التحرك نحو السلك الدبلوماسي. ولا يتعلق الأمر بأن الجماعة تفتقر إلى الاهتمام بقضايا السياسة الخارجية، فهي تعبر عن نفسها بشكل شعبوي وقومي، فهي تشكك في النوايا الأمريكية في المنطقة، وتنظر إلى غزة باعتبارها قضية إنسانية، وتعارض السياسة الإسرائيلية، والتزامها تجاه القضية الفلسطينية، واعتبارها قضية إسلامية.
وفي هذا السياق، يقدم الإخوان موقفا واضحا من المعاهدات، يتمثل في احترام الاتفاقيات الدولية، ولكن يجب احترامها من قبل الطرفين، ويمكن التفاوض بشأنها من جديد، إذا كان أحد الطرفين يشعر بأن شروطها لم تعد تخدم مصالحه. وبالمثل هناك إصرار تجاه المواثيق العالمية لحقوق الإنسان، إلا أنه لابد من مراجعتها، وأن تكون ذات مرجعية إسلامية.
وفي سياق متصل، كانت جماعة الإخوان أكثر وضوحا بشأن القضايا الاقتصادية، سواء فيما يتعلق بتوجهها العام، أوبمقترحاتها المحددة بشأن السياسات. فلديها دافعان قويان، أولاً: هي تسعى لحماية حقوق الملكية الفكرية واقتصاد السوق، ثانياً: هي تشعر بأن الدولة لديها التزام قوى بحماية المواطنين الأضعف. أما موقفها تجاه الاقتصاد الإسلامي، أي محاولة بناء المؤسسات المالية والاقتصادية المتوافقة تماماً مع القواعد القانونية المستندة إلى الشريعة الإسلامية، فيبدو أقل وضوحا بعض الشيء.
وخلص الكاتب إلى أن جاذبية الإخوان المسلمين كانت دائما ثقافية وأخلاقية ودينية، وأدركت الجماعة أن هناك مناطق قليلة أثارت المخاوف المحلية والدولية أكبر مما هو الحال في المجال الثقافي. وأدى تسييس الجماعة - العالقة بين الرغبة في أن تثبت لقواعدها أنها ملتزمة بالدين، وبين طمأنة منتقديها بأنها تعمل فقط من خلال الإقناع السلمي والتدريجي بدلاً من الفرض والقوة- إلى صدور قرار بتأجيل أي أجندة ثقافية، وأن المشاكل الأكثر إلحاحاً تتعلق بالاقتصاد والأمن العام، لكن وجود السلفيين قد يُعقد محاولة الإخوان تأجيل الجهود المبذولة لأسلمة الحياة العامة المصرية.
إشكالية الجماعة والحزب
طرح الكاتب إشكالية العلاقة بين التنظيم العريض (الذي يركز على الدين والمجتمع والأعمال الخيرية وتعليم أعضائه) والحزب السياسي، الذي يسعى إلى المشاركة في الحكم. فحركة الإخوان تصر تماماً على أنها لا تعني بالسلطة السياسية، بل بأجندة إصلاحية واسعة ترغب في السعي لإنجاز جزء منها من خلال العملية السياسية، وهي تخشى من إجبارها على تقديم تنازلات.
فقد كانت خيارات الجماعة، في ظل نظام مبارك، مناسبة تماماً، حيث إن تأسيس الحزب أمر غير وارد، وكان شعار "مشاركة لا مغالبة"، بوصفه طموحاً لأن يُسمح لها بلعب دور بقدر ما كان وعداً لا لزوم له بأنها لن تفوز في الانتخابات.
ويخلص الكاتب إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تفاعلت مع الفرص المتاحة بطريقتين متناقضتين، أولاً: أقحمت نفسها في السياسة بطريقة غير مسبوقة، حيث ركزت كل طاقاتها وثقلها التنظيمي على الانتخابات البرلمانية، ثانياً: أنشأت حزباً سياسياً سيطرت على أنشطته بشكل وثيق جداً في الواقع، حيث عينت قادة الحزب ضماناً لئلا يفقد الحزب روحه. إلا أنه على المدى الطويل، ستثير الفرص الجديدة التحديات التي واجهت حركات أخرى (الحركات الاشتراكية أو المسيحية الديمقراطية) تعمل في البلدان الديمقراطية.