الخميس 19 -1- 2012
أثارت المطالبات بإلغاء انتخابات مجلس الشورى في مصر جدلا حول جدوى وصلاحيات هذه المؤسسة التي يفترض أنها تمثل "غرفة تشريعية ثانية"، بيد أنها تحولت إلى "عبء سياسي" – كما يراها البعض - في ظل بيئة سياسية ودستورية تقلص دورها، مما يطرح تساؤلات حول شروط الفاعلية السياسية والتشريعية لهذا المجلس في المرحلة القادمة.
فبعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، تولى مقاليد الحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومن خلاله تم صدور إعلاني الدستور في مارس، سبتمبر 2011 لتسيير أمور القانون والتشريع في المرحلة الانتقالية، وفي إطارهما تم إرساء نظام الغرفتين التشريعيتين متمثلة في مجلس الشعب "الغرفة الأولى" المكون من 498 عضوا بدلا من 504، ويختص بإقرار السياسات العامة للدولة، وإصدار التشريعات والقوانين، والغرفة الأخرى خاصة بمجلس الشورى المكون من 270 عضوا بدلا من 390 عضوا، ويختص بالإفادة بالرأي نحو الموضوعات المحالة إليه من قبل رئيس الجمهورية من مشروعات القوانين وما يتعلق بالسياسة العامة.
انقسام حول دور مجلس الشورى
وثمة فريقان في مصر يختلفان حول دور مجلس الشورى في الفترة القادمة ، وهما:
أولا: المطالبون بإلغاء مجلس الشورى من الحياة السياسية، وذلك لاعتقادهم بعدم جدواه، وتوفيرا لميزانية الدولة؛ مبررين وجهة نظرهم هذه بأن مجلس الشورى هو مجلس استشاري، محض مهمته الدراسة والاقتراح وإبداء الرأى في الموضوعات الداخلة في نطاق اختصاصاته، ولا يملك سلطة التقرير في الشئون التشريعية، وأن الدافع لإنشاء مجلس الشورى إيجاد هيئة تكون مالكة للصحافة القومية، وهو بناء على ذلك ليس مجلسا تشريعيا ثانيا، إضافة إلى عدم امتلاكه أدوات رقابية مماثلة لما يمتلكه مجلس الشعب، فهو لديه أداتان رقابيتان: الاقتراح برغبة، وطلبات المناقشة.
في هذا السياق ، ظهرت حاليا العديد من الحملات التي تدعو إلى إلغاء مجلس الشورى من الساحة البرلمانية، وتطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالاستجابة لمطالب بعض القوى السياسية بضرورة إلغاء انتخابات مجلس الشورى القادمة، مبررين مواقفهم بأن استئناف وجوده بعد الثورة وإجراء انتخابات ما هو إلا إهدار للوقت والمال والجهد.
فالبعض يشبه مجلس الشورى بالمجالس القومية المتخصصة أو مجلس علمي خاص بإعداد التقارير والأبحاث، وليس كمجلس نيابي، عكس مجلس الشعب الذي نشأ كمجلس تشريعي ورقابي على أعمال الحكومة. وباسترجاع الخلفية التاريخية له نجده نشأ لاسترضاء بعض الشخصيات التي لم تجد لنفسها مكانا في مجلس الشعب.
ويرى أنصار هذا الفريق أن مجلس الشورى لا يختلف عن المجالس القومية المتخصصة، واختصاصاته عبارة عن مجرد آراء ودراسات لا يؤخذ بها في الأغلب الأعم من قبل مجلس الشعب، وبالتالي يجب إلغاؤه، وإعطاء الدستور الجديد حق التغيير من البنية التشريعية الحالية.
ثانيا: المؤيدون لبقاء مجلس الشورى، وهم يرون أن وجود مجلس الشورى أمر ضروري باعتباره مجلسا ثانيا للسلطة التشريعية، وينبغي تطوير أدائه مع المتغيرات السياسية والاقتصادية التي باتت تملي ضمانات معينة للعملية التشريعية لتؤدي دورها في المجتمع على أكمل وجه، وذلك استنادا لأمرين أولهما هناك العديد من القوانين التي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها مثل قانون الجمعيات الأهلية نظرا لعدم عرضها على مجلس الشورى، والأمر الثاني خاص بالصلاحيات الجديدة التي أضفتها عليه التعديلات الدستورية مارس 2007؛ حيث أظهرت الممارسة الفعلية مدى استفادة واهتمام مجلس الشعب بتقارير لجنته الخاصة بالشئون الدستورية والتشريعية.
وذهب أنصار هذا الفريق إلى أنه بدلا من المطالبة بإلغاء المجلس، فالأفضل هو العمل على إعطائه صلاحيات تشريعية واسعة؛ لأن وجود رأي بجانب رأي مجلس الشعب سيؤدي إلى توازن بين الأطراف والقوى السياسية، فضلا عن أن تركيبة العضوية لمجلس الشورى تختلف عن مجلس الشعب من خلال الجانب الأكاديمي والتخصصات المختلفة التي لا تأتي بها الانتخابات.
ولذك يرى ذلك الفريق بأن الاستمرار في دعم مجلس الشورى واتساع صلاحياته سيكون دعما لمسيرة الحياة التشريعية، كما أن مرشح الرئاسة سيكون عليه الحصول على موافقة عدد من أعضاء المجلس، إضافة إلى لجنة وضع الدستور.
صلاحيات مجلس الشورى
في إطار الإعلانين الدستوريين المشار إليهما، والقانون رقم 12خ لسنة 1980 بشأن مجلس الشورى والقوانين المعدلة له، تم تعديل صلاحيات ومهام مجلس الشورى عما كانت عليه في التعديل الدستوري مارس 2007؛ حيث أصبح المجلس خلال إعلان 2011 يؤخذ رأيه فقط في مشروعات خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومشروعات القوانين المحالة إليه من رئيس الجمهورية.
ومقارنة بوضعه عما كان عليه في الأعوام الثلاث الأخيرة نجد أنه كانت هناك وجوبية موافقة مجلس الشورى على مشروعات القوانين المكملة للدستور، وتم حصرها طبقا للدستور، وثمة شواهد على أهمية مجلس الشورى بعد تعديلات الدستور في مارس 2007، إذ ظهر ذلك عند عرض مشروع القانون الخاص بمباشرة الحقوق السياسية عند أول تطبيق فعلي للتعديلات في دور الانعقاد السابع والعشرين، وأيضا عند عرض مشروع قانوني إنشاء المحاكم الاقتصادية ونظام الأحزاب السياسية في دور الانعقاد الثامن والعشرين.
كما حرص مجلس الشعب على ضرورة التوصل لاتفاق مع مجلس الشورى حتى لا يحدث صدام سياسي تشريعي يؤدي إلى وجود شبهة عدم الدستورية في صدور مشروع قانون ما، وذلك مثلما حدث في دور الانعقاد الثلاثين 2009/2010؛ حيث تم عرض مشروع قانون مكمل للدستور خاص بالقضاء العسكري على مجلس الشعب أثناء فترة انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، ورغم موافقة مجلس الشعب على مشروع القانون إلا أنه لم يصدره في الجريدة الرسمية انتظارا لاستئناف مجلس الشورى جلساته بعد الانتخابات، وبالفعل تم عرض مشروع القانون المكمل للدستور في أول جلسة بادئة له، وتمت الموافقة عليه، وصدر في اليوم التالي في الجريدة الرسمية، وهذا يوضح لنا مدى أهمية وحرص مجلس الشعب عليه، وهذا الأمر لم يكن قائما من قبل، فضلا عن أن التعديل وضع آلية لحل الخلاف الذي قد ينشب بين كل من مجلس الشعب ومجلس الشورى بشأن الموافقة على تلك الأمور.
ومن ثم جاء الإعلان الدستوري مارس 2011 ليقلص من صلاحيات مجلس الشورى، ويجعله مثلما كان قائما من قبل منذ نشأته 1981-2007، وأصبحت سلطته محدودة تقتصر فقط على إبداء الرأي في الأمور المشار إليها. وبالتالي فمجلس الشورى بعد ثورة 25 يناير أصبح " منزوع الصلاحيات" ، ومن ثم سيكون الدور المنوط به في هذه المرحلة الانتقالية ليس على أكمل وجه، مقارنة بدور مجلس الشعب ما لم يتم توسيع صلاحياته.
نحو دور رقابي لــ"الشورى"
وإذا كانت انتخابات مجلس الشعب في مصر شهدت سيطرة للتيار الإسلامي ( الحرية والعدالة، والنور) على غالبية المقاعد ،فإن السيناريو ذاته يلوح في انتخابات مجلس الشورى، وبالتالي فلن يختلف المجلسان في تركيبة العضوية، إضافة إلى أن عدم وجود دور حقيقي لمجلس الشورى حاليا سيعطي الفرصة لغالبية أعضاء مجلس الشعب على استحواذ كافة القرارات بدون الاستناد لرأي مجلس الشورى "غير الملزم".
وبالتالي، فإذا كانت هناك نية لتواجد غرفتين تشريعيتين ذات اختصاصات مكمله لبعضها البعض، فهذا يتطلب ضرورة إعادة النظر في تلك الاختصاصات المذكورة في إعلان مارس 2011 مرة أخرى، والعودة إلى تعديلات مارس 2007، وإعادة النظر أيضا في تشكيل المجلس، وأعداد أعضاء مجلس الشورى بعد التشاور، وأخذ رأي الخبراء البرلمانيين والفقهاء الدستوريين، والنظر في تخفيض أعداد المعينين من قبل رئيس الجمهورية، وإعطاء مزيد من الأدوات الرقابية لمجلس الشورى ليزيد من فاعليته الرقابية جنبا إلى جنب مع مجلس الشعب.
فمن خلال النظر في دستور 1923 نجد إقرار الدستور مبدأ التساوي بين المجلسين (مجلس الشيوخ والنواب) في الاختصاص، وإن كان نسبيا، فقد كان للمجلسين حق اقتراح القوانين، ولكن في ظل دستور 1971 أصبح هذا الأمر يقتصر فقط على مجلس الشعب، وبالتالي يجب الاستفادة من الخبرة التاريخية المصرية لنظام المجلسين من خلال إجراء مقارنة بين دساتير 1923، 1958، 1971 للخروج منها باقتراحات بناءة من أجل إنشاء مجلس شورى جديد ذي اختصاصات متوازنة مع مجلس الشعب، ويكون بالفعل غرفة ثانية فاعلة للسلطة التشريعية في الفترة المقبلة.
أما إذا كانت هناك نية لتواجد غرفتين تشريعيتين تحتل فيه غرفة واحدة صدارة إقرار التشريعات ومناقشة القوانين ومشروعات القوانين، فقد يطرح ذلك علامات استفهام على وجود الغرفة الأخرى "مجلس الشورى" ، لاسيما في ظل غياب لصلاحياته الرقابية وعدم وجود دستور يوضح حدود العلاقة التي ستكون بين مجلس الشعب والشورى بعد الانتخابات.