السبت 14- 1-2012
تؤشر جولة وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو في دول حوض النيل على استشعار مصر لأهمية " العودة الفعالة" إلى هذه المنطقة التي تمثل بعدا استراتيجيا ، لاسيما فيما يتعلق بالأمن المائي المصري الذي عانى من إشكالات عديدة طوال العقود المنصرمة.وفى هذا السياق ، تبدو أهمية الندوة التي عقدت في مكتبة الاسكندرية مؤخرا حول الدور المصري في حوض النيل ، والتي نظمها مركز الدراسات والبرامج الخاصة، بالتعاون مع أكاديمية العلوم للعالم النامى.
الندوة تحدث فيها د. محمود أبو زيد، وزير الموارد المائية الأسبق ، رئيس المجلس العربى للمياه، عن موقف المياه العالمى والإفريقى ، ومبادرة حوض النيل وتطوراتها وانعكاستها السلبية والتحركات المصرية فى هذا الشأن، فضلاً عن الموقف المائى المصرى والمتطلبات المستقبلية.
الوضع المائى والتحديات العالمية
ناقشت الندوة التحديات التى تواجه المياه والموقف العالمى، خاصة في ظل ندرة المياه وازدياد عدد السكان ، وتعذر الحصول على المياه فى كثير من المناطق، بالإضافة الى تدهور نوعية المياه، خاصة فى المناطق النامية ، وعدم القدرة على إدارتها بصورة متكاملة ، فضلاً عن نقص التمويل فى مجال تنمية الموارد المائية، والذي يمثل العامل الأهم فى توقف الكثير من المشروعات المائية ، مما له بالغ الأثر على الإهمال الكبير، خاصة فى مصر.
وتناولت المناقشات الموقف العالمي من المياه خلال 100 سنة، ونصيب الفرد منه، فى ظل تزايد أعداد السكان. ومن الوضع العالمى إلى الإفريقى، تطرقت الندوة إلى التحديات فى حوض النيل فى ظل تعداد سكانى وصل إلى 300 مليون نسمة. وطرحت الندوة العديد من المؤشرات السلبية فى دول حوض النيل التى تضم 4 دول من أفقر 10 دول فى العالم، بالإضافة إلى التغيرات المناخية الشديدة ، والتدهور التى تشهده المساحات الخضراء من مشكلات التصحر، وقطع الغابات، ومشكلات البنية الأساسية المحدودة.
آليات التعاون بين دول الحوض
عرض د. أبو زيد موقف المياه فى حوض النيل ومصادره من الهضبة الاستوائية وبحر الغزال والهضبة الإثيوبية ، معتبرا أن المشكلة ليست ندرة ونقص المياه، وإنما سوء إدارة وعدم استثمار بالشكل الأمثل، مؤكدا أن نسبة الأمطار التي يتم إهدارها تبلغ 95 في المائة من مياه الأمطار الكلية من الهضبة الاستوائية وبحر الغزال والهضبة الاستوائية.
وتطرقت الندوة إلى الاتفاقيات الدولية المتتالية لحوض النيل التى بدأت ببروتوكول بريطانيا العظمى وإيطاليا عام 1891، وتتابعت الاتفاقيات والمعاهدات الدولية فى الفترة الاستعمارية، وبعد حصول دول الحوض على استقلالها، وكان أهمها الاتفاق بين مصر والسودان عام 1959، حيث إنها الوحيدة التى توضح توزيع المياه.
وطرح د. أبو زيد كيفية اعتماد مصر على مياه نهر النيل بخلاف باقى دول الحوض، وأن الهضبة الإثيوبية هى المصدر الرئيسى لها.
وناقش تطور العلاقة بين دول حوض النيل ومصر بشكل إيجابى منذ الستينيات، حيث بدأت بمشروع "الهيدروميت" بين دول الهضبة الاستوائية ( مصر – السودان – إثيوبيا ) فى مايو 1967 حتى عام 1992 ، ثم تطور هذا التعاون بين معظم دول الحوض منذ ديسمبر 1992 بمشروع التعاون الفنى وتطوير وتنمية حماية البيئة بحوض النيل " التيكونيل " حتى عام 1997.
وفى فبرير 1999 ، وقعت دول الحوض مباردة حوض النيل والمستمرة حتى الآن، حيث تضمنت بمحورها الأول اقتراح مشروعات مشتركة على امتداد النهر ودراستها، وبيان تأثيرها فى الدول المشتركة ، فى حين جاء المحور الثانى من المبادرة بإعداد إطار قانونى ومؤسسى يحكم التعاون بين دول حوض النيل "اتفاقية عنتيبى". وكان التطور الذى عارضته كل من مصر والسودان هو توقيع 6 دول من دول الحوض هذه الاتفاقية، رغم الخلاف على بند الأمن المائى، فأضافت مصر بندى الإخطار المسبق والأمن المائى، ورحبت بقرار الدول المانحة بعدم التمويل إلا فى حالة الإجماع الكامل للأعضاء.
المبادرة بين الواقع والمأمول
أشادت الندوة بأهمية المبادرة وما حققته من إعادة بناء الثقة بين دول حوض النيل، وتقريب وجهات النظر، وإتاحة تبادل البيانات والمعلومات بعكس الفترات السابقة ،بالإضافة إلى الانتهاء من دراسة 22 مشروعا أصبحت جاهزة للتنفيذ.وطرحت نظرة مستقبلية للمبادرة ستفتح المجال لاستغلال الطاقة بشكل أوسع، حيث المستغل منها فقط 4% ، وتوافر كميات إضافية من المياه، والتوجه إلى تنمية وتطوير النقل النهرى بين دول الحوض بشكل فعال ، فضلاً عن الثروة السمكية الهائلة غير المستغلة.
وأثارت النقاشات بعض النتائج المتوقعة للمبادرة، حيث ستعُم الفائدة على الجميع (استراتيجية Win- Win)، وستكون هناك مشاركة فى الفوائد، بدلاً من المشاركة فى الموارد، بالإضافة إلى إنشاء مفوضية حوض النيل، والتوصل لاتفاق حول إطار العمل القانونى والمؤسسى.
وتطرقت الندوة إلى سبل التعاون الثنائى بين دول حوض النيل، وفعالية الدور المصرى فى هذا الشأن، فكان التعاون مع السودان فى حفر الآبار وتطهير مياه المجارى وقناة جونجلى ، والتعاون مع كل من أوغندا فى حفر الآبار وكينيا "حفر 150 بئرا " وتنزانيا " حفر 30 بئرا"، ومع إثيوبيا ورواندا فى مجال التدريب والتعاون التقنى ، ومع بوروندى والكونغو الديمقراطية ، فضلاًعن تنظيم دبلوم الموارد المائية المشتركة.
تحديات مصرية ورؤية مستقبلية
وأشار د. أبو زيد إلى التحديات التى تواجه مصر بشكل خاص كمحدودية الموارد المائية واعتمادها بشكل رئيسى على مياه نهر النيل، وتضاؤل استخدام المصادر الأخرى من الأمطار والمياه الجوفيه ، وقصور الوعى ومشاكل التلوث، وتدنى كفاءة الاستخدامات المائية، بالإضافة إلى نقص الاعتمادات المالية، وعدم الالتزام باللوائح والقوانين.كما طرح بعض الحلول لتلك التحديات، ومنها ضرورة إعادة هيكلة الأجهزة المسئولة عن إدارة وتشغيل الموارد المائية، وبناء إدارات متكاملة للموارد المائية، وتعظيم الاستفادة من الخزانات الجوفية، وتفعيل إعادة استخدام المياه بمعالجة مياه الصرف الصحى والزراعة.
وانتقل د. أبو زيد إلى مناقشة الموارد المائية المتاحة، وأوضح النسب الحالية والنسب المستقبلية من المياه .ثم تطرق إلى الحديث عن وجوب تحديث وإعادة هيكلة الزراعة ، وتطوير نظم الرى الحقلى، وترشيد استخدام المياه ، والتوسع فى تحلية المياه عالية الملوحة. ودعا إلى الدورة الزراعية والتجميع الزراعى، لاسيما أن تفتيت الملكية الزراعية يعد أحد الأسباب التى تعطل تطوير أنظمة الرى.
وتناولت المناقشات مفهوم المياه الافتراضية " وراء كل قدح من القهوة يتناوله المرء في الصباح هناك 140 لتراً من المياه استهلكت في إنماء وإنتاج وتعبئة وشحن حبوب البن "، أى باستيراد مصر للقمح فهى تستورد مياها، لذلك، فلا يُنصح بتصدير الأرز الذى يعنى تصدير المياه – فى ظل الحاجة اليها.وفي هذا الإطار ، أوصى "أبو زيد " بالنظر إلى مفهوم المياه الافتراضية، فى ظل عدم وجود مياه زائدة حتى عام 2017 ، إلا إذا انتهت قناة جونجلى.
وانتهت الندوة إلى ضرورة الاهتمام بالعلوم والدراسات المستقبلية للمياه، والتى تركز على تحديث وإعادة هيكلة الزراعة، وإقامة مشروعات مشتركة مع دول الحوض ، وتعظيم الاستفادة من وحدة المياه ، وضغط الموارد المخصصة للزراعة، وطرح اقتصادات المياه فى المحاسبة الاقتصادية، بالإضافة إلى الاهتمام بالتغيرت المناخية وآثارها السلبية على الموارد المائية.