الجمعة 13 -1-2012
عرض : سمية متولي السيد، معيدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
Thomas L. Frieman and Michael Mandelblaum
That Used to Be Us :How America Fell Behind in a World it invented and How We Can Come Back (New York: Farrar، Straus and Giroux، 2011)
بني الكتاب على أساس لا يعرف أو يعترف بالثنائية الفاصلة بين ما هو داخلي وما هو خارجي، بل تخطاها لتكون نقطة الانطلاق الأساسية له، منطلقا من فرضية أساسية، مفادها "الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دورا محوريا في السياسة العالمية أكثر من أي وقت مضى، وأن هذا الدور يرتبط بعلاقة ارتباطية، إيجابا وسلبا، مع الحالة الصحية العامة للدولة الأمريكية (اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا، سياسيا...إلخ).
فقد اعتمد الكاتبان في جزء كبير من أسلوبهما على سرد ملاحظات من واقع المجتمع الأمريكي، وعلى الإشارة إلى محادثات أجراها الباحثان مع ذويهما وأقاربهما وطلبة الجامعات. أي أن هذا الكتاب يستمد حججه الأساسية من مواقف معيشية.
ويبدأ الكتاب بمقارنة بسيطة بين نظام النقل في الصين ونظيره في الولايات المتحدة الأمريكية، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن الصين اليوم تعيش أزهى أوقاتها، مثلما كانت الولايات المتحدة الأمريكية في بداية ولوجها إلى الساحة الدولية كقوة عظمي. أما اليوم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد كذلك.
تحديات تواجه الولايات المتحدة:
ووفقا لتحليل المؤلفين، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه أربعة تحديات كبرى، هي: العولمة، وثورة المعلومات، وعجز الموازنة، والطاقة، وتغير المناخ. تلك المشكلات التي سوف تحدد مسار ومستقبل الدولة الأمريكية.
وفي محاولة منهما لشرح توقيت طرح هذه القضايا، أشار الكاتبان إلى أربعة أسباب رئيسية متلازمة، هي:
1- إن المحللين توقفوا عن التطلع للغد ومحاولة رسم ملامحه منذ نهاية الحرب الباردة، وكأن العالم قد توقف.
2- إن ما يحدث هو ميراث من عجز الدولة عن مواجهة التحديات التي تؤثر في مستوي الجياة داخلها مثل: التعليم، وعجز الموازنة، والتغير المناخي.
3- إن الدولة لم تعد تستثمر فيما تملك من مقدرات عظمتها.
4- إن النظام السياسي والقيمي الأمريكي أصابه شلل عضال.
غير أن فرديمان وماندلبلوم يؤكدان الطبيعة التفاؤلية المتوجسة لمستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن التفاؤل بالنسبة لهما في حد ذاته استراتيجية فعالة لتخطي تلك العقبات.علاوة على ذلك، حظيت المنظومة القيمية باهتمام خاص في تحليل أسباب التراجع الأمريكي، حيث تكونت لدى الأمريكيين قناعة بالتراجع الأمريكي، حتي تكيفوا من تلك الحالة النفسية، وأصبحوا مستسلمين لها.
فمنذ نهاية الحرب الباردة - التي يمكن أن توصف بأنها أعلى نقاط الإنتاجية والكفاحية للمجتمع الأمريكي- استشعر الأمريكيون ثقة مفرطة في الذات، حتي أضحوا يعيشون على أنسام الماضي.وفي هذه الآونة، أصبح الأمريكيون أكثر رخاوة، حتي توارت قيم العمل والاجتهاد والمدنية والانتظام والإبداع.ويذكرنا هذا التحليل بدورة حياة الأمم والحضارات، كما وصفها ابن خلدون فهي ذات الطبيعة الدائرية التي تفسر صعود وهبوط الأمم في التاريخ.
التحولات الكبري في العالم:
ويمثل هذا الكتاب امتدادا لكتابات فريدمان وتأكيده المستمر أن التحولات الكبري في العالم تحتاج إلى اهتمام خاص، ولاسيما صعود الصين والهند من خلال تكنولوجيا الاتصالات والثورة المعلوماتية التي جعلت العالم ينتقل من
Flattened World 1.0 إلى Flattened World 2.0
وذلك وفقا لما ورد في الجزء الثاني من الكتاب. والفارق بين العالمين في درجة وسرعة التواصل التي أضحت تحدث في طرفة عين.لقد اتخذ المؤلفان من سرعة انتشار ثورات الربيع العربي ودور شبكات التواصل الاجتماعي فيها مثالا حيا على الانتقال ما بين العالمين. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن فريدمان كان له كتاب يحمل اسم "العالم مسطح" في عام 2005، تناول فيه المعضلة التقنية والمعلوماتية التي جعلت الفرصة سانحة أمام قوى لم تكن موجودة على الخريطة العالمية للظهور.
كما أنه امتداد لاهتمامات ماندلبلوم الأكاديمية، حيث كان آخر ما كتب في عام 2010 كتاب يتحدث فيه عن أثر الأزمات الاقتصادية على نمط القيادة الأمريكية التي رأي أنها سوف تتغير حتما، بما يمثل انقطاعا في السياسة الخارجية الأمريكية، ويهدد بتصاعد تهديدات بعض القوي (التي من بينها الصين وإيران).
كيف تتعافي الولايات المتحدة؟
وفي طرحهما للحلول، ركز المؤلفان على أولية الحلول الذاتية النابعة من الداخل الأمريكي، وعلى ضرورة الاستثمار في نقاط القوة، وفي منظومة التعليم التي تفتح المجال أمام القوي الابتكارية.
ويكمن الحل الأساسي في التشبه بالصين في اللحظة التي تعيشها الآن، وليس المقصود هنا تقليد أو محاكاة الصين، وإنما تحقيق الاستمرارية التاريخية، لأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعيش وتعمل بالروح نفسها التي تعمل بها الصين في يومنا هذا.ولم يغفل الكاتبان أثر النظام السياسي وأهمية وجود رؤية مستقبلية واضحة المعالم، فاقترحا ألا يكون للرئيس الأمريكي أية انتماءات، لا إلى اليمين الليبرالي، أو إلى اليسار المحافظ، حتي يستطيع أن يجذب كليهما نحو صيغة توافقية وسطية تمثل الطريق الثالث.
والملاحظ هنا أن مفهوم الفعل الجماعي بالنسبة للمؤلفين كان مساويا لدور الحكومة الفيدرالية والإدارة الأمريكية على وجه التحديد، ممثلة في رئيسها.لقد أضحى التفاعل بين العلم والمجتمع إحدى ضرورات النهضة والتقدم. وهذا الكتاب يحمل طابع النقد الذاتي التقويمي، ويقوم علي المكاشفة بالعيوب والمصارحة بالمشكلات، بل ويؤكد أهمية الإيجابية المجتمعية، ونبذ الأنامالية.
وعلى القارئ غير الأمريكي أن يتساءل: "إذا أقر مفكران أمريكيان بأن بلادهما بدأت في السقوط البطيء - وهي الدولة الأكثر تقدما على مستوي العالم - محذرين من التهاون في مواجهة أزمة عجز الموازنة والبطالة والتعليم، فما بال وما حال مجتمعات مثل مجتمعاتنا العربية، الآخذة في النمو، والتي استوطنت تلك الآفات في بنيتها"؟.
(*) مجلة السياسة الدولية ، العدد 187 ، يناير 2012 ، ص 182