تشهد المنطقة العربية في فترة ما بعد الثورات العديد من التحركات في الشارع، والتي تقوم بها قوى لا تنتمي إلى حركات اجتماعية محددة، فهي غير منظمة، وليست لها قيادة واضحة، ولا أيديولوجية محددة. وتحليل هذه التحركات من خلال مدخل الحركات الاجتماعية لا يوفر فهما متكاملا لها، فنظريات الحركات الاجتماعية تعكس خبرات المجتمعات الغربية بشكل رئيسي، وتركز على الحركات الاجتماعية التي هي عبارة عن كيانات تتسم إلى حد كبير بالتنظيم والاستدامة.
وغالبا ما تكون لها قيادة تلعب دورا محوريا في توجيه نشاطها وأهدافها، وفي ممارسة المزيد من الضغوط على السلطات من أجل تلبية مطالبها. وفي هذا الإطار، تعرض هذه الورقة مدخل اللاحركات الاجتماعية Social Non-Movements الذي طوره آصف بيات، باعتباره الأكثر تعبيرا والأكثر قدرة على تحليل ما تشهده الدول العربية من حراك سياسي (1).ويعد هذا المدخل من المحاولات الجادة في دراسة وتحليل توجهات الشارع وتفضيلاته، ولكنه من المداخل التي لم تتم دراستها بصورة معمقة بعد، واختبار مقولاته.
اللاحركات الاجتماعية .. التعريف والديناميكيات:
يقصد بمفهوم اللاحركات الاجتماعية الأنشطة الجماعية التي يقوم بها فاعلون غير جمعيين non-collective actors . ويمكن تحديد أربع سمات رئيسية لها. تتمثل السمة الأولي في أنها عبارة عن ممارسات يشترك في القيام بها أعداد كبيرة من البشر العاديين دون اتفاق فيما بينهم. وتتعلق السمة الثانية بأنه ينتج عن تشابه ممارساتهم تغيير اجتماعيا ما.وتنصرف السمة الثالثة إلى أنه نادرا ما يتحكم في أنشطتهم أيديولوجية معينة. وتتعلق السمة الرابعة بأنه عادة لا تكون هناك قيادات أو منظمات معروفة، فهؤلاء الفاعلون يعملون بصورة تلقائية، ويبدأ تحركهم برد فعل فردي يتسم بالعفوية في تعاطيه مع متغيرات الواقع.
وقد ذكر آصف بيات ثلاث ديناميكيات خاصة باللاحركات الاجتماعية. تتمثل الديناميكية الأولي في الزحف البطيء Quiet Encroachment.وتركز هذه الديناميكية على العدد، فقوة تأثير اللاحركات الاجتماعية ترتبط بتآلف سلوك أعداد كبيرة من البشر تدريجيا، حيث يقوم أفراد، لا يوجد ارتباط أو اتفاق فيما بينهم، بمجموعة من الأنشطة والسلوكيات التي تكتسب نمطا معينا بمرور الزمن، والتي تهدف للحصول على الضروريات الأساسية للحياة. وعادة ما يصاحب القيام بهذه الأنشطة مخالفة هادئة للقانون، أي أن الزحف البطيء لا ينطوي على استخدام أدوات العنف. وتستمد شرعية هذه الأنشطة من جماعية السلوك لعدد كبير من البشر.
وقد حلل بيات في كتابه العديد من الأمثلة التي تعبر عن هذه الديناميكية في المنطقة العربية، خاصة في الحالة المصرية، ومنها قيام سكان العشوائيات في المناطق الحضرية ببناء مساكن على أراض على نحو يخالف قانون الدولة، واعتمادهم على أنفسهم في الوصول إلى المياه وخطوط التليفون، وغيرها من وسائل المعيشة، دون الرجوع إلى سلطات الدولة. كذلك قيام صغار الباعة ببيع البضائع على الأرصفة، وانتشار ظاهرة الباعة الجائلين في منطقة وسط البلد. ويفسر بيات هذا السلوك بأنه محاولة من الفقراء في المناطق الحضرية، للتعامل مع تأثير السياسات الليبرالية الاقتصادية الجديدة، ومع فشل الدولة في تلبية احتياجاتهم بالاعتماد على أنفسهم. وحلل بيات كذلك اللاحركات الاجتماعية الشبابية في مصر، وانتهي إلى أنها تتعامل مع الفضاء الإلكتروني، بوصفه المجال العام الرئيسي الذي تمارس أنشطتها من خلاله. ورأي أن حركة 6 أبريل قد نجحت في استخدام أدوات الفضاء الإلكتروني، مثل الفيسبوك، في حملتها التي استهدفت مواجهة القمع السياسي، والركود الاقتصادي والمحسوبية.
وتتمثل الديناميكية الثانية في الشبكات السلبية Passive Networks وتعد هذه الديناميكية أحد الملامح الرئيسية في تكوين اللاحركات، وهي قد تأخذ إحدي صورتين. تتمثل الصورة الأولي في التواصل الفوري الذي يتم بين عدد صغير من الأفراد، وذلك بناء على إدراك ضمني بين هؤلاء الأفراد بوجود قواسم مشتركة أو هوية مشتركة تجمعهم، وذلك إما بشكل مباشر عبر الأماكن العامة، أو بشكل غير مباشر من خلال وسائل الإعلام. فعلى سبيل المثال، وجد بيات أن شبكات الاتصال بين الباعة الجائلين تقوم على إدراكهم بوجود مشكلات مشتركة يعانونها، وهو ما يحدث نتيجة ملاحظة أحدهم للآخر بشكل يومي عبر زوايا الشوارع المختلفة، وذلك رغم عدم معرفة أحدهم للآخر، أو أنها معرفة قائمة على مجرد تبادل الأحاديث. فالملاحظة المباشرة هي التي ولدت هذا النوع من التواصل في تلك اللحظة. كما أن التشابه بين الشباب في الأزياء، وتسريحات الشعر، وغيرها من الأمور، سواء في الشارع أو في الكليات والجامعات، يسمح بنوع من التواصل العفوي، الذي لم يتم عبر اتفاق مسبق بين هؤلاء الأفراد.
وتتمثل الصورة الثانية في حالة الجماعات المشتتة، التي لا يوجد حيز مشترك يجمعها، مثل المهاجرين غير الشرعيين. فغياب هذا الحيز المشترك يفقد هذه الجماعة حالة التضامن فيما بين أفرادها، وذلك على الرغم من وجود قواسم مشتركة بينهم، مثل الانتماء إلى البلد ذاته وربما المدينة، والتحدث باللغة ذاتها. في حين أن معدل التضامن بينهم يزداد، عندما يوجدون في مكان العمل نفسه، أو مراكز الاحتجاز، أو المجمعات السكنية.
ومن ثم، تعتمد هذه الجماعات على وسائل الاتصال، والشبكات عبر المسافات Distanciated Networks والتي يقصد بها أن يكون هناك شخص يعرف شخصا آخر، والذي بدوره يعرف شخصا آخر في الوضع نفسه، مما يسهل بناء ما يطلق عليه التضامن التخيلي Imagined Solidarities.ويؤكد بيات أن تكنولوجيا المعلومات الجديدة، وبشكل خاص مواقع الشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك، يمكنها أن تتجاوز قيد الحيز المادي من خلال ربط الأفراد عبر عالم الإنترنت، ومن ثم إتاحة فرصة هائلة لبناء كل من الشبكات السلبية والنشطة.
ويشير بيات إلى أن الذي يربط بين الشبكات السلبية والفعل الجمعي المحتمل هو وجود إدراك بتهديد مشترك، يحاول هؤلاء الأفراد مواجهته عبر هذه الشبكات. فبينما ترتبط نشأة اللاحركات بأعمال فردية مباشرة تهدف إلى خلق مكاسب على أرض الواقع، فإن الدفاع عن هذه المكاسب، حال تعرضها للتهديد، غالبا ما يتم على نحو جمعي، حيث يتحول الفاعلون في الشبكات السلبية إلى التواصل النشط والمقاومة المنظمة. فعلى سبيل المثال، يقوم كل فرد من الباعة الجائلين في الشوارع بسلوك عفوي يحقق مصلحته، ويفرض من خلاله ممارساته كسياسة أمر واقع، وهذا السلوك يتشابه مع مجموع سلوكيات باقي أفراد الباعة الجائلين.وفي حال ما إذا أدرك هؤلاء الباعة وجود تهديد مشترك، فمن المرجح أن يتم التواصل بينهم، حتي وإن لم يكن هناك تعارف أو تخطيط مسبق بينهم.
وهذا الوضع حدث في المراحل الأولي للثورة التونسية. فبعدما أضرم محمد البوعزيزي، أحد الباعة الجائلين، النار في نفسه، احتجاجا على مصادرة أحد أفراد الشرطة التونسية عربة بيع الخضار والفاكهة الخاصة به، فضلا عن رفض سلطات المحافظة قبول شكواه، قام الباعة الجائلون في المنطقة التي يسكن فيها البوعزيزي بالتضامن معه، الأمر الذي تطور إلى مسيرات حاشدة، جمعهتا حالة التضامن التي ارتبطت بإدراك وجود تهديد مشترك يستهدفهم كباعة، فكانت تلك اللاحركات بمثابة نواة شعلة الثورة التونسية.
كما ترتب على ذلك قيام عدد كبير من المواطنين العرب بالسلوك نفسه في الوقت نفسه لأسباب متشابهة، وهو ما أطلق عليه البعض ظاهرة البوعزيزية .وبالتالي، تكمن أهمية مفهوم الشبكات السلبية في إمكانية تعبئة عدد صغير من الأفراد للقيام بعمل جمعي في لحظة ما، دون وجود شبكات نشطة تربطهم قبل تلك اللحظة. فالشارع يمثل مجالا عاما يتيح تعبئة الناس من خلال الشبكات السلبية. وبمجرد أن يواجه الفاعلون الأفراد، أو الزاحفون The Encroachers تهديدا، فمن المرجح أن تتحول شبكاتهم السلبية إلى تنشيط حالة التواصل والتعاون فيما بينهم لمواجهة هذا التهديد.
وتنصرف الديناميكية الثالثة إلى فن الحضورThe Art of Presence وترتبط هذه الديناميكية بمدي الشجاعة والإبداع الذي يمكن أن تتحلي به هذه اللاحركات في تأكيد إرادتها الجمعية، وذلك من خلال الاستفادة من كل ما هو متاح من إمكانيات في اكتشاف مساحات جديدة تمكنها من أن تكون مسموعة ومرئية، ويمكن الشعور والاعتراف بها.
وهذه الديناميكية تساعد المجتمع من خلال سير الحياة اليومية فيه بتفاصيلها، على أن يعيد تجديد نفسه، وذلك عن طريق تأكيده قيمه التي تفرض وعيه الجمعي في نظام الدولة ومؤسساتها. فالمجتمع يستفيد من فكرة، مفادها أن الأنظمة الاستبدادية قد تكون قادرة على قمع الحركات المنظمة، ومقاومة الصمت الجماعي، لكن تظل قدراتها محدودة فيما يتعلق بقمع المجتمع بأكمله، أي جماهير المواطنين العاديين في حياتهم اليومية. فالتحدي في هذه الحالة يكون موجها للقيم والقواعد والمؤسسات التي يتشكل منها نسيج المجتمع ككل.
ويلاحظ أن بيات شبه نشاط هذه اللاحركات بورم السرطان الذي لا يمكن رؤيته إلا بعد الوصول لمرحلة اللاعودة، فسلطات الدولة لا تستطيع إدراك نشاط هذه اللاحركات، إلا بعد أن يصعب التعامل معها. وبالتالي، يمكن القول إن أهمية هذه اللاحركات لا تكمن في تحدي السلطة الرئيسية (نظام الدولة) بصورة مباشرة، وإنما من خلال توليد وضع جديد على أرض الواقع.
هل تعبر اللاحركات الاجتماعية عن مزاج الشارع العربي؟
في مرحلة ما بعد الثورات التي تمر بها دول مثل تونس ومصر وليبيا، لم تنته حالة الحراك المجتمعي Social Struggles فلا تزال هناك مطالب قديمة، وأخري جديدة بحاجة إلى التفاوض حول كيفية حلها(2). وجزء من هذا الحراك يمكن فهمه من خلال مدخل اللاحركات الاجتماعية. وفي هذا الإطار، يمكن رصد عدة ملاحظات.
تتعلق الملاحظة الأولي بأن الديناميكيات التي تتعلق بالزحف الهادئ اتبعها أفراد ينتمون لقطاعات مختلفة ومتنوعة في الدول العربية، وقد تطورت إلى شبكات سلبية. ومثال على ذلك، المظاهرات الفئوية التي شهدتها مصر في مرحلة الثورة وما بعد الثورة، فمن شارك في هذه المظاهرات لا ينتمون إلى تنظيم معين، وليست لهم قيادة توجههم، ولكن لهم مطالب مشتركة مثلت ثورتهم الخاصة.
وتتعلق الملاحظة الثانية بأن اللاحركات الاجتماعية في المنطقة العربية تعبر بشكل أساسي عن الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وهنا، تجدر الإشارة إلى ما ذكره بيات في حوار، أجري معه عقب اندلاع الثورات العربية، من أن الطبقة المتوسطة الفقيرة Middle-Class Poorكانت اللاعب الرئيسي في الثورات العربية. وجادل بأن الأوضاع الاقتصادية في المنطقة العربية أفرزت طبقة متوسطة تتمتع بقدر من التعليم والوعي، وفي الوقت نفسه، لديها طموحات وتوقعات كبيرة، وقد فشلت شريحة كبيرة من هذه الطبقة في تحقيق هذه الطموحات.
فمثلا، سكان العشوائيات في مصر ليسوا فقط من الأميين والقرويين، أو ممن يعانون الفقر المدقع، حيث تشمل هذه الفئة شرائح أخري من الحضر، مثل موظفي الحكومة محدودي الدخل، وحديثي الزواج، والمهنيين من صغار المحامين والمدرسين، حيث أصبحوا من سكان العشوائيات، بعد أن عجزوا عن الحصول على أماكن للسكن في المناطق المخططة رسميا كمناطق سكنية.
كما يلاحظ أثناء الثورة في مصر، أن الطبقة المتوسطة كان لها وجود في ميدان التحرير، وهو الحشد الذي لم يكن قد تألف بناء على اتفاق مسبق. فقد جاءت حالة التضامن نتيجة إدراك مشترك بين أفراد هذه الطبقة بتهديد طموحاتهم، حيث ترجم انتماءهم إلى الطبقة الوسطي، التي تعبر عن صورة من صور الشبكات السلبية، إلى فعل جمعي تمثل في الاحتشاد في ميدان التحرير، وترديد جماعي لهتافات من قبيل "الشعب يريد إسقاط النظام".
وتنصرف الملاحظة الثالثة إلى أن هناك لاحركات اجتماعية خاصة بالفقراء، لم تندمج في الثورة المصرية منذ البداية، وهو ما فسره بيات بكون الثورات تعد أحداثا مجردة ومحفوفة بالمخاطر، ولا تقبل كل القوى الاجتماعية دمجها في ممارسات حياتها إلىومية. فطبقة الفقراء تميل إلى عدم التورط فيما لا تعده من شئونها الخاصة، وفيما لا تستطيع التحكم فيه.
ولكنه أشار إلى أنه بعد نجاح الثورات، يتم حشد هذه اللاحركات المترددة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التي تتصل باهتمامها المباشر، وذلك نتيجة ثقتها في عدم وجود عوائق تعترض مساحة الحرية الجديدة التي أصبحت تتمتع بها. فعلى سبيل المثال، استفاد الفقراء في تونس من غياب الشرطة، واحتلوا الشوارع، ونشروا بضائعهم. بمعني آخر، قام الفقراء بثورتهم الخاصة.
وتنصرف الملاحظة الرابعة إلى أن ما تشهده دول، مثل مصر، من مظاهرات فئوية متعددة في المدينة ذاتها وفي التوقيت ذاته، هو ناتج عن وجود إدراك مشترك يجمع الأفراد المشاركين فيها بوجود تهديد مشترك واقع عليهم. ومن ثم، كان تحركهم على نحو عفوي، بمعني أنه لم يكن هناك اتفاق مسبق بين فئات سائقي النقل العام، والعاملين في المصانع مثلا، حول آليات التحرك وطبيعة السلوك، أو الهدف المشترك. فعلى سبيل المثال، بدأ إضراب عمال النقل العام في مصر بتجمعات صغيرة من السائقين، ثم شمل عاملين في مواقف بعينها، ثم امتدت الظاهرة لتشهد حالة تضامن بين جميع مواقف نقل الهيئة العامة للنقل في القاهرة الكبري. وقد لوحظ في الوقت نفسه أن بعض خطوط النقل لم تلتزم بالإضراب، لأنها رأت فيه ضررا لمصالحها الخاصة، وهو ما يعكس عدم وجود قيادة موجهة لهذه السلوكيات (3). ويلاحظ أن معظم الفئات، على تنوعها، تحركت نحو مقر مجلس الوزراء المصري، فكان هذا هو الحيز المكاني الذي جمع مختلف هذه القطاعات، والذي استغلته في إبراز مطالبها.
"حدود" تأثير اللاحركات الاجتماعية:
تتسم اللاحركات الاجتماعية بالعفوية، ولا ترتبط برؤية واضحة، ولذلك تتردد الدول في بلورة ردود فعل تجاه هذه اللا حركات. ورغم حديث البعض عن أن الثورات التي تجري الآن في المنطقة العربية هي ثمار السياسات الأمريكية لإدارة جورج بوش الابن، التي تبنت مفهوم الفوضي الخلاقة Constructive Chaos فإنه وبافتراض صحة هذه الفرضية، كان لابد أن تكون هناك رؤية واضحة لتعامل الإدارة الأمريكية مع الواقع الذي قد يفرزه إحداث هذه الفوضي، وهو ما لا تعكسه قراءة سياسات الولايات المتحدة التي جاءت مرتبكة في التعامل مع الثورة في مصر، على سبيل المثال (4).
ويلاحظ أن تأثير اللاحركات الاجتماعية في سياسات الدول الخارجية هو أكثر وضوحا في سياسات الدول الأخري التي تتعامل مع الدولة التي تشهد تزايدا في نشاط اللاحركات الاجتماعية، بحيث تكون أكثر رغبة في اعتماد أدوات الدبلوماسية الشعبية في التعامل مع تلك الدولة. فعلى سبيل المثال، حرصت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، على لقاء الشباب المصري في حوار تفاعلى عبر الإنترنت، قام من خلاله الشباب المصري بطرح تساؤلاته ورؤيته للمستقبل(5).
وهذا التواصل المباشر مع شباب الثورة هو شكل من أشكال الدبلوماسية الشعبية، الذي تهدف من ورائه الإدارة الأمريكية إلى الإجابة على عدد من التساؤلات حول نوع التغيير الذي سوف تفرزه هذه المرحلة، وهل سوف يؤدي إلى الديمقراطية في الشرق الأوسط، أم إلى شرق أوسط إسلامي متطرف؟ فكما هو معلوم، الثورات قد لا تنتهي عادة بما بدأت به. كما اتبعت الإدارة الأمريكية سياسات التمويل المباشر لمؤسسات المجتمع المدني في مصر، وليس عن طريق الحكومة المصرية، كما في السابق وهو ما يعرف بالقوة المدنية.إلى جانب ذلك، فإن القوى من غير الحركات الاجتماعية قد تضغط على المجتمع لتحقيق مطالب محددة. إلا أنه مع تنوع هذه المطالب وتعارضها في بعض الحالات، قد يتهدد الاستقرار في المجتمع. كما أن شبكات اللاحركات الاجتماعية قد ترتبط بمطالب محل جدل وخلاف في المجتمع. ومن ذلك، على سبيل المثال، اللاحركات الخاصة ببعض الحريات المثيرة للجدل.
يمكن القول إن اللاحركات الاجتماعية تستطيع تقويض أركان نظام دولة ما، لكن تظل قدراتها على بناء نظام جديد غائبة، ما لم تتحول إلى حركات اجتماعية فاعلة في المجتمع. فنشاط اللا حركات بمثابة تهديد لأي قواعد في المجتمع، وتظل حدود قدرتها على التأثير مرتبطة بقدرتها على التحول إلى حركات، لها هيكل منظم، وبرنامج واضح، يحدد أهدافها وآلياتها.
الهوامش:
1- اعتمدت هذه الورقة في الأجزاء الخاصة بمدخل اللاحركات الاجتماعية على كتاب آصف بيات. انظر:
- Asef Bayat, Life as Politics: How Ordinary People Change the Middle East, (Cairo: The American University in Cairo Press, 2009), pp. 14-50, 45, 61-63, 128,93-135, 249.
2- "Our Revolution is Civil", An Interview with Asef Bayat on Revolt and Change in the Arab World, The Hedgehog Review, Vol. 13, Issue No. 3, Fall 2011, p51., available at:http://www.iasc-culture.org/publications_article_2011_Fall_Bayat.php, (Last Accessed 28 November 2011)
3- للمزيد، انظر: "مظاهرات فئوية تجتاح مصر"، جريد ة اليوم السابع، الأربعاء 9 فبراير 2011. "خبراء: المظاهرات الفئوية بعد الثورة .. تهديد للاستقرار"، المصري اليوم، 18 فبراير 2011. "استمرار المظاهرات الفئوية في الجيزة"، جريدة الأهرام، 28 فبراير 2011 ."استمرار المظاهرات الفئوية أمام مجلس الوزراء"، جريدة الأهرام، 30 سبتمبر ١١٠٢.
4- For Example about this confused policy Look at: Steven Cook, "Why Washington can't stop Egypt's Revolution", available at: http://www.thedailybeast.com/articles/29/01/2011/egypt-why-washington-cant-stop-the-revolution.html, (date 29 January 2011), ]Last Accessed 30 November 2011[.
5-US. Department of State, "Special Briefing on U.S. support for the Democratic Transitions underway in Tunisia, Egypt, and Libya", November 3, 2011, available at: http://www.state.gov/secretary/rm/09/2011/.174882htm, ]Last Accessed 4 December 2011[.