في يوم 3 يناير (كانون الثاني)، أصدرت إمارة أفغانستان الإٍسلامية بيانا هاما. يمكننا قراءة نص البيان وقراءة ما بين سطوره، ويمكننا تفسير البيان من جوانب مختلفة. يبدو أن أفغانستان، كحكومة وكدولة، تواجه فترة حاسمة جدا وعصيبة. إن بيان طالبان يحمل رسالة شديدة الوضوح والقوة. وتعتبر الرسالة أكثر أهمية من التفاوض المباشر بين الولايات المتحدة وطالبان.
أولا: يؤكد البيان على تسمية «إمارة أفغانستان الإسلامية». وتكرر هذا الاسم سبعة مرات في بيان حركة طالبان.
ثانيا: يتجاهل البيان حكومة أفغانستان والرئيس كرزاي وإدارته، وبصورة صريحة جدا، جاء في البيان:
«لقد كانت نقطة الخلاف المستديمة في الدولة والتي ظهرت منذ عشر سنوات بين عنصرين أساسيين: إمارة أفغانستان الإسلامية من جانب، والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأجانب من جانب آخر».
بعبارة أخرى، يبدو أن المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، وأيضا المفاوضات بين المملكة المتحدة وحركة طالبان لها قصة طويلة. بناء على أدلة واضحة، تعتبر حركة طالبان نتاج جهاز الاستخبارات الباكستاني. وللاختصار، يمكن القول إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وجهاز الاستخبارات الباكستاني قد أنتجا حركة طالبان. وعلى حد قول توني بلير، كانت هذه خطوة تكتيكية، ولكن ثبت في النهاية أنها خطأ استراتيجي كبير. ويرجع ذلك لأن حركة طالبان قد بدأت تدريجيا تسبب الكثير من المشكلات بالنسبة لكل من الولايات المتحدة الأميركية وباكستان. لذلك، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، قررت الولايات المتحدة الأميركية تدمير حركة طالبان، وبعد أسبوع واحد فقط، انتصرت أميركا في الحرب. غير أن طالبان لم تهزم بشكل فعلي، فحتى الآن، بعد عشر سنوات، ما زالت حركة طالبان تعتقد أن جذورها ووجودها قويان. وتعتقد حركة طالبان أن الولايات المتحدة هي التي بحاجة للتفاوض معها. في البيان، جاء ما يلي:
«نحن في الوقت الحالي، إلى جانب وجودنا القوى داخل الدولة، مستعدون لإنشاء مكتب سياسي خارجها للتوصل إلى اتفاقات مع دول أخرى، وفي هذا الإطار، وصلنا إلى اتفاق مبدئي مع قطر وأطراف أخرى وثيقة الصلة».
ويعني هذا أنه ليس أمام الأميركيين مناص آخر سوى قبول الدور الرئيسي الذي تلعبه طالبان في أفغانستان. في إحدى المرات، تحدث جورج بوش الابن إلى بوتين قائلا: «هذا الشيء (أفغانستان) ربما ينحل مثل سترة رخيصة». وكان يقصد أن غزو أفغانستان ليس بالمهمة شديدة الصعوبة. في كتابه «نقاط قرار»، يشرح بوش قائلا: «لقد تفككت سريعا. لقد فر أفراد حركة طالبان من كابل واختبأوا بين الجبال في الشرق والجنوب. خرجت النساء من منازلهن، ولعب الأطفال بطائراتهم الورقية وحلق رجال لحاهم ورقصوا في الشوارع» (صفحة 200).
والآن، بعد مرور عشر سنوات، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه. ففي يوم السبت، 31 ديسمبر (كانون الأول)، رحب الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بتصريحات نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، التي قال فيها إن حركة طالبان «في حد ذاتها ليست عدونا».
أثارت تعليقات بايدن التي أدلى بها لمجلة «نيوزويك» حالة اهتياج داخل الولايات المتحدة، التي ظلت على مدى عشر سنوات تحارب حركة التمرد التي تقودها حركة طالبان، لكنها عكست زيادة التركيز على الوصول إلى تسوية سياسية.
«نحن غاية في السعادة بأن أميركا قد أعلنت أن حركة طالبان ليست عدو الأميركيين. وسوف يحقق هذا السلام والاستقرار لشعب أفغانستان»، هذا ما قاله كرزاي أثناء احتفال أقيم في كابل.
ويثير هذا تساؤلا مهما: هل خضعت حركة طالبان لإصلاح شامل؟ هل غير أفرادها منهجيتهم الصارمة تجاه حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والنساء وما إلى ذلك؟
على حد علمنا، لم يغيروا قيمهم ومعتقداتهم. لقد حاولت أميركا تشكيل حركة طالبان معتدلة. وفي عام 2009، صرحت هيلاري كلينتون للمرة الأولى بأن الأميركيين مستعدون للتفاوض مع عضو معتدل من حركة طالبان. بعدها، قال المتحدث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، إن هذه الفكرة تبدو سخيفة، لأن حركة طالبان لا تضم أي أعضاء معتدلين!
والآن، تغير العالم، وما زالت حركة طالبان قائمة وترغب أميركا في إجراء مفاوضات مع أفرادها. وبسبب ذلك، أصرت حركة طالبان على مبدئها المعروف، وهو عدم التفاوض بشكل مباشر مع حكومة كرزاي، من ثم، بعثوا برسالة قوية جدا لكل من الولايات المتحدة وكرزاي، مفادها أنهم يؤكدون على عدم قبولهم مشاركة حكومة أفغانستان في مفاوضات مباشرة. ولهذا الموقف شديد التعقيد بعد آخر. يبدو أن حركة طالبان تلعب ببطاقتين وعلى جبهتين مختلفتين، فمن جانب، أصدرت بيانا، وللمرة الأولى، يقبل أعضاؤها التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة. نتذكر أن ملا أمين الله قال إن الولايات المتحدة اقترحت التفاوض مع حركة طالبان، حيث تحدث أمين الله إلى «إن بي سي نيوز» قائلا:
«إنها ليست مجرد دعاية من جانب الولايات المتحدة وحلفائها من حلف الناتو من أجل التستر على هزيمتهم في المعركة. نحن نحقق الانتصار، إذن، لماذا يتعين علينا التفاوض؟»
والآن، تحولت تلك الدعاية إلى حقيقة، فقد وافقت حركة طالبان على التفاوض مع الولايات المتحدة، ويبدو أن أحد شروطها الأساسية للمضي في المفاوضات هو الإفراج عن بعض أبرز المعتقلين في سجن غوانتانامو. ويتمثل الشرط الثاني في عدم قبول الدستور الجديد لأفغانستان؛ إنهم يرغبون في فرض مزيج غريب من الراديكالية الإسلامية والطقوس القبلية والأعراف الهمجية. نتذكر أن أفغانستان كانت تحكمها حركة طالبان من 1996 إلى 2001. ونتذكر المادة رقم 34 من الدستور الجديد. وبالنظر إلى الموقف الحالي، ربما تنتهي المادة إلى مجرد حلم: «حرية التعبير مقدسة ولا يمكن المساس بها».
إن كل أفغاني يتمتع بحرية التعبير عن أفكاره من خلال الحديث أو الكتابة أو أي وسيلة أخرى، من خلال ملاحظة الشروط المنصوص عليها في هذا الدستور.
ولكل أفغاني الحق في طباعة أو نشر مواضيع من دون خضوع مسبق للسلطات الحكومية بما يتوافق مع القانون.
سوف تخضع التوجيهات المرتبطة بالصحافة والإذاعة والتلفزيون وغيرها من وسائل الإعلام الشعبية الأخرى للقانون. في هذه المرة، في حالة عودة حركة طالبان إلى السلطة مجددا في أفغانستان، سيزداد الموقف سوءا أكثر مما كان في المرة الأولى – قبل أحداث 11 سبتمبر. قبل أربعة أشهر، قال حميد كرزاي إذا خسرنا في هذه الحرب التي تهددنا جميعا، فسيعني هذا الرجوع إلى الوضع قبل 11 سبتمبر. وإذا فحصنا بدقة الاستراتيجية التي انتهجتها أميركا في أفغانستان، بإيجابياتها وسلبياتها، فسنتساءل ما الأمر الذي خرج عن مساره الصحيح بالنسبة للأميركيين؟
-----------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الإثنين 09 يناير 2012.