اقترب بعض المتصوفة المصريين، بعد مرور أكثر من أحد عشر شهرا على ثورة 25 يناير، من أن يكونوا فاعلين سياسيين، لدرجة أن بعض مشايخ الصوفية بدأوا في ممارسة دور سياسي، ليس بسبب دوافع سياسية معتادة، لكن في إطار الخدمة العامة لمريديهم ومحبيهم. وقد توجه أخيرا بعض قيادات الطرق الصوفية إلي ممارسة السياسة الداخلية، فأسسوا أحزابا خاضوا بها الانتخابات البرلمانية، و أخفقوا في جميع مراحلها، و تحركوا أيضا سياسيا نحو الخارج للتقارب معه ضد التيارات السلفية المتشددة والمعادية لهم.
فالسؤال الذي يطرح نفسه بعد الصحوة السياسية للمتصوفة المصريين الآن هو: لماذا فشل هؤلاء في المرحلتين الأولي والثانية من الانتخابات البرلمانية؟ ولماذا تحرك بعضهم أخيرا للتقارب مع الخارج ؟
أولا: دوافع التحول لممارسة السياسة
ترجع الأسباب التي أدت إلى التحول في سلوك الصوفيين المصريين من التقرب إلى الله، وحضور الموالد إلى الممارسة الفعلية للسياسة، إلى التحول الإلكتروني للجيل الأخير من قيادتها، والذي سعى أخيرا إلى استخدام الفيس بوك، والمنتديات الإلكترونية في جمع مؤتمراتهم وندواتهم التي تجمع مريديهم وأتباعهم، وكذلك اجتذاب بعض الطرق الصوفية لعدد من المثقفين لإحداث تغيير في شكل الحركة داخل الطريقة الواحدة.
فهؤلاء المثقفون يصعدون بقوة في دوائر النخبة، ويصلون إلي قياداتها بسرعة البرق، وهو ما يثير أكثر من علامة استفهام حول طبيعة الدور السياسي الذي يمكن أن يصبغ الحركة الصوفية فيما بعد.
فالمؤكد أن الطرق الصوفية إن لم تكن لها مطالب سياسية واضحة، فإن المواطنين الذين هم أعضاء في تنظيمات غير سياسية منها غالبا ما يشعرون بقدراتهم الذاتية أكثر من الذين لا ينتمون إلى أية تنظيمات، نظرا لأن الروابط التطوعية تقوم بأداء وظائف سياسية ضمنية وكامنة، بغض النظر عن كون هذه الروابط سياسية أو غير سياسية. وهذا يعني أن الأجيال الشابة من الصوفية ستمارس السياسية من خلال الروابط الإلكترونية فيما بينهم على أساس عوامل دينية وعلمانية، منها العلاقة بين الدين والدولة والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية للسكان.
وتعددت مظاهر ممارسة الصوفية الجديدة للسياسة عبر مواقعها الإلكترونية، أو عبر منتديات الفاعلين فيها، أو من خلال مجموعات الفيس بوك، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي، ما بين المشاركة الفعلية، وإطلاق تصريحات أثرت في محبيها ثم أثرت في الرأي العام.
وكان أهم مواقفها السياسية التي لم نرها أو نسمعها من قبل ذلك البيان الذي أصدرته الطرق العزمية والشبراوية والهاشمية على مواقعها الإلكترونية، موجها للأحزاب الليبرالية واليسارية والأقباط، طالبت فيه بالدعوة لجمعة في حب مصر، تأكيدا على مدنية الدولة، وردا على الدعوة بأن تكون إسلامية، إضافة إلى الحملة الفيسبوكية التي أطلقها الآلاف من شباب الصوفية الذين مثلوا طرق الرفاعية، والبيومية، والبرهامية، والأحمدية المرزاقية، والجندية الإمبابية، والقادرية، والفيضية الخلوتية، مخالفين مبدأ الطاعة العمياء لمشايخهم، ومطالبين باختيار مشايخ الطرق بالانتخاب المباشر، وترشيح الأفضل والأكثر علما منهم، وإلغاء التوريث المعمول به في اختيار القيادات الصوفية، بالإضافة إلى تغيير قانون تنظيم الصوفية رقم 118 لسنة 1976، وتأهيل المشايخ، وكذلك إعلان بعض الطرق مبكرا عن خوض انتخابات مجلس الشعب المنتهية على مواقعها الإلكترونية، أو عبر مشاركات الفيس بوك لأعضائها لاستطلاع آراء مريديها ومحبيها، من منطلق عدم وجود موانع عقائدية أو فكرية في الترشيح، وأن لكل شيخ حقا في الانتخابات، كونه مواطنا مصريا يتمتع بكل الحقوق الدستورية.
وراح يردد المشايخ المرشحون، ومنهم عصام زكي، إبراهيم شيخ الطريقة المحمدية الشاذلية، أن الترشيح لمجلس الشعب نقطة انطلاق إيجابية لمشايخ الطرق للانخراط في المجتمع، ولتقديم دور حقيقي في بناء، وتطوير الفكر الثقافي والديني لتحقيق خطة الدولة في التنمية المتكاملة، والتركيز على التيار الديني المعتدل الذي يتسم بالسماحة والبعد عن الانفعالات .
ثانيا: الصوفية والارتباك لانتخابي
ظهر موقف الطرق الصوفية من الانتخابات البرلمانية مرتبكا في عملية إعداد القوائم الانتخابية واستكمالها، والدفع برموز الصوفية من المشايخ والمحبين لخوض المعركة. وتمثلت مؤشرات الإخفاق في المرحلتين الأولي والثانية في تراجع مشايخ الطرق الصوفية عن الترشيح بعد انتهاء المرحلة الأولى، وقبل المرحلة الثانية بساعات قليلة، معلنين أنهم يؤجلون معركة الانتخابية البرلمانية إلى انتخابات المحليات المقبلة، معتبرين أن خوض بعضهم للانتخابات يمثل عملية تدر