رغم أن توجهات الإعلام الغربى حيال حرب غزة، قد تنوعت واختلفت بين المؤسسات الإعلامية. مع ذلك، يمكن تحديد بعض الاتجاهات التى تظهر فى التغطية الإعلامية لهذا الصراع. أهمها وجود توجه لمصلحة إسرائيل فى وسائل الإعلام الغربية، حيث يتم تبرير ذلك بالقول إن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد هجمات من قبل جماعات مسلحة فى قطاع غزة، وإنها تستخدم قوة متناسبة لحماية سكانها، فى هذا الإطار تم رصد ما يلي:
ركز الإعلام الغربى على صواريخ حماس المستهدفة لإسرائيل، مشيرا إلى كذبة لم يصدقها سواهم بأنها تشكل تهديدا وجوديا على سكان إسرائيل، وهذا ما تم عرضه فى بعض وسائل الإعلام الغربية المضللة والمؤيدة للإبادة الجماعية على الشعب الفلسطينى.
يؤكد الإعلام الغربى الممنهج والمؤيد للصهاينة استخدام حماس للأطفال والمدنيين كدروع بشرية، أو استخدام المستشفيات والمدارس كأماكن لتخزين الأسلحة، ما يؤدى إلى حدوث ضحايا مدنيين، وهذا مبررهم لقتل الأطفال والنساء وسلبهم حق الرعاية الصحية بعد الدمار الذى لحق بهم على أيديهم، وبعد حرق جثث الأطفال من الطائرات الصهيونية المفخخة، وإلقاء الفسفور الأبيض المحرم استخدامه دوليا عليهم، وتقطيع أجساد الأطفال الذين لم يتبق منهم إلا أحشاؤهم ليصلى عليها آباؤهم، وهم مكتوفو الأيدى محروقو القلب، قليلو الحيلة ليس بيدهم شىء إلا الدعاء؛ لمجرد أفكار يبتكرونها من صنع سياستهم، المنضوية على إبادة الشعب الفلسطينى إبادة جماعية كاملة، ومسح المناطق الفلسطينية من الخريطة تماما، وقلع جذور الشعب الفلسطينى من أرضه، هذه هى سياستهم التى ينتهجونها، والتى تم التخطيط لها مسبقا، بدعم من الغرب الصهيونى الأمريكى المطبع.
لذلك يعد التحيز الذى ظهر فى التقارير والمقالات الصحفية الغربية نمطًا شائعا ومتعارضا مع مفهوم الحياد الذى يجب أن تتحلى به وسائل الإعلام والصحافة.
تتفق الكثير من الأصوات الإعلامية على أن هناك تحيزا واضحا من قبل العديد من الوسائل الإعلامية الغربية لمصلحة إسرائيل فى كل مواجهة أو حرب على الفلسطينيين.
على صعيد متصل، ظهر هذا التحيز بوضوح وكثافة، وبأشكال عدة، كان من أهمها استخدام خطاب مؤيد لأفعال إسرائيل، وظهرت فيه سمات الخطاب الإعلامى الغربى تجاه حرب إسرائيل على غزة حتى الوحشية منها، واستخدام مصطلحات ولغة مضللة فى نقل الأحداث، والتركيز على هجمات حماس والضحايا المدنيين الإسرائيليين.
يلاحظ هذا التحيز حتى فى وسائل الإعلام التى تتفاخر بالالتزام بمعايير صحفية صارمة، مثل هيئة الإذاعة البريطانية BBCالمنحازة بشدة للرواية الإسرائيلية التى نشرت تغريدة فى صفحتها على موقع إكس، وتنص على أن الإسرائيليين "يتعرضون للقتل".
على النقيض طبعا، جرى وصف الفلسطينيين بأنهم "يموتون" بكل بساطة، وهذا ما يمكن أن يخلق انطباعا بأن بعض الوفيات قد تكون عرضية أو غير متعمدة، أو غير مفسرة، فيما تصوّر وفيات الإسرائيليين نتيجة لأعمال عنف أو قتل محددة ومتعمدة.
لذلك، لا بد من التمييز بين مفهومى "القتل" و"الوفاة" عند تغطية الأحداث فى الصحافة؛ فمصطلح "الوفاة" يشير إلى فقدان الحياة بشكل عام ومحايد، مثل حالات الموت الطبيعى والحرائق والكوارث، لكن "القتل" مصطلح يُستخدم للإشارة إلى فقدان الحياة من جراء أعمال عنف، كما فى حالات الهجمات الإرهابية.
يسلط استخدام "القتل" الضوء على طبيعة العمل العنيف ويعزز من مسئولية الجناة، فيما يمكن أن يكون مصطلح "الوفاة" أكثر عموما فى توصيف الخسارة البشرية.
لم يقتصر التأييد على BBCفقط، لكن هناك بعض الوسائل التى تؤيد من وراء ستار، من خلال التلاعب بالألفاظ لقلب الطاولة على الشعب الفلسطينى ومقاومة حماس مثال شبكة ABC NEWSالتى نشرت تقريرا فى 11 أكتوبر 2023، وصرحت فيه بأن المدنيين فى قطاع غزة يشعرون بالخوف نتيجة للضربات الإسرائيلية التى تستهدف "مقاتلى حركة حماس الإرهابية".
إن صياغة الخبر بهذا الشكل وخلط المصطلحات بهذه الطريقة من شأنه التخفيف من حدة العنف والقتل الذى يتعرض له الفلسطينيون نتيجة للاحتلال، وإعفاء إسرائيل من المسئولية المباشرة عن قصف المدنيين.
فى مقابلة أجرتها قناة BBC، مع سفير فلسطين لدى المملكة المتحدة، حسام زملط، تميزت أسئلة المذيع بتركيزها على إدانة هجمات حركة حماس، وتجاهل الضحايا الفلسطينيين من جراء القصف الإسرائيلى.
وفى رده على المذيع، أشار السفير الفلسطينى إلى أن وسائل الإعلام الغربية كانت دوما تنحاز للرواية الإسرائيلية، وأشار إلى أنه يُدعى للحديث على التلفزيون عندما يكون هناك قتلى إسرائيليون فقط، فيما لا تستضيفه وسائل الإعلام عندما تشن إسرائيل هجماتها على الفلسطينيين.
يظهر تحيز الإعلام الغربى أيضا فى قناة فوكس نيوز التى تعرف بتوجهاتها اليمينية والمؤيدة لإسرائيل؛ حيث استضافت مايكل ألين مساعد الأمن القومى السابق فى البيت الأبيض فى تاريخ 12 أكتوبر فانتقد وكالات الأخبار العالمية التى تقوم حسب زعمه "بتحويل اللوم بما يحصل من حماس إلى إسرائيل".
ووصف الأمر "بالمثير للاستهجان" ودعا إلى ضرورة الضغط على وسائل الإعلام لإيقاف ذلك.
فى السياق نفسه، تصوغ ABC NEWS، الأخبار غالبا بطريقة لا تُحدّد مسئولية من نفّذ الهجوم مباشرة، واستخدمت مصطلح "القصف الذى يستهدف قطاع غزة"؛ إذ تستخدم مصطلحات مثل "تعرض لأضرار" أو "دُمر"، دون توضيح سياق القصف بدقة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن ملاحظة وجود تحيّز فى اختيار مصطلحات عناوين التقارير الإخبارية؛ إذ تصف ABC Newsفى أحد تقاريرها الهجمات التى نفذتها حماس ضد إسرائيل بأنها "مذبحة"، فى حين تستخدم مصطلحات معتدلة عند نقل الأخبار المتعلقة بالهجمات الإسرائيلية وتربطها مباشرة بقتال حماس، متجاهلة أن تلك الهجمات تؤدى إلى قتل مئات المدنيين فى قطاع غزة.
على صعيد متصل، أشارت الوسائل الإعلامية الغربية فى تغطيتها للأحداث التى تلاحقت بعد عملية طوفان الأقصى، إلى فتح آفاق جديدة تُعرض فيها "حقائق تاريخية" حول ما حدث فى فلسطين مع ذكر مفاهيم للجهات المشاركة فى الأحداث، إلى جانب الأخبار، مثل حركة حماس.
مثال على ذلك، فتحت ABC Newsنافذة حول جذور المشكلة، مصوّرة الأمر كصراع بين إسرائيل كدولة وحماس كمنظمة إرهابية. واستخدمت مصطلحات مثل "حق إسرائيل فى الوجود"، بحيث أهملت جذور الصراع الأساسية ولم تُلقِ الضوء على حق الفلسطينيين فى أرضهم، وأن أصل المشكلة هى قضية احتلال إسرائيل لأرض فلسطين، وعدم السماح للفلسطينيين ببناء دولتهم المستقلة.
كما نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية أيضا أخبارا تنص على انحيازها الشديد لحرب الصهاينة فى غزة غير موثقة عن عمليات اغتصاب للنساء قام بها المقاتلون الفلسطينيون، رغم أن الصحيفة الأكثر انتشار فى الولايات المتحدة تراجعت عن الخبر.
يتعامل الإعلام الغربى الأحول مع الأحداث بعين واحدة تتجاهل تماما المذابح الجماعية بالطائرات وإبادة أحياء سكنية بكاملها، ويصب جل اهتمامه على فتاة ألمانية زعموا بأن الفلسطينيين قتلوها، ثم اتضح أنها على قيد الحياة، وأن أهل غزة هم من أنقذوا حياتها.
بات الإعلام الغربى مشاركا فى الحرب على غزة، وطرفا أصيلا متضامنا مع جيش الإحتلال الإسرائيلى بتضليل الرأى العام حتى يصمت عن المجازر الإسرائيلية، وتركيزه على هجمات حماس كمبرر للضربات الإسرائيلية التى تقتل المدنيين.
يضاف إلى ذلك بعض الانتقادات الصهيونية الأكثر تعاطفا بالطبع مع رفيقة ديانتها التى تسير معها على نهج واحد. إن الغرب لا يكفيه كل تلك المجازر والإبادة، ولم يشف غليله موت الأطفال وسلب الحى منهم، سواء كان أمه أو أباه أو أخاه، لم يكفه صرخات وآهات الآباء والأمهات على فقد أحبتهم.
كل هذا يتم تحت رعاية الإعلام الغربى الذى لا يراعى أبسط القواعد المهنية فى ممارسة العمل الإعلامى، ودخل على خط المعركة ضد العرب والفلسطينيين، منحازا طوال الوقت للروايات والأكاذيب الإسرائيلية مخالفا أبسط قواعد المهنة التى تشدق بها كثيرا وخدعنا بها وابتز الكثير من مؤسسات الإعلام العربية بالدورات التعليمية والمحاضرات عن المهنية والتوثيق والتدقيق والمواثيق. على ضفاف هذا، انتقدت جوليانا جيران بيلون، الكاتبة الأمريكية، وسائل الإعلام الغربية بشدة لتبنيها خطابا أقل تعاطفا مع إسرائيل خلال الحرب الأخيرة. لم يكفها التضليل والتزييف ونشر مقاطع فيديو مفبركة ونشر صور وأخبار مزيفة تزيف كل ما هو حقيقى بما يخدم أهواءهم.
فى السياق نفسه، أدت الدور نفسه صحيفة عريقة كبرى مثل صحيفة "ديلى ميل" التى تأسست عام 1896 ويزور موقعها الإلكترونى 100 مليون زائر شهريا، ومتوسط عدد القراء يوميا أكثر من مليون قارئ؛ حيث تنقل أخبارا كاذبة عن مراسلة إحدى القنوات الإسرائيلية بأن مسئولين إسرائيليين قالوا: "إنهم عثروا على جثث لأربعين رضيعا برءوس مقطوعة فى مستوطنة كفار عزا"، دون التدقيق من الصحيفة البريطانية، وهو أيضا ما قامت به صحيفة بريطانية معروفة أخرى هى "التايمز" التى كتبت على صفحتها الأولى: "حماس تذبح حناجر الرضع"!
يأتى ذلك فى الوقت الذى كشف فيه إعلامى إسرائيلى اسمه "أورن زائيف" على صفحته فى وسائل التواصل الاجتماعى كذب ما حدث، مشيرا إلى أنه شارك فى الجولة الإعلامية، نافيا وجود أى دليل عن قتل حماس للرضع، وقال: "الضباط الإسرائيليون لم يذكروا أى حادث من هذا القبيل".
على صعيد ذى صلة ما قامت به جماعات ولوبيات عديدة مؤيدة لإسرائيل، سواء كان علنا أو خفية من خلال ممارسة ضغط على وسائل الإعلام الغربية لضمان تغطية أكثر إيجابية لإسرائيل، وحماية سياساتها من النقد.