لم ينهِ حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري الجدل حول تصويت المصريين بالخارج. وبالرغم من أن الحكم قد ألزم الحكومة المصرية، ممثلة في اللجنة العليا للانتخابات، بأن تنظم مباشرة المصريين بالخارج لحقوقهم الانتخابية، فإن هناك شكوكا كثيرة تتعلق بإمكانية تنفيذ ذلك الحكم، سواء بسبب التعقيدات الإجرائية التي قد تعترض هذا التنفيذ، أو نتيجة ضيق الوقت المتاح بين صدور الحكم وتاريخ إجراء الانتخابات البرلمانية نهاية شهر نوفمبر الجاري.
وبغض النظر عن الصعوبات التي قد تعترض تنفيذه، فإن الحكم القضائي قد سلط الضوء على قطاع كبير من المصريين خارج الوطن لم يحظ بالاهتمام الكافي، وأوجب البحث في أماكن تركزهم الرئيسية، وطبيعة ميولهم وتوجهاتهم السياسية، بوصفهم قوة تصويتية لا يستهان بها، بوسعها ترجيح كفة أي من القوى والتيارات السياسية.
أولا: التوزيع الجغرافي للمصريين بالخارج
لا يوجد إحصاء رسمي دقيق وشامل لعدد المصريين في الخارج. ففي الوقت الذي تشير فيه التقديرات غير الرسمية إلى وجود ما يقرب من 8 ملايين مصري في الخارج، تشير الأرقام الرسمية (1) إلى أن عدد المصريين بالخارج يبلغ 2.7 مليون نسمة، تتركز غالبيتهم العظمى- ما يقرب من 69.9%- في الدول العربية، لاسيما الخليجية منها، مقابل 30.1% موزعة بين أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
1- المصريون في الدول العربية:
يتركز غالبية المصريين بالخارج في الدول العربية، وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود ما يقرب من 1.9 مصري في الدول العربية، أي ما يعادل 69.9% من إجمالي عدد المصريين في الخارج. ويتوزع هؤلاء المصريون على الدول العربية كالآتي:
- السعودية تحظى بنصيب الأسد من المصريين بالخارج (ما يقرب من 923.6 ألف مصري، أي ما يعادل 48.3% من إجمال عدد المصريين بالخارج في الدول العربية )
- ليبيا ، ويقيم بها نحو 332.6 ألف مصري، فيما يوجد في الأردن نحو 226.8 ألف مصري، بينما يصل العدد في الكويت نحو 190.5 ألف مصري.
- باقي الدول العربية: (الإمارات- العراق- قطر- اليمن- سلطنة عمان- لبنان- البحرين)، ويقيم بها ما يقرب من 239 ألف مصري.
2- المصريون في الدول الغربية:
يتركز ما يقرب من824 ألف مصري (أي ما يعادل 30.1% من إجمالي عدد المصريين في الخارج) في الدول الغربية، ويتوزعون كالتالي:
- الولايات المتحدة الأمريكية: وتستضيف ما يقرب من 318 ألف مصري، فيما يصل العدد في كندا 110 آلاف مصري.
- إيطاليا: وتستضيف 90 ألف مصري، فيما يبلغ العدد في استراليا نحو 70 ألف مصري، أما اليونان فيقيم بها ما يقرب من 60 ألف مصري.
- يتوزع باقي المصريين (ما يقرب من 176 ألف) على دول: هولندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وسويسرا، والنمسا، وإسبانيا.
وتجدر الإشارة إلى أن التحويلات المالية للمصريين بالخارج تشكل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد المصري. فوفقا لتقديرات البنك الدولي، شهدت تحويلات المصريين بالخارج زيادة ملحوظة خلال العقد الماضي، فقد ارتفعت من 2,96 مليار دولار في عام 2003 إلى 5.3 مليار دولار في عام 2006، لتصل إلى 8.96 مليار دولار في عام 2008. وفي عام 2009، ونتيجة للأزمة المالية العالمية، انخفضت التحويلات المالية إلى 7.8 مليار دولار، أي ما يعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم ذلك الانخفاض، فإن مصر لا تزال تحتل المرتبة الأولى في الشرق الأوسط بين الدول التي تتلقى تحويلات مالية من مواطنيها بالخارج.
ثانيا: تجمعان متمايزان للمصريين بالخارج
في ضوء البيانات المتاحة عن أماكن وجود المصريين في الخارج، وخصائصهم الاقتصادية والاجتماعية، يمكن التمييز بين تجمعين رئيسيين للمصريين في الخارج من حيث: التركز الجغرافي، والخلفية الاقتصادية والاجتماعية، ومستوى التعليم، بالإضافة إلى إمكانية الانخراط في تنظيمات سياسية أو ثقافية.
1- التركز الجغرافي: يتركز التجمع الأول من المصريين في الخارج في الدول العربية (نحو 69.9%)، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي الست (نحو 65.6%). أما التجمع الثاني من المصريين، فيتركز في دول أوروبا وأمريكا الشمالية، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية (نحو 38.3%).
2- الخلفية الاقتصادية والاجتماعية: حيث تندرج غالبية المصريين في الدول العربية ضمن فئة العمالة الوافدة، فالضغوط الاقتصادية والبحث عن فرصة عمل هما الدافع الرئيسي وراء سفر هؤلاء المصريين لتلك الدول. ومن ثم، تحتل القضايا الاجتماعية والاقتصادية مكانة مهمة لدى المصريين في تلك الدول، وفي المقابل تتراجع القضايا السياسية.
أما فيما يتعلق بالمصريين في الدول الغربية، فرغم أن الضغوط الاقتصادية تمثل عاملا مشتركا مع نظرائهم في البلدان العربية، فإن الأوضاع السياسية والظلم الاجتماعي والبحث عن حياة أفضل، كانت هي الأخرى أسبابا لدى هذا التجمع للسفر خارج مصر. ولا يندرج المصريون في هذه الفئة ضمن العمالة الوافدة فحسب، بل إن قطاعا كبيرا منهم غادر وطنه بغرض الدراسة أو الإقامة الدائمة، أو حتى هربا من أوضاع سياسية غير مواتية. ونتيجة لذلك، فإن القضايا السياسية تحتل جانبا مهما في أولويات هؤلاء المصريين.
3- مستوى التعليم:حيث تتراوح نسبة المصريين في الغرب الحاصلين على درجة جامعية أو ما بعد جامعية (دراسات عليا) ما بين 21% في إيطاليا (من إجمالي المصريين في إيطاليا)، و65.4% في كندا (من إجمالي المصريين في كندا). وبشكل عام، فإن ما يقرب من 47% من المصريين في الغرب حاصلون على درجة جامعية على الأقل، أي ما يعادل خمسة أضعاف نسبة الحاصلين على درجة جامعية على الأقل في مصر (9.95% وفقا لتعداد عام 2006).
ووفقا لدراسة أعدتها منظمة الهجرة الدولية حول ديناميكيات الجاليات المصرية في الخارج (يوليو 2010)، فإن مستوى التعليم بين المصريين المقيمين في الغرب أعلى من نظيره لدى المصريين المقيمين في الدول العربية. ففي حين تبلغ نسبة المصريين المقيمين في الغرب الذين لم يحصلوا على درجة جامعية نحو 3.6%، تصل تلك النسبة إلى ما يقرب من 25% بين المصريين في الدول العربية. كما أن أكثر من 65% من المصريين المقيمين في الغرب حصل على درجة تعليم ما بعد الجامعي، و20% منهم حصل على درجة الدكتوراه.
4- الانخراط في تنظيمات وتجمعات ثقافية واجتماعية: حيث يتمتع المصريون المقيمون بالدول الغربية بحرية الانخراط في تجمعات أو تنظيمات، بعضها سياسي، والبعض الآخر ثقافي واجتماعي، مقارنة بحرية محدودة جدا لدى المصريين في البلاد العربية في الانخراط في مثل هذه التجمعات. ويرجع ذلك في جانب كبير منه إلى اختلاف طبيعة النظم السياسية العربية، التي تتيح هامشا للحرية محدودا للغاية لمواطنيها ولغير مواطنيها على حد سواء، عن النظم السياسية الغربية التي تتمتع بهامش كبير من الحرية.
وتشير دراسة منظمة الهجرة الدولية إلى أن نحو 40.5% من المصريين المقيمين في الدول الغربية أعضاء في منظمات وتجمعات ثقافية أو سياسية أو اجتماعية، مقابل 8 % فقط من المصريين في الدول العربية.
ثالثا: عقبات إجرائية أمام التصويت
يشكك الكثيرون في إمكانية تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري الخاص بإلزام الحكومة المصرية بالسماح للمصريين في الخارج بالتصويت في الانتخابات. ويستند هؤلاء إلى مجموعة من الصعوبات التي تعترض تنفيذ الحكم، بعضها إجرائي، والآخر قانوني. وتتمثل أهم هذه الصعوبات في:
1- عدم وجود حصر دقيق وشامل للمصريين في الخارج، وما ينتج عن ذلك من تعقيدات إجرائية من قبيل استحالة تحديد عدد الدوائر الانتخابية التي سيصوت لها هؤلاء المصريون، ومن ثم صعوبة تحديد عدد صناديق الاقتراع التي يجب توفيرها، أو عدد استمارات التصويت التي يتعين طبعها. وإذا كانت اللجنة العليا للانتخابات قد حاولت التغلب على ذلك، من خلال دعوة المصريين في الخارج لتسجيل أصواتهم على الموقع الإلكتروني للجنة، فإن هناك العديد من التحفظات حول مدى فاعلية هذا الإجراء، من بينها أن قطاعا لا بأس به من المصريين بالخارج لا يملك بطاقة رقم قومي، ومن ثم لا يستطيع التسجيل على الموقع الإلكتروني للجنة. بالإضافة إلى أن قطاعا آخر من المصريين لا يجيد التعامل مع شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، نظرا لانخفاض مستوى التعليم، وبالتالي يستحيل على هؤلاء تسجيل أسمائهم.
2- قلة إمكانية العديد من السفارات والقنصليات المصرية في الخارج، وعدم جاهزيتها لاستقبال آلاف المصريين الذين سيدلون بأصواتهم، فبعض هذه القنصليات والسفارات في عمارات سكنية، وبعضها الآخر مساحته محدودة لا تسمح باستقبال هذا العدد الكبير من المصريين.
3- ضيق الوقت المتاح، سواء أمام اللجنة العليا للانتخابات للتغلب على العقبات الإجرائية التي سبق ذكرها، أو أمام المصريين بالخارج للتعرف على برامج المرشحين في دوائرهم الانتخابية.
4- مدى قانونية السماح للسفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية بالإشراف على الانتخابات، ومدى تعارض ذلك مع نص الإعلان الدستوري الذي يعطي القضاة دون غيرهم حق الإشراف على الانتخابات، وهو ما قد يفتح الباب أمام الطعن على نتيجة الانتخابات في حد ذاتها.
رابعا: لمن سيصوت المصريون بالخارج؟
لا توجد دراسات أو بيانات كافية تتناول التوجهات السياسية والتصويتية للمصريين بالخارج، باستثناء بعض الكتابات التي تتناول نشاط بعض التجمعات مثل أقباط المهجر. ولذا، يصعب التنبؤ بنمط معين لتصويتهم في الانتخابات البرلمانية القادمة، أو الحديث عن وجود ميول واضحة لدى المصريين بالخارج للتصويت لصالح تيار سياسي بعينه.
وبصفة عامة، وكما سبقت الإشارة، فإن الغالبية العظمى من المصريين في الخارج توجد في الدول العربية (نحو 69.9%). وتعد المملكة العربية السعودية صاحبة النصيب الأوفر من المصريين في الخارج (نحو 48.3%). وتكمن دلالة هذه الأرقام في أن الكتلة التصويتية الكبرى للمصريين في الخارج- نحو الثلثين- تتركز في دول عربية، معظمها ملكية ذات نظم سياسية محافظة تنظر بريبة شديدة إلى الثورة المصرية، وتعتبرها مصدر تهديد لها. بل إن بعض هذه الدول لم يخف عداءه للثورة المصرية منذ قيامها، ومارس ضغوطا كبيرة، سواء على الولايات المتحدة الأمريكية لدعم نظام مبارك ضد الاحتجاجات التي خرجت في بداية الثورة، أو على المجلس العسكري للحيلولة دون محاكمة مبارك ورموز نظامه.
وتحدثت بعض التقارير عن استخدام بعض هذه الدول للعمالة المصرية كورقة للضغط على الحكومة المصرية، بالإضافة إلى الاتهامات التي توجه لبعض هذه الدول بتقديم تمويل لبعض التيارات الإسلامية في مصر، وبصفة خاصة التيارات السلفية.
وعلاوة على ما سبق، هناك مخاوف من أن تقوم بعض هذه الدول بوضع عقبات أمام إجراء الانتخابات على أراضيها- سواء بالرفض أو اشتراط إبلاغها قبل فترة زمنية تتجاوز الفترة المتبقية قبيل الانتخابات- أو أن تمارس ضغوطا على المصريين المقيمين بها لدفعهم للتصويت لتيارات إسلامية محافظة أو محسوبة على النظام السابق، سواء عن طريق استخدام المال السياسي، أو التهديد بترحيلهم.
وإذا أخذنا في الحسبان أن قطاعات كبيرة من المصريين المقيمين في تلك الدول ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة، والمهمومين بشكل أساسي بأوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، فإنه من المتوقع استجابة بعضهم للضغوط التي قد تمارس عليهم، وميل البعض الآخر إلى الإحجام عن المشاركة في الانتخابات، خوفا من أي عواقب قد تهدد مصدر معيشتهم.
ومن المرجح أيضا أن تجتذب التيارات الإسلامية أصوات قطاع من المصريين المقيمين بتلك الدول، وذلك بحكم تأثرهم بالثقافة السياسية السائدة في الدول العربية، لاسيما الخليجية منها.
وفيما يتعلق بالمصريين المقيمين في الدول الغربية، فإنه من المتوقع أن يشاركوا في الانتخابات البرلمانية المقبلة بنسب أكبر من نظيرتها لدى المصريين في الدول العربية، وأن تصوت قطاعات كبيرة منهم لصالح القوى الليبرالية والثورية، وذلك نتيجة لعدة اعتبارات، من أهمها:
1-ارتفاع مستوى التعليم بين المصريين المقيمين بالدول الغربية، مقارنة بنظيره لدى المقيمين بالدول العربية، كما سبقت الإشارة.
2- طبيعة الثقافة السياسية السائدة في الدول الغربية، والتي تشجع المشاركة السياسية من ناحية، وتعمل على تعزيز قيم الحرية والديمقراطية من ناحية أخرى، مقابل ثقافة سياسية تسلطية وقمعية في الدول العربية.
3- انخراط جانب كبير من المصريين بالدول الغربية في تجمعات وتنظيمات، بعضها سياسي، والآخر اجتماعي وثقافي، في الوقت الذي تغيب فيه مثل هذه التجمعات عن المصريين في الدول العربية.
وتعد التجمعات القبطية في الخارج، خاصة في الولايات المتحدة وكندا، من أهم هذه التنظيمات، حيث يتوقع كثيرون أن تلعب هذه التنظيمات دورا كبيرا في حشد أصوات المصريين الأقباط. ومن أهم هذه التجمعات "منظمة أقباط الولايات المتحدة"، التي أسسها مايكل منير في العاصمة الأمريكية واشنطن عام 1996، وهي منظمة تتبنى مواقف متطرفة بشأن قضايا الأقباط في مصر، وتتمتع بعلاقات قوية مع بعض دوائر صنع القرار الأمريكية.
بالإضافة إلى منظمات أخرى، مثل "الأقباط متحدون"، التي أسسها الملياردير المصري عدلي أبادير في سويسرا في عام 2004، و"التجمع القبطي الأمريكي" الذي أسسه كمال حليم في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2005. وكما هو الحال مع المصريين في البلاد العربية، هناك مخاوف من أن تلقي بعض هذه التنظيمات تمويلا خارجيا لحشد المصريين للتصويت لتيارات معينة.
4-تنوع التركيبة الاجتماعية والثقافية للمصريين في الدول الغربية، مقارنة بالتركيبة الاجتماعية للمصريين في الدول العربية، كما سبقت الإشارة. ونتيجة لهذا التنوع، فإن القضايا السياسية تحتل مكانة مهمة في سلم أولويات المصريين في هذه الدول.
وتجدر الإشارة أخيرا إلى أنه بعيدا عن أية تعقيدات قد تعترض تصويت المصريين بالخارج، فإن قرار محكمة القضاء الإداري بالسماح لهم بالتصويت في الانتخابات يعد قرارا تاريخيا بكل المقاييس، وربما يشكل دافعا إضافيا لدى الحكومات القادمة لرعاية مصالح هؤلاء، وحفظ حقوقهم، طمعا في أصواتهم الانتخابية على أقل تقدير.
(*)الأرقام الرسمية تمثل اعداد المصريين في الخارج المسجلين لدى الجهاز المركزي للاحصاء والتعبئة ومنظمة الهجرة الدولية، وهي لا تعكس بدقة التطور الحالي في اعداد المصريين في الخارج ، ولكنها المتاحة في ظل عدم وجود احصاء رسمي دقيق لكل المصريين في الخارج بتصنيفاتهم المختلفة ، واستند التحليل إلى المصادر التالية:
- International Organization for Migration (IOM). A Study on the Dynamics of theEgyptian Diaspora: Strengthening Development Linkages (Cairo: Egypt, July 2010). pp. 17-19, at:http://www.egypt.iom.int/publications.htm.
- العمالة المصرية بالخارج (الهجرة المؤقتة). الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء:
http://www.capmas.gov.eg/default.aspx