· "فى فجر التاريخ، لاح فجر الضمير الإنسانى، وتجلى فى قلوب أجدادنا العظام، فاتحدت إرادتهم الخيرة، وأسس أول دولة مركزية، ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل، وأبدعوا أروع آيات الحضارة وتطلعت قلوبهم إلى السماء، قبل أن تتنزل رسالتها إلى الأرض...".
· "نحن نؤمن أننا قادرون أن نستلهم الماضى، وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل، وأن نبنى مجتمعا مزدهرا متلاحما، ودولة عادلة تحقق طموحات اليوم والغد، للفرد والجماعة الوطنية...".
· "نحن قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا، ولنا – ولأجيالنا القادمة – السيادة فى وطن سيد..." ..
· "ونحن الآن نكتب دستورا لدولة الثورة، نغلق به الباب أمام أى فساد وأى استبداد، ونعالج فيه جراح الماضى من زمن الفلاح الفصيح القديم، وحتى ضحايا الإهمال وشهداء الثورة ومصابيها فى زماننا، ونرفع الظلم عن بعض فئات شعبنا، التى عانت طويلا بسبب موقعها الجغرافى أو خصوصيتها الثقافية، كأهل النوبة والصعيد وسيناء والواحات".
· "نحن الآن نكتب دستورا ينير لنا طريق المستقبل، ويتسق مع الشرعية الدولية لحقوق الإنسان التى شاركنا فى كتابتها وصدقنا عليها، ونرى أن تنوع مصادر التشريع يثرى حياتنا ويفتح أمامنا آفاق التقدم".
تلك كانت مقتطفات من ديباجة دستور 2014 التى أبدع صياغتها الشاعر الراحل سيد حجاب التى جاءت بمنزلة واحدة من معلقات أزمنة الإبداع الشعرى الوطنى البديع.
وقد اختار أن يختتم الديباجة بتوقيع: نحن المواطنات والمواطنين، نحن الشعب المصرى، السيد فى الوطن السيد، هذه إرادتنا، وهذا دستور ثورتنا.
لقد عبر فى نص الديباجة عن الروح المصرية والوجدان الشعبى والإنسانى بروح الشاعر المتيم بقدرها وتاريخها، وكتب سطورها كرسالة محبة لمصرنا، مهد الدين، وراية مجد الأديان السماوية، مصر التى تجلى فيها نور الله لنبيه سيدنا موسى، مصر الثورة، الإشارة والبشارة – كما وصفها سيد حجاب - إشارة إلى ماض لا يزال حاضرا، وبشارة بمستقبل تتطلع إليه الإنسانية كلها..
وظل "حجاب"- الذى تحل ذكرى ميلاده، حيث أنه من مواليد 23سبتمبر 1940- ينادى ويطالب بأهمية اكتمال وضع أسس رؤية متكاملة لوضع بنية ثقافية لها هوية مصرية، وفى هذا السياق لابد من تجهيز أجيالنا الطالعة بمناهج حضارية وتربوية قادرة على تشكيل شخصية مواطن صالح، فكل المناهج التربوية فى العالم تهدف إلى بناء الشخصية التكاملية، بإيقاظ العقل النقدى فى النشء، فى مراحل التعليم الأولى، ومن سن 14 يعوِّدونهم على ما يسمى أساليب المحاكمة العقلية التى تجعله يملك العقلية النقدية، ليقبل ويرفض من خلالها، بعكس ما يحدث عندنا، فنحن نعتمد منهجا لتكوين شخصية متوائمة لا شخصية متكاملة، يعتمد على التلقين والحشو، فى الوقت الذى يؤكد فيه الدستور أن الهدف من العملية التعليمية هو بناء الشخصية الوطنية المصرية، وأن يكون مبنيا على أسس المنهج العلمى، وإذا حققنا هذا فسنكون أسسنا لمستقبل تعليمى وثقافى سليم، كما أننا فى حاجة إلى الانفتاح على كل ثقافات العالم المتقدم، والانفتاح أيضا على أصولنا الثقافية فى الوقت نفسه، لن يحدث التقدم إلا بإعمال العقل فى علوم النقل، وبانفتاح العقل على علوم العصر.
"حبيبتى من ضفايرها طل القمر، وبين شفايفها ندى الورد بات، ضحكتها بتهز الشجر والحجر، وحنانها بيصحّى الحياة فى النبات"، أبيات غزل رقيق "حجابية" فى حب الوطن وتجلياته وعبقرية موجوداته فى تابلوهات برومانسية محسوسة وتهز الوجدان فيغنيها معه مواطننا فى كل المحروسة..
و"لازم أشك الأندال مهموز، وأدوس ع اللى افترى والعنطوظ.. أراجوز، وشجيع، والدنيا ميدان، فارس.. حارس.. واقف ددبان، وإذا بان للشر نيبان وزبان، باحمى الغلبانة والغلبان"..
دائما كان "عمنا حجاب" صوتا للغلابة فى مواجهة كل قوى كسر خاطرهم وتم وأد أحلامهم وتطلعاتهم برؤى خاصة وبأبعاد فلسفية مهمة، ليصنع من أبياته غنوة حلوة حلاوة مصرية وبصور جميلة جمال ناسها وحضارتها، وملهمة لمقاومة أباطرة صناعة الجهل والتخلف والمعادية لكتائب التنوير الزاحفة لتقدم الصفوف.
كان دائما يردد: "تكتسب البيوت حياتها من حياة الموجودين داخلها"، بيوت بطعم بيوت أشعاره الدافئة بملامح أزمنة الماضى الجميل فبقيت ماثلة فى وجدان ومشاعر سكانها.. وكان يذكر محبيه بقصيدة للشاعر الألمانى برتولد بريخت يقول فيها: "البيت الصغير تحت الشجر عند البحيرة يتصاعد من سقفه الدخان إذا غاب يوما فما أتعس البيت والشجر والبحيرة".
"إن الشاعر الكبير سيد حجاب يمثل معنى فريدا فى الوجدان الجمعى المصرى والعربى، ويعد أحد أبرز صناعه منذ عقد الستينيات وإلى أمد بعيد"، وفق ما ذكر الناقد الأدبى الدكتور يسرى عبدالله، كما لُقب بـ"الشيخ سيد"، ويرجع ذلك إلى سبب تسميته على اسم السيد البدوى، عندما أرادت والدته أن تخاوى ابنها الأول صلاح، ذهبت إلى كنسية مارى جرجس بميت دمسيس لتوفى ندرا، إلى جانب ندر آخر للسيد البدوى بطنطا، وقبل ميلاده حلمت الأم بأن السيد البدوى أتاها بالمنام ويبشرها بغلام، ومن هنا قرر والده ووالدته أن يُسمى "سيد".
نال حجاب العديد من الجوائز والتكريمات من بينها جائزة "كفافيس" الدولية فى عام 2005 فى الشعر عن مجمل أعماله، كما كرمه معرض تونس الدولى للكتاب فى دورته السادسة والعشرين، بوصفه أحد رموز الشعر، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية للآداب. ورحل حجاب عن عالمنا يوم الأربعاء 25 يناير 2017، بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 77 عاما.