لا شك فى أن الحكومة المصرية تدرك أن الإصلاح الإدارى يمثل أولوية عظمى لتحقيق رؤية الدولة وأهدافها، وللتعامل مع واقع عدم رضا معظم المواطنين على الخدمات المقدمة لهم من قِبل الجهات الحكومية، ورأى البعض أن المتهم الرئيسى فى ذلك هو الجهاز الإدارى للدولة، الذى اتسم ببعض الصفات السلبية كتغول البيروقراطية، وندرة وجود الكفاءات والكوادر المتميزة فى معظم مؤسساته.
والحقيقة، إن الخوض فى الأسباب الفنية والتاريخية فى هذا الشأن هو أمر تنوع وتكرر فى كثير من الأدبيات، وبالمراجعة وجدنا أن هناك سببا اتفق عليه جميع الباحثين وهو عدم كفاءة وفاعلية عملية التدريب والتأهيل بالجهاز الإدارى للدولة.
ومن هذا المنطلق أُعدت خطة الإصلاح الإدارى فى مصر عام 2014 التى تكونت من ثلاثة أبعاد رئيسية لإصلاح القطاع الحكومى، كان البعد الأول منها يختص بعناصر الجهاز الإدارى نفسه، وكان يركز بشكل أساسى على الموظفين العموميين، وتضمن عدة محاور أساسية منها: الإصلاح التشريعى المنوط بتنظيم العلاقة الوظيفية بين الموظف العام والدولة، والتطوير المؤسسى، وبناء القدرات. واشتمل البعد الثاني على الخدمـات التـي تقـدم للمواطنيـن ودرجـة إتاحتهـا وجودتهـا وتكلفتهـا. بينما تناول البعد الثالث حوكَمـة الجهـاز الإداري للدولـة بما يضمـن تعزيـز المشـاركة المجتمعيـة وترسـيخ مبـادئ الشـفافية، وذلك مـع تطويـر برامـج مكافحـة الفسـاد يمـا يزيـد مـن ثقـة المواطـن.
وفى عام 2015، أطلقت الحكومة المصرية استراتيجية التنمية المستدامة "رؤية مصر 2030"، وفى محورها الرابع ركزت الحكومة على إصلاح المؤسسات الحكومية، وأطلق على هذا المحور آنذاك اسم "الشفافية والمؤسسات الحكومية الفعالة". وتحدد الهدف الرئيسى وهو الوصول إلى: "جهاز إدارى يتميز بالكفاءة والفعالية والمواءمة مع المتغيرات المحلية والعالمية".
ومن ثم أعلنت الحكومة المصرية بشكل مباشر أن رضا المواطن سيكون الهدف الرئيسى لجميع المؤسسات الحكومية. وبناء عليه، فقد أوضحت الحكومة أنه من أجل تحقيق جميع محاور"رؤية مصر 2030" يستلزم الأمر البدء بتطوير القطاع الحكومى، ومن أجل الارتقاء بالمؤسسات العامة يجب أن يتم التركيز أولا على تدريب الموارد البشرية وتطويرها.
ومن هنا ظهرت بعض المؤسسات الحديثة التى اختصت بتدريب الكوادر الحكومية وتأهيلها ،كالأكاديمية الوطنية للتدريب وتأهيل الشباب، والمعهد القومى للحوكمة والتنمية المستدامة، كما تطورت كثيرا من المؤسسات الحكومية الأصيلة المعنية بتدريب الجهاز الإدارى للدولة كالجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، ومعهد التخطيط القومى. وفى الحقيقة، تضافرت جميع الجهود لإتاحة فرص تدريب متساوية لكل العاملين بالجهاز الحكومى،وذلك بالتوازى مع الانتقال الأمثل للحكومة إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
ومن هذا المنطلق نستعرض بشكل موجز مؤسستين من أهم مؤسسات التدريب الحكومى فى الدولة المصرية:
1- الأكاديمية الوطنية للتدريب:
أنشئت الأكاديمية الوطنية لتدريب الشباب وتأهيلهم للقيادة بناء على إحدى توصيات المؤتمر الوطنى الأول للشباب بشرم الشيخ عام 2016، وتتميز بأنها أحد اهتمامات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مجالات التدريب وبناء الإنسان المصرى. وتعد الأكاديمية الوطنية للتدريب فى مصر واحدة من أهم المؤسسات المعنية بالتدريب عامة والتدريب الحكومى خاصة فى جميع أنحاء الجمهورية؛ حيث تهدف إلى تدريب الكوادر الوطنية وتأهيلهم فى مختلف المجالات وتطوير قدراتهم بحيث يمكنهم تقديم المساهمة الفعالة والمبتكرة فى المجالات المختلفة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
وتقدم الأكاديمية نوعين من النشاطات، أحدهما البرامج التى تتم بتكليفات رئاسية أو بتكليفات من رئاسة مجلس الوزراء، وذلك لتأهيل مواطنين سيلتحقون بالعمل فى الدولة أو سيتم ترقيتهم فى وظائفهم أو سيسافرون لتمثيل مصر فى الخارج، مثل: برنامج المسئول الحكومى المحترف الذى استهدف تدريب مقدمى الخدمات فى الشباك الأمامى بالجهات الحكومية، ونُفذ فى ٢٢ محافظة، وبرنامج ديوانى كفء الذى استهدف العاملين بالمكاتب الفنية والإدارات التابعة للمحافظين، وبرنامج تدريب سكرتيرى العموم والمساعدين.
أما النوع الآخر فيندرج تحت المدرسة الرئاسية للقيادة، وكل برامجها يكون الاختيار فيها بواسطة مسابقات متنوعة، وتخاطب فئات مختلفة ومتعددة، ومن أمثلة ذلك: البرنامج الرئاسى لتأهيل للشباب للقيادةPLP الذى يستهدف الشباب من سن 20 لـ30 عاما، ويتم الاختيار فيه عن طريق الاختبارات المختلفة والمقابلات الشخصية، ويمكن قبول حديثى التخرج فى البرنامج، والبرنامج الرئاسى لتأهيل التنفيذيين للقيادة، ويستهدف هذا البرنامج موظفى الدولة وبعض موظفى المؤسسات العامة من سن 30 لـ 45 عاما، ويتم الاختيار فيه بواسطة الاختبارات أيضا، ويستهدف كل موظفى أجهزة الدولة لتدريبهم وتأهيلهم.
كما تولى الأكاديمية اهتماما كبيرا بالمرأة؛ حيث أنشئت مدرسة قيادة خاصة بالمرأة، ومنها أطلق برنامج "تدريب المصريات بالخارج"، بالإضافة إلى إطلاق برنامج تدريبيى متميز تحت عنوان "المرأة تقود للتنفيذيات" الذى ضم عددا من المتدربات من مختلف المحافظات وعناصر قادرة ومؤهلة رغم صغر السن.
وعلى الرغم من خضم البرامج التدريبية التى تقدمها الأكاديمية الوطنية للتدريب والتأهيل للارتقاء بمستوى التنفيذيين فى القطاعات الحكومية، فإن الفجوة التدريبية بمختلف المؤسسات تظل كبيرة للغاية نسبة إلى الأعداد الكبيرة للعاملين بالجهاز الإدارى للدولة والتباين العظيم فى القدرات والمعارف، إضافة الى إختلاف أعمار ومجموعات ونوعيات الوظائف، ومن هنا يستلزم استعراض الدور الشامل الأصيل للجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فى عمليات التدريب الحكومى.
2-الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة:
منذ عام 1964 إلى الآن كان الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة منوطا بإدارة ومتابعة عمليات التدريب الحكومى داخل مؤسسات الدولة، وذلك من خلال أحد أهم قطاعاته وهو قطاع التدريب الذى ينقسم إلى إدارتين مركزيتين، وهما الإدارة المركزية لخطط تدريب الجهاز الإدارى والهيئات العامة والإدارة المحلية، ومركز إعداد القادة الحكومى.
ويقوم عمل الإدارة المركزية لخطط تدريب الجهاز الإدارى والهيئات العامة والإدارة المحلية على التواصل مع الإدارات التدريبية بداخل كل وزارة أوهيئة أو وحدة محلية أو مديرية، من أجل إلزامهم بوضع خطة سنوية لتدريب الموظفين بجميع مستوياتهم الوظيفية، خاصة عند دخول الخدمة وعند الترقى لدعم المسار الوظيفى، وذلك بعد مناقشة وتحديد وتحليل الاحتياجات التدريبية وتقارير تقويم الأداء، وذلك بهدف تطوير وتنمية القدرات والمهارات والكفاءات الوظيفية ورفع معدلات الأداء، بما يكفل تنمية ثقافة الخدمة المدنية ودورها فى المجتمع وتحقيق أهدافها، بالإضافة إلى تدريب الشباب.
كما يقوم مركز إعداد القادة الحكومى التابع للجهاز بتنفيذ برامج الإدارة العليا، وبرامج الإدارة التخصصية والمكتبية، وبرامج الإدارة الوسطى والإشرافية، كما تنفذ برامج إدارة تكنولوجيا المعلومات والحاسب الآلي، وتنظيم الندوات، وكثير من البرامج الأخرى بحسب الاحتياجات الفعلية للجهاز الإدارى. وتكمن قوة الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فى سلطته الأصيلة فى إدارة عمليات التدريب بداخل المؤسسات الحكومية التى استمدها من قانون الخدمة المدنية التى ساعدته كثيرا على تدريب العاملين المنتقلين إلى العاصمة الإدارية الجديدة وتأهيلهم بالشراكة مع الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد.
وفى ضوء ما سبق عرضه، نستطيع أن نستخلص أن الأكاديمية الوطنية للتدريب وتأهيل الشباب لها دور وطنى فى تدريب الشباب وتأهيلهم للقيادة من جميع القطاعات سواء كانت حكومية أو غير حكومية، فدورها الأساسى هو ضخ دماء جديدة، وإعداد كوادر قيادات الصف الثانى فى كل مناحى الدولة، وهو دور لا يقل أهمية عن دور الجهاز المركزى والإدارة الذى بدوره يدير جميع العمليات التدريبية بداخل الجهاز الإدارى.
لذا، فإن تعدد المؤسسات التدريبية على صعيد العمل الحكومى لهو أمر أدى إلى طفرة غير مسبوقة فى تنوع وحداثة العمليات التدريبية المقدمة إلى الجهاز الإدارى، ما يتيح استمرار توافر فرصة تدريب عادلة لكل العاملين بالقطاع، كما تكشف عن كوادر ومواهب متميزة بداخل الحكومة المصرية.