قليلة هي الحالات التي طبقت فيها الحماية الدولية بقرار من مجلس الأمن الدولي، ربما تكون هايتي وليبيا وساحل العاج حالات خاصة رغم اختلاف الأسباب. بالنسبة لهايتي كان السبب حماية السكان من الفوضى الناجمة عن الزلزال الشهير الذي ضرب الجزيرة وخلف دمارا هائلا، إضافة إلى التناحر الذي كان قائما بين السياسيين والذي كاد يتسبب في حرب أهلية. أما بالنسبة لليبيا فالسبب المعلن كان واضحا، وهو حماية المدنيين، أما في التطبيق العملي فكان المقصود إسقاط نظام القذافي. وهناك حالة ثالثة تدخلت فيها الأمم المتحدة وهي ساحل العاج، وذلك من أجل إيقاف الحرب الأهلية التي تسبب فيها السياسيون، وللإشراف على عملية التحول الديمقراطي وإجراء انتخابات رئاسية جديدة.
من جهة أخرى هناك حالات كثيرة تدخلت فيها الأمم المتحدة لإنجاز مهام جزئية محددة، وتطلب منها ذلك إرسال قوات عسكرية.. مثلا تدخلها في الحرب الكورية، وفي حرب استقلال كوسوفو، وفي جنوب السودان، وللإشراف على وقف إطلاق النار بين كل من لبنان وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وغيرها كثير.
أما من خارج الأمم المتحدة فالتدخلات الدولية الفردية أو الجماعية تحت عنوان الحماية الدولية أكثر من أن تحصى. فخلال الحرب الباردة بين المعسكر السوفياتي والمعسكر الأميركي كانت روسيا وأميركا تمنحان الحماية الشاملة لحلفائهما، وكان يكفي أن تحسب دولة من الدول نفسها على أحد المعسكرين حتى تحظى بحمايته. وفي الوقت الراهن ما زالت الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي في مقدمة الدول التي تقدم الحماية لغيرها من الدول، وبصورة خاصة فهي تحمي دول الخليج العربي، وإسرائيل وكوسوفو وجورجيا، والعراق وليبيا، وغيرها من الدول. وفي الغالب الأعم كانت تأخذ الحماية الدولية شكلا قانونيا من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، أو دولية تنظمها، خصوصا في حال تطلبت الاستمرارية والانتظام لأجل طويل.
وإذا كانت الحماية الدولية في السابق تشكل حاجة سياسية أو استراتيجية، أي أنها كانت تخضع لحسابات المصالح، فهي اليوم، في كثير من الحالات، بدأت تشكل حاجة أخلاقية وإنسانية تحت ضغط ما يمكن تسميته بـ«المجتمع الإنساني الدولي»، إلى جانب كونها حاجة سياسية. لم يعد مقبولا دوليا وإنسانيا مثلا التمادي في قمع الشعوب، وارتكاب المجازر بحقها، من دون مساءلة. فإذا أمكن التغاضي عن سقوط أكثر من مليون قتيل في رواندا وبوروندي من جراء الحرب الأهلية العرقية التي حدثت في البلدين، وإذا كان المجتمع الدولي لا يزال يبدي عجزا عن التدخل في الشأن الصومالي أو الشأن الفلسطيني بسبب حسابات المصالح السياسية، فهذا لا يعني أن عيون أوكامبو ومحكمته الجنائية الدولية لا تؤثر في كبح انتهاكات حقوق الإنسان والشعوب. لقد تغير الوضع الدولي كثيرا، وصار شديد التداخل والترابط، وتغيرت بالتالي مفاهيم وسياسات كثيرة. مثلا لم يعد من معنى لمفهوم الاستقلال الوطني، أو لسيادة الدول على إقليمها، أو أولوية العوامل الداخلية على الخارجية في تقرير مصير الشعوب والدول، وصارت الأولوية للقانون الإنساني العام على ما عداه من قوانين، وفي حالات ليست قليلة صارت الإرادة المشتركة لشعوب العالم هي العليا.
في إطار ما تقدم ينبغي مناقشة شعار «الحماية الدولية» أو شعار «الحماية الجوية» اللذين خصت بهما الانتفاضة السورية تسمية جمعتين من جمعاتها. من حيث المبدأ أسارع فأقول إن شعار «الحماية الدولية» أو شعار «الحظر الجوي» وحتى تلك الشعارات التي عملت على استحضار البنى الأهلية من عشائرية وطائفية وغيرهما هي شعارات خاطئة نظريا وضارة سياسيا. وبطبيعة الحال الذي يتحمل مسؤوليتها ليس الانتفاضة بطبيعة الحال، فحقلها هو حقل تعبوي، لا حقل إنتاج الفكر أو السياسة، بل ذلك العقل الأول الذي أنتجها وطرحها وعمل على تعميمها بطرق صارت معروفة. لنبحث في تكوينه ومصالحه وارتباطاته والظروف التي تحيط به حتى يسهل علينا عندئذ الاهتداء إلى مقاصده. من هذا المنطلق بودي توجيه رسالة بل طلب إلى السيد برهان غليون وقيادة المجلس الوطني السوري في الخارج، وإلى قيادة هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي في الداخل، وإلى قوى الحراك، من أجل التنسيق وتشكيل خلية ارتباط تعمل على صوغ وتوجيه شعارات الشارع وتحديد تسميات جمعات الانتفاضة بما يخدم مصلحتها، ويشجع الكتلة الصامتة والأقليات على الانخراط فيها بفعالية.
عندئذ لن نحتاج إلى حماية دولية ولا إلى حظر جوي ولا إلى حرب أهلية لكي نسقط النظام.
لكن لماذا يعد شعار الحماية الدولية الذي رفعه المتظاهرون السوريون خاطئا نظريا وضارا سياسيا؟
من الناحية النظرية يعد شعار «الحماية الدولية» خاطئا لأنه لا يرتكز على أسس قانونية تجيزه، ولا على موضوع يبرره. فمن وجهة نظر القانون الدولي الإنساني لا تنطبق الحالة السورية على موضوعه، ولا تحقق مستلزمات تطبيقه. فبحسب ما أفادني به أحد المختصين في القانون الدولي الإنساني، فإن الحالة القائمة في سوريا لا تنطبق عليه حتى الآن، فلا تتعرض سوريا لكارثة إنسانية شاملة، وهي ليست في حالة حرب أهلية شاملة، وليست مهددة بها في الأجل المنظور. إضافة إلى ذلك فإن النظام يدفع بوجود مقاومة مسلحة في البلاد، وبأنه ينفذ برنامجا إصلاحيا شاملا، ويؤيده في دفعه بعض المعنيين بالشأن الدولي بصورة عامة، وبشكل خاص في مجلس الأمن باعتباره السلطة الدولية العليا لتنفيذ القانون الدولي.
-------------------------------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الثلاثاء 15/11/2011.