هي إرادة شــعب اتحرر يوم تلاتة وعشرين
طلع الفجر عليه كان عارف هو طريقه منين
راح للماضي بعزم جبابرة خلي عبيد الأرض أســـــياد
مية سنة وأكتر خلصوا في عشرة لا رجعية ولا استعباد
من أول مشوار
تلك بعض أبيات الغنوة الوطنية البديعة " دقت ساعة العمل الثوري " التي ألهبت مشاعر مواطنينا في مصر والعالم العربي .. الكلمات للمبدع " حسين السيد " .. واللحن لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب ..وهي من الأعمال الداعمة والمحفزة للعمل والإنتاج رددها المصريون في المدارس والنوادي والجامعات والمصانع وكل مواقع الإنتاج تفاعلأ مع نبض تسارع الإنجازات والقرارات الثورية الإصلاحية والتنموية مع ثورة يوليو المجيدة ..
أعتقد أن كل من عاش بدايات ثورة 23 يوليو 1952 يشهد لتلك الثورة روعة التفاعل بين أهل الإبداع وفرسان الانتاج ومواطنينا في مصر والوطن العربي .. أغنية وشعر وأدب وسينما ومسرح وفنون تشكيلية وموسيقى وفنون مختلفة تاريخية واكبت الأيام اليوليوية ووثقت إنجازاتها وفرحت برموزها ..
لقد أدرك معظم قيادات ثورة يوليو أهمية دور القوى الناعمة الداعم لأهداف الثورة وتنمية الوعي الجمعي بخطوات وخطة طريق الثورة وتحفيز التفاعل الجماهيري مع كل إنجاز..
وهل ننسى ما حدث بعد أسابيع قليلة من قيام الثورة، عندما قرر اللواء محمد نجيب وكان وقتها قائد الضباط الأحرار، و سارع بإصدار بيان توجه به مباشرة للفنانين احتل الجزء الأكبر منه السينمائيون عنوانه " الفن الذى نريده " جاء فيه "السينما وسيلة من وسائل التثقيف والترفيه وعلينا أن ندرك ذلك لأنه إذا ما أسيء استخدامها فإننا سنهوي بأنفسنا للحضيض وندفع بالشباب للهاوية"..
وعقب إعلان الجمهورية في 18يونيه عام 1953، عين محمد نجيب رئيسًا لها مع احتفاظه بمنصب رئيس الوزراء، وتتابعت سريعًا الأحداث حتى الرابع عشر من نوفمبر عام 1954 عندما تقرر إعفاء محمد نجيب من المناصب التى كان يشغلها، وبقاء منصب رئيس الجمهورية شاغرًا، وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولي كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء.. وهكذا توارى إلى الظل وإلى الأبد أول رئيس لجمهورية مصر، في نفس الوقت الذي بدأت تكتسب فيه شعبية جمال عبد الناصر القائد الحقيقي لثورة يوليو رصيدًا هائلاً، ساهمت في تحقيقه أحداث سريعة: توقيعه لاتفاقية الجلاء في 27 يوليو 1954، ونجاته من محاولة اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية، مواقفه الوطنية في "مؤتمر عدم الانحياز بباندونج عام 1955 ضد الأحلاف العسكرية" وتأكيده للاستقلال الوطني، وكسره لاحتكار السلاح، إعلانه للدستور في 16 يناير 1956، تأميمه لقناة السويس، فشل العدوان الثلاثي في تحقيق أهدافه وجلاء قوات العدوان عن مصر..
أتفق مع الناقدة والإعلامية الشهيرة د. درية شرف الدين في وصفها لأحوال السينما المصرية في السنوات الأولى عقب قيام الثورة، كتبت "هادنت السينما المصرية ثورة يوليو، ونجحت في الإيحاء لقاداتها بانطوائها تحت الشعارات التى جاءوا بها، فما إن قامت الثورة إلا وسارع حسين صدقى بتقديم فيلمه ”يسقط الاستعمار”، ثم مر موسم 1953 البالغ عدد أفلامه 62 فيلمًا دون ظهور فيلم واحد يؤيد أو يبارك الثورة، أو حتى يشير إلى مجرد قيامها، وظلت السينما في موقف المتريث والمترقب تحسبًا لأى مفاجأة وإن تغيرت نهايات بعض الأفلام المعدة للعرض بالفعل لكى تتفق والعهد الجديد، واستكمل محمد كريم فيلم زينب "الناطق" بمشهد تؤكد فيه البطلة المريضة أنها ستتوجه للعلاج في الوحدة الصحية الجديدة، حيث ترعى الحكومة من لا أهل له، أما فيلم عفريت عم عبده لحسين فوزى، وكان هو الآخر قد تم تصويره قبل قيام الثورة، فقد قرر مخرجه أن يدخل الثورة في الأحداث قسرًا، كان الفيلم يحكي عن رجل قتل وظهر له عفريت قادر على معرفة أخبار المستقبل قبل أن تقع، ويظهر العفريت حاملاً جريدة تحمل أحداث الغد، وكانت هي قيام الثورة، ويتحدث عن الحركة المباركة، وتحرك الدبابات، ومحاصرة قصر عابدين.."..
ومن الطريف والمهم أن نتذكر ما جاء في أحاديث محفوظ الكثيرة التي أدلى بها في السنوات الأخيرة، وفي أفكاره المتوالية المنتظمة في باب " وجهة نظر "بجريدة الأهرام صبيحة كل خميس، لعل من أهمها " حوار مع رجال مصر من مينا حتى أنور السادات "ونُشر خريف 1983.. وقد حرص محفوظ على أن يولي جمال عبد الناصر حيزًا كبيرًا في حواراته التى اتخذت شكل " محكمة "... وقد كتب في محاكمة جمال عبد الناصر.. المحكمة كانت تُعقد في قاعة العدل ويجلس في صدرها أوزوريس في عرشه الذهبي، وإلى يمينه إيزيس على عرشها، وإلى يساره حورس على عرشه، بينما يتربع قريبًا منه كاتب الآلهة.. والمحكمة التي تُعقد كما تخيلها الفراعنة في أوراق البردي حوّلها محفوظ خلال صياغة فنية في شكل " حوار " لإبداء الرأي الذاتي في هؤلاء الزعماء..
وما يهمنا في هذه " المحاكمة " هو موقف نجيب محفوظ من جمال عبد الناصر بوجه خاص لئلا تختلط الرؤى ويتعذر تحديد الموقف الصحيح.. وهو وفدى سابق، يحرص على أن يتبوأ جمال عبد الناصر مكانة عالية أمام العرش، وحين يدعوه أوزوريس للكلام يقول محفوظ على لسان عبد الناصر: " أنتمى إلى قرية بني مر من محافظة أسيوط، ونشأت في أسرة فقيرة من أبناء الشعب فكابدت مرارة العيش وشظفه، وتخرجت في الكلية الحربية عام 1938، واشتركت في حرب فلسطين، وحوصرت مع من حوصروا في الفالوجا، وقد هالتني الهزيمة، وهالتني أكثر جذورها الممتدة في أعماق الوطن، وكان فخرًا لى أن أنقل المعركة إلى الداخل حيث يكمن أعداء البلاد الحقيقيون، وأنشأت في حذر وسرية تنظيمًا للضباط الأحرار، ورصدت الأحداث انتظارًا للحظة المناسبة للانقضاض على النظام القائم، وقد حققت هدفي في 23 يوليو، ثم تتابعت إنجازات الثورة مثل إلغاء النظام الملكي واستكمال استقلال البلاد بالجلاء التام، والقضاء على الإقطاع بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وتمصير الاقتصاد، والتخطيط لإصلاح شامل في الزراعة والصناعة يستهدف خير الشعب وتذويب الفوارق الطبقية، وبنينا السد العالي وأنشأنا القطاع العام متجهين نحو طريق الاشتراكية، وكونا جيشًا حديثًا قويًا، ونشرنا الدعوة للوحدة العربية، وساندنا كل ثورة عربية أو إفريقية، وأممنا قناة السويس فكنا منارة وقدوة للعالم الثالث كله في نضاله ضد الاستعمار الخارجي والاستقلال الداخلي ، وحظى الشعب الكادح في عهدي بعزة وقوة لم يعرفها من قبل، ولأول مرة يشق طريقه إلى المجالس التشريعية ، ويشعر بأن الأرض أرضه والوطن وطنه، وقد تربصت بي قوى الاستعمار حتى أنزلت بي هزيمة منكرة فى 5 يونيو 1967 فزلزلت العمل العظيم من جذوره، وقضت عليه بما يشبه الموت قبل موافاة الأجل بثلاثة أعوام، وقد عشت مصريًا عربيًا مخلصًا ومت مصريًا عربيًا شهيدًا.." ..
وسنظل نغني مع العندليب في كل عيد للثورة مع الرائع صلاح جاهين " بالأحضان " من زمن ناصر " يوليو" الزعيم وحتى زمن " يونيو " السيسي المنقذ، ونرفع أكف الضراعة كل "يوليو" وكل "يونيو" ..
بناديك يَارَبّ
فِى صَلاَةِ الْعِيدِ
عِيد الثَّوْرَة واناجيك يَارَبّ
اللَّهُمّ اُنْصُر بلدى وأيدها
سَدَّد خُطْوَتُهَا وَخَدّ ايدها
يَارَبّ اجْعَلْنَا نُحَقِّق كُلّ خَيَالٌ
اجْعَل يَوْمِنَا الْوَاحِد بكفاح أَجْيَالٌ
فَجْر يَنَابِيع الْخَيْر تَحْت أَقْدَامِنَا
الْمُسْتَقْبَل خَلِيَّةٌ نُور قدامنا