التطلعات التركية للعب دور رائد على صعيد المنطقة أو الصعيد العالمي تتطلب تعميق علاقاتها مع الولايات المتحدة، البلد الذي لا يزال القوة العالمية الوحيدة التي تحتفظ بمصالح راسخة في الشرق الأوسط على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي.
ونتيجة لفشلها، على الأغلب، في عملية السلام في الشرق الأوسط، تراجعت شعبية واشنطن بين العرب وفقدت كل النقاط التي حصلت عليها في أعقاب تولي باراك أوباما الرئاسة. ومن ثم، تبدو الشراكة مع تركيا، التي يحظى رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان بشعبية قوية في الشارع العربي، أثمن من أن تضيعها الولايات المتحدة أيضا.
ولم يساعد «الربيع العربي» في تقارب الولايات المتحدة وتركيا بشكل أكبر فحسب، بل أيضا ساعد الدبلوماسيين من كلا الجانبين على فهم العوامل المحلية التي تؤثر على وجود ومصالح كل منهما.
فعلى سبيل المثال، بعدما انتقدت واشنطن السياسة التركية تجاه إيران قبل عام، عاد المسؤولون الأميركيون بعد بداية «الربيع العربي»، شيئا فشيئا يذكرون بعض الخطوات التركية، على أنها روابط تاريخية لتركيا مع إيران.
وإذا ما سار بشار الأسد على نهج الطغاة المذمومين، كما هو متوقع على نطاق واسع، فسيكون موقف تركيا الاستراتيجي من حيث تشكيل سوريا بعد الأسد أكثر أهمية.
كما تتطلع تركيا أيضا إلى زيادة نفوذها في العراق بعد انسحاب القوات الأميركية من أجل أن تكون قادرة على مواجهة النفوذ الإيراني المحتمل. ويقول غريغوري ميكس، وهو ديمقراطي بارز في اللجنة المعنية بشؤون أوروبا التابعة للكونغرس: «يجب على العراق الآن أن ينفتح للغرب، ويزيد من تجارته للوقوف على قدميه. وليس هناك سوى النموذج التركي للعراق، أما النموذج الإيراني فلا يعني سوى العزلة».
وقد انتقلت تركيا، في أعقاب سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، التي شهدتها نواح عدة، إلى مجتمع أقل تقييدا في السنوات الأخيرة في إطار سعيها للحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي. بيد أن هناك مؤشرات كبيرة على أن تركيا لا تزال «مختلطة» من حيث التقدم المحرز فيما يتعلق بالعديد من قضايا الحرية. فقد تراجع ترتيب تركيا فيما يتعلق بحرية الصحافة بشكل متزايد خلال حكم حزب العدالة والتنمية. فعدد الصحافيين في السجون التركية أكثر من أي بلد آخر في العالم.
ولا يزال المئات من المشتبه بهم الآخرين في تحقيقات «إرجينيكون» عالقين في النظام القضائي لسنوات دون الحصول على أي نتيجة.
ويؤكد الخبراء على أن فترات السجن الطويلة، من دون وجود أدلة كافية، تشكل عقبة ضخمة أمام العدالة. وسيؤدي هذا المناخ من دون شك، إلى نظام يخشى فيه جزء كبير من المجتمع من الحديث ضد الحزب الحاكم أو انتقاده أو معارضته. وقد طالبت منظمات الاتحاد الأوروبي تركيا باتخاذ خطوات لحل هذه المشكلات، لكن الاتحاد الأوروبي لم يعد له سوى تأثير محدود مقارنة بالسنوات الماضية.
من ناحية أخرى، بدت واشنطن في الآونة الأخيرة أقل استعدادا لانتقاد حكومة حزب العدالة والتنمية لهذا القصور منذ ازدهار علاقاتها مع أنقرة. فيذكرنا شهر العسل الحالي بين تركيا والولايات المتحدة في نواح كثيرة منه بسنوات الحرب الباردة، عندما تغلبت أهمية تركيا الاستراتيجية في مجال التصدي للتهديد السوفياتي على كل مناحي القلق الأميركي في الميادين الأخرى، مثل أوجه القصور في الديمقراطية والحكم والقانون والحريات.
ووفقا لحسابات واشنطن، يبدو حزب العدالة والتنمية البديل الوحيد في اللحظة الراهنة. ففي هذا النموذج من «الربيع العربي» الجديد، ستتواصل رغبة الولايات المتحدة في إقامة علاقات وثيقة مع حليفها التركي من أجل البقاء أكثر اتصالا بديناميات التغير الهائل في المنطقة.
ما لم توحد المعارضة التركية من صفوفها، وتثبت نفسها كبديل قوي في الداخل، وفي رؤيتها الخارجية كذلك، فسوف يكون من الصعب أن تولي واشنطن مزيدا من الاهتمام للمشكلات التي تواجهها الديمقراطية التركية حاليا.
بطبيعة الحال لن تكون واشنطن هي من يصلح كل علل الديمقراطية التركية، لكن تركيا بحاجة إلى كل مساعدة أجنبية يمكنها الحصول عليها كي تصبح ديمقراطية ليبرالية.
-----------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية الإثنين 5/12/2011.