مقالات رأى

واشنطن وعزلة "إسرائيل"

طباعة

التحذيرات المتتالية التي وجهتها واشنطن وستواصل توجيهها مستقبلاً على الأغلب، من تزايد عزلة “إسرائيل” في المنطقة والعالم، لا تعبر عن إقرار أمريكي بأن الكثيرين في العالم لم يعودوا يصدقون الكذب “الإسرائيلي” المستمر، ولا سياسات الاحتلال المغرق في العنصرية والسادية، والسلب والنهب والتهويد والتنكيل بالفلسطينيين، مع أنها تشي بذلك، بقدر ما تشكّل نواقيس إنذار مبكر للكيان، وتنبيه إلى ضرورة إحداث تغيير في السياسات والتوجهات، حتى وإن كان طفيفاً .

وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا يتوجه بالتحذير إلى قادة الحرب والإرهاب في الكيان، مؤكداً ضمناً أن بلاده ليست في وارد عمل “إسرائيلي” عسكري تجاه الجيران الإقليميين، وخصوصاً إيران، ولا تنوي التورط في “مغامرة” جديدة، مفضلة على ذلك الوسائل والضغوط الدبلوماسية والسياسية، والعقوبات .

ومع تأكيد تفهّمه لا اتفاقه مع وجهة النظر “الإسرائيلية” القائلة إن “هذا ليس وقت السعي إلى تحقيق السلام، وإن الصحوة العربية تعرّض للخطر بشكل أكبر حلم وجود “إسرائيل” آمنة ومطمئنة ويهودية وديمقراطية” . إلا أنه لم يخرج عن “ألف باء” السياسة الأمريكية الثابتة تجاه الكيان بقوله إن “الولايات المتحدة ستحمي أمن “إسرائيل”، وتضمن الاستقرار الإقليمي . ورمى الكرة في ملعب الكيان الذي رأى أن عليه “مسؤولية السعي إلى تحقيق تلك الأهداف المشتركة لبناء الدعم الإقليمي للأهداف الأمنية “الإسرائيلية” والأمريكية” .

واشنطن لم تخرج عن نهجها الثابت تجاه حماية أمن وتفوق الكيان العسكري، ولم تخرج كذلك عن التزامها الرؤية والرواية “الإسرائيلية”، رغم قولها بغير ذلك، وليس أدل على ذلك من محاولات السياسة الأمريكية المحمومة لتطويق الكراهية المتصاعدة للكيان على المستوى الإقليمي، والأثر الذي أحدثته ثورات الشباب في دول الجوار، والتغيير الذي تمر به، وما يحمله ذلك من مخاوف “إسرائيلية” لها أرضيتها، خصوصاً أن مجرد انتقال دول عانت من استبداد تصالح مع الكيان وخدم مصلحته، إلى نظم ديمقراطية تمثل إرادة الشعب، يعني بالضرورة سياسات ضد الاحتلال ودولته، ويكشف زيف الرواية القائلة ب “الواحة الديمقراطية”، التي صدّرتها “إسرائيل” على مدى زمن طويل إلى العالم .

واشنطن تعبّر بشكل يومي عن سياسة ثابتة تجاه الكيان، لكنها مع ذلك تسلك طريقاً مغايراً في الوقت الحالي، مدفوعة بفهم واقعي لما آلت إليه الأوضاع، وما من دليل أبلغ على ذلك، السياسة الأمريكية التي أخذت وجهة “معدّلة” تجاه الكيان، وقول بانيتا نفسه “خلال العام المنصرم رأينا تزايد عزلة “إسرائيل” عن شركائها الأمنيين التقليديين في المنطقة” .

عزلة الكيان أمر واقع لا مفر منه، وإن حاولت واشنطن ترجمة المسألة بطريقة ترضي حليفتها الأولى في المنطقة، إلا أن دوائرها السياسية تدرك الأمر جيداً، وليس أدل على ذلك من المحاولات المتواصلة لدوائر صناعة القرار الأمريكي، والمنظمات الأمريكية المختلفة، لإحداث اختراق في دول “الربيع العربي”، وتثبيت أقدامها مجدداً في المنطقة، من خلال بناء وتشكيل الأطر الداعمة للسياسات الأمريكية، والسيطرة على مراكز القوى في هذه الدول من خلال المال والرشى السياسية، واستخدام سلاح المساعدات، وحتى التحالف والتقارب مع قوى طالما اعتبرتها الولايات المتحدة عدواً تاريخياً، وقلما نظرت إليه في غير سياق ما تسميه “الإرهاب” .

الولايات المتحدة لن تترك حليفتها في الميدان وحيدة، لكنها مضطرة إلى تغيير قواعد اللعبة لتتناسب مع الوضع الإقليمي المستجد، وذلك يعني في مبادئ السياسة والمصلحة، أنه لا وجود لما يسمى “عدواً تاريخياً”، كما أنه لا وجود لمصطلح “مبدأ” عندما يتعلق الأمر بالكيان ومصلحته .

-------------------------------------

* نقلا عن دار الخليج الإثنين 5/12/2011.

طباعة

    تعريف الكاتب

    مأمون الحسيني

    مأمون الحسيني

    كاتب فلسطيني