بعد فوز حركة النهضة الإسلامية بانتخابات المجلس التأسيسي في تونس، وهو الفوز الذي سيؤهلها إلى تولي الحكم عبر منصب رئيس الوزراء، يأتي دور الإسلاميين في المغرب، بعدما قام الملك محمد السادس بتكليف عبدالإله بن كيران أمين عام حزب العدالة والتنمية الذي اكتسح الانتخابات النيابية بفوز كبير، ويبدو أن الديمقراطية أصبحت وسيلة لوصول الإسلاميين إلى سدة الحكم لا سيما أن إسلاميي مصر تقدموا في المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية .
والواقع، لم يكن فوز الإسلاميين في المغرب مفاجئاً للمراقبين، إذ إن عرب إفريقيا يمضون قدماً في اختيار الحكم الإسلامي في خضم (الربيع العربي) الذي تحول لديهم إلى (ربيع إسلامي)، وإذا كان مثل هذا الحكم بات مؤكداً في تونس والمغرب، فإن الحرب في ليبيا وانتشار السلاح في هذا البلد، جعلا الإسلاميين يشكلون حضوراً ميدانياً كبيراً، الأمر الذي سيتيح أن تكون فرص فوزهم كبيرة إذا ما جرت الانتخابات في البلد المذكور، وهذا يعني أن أي حكم قادم في ليبيا سيكون بطابع إسلامي بشكل أو بآخر .
وبالتالي سيكون للإسلاميين الحكم بأي طابع أو شكل كان في تونس والمغرب وليبيا وربما مصر، علماً أن وسيلة الديمقراطية لم تكن غريبة على الإسلاميين، إذا ما رجعنا إلى الانتخابات الجزائرية في الثمانينات التي فازت فيها (جبهة الإنقاذ الإسلامية)، بيد أن الجيش الجزائري تدخل ومنع الإسلاميين من الوصول إلى الحكم، وما يفسر عدم حدوث ربيع عربي أو إسلامي في البلد الآنف، قد يعود إلى خشية المجتمع الجزائري من حدوث حرب على غرار ما حدث في ليبيا، كما أن الجيش لن يسمح بأي تحرك من هذا القبيل .
وإذا ما رجعنا إلى فوز الإسلاميين المغاربة ومن ثم وصولهم إلى الحكم، فإن مثل هذا الفوز وكذلك الوصول جاء من دون ثورة، وهذا يعني أن الإسلاميين لو سنحت لهم الفرصة سيصلون إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع ومن دون ثورة، وهذا الواقع يشكل عامل حسم في رجحان كفتهم على صعيد التوجهات المجتمعية لدى عرب إفريقيا في هذه الفترة، بيد أن الإسلاميين في المغرب يختلف وضعهم عن إسلاميي تونس عند المقارنة، كونهم مارسوا العمل السياسي لسنوات عدة، ضمن الإطار الدستوري السائد في المغرب، وهم بهذه التجربة والخبرة والممارسة، يبدون أكثر نضجاً في ممارسة الحكم والاندماج في مقتضياته .
وفي هذا السياق وفي معرض رده على سؤال مفاده، هل نحن في هذه المنطقة التي تشمل مصر وتونس والمغرب على أعتاب ربيع الدولة الدينية؟ قال عبدالإله بن كيران “الدولة الدينية انتهت من زمان، لم ولن يكون لها وجود” .
ومن إجابة ابن كيران الآنفة، يتضح مقدار التفاوت في الخطاب السياسي بين حزب العدالة والتنمية المغربي وحركة النهضة التونسية التي بشر أمينها العام حمادي الجبالي أتباعه بالخلافة السادسة، كما أن هناك أمراً يجب الإشارة إليه عند دراسة أسباب وصول الإسلاميين إلى الحكم في المغرب، وهذا الأمر يعود إلى أن الشعب المغربي أراد تجربة حظه مع الإسلاميين هذه المرة، بعدما جرب من قبل العلمانيين على مختلف مشاربهم أكثر من مرة، بيد أن آماله قد خابت فيهم ولم يحققوا له ما أراده، من تطلعات وطموحات تتعلق بمعالجة الوضع الاقتصادي لعموم الشعب المغربي .
وأما بشأن إسلاميي مصر ومن خلال نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات، فإن إسقاط الصورة المغربية على صورتهم، قد يكون فيها شيء من التقارب النسبي، خصوصاً أن (الإخوان) برغم محاولات إقصائهم من المشاركة في العملية السياسية إبان حقبة النظام السابق، فإنهم استطاعوا خوض الانتخابات في أكثر من دورة تحت لافتات غير حزبية وتحقيق نتائج جيدة قياساً إلى عمليات الإقصاء والتضييق التي طالتهم، بل كان حضورهم في مجلس الشعب قد شكل إزعاجاً لنواب الحزب الحاكم آنذاك .
إذاً، تظل حظوظ الإسلاميين في الوصول إلى الحكم متاحة إذا ما تحالف (الإخوان) مع السلفيين (حزب النور)، على الرغم من أن المجلس العسكري وفقاً للإعلان الدستوري، له الصلاحيات وحده في تشكيل الحكومة القادمة وليس من حق البرلمان القادم تشكيلها، وحتى هذه المرحلة لا يُعرف شكل النظام السياسي للدولة، إذ إن هناك ثلاثة أشكال مطروحة، مثل برلماني فقط أو جمهوري رئاسي فقط أو نظام مختلط، وكل هذا سيحدده الدستور القادم .
وعلى كل حال، يعزو المراقبون أسباب تقدم التيار الإسلامي في المرحلة الأولى للانتخابات المصرية، إلى الأمر الطبيعي ولكونه تياراً منظماً ولديه إمكانات بشرية ومادية، كما أن (الإخوان والسلفيين) تنظيمات تاريخية، والمواطن المصري يراها من وجهة نظره أكثر استقراراً ومصداقية، ومع ذلك، فإن أمامهم خيارين: إما أن تنضجهم التجربة السياسية ويتطوروا معها سياسياً، و إما أن تلفظهم التجربة الديمقراطية إلى الأبد .
---------------------------------
* نقلا عن دار الخليج الثلاثاء 6/12/2011.