أعلنت وزارة الدفاع الروسية فى 26 إبريل 2023 أنها دربت قوات من بيلاروسيا على استخدام الرءوس الحربية النووية التكتيكية لمنظومة صواريخ "إسكندر" القصيرة المدى، وذلك بعدما أعلن الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" فى مارس 2023 خططا لنشر أسلحة نووية تكتيكية خارج أراضيه للمرة الأولى كجزء من الرد الروسى على توسع حلف شمال الأطلسى شرقا وعلى الحدود الشمالية الغربية لبلاده، عقب انضمام فنلندا إلى الحلف رسميا فى 4 إبريل 2023، وأصبحت العضو الحادى والثلاثين به، ما أنهى حيادها التاريخى ورفضها للانضمام إلى أى حلف عسكرى، وهذا وسط ترحيب أمريكى بالغ بتلك الخطوة التى تعزز أمن الحلف بشمال أوروبا، وتحذير روسى من تداعيات استمرار توسع الحلف وترقب للخطوات القادمة من موسكو وواشنطن لإعادة رسم السياسات الأمنية بشمال غرب أوروبا بعد التغييرات الجيواستراتيجية الإقليمية الآنية التى أعقبت الحرب الروسية فى أوكرانيا.
* مواقف متباينة:
- إنهاء الحياد التاريخى لفنلندا:أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسى "الناتو" "ينس ستولتنربيرج" أن فنلندا أصبحت يوم 4 إبريل 2023 "الدولة العضو الحادى والثلاثين فى الحلف من أجل أمن كل الشمال"، وتم رفع العلم الفنلندى فى احتفال بمقر الحلف ببروكسل وبحضور رئيس فنلندا "سولى نينيستو"، ويمثل انضمام فنلندا إلى "الناتو" إنهاء لسياسة "الحياد التاريخى" التى اتبعتها الدولة ذات الموقع الاستراتيجى بأقصى شمال غرب أوروبا وتشترك مع روسيا بحدود تبلغ 1300 كم، وقديما كانت جزءا من أراضى السويد، وفى عام 1809 انضمت إلى الإمبراطورية الروسية. ثم أعلنت الاستقلال عنها فى 6 ديسمبر 1917 وخلال الحربين العالمية الأولى والثانية حاربت ضد الاتحاد السوفيتى، ثم حرص رئيسها الأسبق "أورهو ككونن" الذى حكم البلاد لمدة ربع قرن (1956-1981) على اتخاذ سياسة خارجية محايدة ومتوازنة ورفض الانضمام إلى "الناتو". وعلى الرغم من تكرار دعوات واشنطن لهلسنكى كى تنضم إلى الحلف فإن "نينيستو" كان يرفض ذلك بقوله "الانضمام هو إعلان حرب على روسيا"، بيد أن هذا الموقف تغير تماما بعد بدء العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا (24 فبراير 2022)؛ حيث لجأت فنلندا والسويد للتخلى عن حيادهما التقليدى وقدما طلبين للانضمام إلى "الناتو" الذى رحب بهذه الخطوة، وبدأت الإجراءات المتبعة لحصولهما على العضوية الكاملة بالحلف، وكان لذلك عدد من المواقف وردود الأفعال المتباينة لا سيما من موسكو التى شنت حربها ضد كييف لمنع توسع الحلف شرقا، وكانت النتيجة عكسية بانضمام دولة جديدة هى فنلندا.
- دوافع فنلندا للانضمام إلى الناتو:مثَّل بدء الحرب الروسية بأوكرانيا تهديدا للأمن القومى الفنلندى حال تمددت لدول شمال غرب أوروبا، وربما فنلندا نفسها، ما أدى إلى تهديد السلم الاجتماعى وتغير موقف المجتمع الذى كان يرفض الانضمام إلى الحلف، حيث وافق أكثر من 60% من الفنلنديين فى استطلاع للرأى على الانضمام للتمتع بمظلة الحماية العسكرية له بناء على قاعدة "الأمن الجماعى" التى تقضى بأن الاعتداء على أى دولة هو اعتداء على كل دول الحلف ويجب الدفاع عنها، وكانت فنلندا الدولة الوحيدة بالاتحاد الأوروبى التى تشترك بحدود مع روسيا وليست عضوا بـ"الناتو"، ما مثل ثغرة فى الأمن الأوروبى وأمن دول الحلف بالتبعية.
- الترحيب الأمريكى والغربى:رحبت واشنطن بانضمام فنلندا إلى حلف "الناتو" ووصفته بأنه "يوم تاريخى"، وتسلم وزير خارجيتها "بلينكن" أوراق الانضمام؛ حيث تعد واشنطن الدولة المسئولة عن الاحتفاظ "بوثائق الحلف"، ووصف "نينيستو" الحدث بأنه "يوم عظيم لفنلندا ومهم للناتو"، كما أشادت الحكومة الأوكرانية بالانضمام ورحبت به كل الدول المنضوية فى الحلف، وينتظر الحلف إتمام إجراءات انضمام السويد له قبل عقد قمته المقبلة فى يوليو 2023، وحال تم ذلك فإن الحلف سيشمل كل الدول الأوروبية ماعدا (سويسرا، النمسا، وأيرلندا)، ولعل الترحيب الأمريكى بضم فنلندا إلى الحلف ينبع من أهميتها العسكرية، فرغم كونها كانت دولة محايدة عسكريا فإنها تمتلك قدرات كبيرة ستمثل إضافة مهمة للغاية للحلف؛ حيث تبلغ ميزانية الدفاع الفنلندية نحو مليارى يورو (1.4-1.6%) من الناتج المحلى الإجمالى للدولة وتعتزم رفعه ليصل إلى (40 %) بحلول عام 2026، ولديها أسطول مكون من 55 طائرة مقاتلة أمريكية من طراز (F 18) وتنوى شراء قاتلات (إف – 35) الأمريكية، وتملك أقوى قوات مدفعية تعد الأفضل تجهيزا فى أوروبا الغربية تتكون من (1500 قطعة مدفعية من مدافع هاوتزر وهاون ثقيل، و100 قاذفة صواريخ متعددة)، وتتمتع المدفعية الفنلندية بقوة نيران أكبر مما تستطيع القوات المسلّحة المشتركة لبولندا وألمانيا والنرويج والسويد حشدها حاليا، فضلا عن كونها مركزا للأمن السيبرانى والمزوِّد الرئيسى للبنية التحتية لشبكات الجيل الخامس، وتستطيع تجنيد 900 ألف جندى احتياطى و280 ألف فرد عسكرى، جميع تلك القدرات العسكرية ستضيف إلى "الناتو" فى مواجهته الحالية مع روسيا.
- الرفض الروسى لتمدد الناتو شرقا:لم يشكل الإعلان الرسمى عن انضمام فنلندا إلى "الناتو" نقطة التحول الأكبر فى تاريخ علاقات الحلف الغربى مع روسيا التى واجهت عدة مراحل لتوسع الحلف شرقا على مقربة من حدودها، ففى عام 1999 تم ضم عدد من دول شرق أوروبا لأول مرة للحلف أبرزها بولندا ليصبح الحلف متصلا جغرافيا بحدود روسيا الاتحادية مباشرة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى فى 1991، ثم واصل الحلف تمدده شرقا وضم دول البلطيق (لاتفيا وإستونيا وليتوانيا) فى 2004، وأعلن عزمه ضم أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا مستقبلا، ما اعترضت عليه موسكو لأنه يمثل محاصرة لمجالها الحيوى الاستراتيجى عبر إمكانية نشر قوات ومعدات عسكرية وصواريخ بعيدة المدى لـ "الناتو" فى تلك الدول الحدودية مع روسيا، وفى عام 2007 خلال حضور "بوتين" مؤتمر "ميونيخ للأمن" بألمانيا أعلن صراحة رفضه تمدد "الناتو" داخل المجال الجغرافى الروسى ووصفه بأنه "تهديد مباشر للأمن القومى لبلاده كما يهدد الأمن العالمى"، وكشف عن أنه يتناقض مع وعود شفوية حصلت عليها موسكو بعد "اتفاق توحيد ألمانيا" فى 1990 بأن الحلف لن يتمدد بعد حدود "ألمانيا الشرقية" سابقا.
وكان رد الفعل الروسى على ذلك التمدد أن شنت موسكو الحرب على جورجيا عام 2008 ما أدى إلى انفصال إقليم أوسيتيا الجنوبية عنها، ثم شن عملية عسكرية أخرى فى أوكرانيا عام 2014 أدت إلى ضم شبه جزيرة القرم لروسيا، والحربان نتج عنهما توقف مفاوضات انضمام "الناتو" مع تبليسى وكييف، وكان أحد الأهداف المعلنة للحرب الروسية فى أوكرانيا بفبراير 2022 هى منعها من الانضمام إلى "الناتو"، بيد أن الحرب الروسية أدت إلى نتائج عكسية فقد تخلت فنلندا والسويد عن حيادهما العسكرى وأعلنتا فى مارس 2022 رغبتهما فى الانضمام إلى "الناتو" ليمثل ذلك محاصرة الحلف لحدود روسيا الشمالية الغربية؛ حيث تشترك مع فنلندا فى أطول حدود برية مع دولة أوروبية تبلغ نحو 1300 كم، كما تبتعد نحو 200 كم فقط عن مدينة "سان بطرسبورج" التاريخية ما يمثل تهديدا مباشرا لروسيا حال تم نشر بنية تحتية عسكرية فيها بعد ضمها إلى الحلف، ما دفع المتحدث باسم الكرملين "دميترى بيسكوف" لوصف توسع الحلف بأنه "تعد على مصالح روسيا الوطنية لأن موسكو سوف تراقب من كثب أى نشر عسكرى يقوم به الحلف فى فنلندا"، وأعلنت موسكو أنها ستعزز قدراتها العسكرية فى الاتجاهين الغربى والشمالى الغربى وستتخذ إجراءات مضادة لضمان أمنها من الناحية التكتيكية والاستراتيجية".
· تداعيات جيواستراتيجية:
ثمة العديد من التداعيات الجيواستراتيجية التى ستنتج بعد انضمام فنلندا إلى "الناتو" أبرزها مضاعفة حدود الحلف مع روسيا لتمتد من المحيط المتجمد الشمالى إلى بحر البلطيق، وتعزيز الحلف لأمن دول الجناح الشرقى والشمالى الغربى على حدود روسيا، كما سينتج عن ذلك:
- تصعيد عسكرى روسى:أعلن "بوتين" أن "موسكو سترد بالمثل إذا نقل حلف "الناتو" بنية تحتية فى فنلندا والسويد بعد انضمامهما إليه"، وبدأ ذلك بالفعل حيث أعلنت موسكو تعليق مشاركتها فى معاهدة "نيو ستارت" للحد من انتشار الأسلحة النووية مع واشنطن، وبدأت تحركات لتعزيز تجميع القوات البرية والدفاع الجوى بشكل جدى، وأيضا نشرت قوات بحرية كبيرة العدد فى خليج فنلندا، كما لوَّحت بتوسيع نشر الأسلحة النووية لتشمل بيلاروسيا ومناطق فى الشمال الروسى، وتم إنشاء وحدات دفاع جوى فى المناطق الأوكرانية الخاضعة للسيطرة الروسية للدفاع عن المنشآت الرئيسية، بينما كثفت روسيا إنتاج نظام "آر. إل. كيه إم. سى" المضاد للطائرات المسيرة.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية فى 26 إبريل 2023 أنها دربت قوات من بيلاروسيا على استخدام الرءوس الحربية النووية التكتيكية لمنظومة صواريخ "إسكندر" القصيرة المدى؛ حيث تخطو موسكو خطوة للأمام نحو متابعة تهديدها بنشر الأسلحة على أراضى حليفتها، ثم عادت القوات بالفعل إلى قواعدها بعد التدريب.وذلك بعدما أعلن الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" فى مارس 2023 خططا لنشر أسلحة نووية تكتيكية فى بيلاروسيا للمرة الأولى.وسيتم الانتهاء من بناء منشآت تخزين للأسلحة النووية التكتيكية فى بيلاروسيا بحلول الأول من يوليو المقبل، ما ينذر باستمرار التصعيد الروسى الأمريكى بمنطقة شمال غرب أوروبا.
- محاصرة موسكووعسكرة الحدود:بعد انضمام فنلندا إلى "الناتو" أصبحت الحدود المشتركة بين الحلف وموسكو أكثر من 2400 كم تمتد من منطقة "مورمانسك" الفنلندية؛ حيث تحتفظ روسيا بقوات لضربة نووية انتقامية حتى بطرسبورج وكالينينجراد الروسية، كما يشكل انضمام فنلندا ولاحقا السويد إلى جانب أيسلندا "مثلثا استراتيجيا" لمواجهة القوات الروسية فى شبه جزيرة كولا الشمالية، كما سيصبح "بحر البلطيق" "بحيرة عسكرية للناتو" حيث تطل عليه سبع دول أعضاء بالحلف مقابل روسيا ما يزيد من محاصرة روسيا من حدودها الشمالية ويطرح إمكانية نشر قوات بحرية بالبحر التى تعده موسكو منطقة نفوذ لها، كما سيرفع "الناتو" عدد القوات المسلحة على الحدود مع روسيا إلى 300 ألف جندى بدلا من 50 ألفا سابقا، وهو وضع سيدفع موسكو لتعزيز وجودها العسكرى على حدودها عن طريق نشر عدة فرق وأنظمة دفاع جوى وبعض أنواع الأسلحة الصاروخية، وقد أعلنت موسكو بالفعل برنامجا ضخما لاستحداث قطع عسكرية جديدة وإعادة توزيع مناطق الانتشار على الحدود الشمالية والغربية. لذا، أبدى بعض أعضاء الحلف "قلقهم من أن تستخدم روسيا أسلحة نووية أو المزيد من الصواريخ التى تفوق سرعتها سرعة الصوت فى منطقة كالينينجراد للرد على أى تحركات عسكرية للحلف.
- توتر العلاقات الروسية الفنلندية:أجرى الرئيس الفنلندى قبل تقديم طلب الانضمام إلى "الناتو" اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسى "فلاديمير بوتين" لشرح دوافع القرار، ومنذ ذلك التاريخ وتشهد العلاقات بين موسكو وهلسنكى توترا متصاعدا؛ حيث أعلنت روسيا اتخاذ إجراءات للرد على انضمام فنلندا والسويد للناتو منها بناء قواعد عسكرية جديدة بالشمال، كما اتهمت فنلندا موسكو بانتهاك المجال الجوى لها أكثر من مرة، وأعلنت فنلندا مايو 2022 عزمها بناء سياج حديد على أجزاء من حدودها مع روسيا لتأمين حدودها، وخشية أن تستخدم موسكو المهاجرين لممارسة ضغط سياسى على هلسنكى، بينما تتخوف من حدوث إجراءات انتقامية من روسيا ضدها حال انضمت إلى الناتو وستكون غير عسكرية مثل هجمات إلكترونية أو زعزعة الاستقرار الداخلى بها، واستمر هذا التوتر بعد الانضمام رسميا إلى "الناتو"؛ حيث قامت وزارة الخارجية الفنلندية بفرض حظر على ممتلكات تعود للدولة الروسية امتثالا للوائح عقوبات الاتحاد الأوروبى، منها أراض خصصت لبناء المركز الروسى للعلوم والثقافة فى هلسنكى، بينما دعت هلسنكى فى منتصف إبريل 2023 موسكو للتحقيق فى مزاعم "تسليم ثلاث رسائل إلى مبنى البعثة الدبلوماسية الفنلندية بموسكو احتوت إحداها على مسحوق بيلولوجى".
- عسكرة القطب الشمالى:يضم مجلس القطب الشمالى الذى أُسس عام 1996 (روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، الدنمارك، فنلندا، أيسلندا، النرويج، السويد) وتعده روسيا منطقة نفوذ حيوى لها؛ لأنها تمتلك نصف مساحته وعدد سكانه، وتسعى للهيمنة عليه وتسعى موسكو لضم المزيد من أراضى المنطقة إليها، وله أهمية استراتيجية كبيرة وكذلك اقتصادية حيث إنه يحتوى على 26% من احتياطى النفط والغاز غير المكتشفة بالعالم، وتعده موسكو منطقة حيوية لها واللاعب الأول فيها أمنيا وعلمية واستخباراتية قاسية.
وشهدت المنطقة تصاعد التوتر بين روسيا من جهة وسائر دوله منذ بدء الحرب الأوكرانية؛حيث حذرت موسكو من تصاعد النشاط العسكرى بالمنطقة التى ستتحول إلى مسرح دولى للعمليات العسكرية حال انضمت فنلندا والسويد إلى "الناتو"، وأوضحت موسكو أن نشر قوات للحلف على الحدود الروسية الفنلندية التى تبلغ 1300 كم، سيؤثر فى المصالح الروسية وثرواتها فى منطقة المحيط الشمالى؛ حيث سيعوق تنفيذ مشروع الطريق البحرى الشمالى الاستراتيجى لموسكو، كما حذرت موسكو من اعتبار "بحر البلطيق" الذى تطل عليه (روسيا، لاتفيا، استونيا، ليتوانيا) بحرا داخليا للحلف لأنه يتجاهل حرية الحركة الملاحية للأسطول الروسى بالبلطيق وقواعدها العسكرية فى "بسان بطرسبورج وكاليننجراد"، ما ينذر بتصعيد التوتر العسكرى بالقطب الشمالى مستقبلا.
- تغير الترتيبات الأمنية بين روسيا والناتو: انضمام فنلندا إلى "الناتو" سيغير الترتيبات الأمنية بين روسيا والحلف بقيادة واشنطن، حيث إنه سيؤدى إلى رفع موازنة الحلف ما يخصص المزيد من الموازنة لبرامج التسليح العسكرى لا سيما بعد إعلان ألمانيا أكبر برنامج تسليح فى تاريخها عام 2022، ومنح قوة إضافية للحلف عبر زيادة أعضائه واتساع رقعته الجغرافية واكتسابه خبرات عسكرية عملياتية جديدة عبر نشر قواته وقواعده فى أقصى شمال غرب أوروبا على الحدود الروسية، ولاحقا يمكنه نشر قوات بالقطب الشمالى ما يمثل تهديدا ومحاصرة لروسيا من الحدود الغربية.
هذا فضلا عن مساعى الحلف لضم اليابان وأستراليا إليه رسميا ما يمثل تهديدا للحدود الشرقية لروسيا، وهذا سيعمل على استنزاف موارد موسكو الاقتصادية لنشر البنية التحتية الروسية بعدة أقاليم حيوية للرد على تحركات "الناتو" ما يخل بالتوازن الاستراتيجى الذى أصبح فى مصلحة الحلف، الأمر الذى دفع موسكو لتعيين قائدين جديدين لأسطوليها فى بحر البلطيق والمحيط الهادئ؛ فقد جرى تعيين القائد السابق لأسطول بحر البلطيق الأدميرال "فيكتور لينا" ليصبح الآن قائدا لأسطول المحيط الهادئ. ونائب رئيس الأركان العامة الأدميرال "فلاديمير فوروبيوف" قد جرى تعيينه قائدا لأسطول بحر البلطيق ليسهما فى رسم سياسة أمنية وعسكرية جديدة، كل فى مجاله.
أوضحت موسكو أنها "تقاتل ضد الناتو ولا تقاتل ضد الجيش الأوكرانى، وهذه مهمة صعبة للغاية، لكن يجب فعل كل شىء للانتصار فى هذه الحرب".
مما سبق، نجد أن انضمام فنلندا إلى حلف الناتو يعيد رسم السياسات الأمنية والعسكرية بين الحلف وروسيا التى استمرت ثابتة منذ ثلاثة عقود، وسيكون له العديد من التداعيات الآنية والمستقبلية؛ حيث إن روسيا لن تقبل باستمرار تهديد الحلف عسكريا لها، ما ينذر ببدء حرب باردة جديدة بينهما يكون فيها سباق تسلح مستمر، وتصبح فيها دول شمال شرق أوروبا مسرحا عملياتيا مفتوحا، وهذا ربما يؤدى إلى دخول أقطاب دولية جديدة بالصراع بينهما لعل أبرزها الصين التى تبدى اهتماما متصاعدا بمنطقة القطب الشمالى، ولعل تلك الحرب الباردة ستستمر حتى بعد انتهاء الحرب الأوكرانية الحالية، وسيكون لها العديد من التداعيات على مستقبل النظام الدولى.