لأن مصر «أم الدنيا»، فدائما تفتح ذراعيها للجميع دون تمييز أو تفرقة، لذلك بلغ عدد اللاجئين الموجودين فى مصر أكثر من 9 ملايين لاجئ، طبقا لما كشفت عنه المنظمة الدولية للهجرة فى آخر مسح إحصائى أجرته فى العام الماضى.
التقرير أشار إلى أن عدد اللاجئين يقدر بنحو 8.7٪ من إجمالى عدد السكان فى مصر، بعد أن توافدوا على مصر من 133 دولة. يأتى السودانيون فى المرتبة الأولى بنحو أكثر من 4 ملايين لاجئ، يليهم السوريون واليمنيون والليبيون، وجنسيات أخرى كثيرة.
الأرقام نفسها أكدها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال المؤتمر الصحفى مع المستشار النمساوى، كارل نيهامر، الخميس الماضى، حينما أشار إلى أن مصر تستضيف 9 ملايين (أسماهم الرئيس الضيوف)، يتمتعون بالخدمات كالمواطنين المصريين دون تمييز أو تفرقة.
-
على الجانب المقابل، فقد أوضحت المفوضية السامية لشئون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، أن عدد النازحين واللاجئين فى العالم قد ارتفع فى العام الماضى إلى 103 ملايين شخص، مقارنة بـ89٫3 مليون شخص فى 2021.
بنظرة متعمقة إلى تقرير المنظمة الدولية للهجرة، الذى كشف عن استضافة مصر نحو 9 ملايين لاجئ، وتقرير المفوضية السامية لشئون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، الذى قدر عدد اللاجئين فى العالم بما يقرب من 103 ملايين لاجئ، فإن ذلك يعنى أن مصر وحدها تتحمل عبء استضافة نحو 9٪ من إجمالى عدد اللاجئين فى العالم، وهو الأمر الذى يجب أن يكون محل اهتمام من المنظمات الأممية والدولية المانحة، ومجموعة العشرين، والاتحاد الأوروبى، للمشاركة فى تحمل أعباء استضافة هذا الكم الضخم من أعداد اللاجئين.
إذا حاولنا البحث عن تكاليف أعباء استضافة هذه الأعداد الكبيرة، فإنه يمكن الذهاب إلى فرنسا، التى أعلنت وزارة داخليتها فى فبراير الماضى أن تكلفة استقبال نحو 100 ألف لاجئ أوكرانى فى فرنسا بلغت خلال العام الماضى نحو 500 مليون يورو. يعنى ذلك أن تكلفة المليون لاجئ تبلغ ما يقرب من 5 مليارات يورو فى العام الواحد، وأن تكلفة الــ9 ملايين تبلغ نحو 45 مليار يورو.
بعيدا عن المبالغة، وإذا نظرنا إلى فرق مستوى المعيشة والخدمات المقدمة للاجئين فى مصر وفرنسا، فإن مصر تتحمل ما يقرب من 10 مليارات يورو على الأقل، وهو ما يوازى ربع التكلفة الفعلية للاجئين فى فرنسا، إلا أنه مبلغ ضخم، ويشكّل ضغطا هائلا على الموارد المصرية فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، لأن فرنسا تصرخ من تحملها نصف مليار يورو فى عام، فماذا عن مصر التى تتحمل ما يقرب من 10 مليارات يورو كل عام للاجئين والمهاجرين؟.
من الضرورى أن تتحرك دول الاتحاد الأوروبى على وجه الخصوص، لتتحمل مسئولياتها تجاه اللاجئين المقيمين على الأراضى المصرية، والذين لولا استيعابهم فى مصر، ومعاملتهم كضيوف، ودون تمييز، لكانوا ضمن أعداد المهاجرين المحمولين فى قوارب الهجرة غير الشرعية إلى شواطئ الدول الأوروبية من أجل طرق الأبواب الأوروبية، والدخول إليها.
مصر تتحمل عبئا ضخما فى ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية، وآن الأوان أن تتحرك دول الاتحاد الأوروبى، والمنظمات الإقليمية والدولية، لدعم مصر ومساندتها على تحمل أعباء استضافة كل هذه الأعداد الضخمة من اللاجئين، والفارين إليها من مناطق النزاع والتوتر والأزمات، خاصة فى ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية عالميا، وارتفاع أسعار الطاقة والخدمات الصحية، وغيرها من أسعار الخدمات الضرورية التى يتم تقديمها إلى اللاجئين فى حياتهم اليومية دون تمييز مثل أشقائهم المصريين.
فى 2016، أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى أول إستراتيجية وطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ومنذ ذلك الحين لم يتم رصد أى خروج لمراكب الهجرة غير الشرعية من الشواطئ المصرية. بعدها صدر القانون رقم 82 لعام 2016، الذى وضع عقوبات رادعة من أجل مواجهة تلك الظاهرة، حيث جرم كل أشكال تهريب المهاجرين، وطارد نشاط المؤسسات المتورطة فى هذه الجرائم، بالإضافة إلى تأسيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار فى البشر.
منذ ذلك الحين، ومصر تعمل بكل قوتها من أجل مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وانخرطت فى العديد من الفعاليات الدولية المخصصة لهذا الغرض، حيث استضافت الاجتماع الوزارى الثانى لمبادرة الاتحاد الإفريقى حول الاتجار فى البشر وتهريب المهاجرين، واستضافت فى الأقصر المؤتمر الأول من نوعه حول «مسارات الهجرة بين إفريقيا وأوروبا»، كما شاركت مع إيطاليا فى مبادرة مشتركة، لتدريب رجال الشرطة من 22 دولة إفريقية على مكافحة الهجرة غير الشرعية.
أما المبادرة الأهم فكانت مبادرة «مراكب النجاة»، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى ضمن فعاليات النسخة الثالثة من منتدى شباب العالم فى ديسمبر2019، وذلك فى إطار المشاركة فى تنفيذ الاتفاق العالمى للهجرة، الذى شاركت مصر فى إعداده واعتماده بالمغرب فى ديسمبر 2018.
لم تتوقف جهود مصر عند هذا الحد، لكنها استضافت أيضا المنتدى الإقليمى الأول لهيئات التنسيق الوطنية لمكافحة الاتجار فى البشر وتهريب المهاجرين فى نوفمبر2019، وبعدها تم إطلاق المشروع المصرى الخاص بتفكيك شبكات الاتجار فى الأشخاص بشمال إفريقيا، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، فى يوليو 2020.
كل هذه الجهود نجحت فى وقف تدفقات الهجرة غير الشرعية من الشواطئ المصرية، بعد إحكام ضبط الحدود البرية والبحرية، لتنتهى ظاهرة «قوارب الموت» من الشواطئ المصرية، وهو الأمر الذى تدركه أوروبا جيدا، ودائما يكون محل إشادة وتقدير من كل قادة الدول الأوروبية الزائرين لمصر فى المناسبات المختلفة، وخلال الزيارات المتبادلة.
المستشار النمساوى، كارل نيهامر، كان أحدث القادة الأوروبيين الذين أشادوا بالدور المصرى فى مكافحة الهجرة غير الشرعية، وعبر عن تقدير النمسا لما تقوم به مصر فى هذا الإطار، خاصة ما يتعلق باستضافتها هذا الرقم الضخم من اللاجئين على أراضيها، معترفا أن هذه الأعداد الكبيرة تمثّل عبئا ضخما على الوضع الاقتصادى والأمنى، وعبئا كبيرا على الأجهزة الأمنية، وأنه يرغب فى أن يكون هناك المزيد من التعاون فى هذا الشأن، لوضع آليات واضحة ومحددة فى هذا الإطار.
المفاجأة التى اكتشفتها خلال إعداد هذا المقال أن عدد المهاجرين واللاجئين فى مصر ربما يفوق أو يساوى عدد سكان دولة النمسا، الذى يبلغ وفق ما ذكرته هيئة الإحصاء المركزية النمساوية 9٫106٫126 ملايين نسمة، وذلك فى الأول من يناير الماضى.
أعتقد أن تقارب رقم أعداد اللاجئين فى مصر مع رقم عدد سكان النمسا هو الذى لفت انتباه المستشار النمساوى حينما تحدث عن أعداد اللاجئين على الأراضى المصرية، لكن التعاطف وحده لا يكفى، وإنما المهم أن يتحوّل ذلك إلى تبنى فعلى من النمسا، وغيرها من دول الاتحاد الأوروبى، لرؤية إستراتيجية، ليتحمل الاتحاد الأوروبى مسئولياته تجاه اللاجئين والمهاجرين المقيمين فى مصر، حيث تقوم مصر بدورها كاملاً فى منع تدفق كل هذه الأعداد إلى الشواطئ الأوروبية، انطلاقا من مبادئها الأخلاقية والإنسانية الرفيعة فى الحفاظ على حياة هؤلاء اللاجئين، وخشية تعرضهم للهلاك فى أثناء مغامرتهم فى رحلة الهجرة غير الشرعية، التى قد تنتهى، للأسف الشديد، بالموت غرقا فى أعالى البحار، أو معاملتهم كالأسرى فى معسكرات اللاجئين غير الآدمية فى بعض دول الاتحاد الأوروبى.
أتمنى أن تتحرك الدول الأوروبية، والمنظمات الدولية والإقليمية، لتتحمل مسئولياتها تجاه اللاجئين فى مصر، خاصة أن أعدادهم الضخمة مرشحة للتزايد خلال المرحلة المقبلة نتيجة الفوضى التى تجتاح السودان حاليا، والتى أدت إلى فرار الكثيرين من السودانيين إلى الأراضى المصرية، هربا من الجحيم والعذاب هناك نتيجة الحرب المشتعلة بين الأطراف المتنازعة، وتداعياتها المستقبلية غير المحسوبة حتى الآن.