ظهر مصطلح الكاتب الخفى أو الكاتب الشبح "Ghost Author" فى الدول الأوروبية، وعنى به الشخص الذى يقوم بتأليف القصص، والمقالات، والكتب، وكتابة التقارير لمصلحة أشخاص آخرين مقابل أجر مادى متفق عليه، وفى الغالب تكون هذه الكتابات لأشخاص مشهورين تستعرض مذكراتهم الشخصية؛ حيث لا يمتلكون مهارة الكتابة بأسلوب شائق؛ لذلك تصبح الاستعانة بالكاتب الشبح مسألة حتمية فى بعض الأحيان.
المؤلف الضيف "Guest Author"هو الوجه الثانى للتأليف الشبحى وفقا لإرشادات اللجنة الدولية لمحررى المجلات الطبية (ICMJE) ، فالمؤلفون الضيوف هم أشخاص تتم إضافتهم بشكل غير مباشر إلى الورقة البحثية دون أدنى مساهمات منهم؛ لأسباب عدة منها: وضع اسم عالم مشهور فى تخصص مُعين قد يَمنح الورقة البحثية المصداقية، ومن ثم احتمالية قبولها ونشرها تكون كبيرة فى المجلات العلمية المرموقة، ومن ناحية أخرى قد يَفرض المشرف الرئيس على الباحث إضافة اسمه على الورقة البحثية عند نشرها على الرغم من عدم وجود مساهمة مباشرة منه، وهذا الأمر شائع فى الأوساط الأكاديمية؛ لذا فإن المؤلف الضيف هو مفهوم غير أخلاقى ناتج عن سوء السلوك البحثى؛ وعليه فإن معظم محررى المجلات العلمية لديهم سياسة تفرض على الباحثين توضيح مساهماتهم الفردية داخل الورقة البحثية قبل نشرها. ومن هنا جاءت ظاهرة "التأليف الشبحى" و"التأليف الضيف" لتعكس مسار البحث العلمى فى الجامعات العربية، حيث تمنح العلم لمن لا يعلم، والحق لمن لا يستحق، والصعود من القاع إلى القمة.وهذا ما أكدته دراسة حديثة نُشرت فى مجلة Natureأن الكتابة الشبحية والتأليف الضيف منتشران فى البحوث العلمية بنسبة 10.0٪، وهذه الممارسات تعد جزءا من استراتيجيات النشر العالمية.
ماهية الكتابة الشبحية:
تعود الكتابة الشبحية إلى حقبة الستينيات عندما ظهرت السير الذاتية لنجوم هوليوود، وفى السبعينيات سُئِلَ الرئيس الأمريكى الراحل "رونالد ريجان" عن كتابه الذى عَرض فيه مذكراته الشخصية، فقال: "سمعت أنه كتاب رائع"، وَعَلَىَّ أن أجد الوقت الكافى لقراءته! أما بالنسبة للرئيس الأمريكى "جون كينيدى" فإنه ظل حتى اغتياله يُصرُّ على أنه مؤلف كتاب "شخصيات شجاعة" الذى حاز جائزة بوليتزر للآداب عام 1957 فئة كُتب السير الذاتية وأهلَّه للترشح للانتخابات الرئاسية، وبمرور الوقت تبين أن "تيد سورنسون" كاتب خطابات كينيدى هو من قام بكتابته نيابة عنه. ولا تقتصر الكتابة الشبحية على السير الذاتية فحسب، بل امتدت إلى عالم الرواية وغيرها من أشكال الإبداع، ففى عام 2004، صدر كتاب بعنوان "الكتابة الشبحية" للكاتبة الأمريكية "جينى إردل" كشفت فيه أنها الكاتبة الفعلية لمعظم الكتب التى صدرت باسم نعيم عطالله الناشر البريطانى المشهور المنحدر من أصول فلسطينية.
أنواع الكتابة الشبحية:
للكتابة الشبحية أنواع متعددة منها الكتابة الشبحية الواقية، حيث يَشمل هذا النوع من الكتابات السير الذاتية والمذكرات الشخصية لكبار المشاهير والسياسيين ورؤساء الدول، وفيها يقوم الكاتب بتحويل الأفكار التى تطرحها عليه الشخصية العامة وكتابتها بأسلوب مميز، كون الثانى لا يمتلك الحنكة الأدبية واللغوية التى تُمكنه من الكتابة الأدبية العميقة. وهناك أيضا الكتابة الشبحية الأدبية التى تُركّز على القصص والروايات والشعر، فإذا رغبت دار نشر فى زيادة مبيعاتها توجهت إلى كاتب شبحى لتطلب منه تأليف رواية أو قصة، وتضع عليها اسم أديب أو روائى مشهور يتابعه الجمهور بشغف ولا يبخلون فى شراء مؤلفاته؛ وذلك من خلال الاتفاق المسبق بين جميع الأطراف. وهناك الكتابة الشبحية الأكاديمية التى بدأت فى الانتشار بالجامعات والمؤسسات البحثية؛ نظرا لقيود النشر الصارمة التى تُفْرَض لترقيات أعضاء هيئة التدريس، فمنهم من يلجأ لكاتب شبحى أكاديمى لصياغة الأوراق البحثية كونه يفتقد إلى مهارة البحث عن المعلومات وأساسيات النشر فى المجلات الدولية المرموقة، والبعض الآخر قد لا يجد الوقت الكافى لإعداد البحوث الأكاديمية، وفى أحيان قليلة يتجه بعض الباحثين لهذا النوع من الكتابات للشهرة الأكاديمية والظهور على الساحة الدولية للبحث العلمى من خلال تحقيق أعلى مُعدل نشر دولى للأوراق البحثية التى يُمكن استعراضها من خلال "جوجل إسكولار" إما من خلال قواعد بيانات الاستشهادات المرجعية العالمية مثل "ويب أوف ساينس" وغيرها من مرافق المعلومات الأخرى. كما تعد الكتابة الشبحية عبر الإنترنت أحدث هذه الأشكال التى تعمل تحت غطاء قانونى، وتشمل التدوين المُصغر عبر شبكات التواصل الاجتماعى مثل تويتر، وإنستجرام، وفيس بوك، وغيرها من الشبكات الأخرى، ويلجأ إليها المشاهير لجذب أعداد كبيرة من المتابعين "فولوورز"، كما تشمل أيضا كتابة المقالات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر مواقع الإنترنت العامة والمواقع الشخصية للأفراد.
الكتابة الشبحية ظاهرة أم مهنة؟
تأسيسًا على ما سبق نحن أمام تساؤل رئيس "هل الكتابة الشبحية ظاهرة أم مهنة؟" فى الآونة الأخيرة بدأ محرك بحث جوجل إعلان وظائف كاتب شبحى، ليس فقط جوجل، بل أصبحت مهنة أساسية على منصات العمل الحر الرقمية مثل منصة "فريلانسر" ومنصة "أب وورك" ومواقع الخدمات العلمية الصغيرة نجدها أيضا مليئة بالإعلانات للكُتاب الذين يقدمون خدماتهم بأسعار محددة، بينما يتنازلون عن حقهم فى الملكية الفكرية والأدبية لتلك الكتابات؛ مثل كتابة مقال أو قصة قصيرة أو فصل من كتاب أو عدد محدد من الكلمات فى موضوع معين.
التأليف الشبحى وتأثيره فى الجامعات:
حينما يتعلق التأليف الشبحى بكتابة سيرة ذاتية لأحد المشاهير أو السياسيين أو تأليف قصة خيالية أو نوتة موسيقية لا يمثل الأمر خطورة على المجتمع لأن ما يقوم بفعله الكاتب الشبحى حقيقة ينقلها بناء على إرشادات ومتابعة من أصحابها بأسلوب أدبى عميق، لكن ماذا لو تسلل الكاتب الشبحى للوسط الأكاديمى؟!هنا سيصبح الباحث شخصا منتحلاينسب لنفسه العلم والمعرفة. والسؤال التالى الذى يفرض نفسه: هل الكتابة الشبحية أصبحت حتمية فى ظل القيود الأكاديمية التى تفرضها الجامعات لترقيات أعضاء هيئة التدريس أو الاستمرار فى وظائفهم؟ حيث تفرض معظم الجامعات العربية والأجنبية النشر فى مجلات علمية دولية مُكشفة فى قواعد المعلومات العالمية مثل إسكوباس وويب أوف ساينس؛ ومن ثم قد لا يمتلك بعض الباحثين - وخصوصا العرب - مهارات النشر العلمى الدولى التى تتطلب إجادة الكتابة باللغة الإنجليزية فضلا عن فنيات كتابة الورقة البحثية الدولية واختيار المجلة المناسبة للنشر وغيرها من القضايا الأخرى؛ لذا يلجأ البعض إلى كاتب شبحى يتولى عملية التأليف حتى النشر مقابل مبالغ مالية باهظة. وفى هذا السياق أشارت دراسة استقصائية عن المجلة الطبية البريطانية BMJإلى أن التأليف الشبحى كان موجودا فيما يقرب من عُشر الأوراق المنشورة فى ست مجلات طبية فى عام 2020.
كيف تؤثر الكتابة الشبحية فى النزاهة الأكاديمية؟
النزاهة الأكاديمية تَعنى الالتزام بالقيم الأخلاقية، والمعايير المهنية للبحث العلمى من خلال تقديم الأدلة والوثائق الثبوتية لموافقات المبحوثين، وأيضا الوثائق المتعلقة بجمع بيانات الدراسة التى تطمئن القارئ أو الباحث عند الاطلاع على نتائجها، ومن ثم الوثوق بها وإعادة تكرار هذه النتائج فى دراسات مشابهة، ومن ثم تعد الشفافية عنصرا أساسيا لنزاهة البحث العلمى، كما أن معرفة من يكتب المقال أو الورقة البحثية أمر بالغ الأهمية للحصول على نتائج واستنتاجات دقيقة. ووفقا لما ذكره الكاتب الطبى "لانجدون نيونر" أن المقالات التى كتبها "أشباح طبيون" يعملون من قبل شركات الأدوية - تسببت فى إحداث قلق بعد أن كشفت الفضائح عن محتوى مضلل فى بعض المقالات، حيث إنها تُخفى مصالح المؤلفين والجهات الراعية بطريقة تجعل من الصعب تقييم البيانات العلمية والطعن فيها؛ ما يؤثر فى نزاهة البحث العلمى ومصداقيته، وهذا ما أكده "فان استنسل" أن احترام حق المؤلف لمعلوماته وأفكاره، والإشارة إليها كمرجع تمت الاستفادة منه فى هوامش البحث أمر بالغ الأهمية.
كيف يمكننا التخفيف من وطأة الكتابة الشبحية على نزاهة البحث العلمى؟
أسهم غياب التدابير التأديبية حتى الآن فى انتشار الكتابة الشبحية التى أدت إلى تراجع البحث العلمى والسمعة السيئة لبعض المؤسسات الأكاديمية؛ لذا فإن رفع مستوى الوعى هو الخطوة الأولى للحد من الكتابة الشبحية، حيث تقع هذه المهمة على عاتق الجامعات من خلال الندوات وورش العمل والمؤتمرات التى تُنادى بأخطارها، ولرجال الدين أيضًا دورٌ كبير فى تناول الظاهرة من منظور دينى. وفى الدنمارك تم إطلاق هاش تاج بعنوان "من فضلك لا تسرق عملى" للحد من الكتابة الشبحية،كما يمكن أن تشارك المجلات أيضًا فى الحد من هذه الظاهرة من خلال طلب بيانات المؤلفين المساهمين، بالإضافة إلى ذلك يمكنهم أن يطلبوا من المؤلفين كتابة توضيح الأجزاء التى أسهموا بها.
أخيرا، فإن الكتابة الشبحية والكاتب الضيف ممارسات منتشرة بين الأوساط الأكاديمية وغير الأكاديمية، ويجب أن ينظر إليها بوصفها سوء سلوك بحثى لا يقل خطورة عن الانتحال العلمى، ويُعاقب مرتكبها؛ ومن ثم الحد من انتشارها، حتى نصل إلى بحث علمى حقيقى تنهض به البلاد.