"قلقون للغاية بشأن الأحداث... وندعو إلى حل وسط يتم التوصل إليه فى أسرع وقت ممكن"، لم يكن تصريح البيت الأبيض السابق عن الوضع فى دولة من الدول التى تشهد صراعات أو حروبا، أو غيرها من الدول التى تستهدفها الولايات المتحدة الأمريكية عادة بمطالب ضبط النفس والتهدئة. فى المقابل، جاء هذا التصريح ضمن تصريحات أخرى عن المخاوف من تأثيرات الأوضاع الداخلية فى إسرائيل على جهوزية الجيش، ومن ثم قدرته على مواجهة التهديدات الأمنية الملحة.
وجاءت التصريحات الأمريكية بعد ساعات قليلة من حدث آخر غير معتاد تمثَّل فى اتهام يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الإدارة الأمريكية بتمويل الاحتجاجات التى تستهدف إسقاط حكومة والده والتوصل إلى الاتفاق النووى. وتروج تصريحات نتنياهو الابن بدورها رؤية تآمرية تربط الاحتجاجات بالعلاقات المضطربة بين نتنياهو الأب وحكومة جو بايدن من جانب، وبين أوضاع الداخل وأوضاع خارجية تجعل حكومة نتنياهو ضحية للصفقات الإقليمية من جانب آخر.
تعبر الأحداث السابقة عن وجه من أوجه التطورات المعقدة فى المشهد الإسرائيلى، التى تحمل العديد من الملامح الجديدة وغير المعتادة فى إسرائيل التى وجدت نفسها فى مواجهة تقاطع طرق بين اختيارات صعبة بعد انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين، التى جرت فى الأول من نوفمبر ٢٠٢٢، وحصل فيها اليمين واليمين المتطرف على النسبة الكبرى من الأصوات. كما تجد نفسها فى تقاطع طرق أخرى بعد قرار نتنياهو إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت مساء الأحد، ٢٦ مارس ٢٠٢٣، على خلفية معارضته للتعديلات القضائية، ووصفه لها، فى يوم الإقالة نفسه، بأنها "تشكل خطرا واضحا ومباشرا على أمن البلاد"، وتتسبب فى شعور قوات الجيش الإسرائيلى بالغضب والإحباط بدرجة لم يشهدهما من قبل.
وفى حين قادت الاحتجاجات الشعبية، التى تصاعدت عقب إقالة جالانت، إلى مطالبة إسحاق هرتسوج، الرئيس الإسرائيلى، نتنياهو فى اليوم ذاته، ٢٦ مارس، بوقف التعديلات القضائية فورا "من أجل وحدة شعب إسرائيل"، مشيرا إلى المشاهد القاسية والمشاعر الصعبة والقلق العميق الذى يجتاح الشعب الإسرائيلى، والتهديدات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المترتبة على الأوضاع القائمة. فقد طالبت شخصيات فى اليمين المتطرف، مثل بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية، ووزير المالية فى حكومة نتنياهو، بتظاهرات مضادة يقصد بها نزول اليمين المتطرف إلى الشارع فى مواجهة المعارضين للتعديلات القضائية.
بدوره أعاد خطاب نتنياهو مساء ٢٧ مارس الجارى، الذى أعلن فيه تجميدا مؤقتا للتعديلات القضائية، الحديث عن المخاوف الإسرائيلية من حدوث حرب أهلية، وهى المخاوف التى طرحت بشكل متزايد فى الخطاب الإسرائيلى، وعادت للواجهة مع تصاعد حدة الاحتجاجات بعد إقالة وزير الدفاع والدعوة إلى نزول اليمين المتطرف بهدف مواجهة الاحتجاجات الشعبية، وما يمكن أن يقود إليه هذا الوضع حال حدوثه من صدام يمكن معرفة لحظة البداية فيه ولكن يصعب معرفة ما يقود إليه، وينتج عنه، ويحدث بسببه. ويضيف إلى تلك المخاوف طبيعة التعقد الذى يحيط بالمشهد الإسرائيلى، والمساومات المطلوبة لتمرير السياسات، والفجوة بين مطالب المعارضة والاحتجاجات الشعبية من جانب، وما أعلنه نتنياهو من جانب آخر، وهو ما ظهر فى ردود الفعل التى عبر بعضها عن الترحيب بفرصة الحوار، فى حين رفض قادة الاحتجاجات وعدد من قادة المعارضة القبول بأقل من إلغاء التعديلات القضائية كليا، مؤكدين استمرار الاحتجاجات الشعبية حتى يحدث هذا. وفي حين طالب أعضاء أحزاب اليمين بإجراء تعديلات على القضاء، إلا أنها اكتسبت زخما خاصا بعد انتخابات نوفمبر ٢٠٢٢، وتشكيل حكومة من الأحزاب اليمينية الأكثر تشددا، خاصة مع رغبة نتنياهو في تجنب الملاحقة القانونية. وفي حين عبرت حكومة نتنياهو عن رغبتها في إحداث تعديلات على سلطات القضاء، وخاصة المحكمة العليا، عارض ٦٦ في المائة من الإسرائيليين التعديلات، وخاصة حق المحكمة في إلغاء القوانين. وتسعى التعديلات إلى تحقيق عدة أهداف، أبرزها:
- سحب السلطات من بين قضاة المحكمة العليا، بوصفها مراقبا على الكنيست والحكومة.
- تقليص صلاحية المحكمة العليا في إسقاط القوانين التي ترى أنها غير قانونية.
- تمكين أعضاء البرلمان من رفض قرارات المحكمة العليا.
- زيادة دور السياسيين في تعيين القضاة، بخلاف الوضع الحالي والذي يتم وفقه تعيين القضاة من لجنة من ٩ قضاة من جهات متعددة مثل نقابة المحامين والحكومة والبرلمان والجهاز القضائي.
- إلغاء حجة المعقولية التي تعطي المحكمة صلاحية إلغاء قرارات الحكومة التي ترى أنها غير منطقية.
فى هذا السياق، نتناول بعض التعقيدات فى المشهد الراهن، وما يحيط بقرار نتنياهو من قيود، والجدل حول الديمقراطية الإسرائيلية الذى يتوقع أن يستمر بوصفه قضية مطروحة للنقاش كما هى المعارضة والاحتجاجات كما يبدو.
حكومة نتنياهو والتصعيد الداخلى:
على الرغم من وجود تصور مسبق، منذ إعلان نتيجة الانتخابات والجدل الذى أحاط بتشكيل الحكومة، بتزايد فرص وحجم التصعيد المحتمل على صعيد العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية، فى ظل حكومة تعد هى الأكثر تشددا ويمينية، فإن التطورات على صعيد الداخل الإسرائيلى تجاوزت الخطوط الحمراء وفقا لتقديرات إسرائيلية لا يستبعد بعضها السيناريوهات الأسوأ والممثلة فى سيناريو الحرب الأهلية، والاغتيال السياسى كما حدث مع رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين عام ١٩٩٥، مع مخاوف أخرى باللجوء إلى تصعيد ضخم على الساحة الفلسطينية من شأنه أن يقود إلى الدخول فى مواجهة مفتوحة، مثل الانتفاضة، بهدف إحداث درجة من درجات التوحد السياسى المؤقت فى الداخل الإسرائيلى.
وعلى الرغم من استبعاد عدد من تلك السيناريوهات، ومحدودية تأثير البعض الآخر فى ظل تمحور المشكلة على قضايا الداخل، والاحتجاجات والإضرابات المتسعة والمتزايدة، والحديث عن قدرة نتنياهو على التفاوض والمساومة وعقد الاتفاقات ونقضها، بوصفها عوامل مؤثرة فى التطورات التالية، يبدو المشهد الإسرائيلى الداخلى شديد التعقيد. وتبدو ملامح هذا التعقد فى مشهد يجمع بين رئيس وزراء يواجه قضايا فساد، ويمكن أن يواجه تحديات حقيقية حال تم إيقاف التعديلات القضائية. بالإضافة إلى ائتلاف يرى أن جزءا أساسيا من مكونات التماسك هو إجراء التعديلات، والسيطرة المطلقة على الأوضاع، واستبعاد كل من يخالف سياسات الحكومة على صعيد الداخل، وعلى صعيد العلاقات مع الجانب الفلسطينى والأطراف الإقليمية، بغض النظر عن ديمقراطية مثل تلك الإجراءات.
على الجانب الآخر، تزداد الاحتجاجات الداخلية، وتتسع ضمن قطاعات مختلفة فى المجتمع بما فيها الجيش نفسه، وهو الأمر الذى عُدَّ أحد الخطوط الحمراء المثيرة للقلق وخاصة بعد أن أعلن جنود نظاميون بالجيش الإسرائيلى للمرة الأولى رفضهم خطة نتنياهو الهادفة إلى إضعاف القضاء، وفقا لما أعلنته يديعوت أحرونوت مساء السبت ٢٥ مارس، وقبل يوم واحد من تصريحات وزير الدفاع وإقالته. وفى حين أعلن عدد من جنود الاحتياط رفض الخدمة العسكرية، أعلن الجنود النظاميون رفضهم القسم للخدمة فى ظل "نظام غير ديمقراطى"، مع تأكيد الولاء للجيش ووثيقة الاستقلال فقط. بدوره أكد نتنياهو فى خطابه الأخير مخاطر تلك التطورات، وقال إن "رفض المواطنين الإسرائيليين الانضمام إلى الجيش لأداء الخدمة العسكرية يعنى نهاية إسرائيل".
وفى حين تثير التطورات المتعلقة بالتعديلات القضائية انتقادات داخلية من رئيس الوزراء الأسبق يائير لبيد وغيره من قادة المعارضة، وبعض الأصوات فى السلطة والأجهزة الأمنية، يحضر أيضا إلى المشهد بقوة أسماء مثل اليمينى المتطرف ووزير الأمن القومى إيتمار بن غفير، الذى تم الربط بينه وبين قرار نتنياهو إقالة جالانت، وهو القرار الذى زاد من الاحتجاجات الشعبية ووضع التطورات التالية تحت الأضواء بوصفها ساعات حاسمة لا تواجه نتنياهو وحكومته فقط، ولكن إسرائيل وحاضرها ومستقبلها أيضا.
ووسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وفرص نزول اليمين المتطرف المتزايدة، تصاعد الحديث عن فرص تجميد أو وقف الإصلاحات القضائية. وعلى الرغم من ظهور أصوات مؤيدة لتجميد التعديلات القضائية ضمن كتلة نتنياهو، سارع بن غفير للترحيب بإقالة جالانت، وأكد أن بقاء الائتلاف يرتبط بالحفاظ على التعديلات القضائية، مهددا بحل الائتلاف فى حالة تراجع نتنياهو، ما يستكمل مشهد مفترق الطرق الذى يواجه نتنياهو، حيث يجب عليه أن يختار، أو يوفق بشكل ما، بين المطالب الشعبية والسياسية المعارضة للتعديلات القضائية، والاستجابة للأصوات المؤيدة للتعديلات القضائية والرافضة للتراجع عنها من أجل الحفاظ على الائتلاف، والاعتبارات الأمنية وصورة إسرائيل لدى الدول الغربية.
بدورها طرحت أصوات داخل المعارضة مقاربة أخرى للحل تقوم على تنحى نتنياهو مقابل عدم محاكمته فى قضايا الفساد. ويسمح مثل هذا الطرح بتحقيق هدف أساسى من أهداف التعديلات القضائية، والخاص بتجنب محاكمة نتنياهو، بالإضافة إلى تحقيق هدف المعارضة المتمثل فى إبعاد نتنياهو عن السلطة، ولكنها فى المقابل تقود نتنياهو إلى الانسحاب من المشهد السياسى وهو أمر لا يتصور أن يسارع إليه، وقد لا يقبل به إلا بوصفه خيارا أخيرا عندما تغلق جميع السبل، كما قد لا يمر بسهولة ضمن اليمين المتطرف.
بهذا، تمثل المخرج الأكثر واقعية فى قيام نتنياهو بمناورة للخروج من الأزمة من خلال توافق ائتلافى من شأنه تجميد التعديلات القضائية، مع إعطاء وقت للنقاش حول القضايا المطروحة وتجنب حالة الغضب والاحتجاجات الشعبية. ويهدد مثل هذا السيناريو بالتصعيد فى الملف الفلسطينى بدرجة أكبر من خلال إعطاء بعض المكاسب لليمين المتطرف فى الائتلاف فى الساحة الفلسطينية، وخاصة فيما يتعلق بالاستيطان واقتحام المسجد الأقصى، وما يرتبط بها من عمليات اعتقال واغتيال وهدم منازل، مقابل عدم الانسحاب من الحكومة.
فى هذا السياق، وضمن الحصول على المزيد من الأدوار لليمين الإسرائيلى المتطرف، ذكر بيان لحزب بن غفير، القوة اليهودية، مساء ٢٧ مارس الجارى عن توصل بن غفير ونتنياهو إلى اتفاق يتم بموجبه الإعلان عن تأجيل التعديلات القضائية المثيرة للجدل لمدة شهر على أن يتم تمرير التعديلات "خلال الصيف وعبر الحوار مع المعارضة"، مع الموافقة على إقامة الحرس الوطنى. بدوره أكد نتنياهو ما سبق فى تصريحاته مساء اليوم نفسه، وربط بين "تأجيل التصويت على التعديلات القضائية" والرغبة فى تجنب الحرب الأهلية، وإعطاء فرصة للحوار، مطالبا فى الوقت ذاته قادة الجيش والأجهزة الأمنية بالوقوف فى مواجهة العصيان ورفض أداء الخدمة العسكرية.
وسارعت بعض أصوات المعارضة بوصف الاتفاق على التجميد مقابل الموافقة على الحرس الوطنى المدنى تحت إشراف بن غفير، الذى طالب بتشكيله منذ يناير الفائت، بأنه "صفقة خطيرة". وارتبط الحديث عن الحرس الوطنى منذ طرح بن غفير الفكرة بالتحذير من إمكانية أن تقود مثل تلك السياسات، وتشكيل ميليشيات عسكرية مسلحة من المستوطنين، إلى تزايد الاعتداءات ضد الفلسطينيين، وزيادة العنف وهى الأوضاع التى تزايدت المخاوف منها فى ظل الاعتداءات التى تعرضت لها بلدة حوارة، فى الضفة الغربية فى شهر مارس الجارى وتسببت فى نقد واضح للسياسات الإسرائيلية.
كما يضيف إشراف بن غفير على الحرس الوطنى إلى أسباب المخاوف وتصاعد الانتقادات لدى أصوات لم ترفض تشكيل الميليشيات ولكنها رفضت دور بن غفير الذى تم إعفاؤه من الخدمة الإلزامية العسكرية بسبب مواقفه اليمينية المتشددة، والمتهم بقضايا تتعلق باستخدام العنف ضد الشرطة والتحريض على العنصرية ودعم الإرهاب.
وبشكل عام، تظل التساؤلات مطروحة بعد خطاب نتنياهو عن القبول بهذا القدر الضئيل من التراجع النسبى. وفى الواقع، يمكن القول بأن نتنياهو لم يتراجع أو يستجب لمطالب المعارضة، ولم يقم بأكثر من تأجيل المواجهة لمرحلة ما بعد عيد الفصح، مع ترك الباب لحوار داخل الكنيست الذى يملك فيه الأغلبية (٦٤ مقعدا من إجمالى ١٢٠ مقعدا)، وحول تعديلات يفترض أن المعارضة، والجماهير، التى وصل عددها يوم ٢٧ مارس وفقا لعدة تقديرات إلى أكثر من ٦٠٠ ألف شخص، تقف ضدها. كما أنه سارع إلى إذكاء نار المواجهة على الصعيد الفلسطينى المحمل بكل فرص التصاعد، وسمح من خلال تفاوض محدود حول هدف مؤقت هو تجميد التعديلات القضائية بتمرير مصدر للتهديد الأمنى بوزن الحرس الوطنى، بما يؤشر لمخاطر أكبر فى حال طرحت المزيد من ملفات الداخل للتجاذبات والمساومات الممتدة للحفاظ على الائتلاف من جانب، وإبعاد نتنياهو عن المحاسبة القانونية من جانب آخر.
جدل الديمقراطية الإسرائيلية:
يعيد مشهد الاحتجاجات وحديث القلق إلى الواجهة العديد من التعليقات والتحليلات السلبية والمتخوفة التى أحاطت انتخابات الكنيست، التى طرحت العديد من التساؤلات المبكرة عن الديمقراطية الإسرائيلية على خلفية النقاش الدائر حول استهداف المحكمة العليا، التى تترأس الجهاز القضائى وتعد الهيئة القضائية الأعلى ورئيسها رأس النظام القضائى، ضمن التعديلات القضائية المقترحة.
وتسعى التعديلات القضائية التى تسميها الحكومة إصلاحا قضائيا والمعارضة انقلابا على الديمقراطية، إلى سحب السلطات من بين قضاة المحكمة العليا، بوصفها مراقبا على الكنيست والحكومة، بالإضافة إلى تقليص صلاحياتها فى إسقاط القوانين التى ترى أنها غير قانونية، مع إلغاء حجة المعقولية التى تعطى المحكمة صلاحية إلغاء قرارات الحكومة غير المنطقية من وجهة نظر المحكمة، والسماح لأغلبية برلمانية بسيطة برفض قرارات المحكمة، وإعطاء السياسيين دورا أكبر فى تعيين القضاة.
وتمثلت المخاوف بالأساس فى أن تؤثر التعديلات فى صورة إسرائيل لدى الدول الغربية بوصفها دولة ديمقراطية غربية الطابع، بكل ما يمكن أن يترتب على هذا التطور، حال حدوثه، من انعكاسات على السياسات الغربية فى التعامل مع تل أبيب، وموقع إسرائيل فى الإقليم. وتم التعبير عن تلك المخاوف بوسائل مختلفة ومنها دعوة الولايات المتحدة إسرائيل عقب الانتخابات إلى احترام قيم المجتمع الديمقراطى المنفتح، ومقال توماس فريدمان المعنون "إسرائيل التى نعرفها انتهت"، والمنشور فى نيويورك تايمز فى الرابع من نوفمبر الفائت، والعديد من الكتابات والتصريحات الغربية المتخوفة من مسار الديمقراطية فى إسرائيل فى ظل حكومة نتنياهو والطبيعة اليمينية المتشددة التى غلبت عليها بصفة عامة والتعديلات القضائية المقترحة بصفة خاصة.
كما زادت المخاوف مع الأزمة التى أثارها الدفع بالتعديلات القضائية، التى تم النظر إليها بوصفها، بالإضافة إلى تجنيب نتنياهو الملاحقة القضائية، تحقق أهداف اليمين المتطرف التى تنظر لها بوصفها وسيلة يمكن من خلالها دفع المشروع الدينى المتشدد بشكل أكثر توسعا فى المجتمع الإسرائيلى. وتعد تلك النقطة نفسها أحد المخاوف التى تتجاوز وجود اليمين المتطرف فى السلطة، إلى إعطاء الفرصة لأجندة غير ديمقراطية، وغير ليبرالية، ويمينية متشددة للوجود والانتشار فى المجتمع الإسرائيلى بشكل يتجاوز عمر الحكومة إلى تأثيرات سياسة واجتماعية ممتدة.
من جانب آخر، تبرز التطورات الإسرائيلية الداخلية، والانتقادات المتصاعدة داخليا وخارجيا ضد التعديلات القضائية بوصفها مهددا للديمقراطية، والتحذيرات الدولية من تجاوز أو انتهاك الممارسات والحقوق الديمقراطية، حجم التناقض داخل السياسات الإسرائيلية والغربية فى التعامل مع الأوضاع على الساحة الإسرائيلية الداخلية بشكل منفصل عن السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطينى. ومما يزيد من المخاوف فى هذا السياق، حقيقة أن الساحة الفلسطينية هى الساحة المؤهلة أكثر من غيرها لدفع ثمن المساومات السياسية الإسرائيلية، كما حدث فى اتفاق تأجيل المناقشات. وبهذا، يمكن أن يقود المشهد الحالى بتناقضاته، بين انتهاكات إسرائيلية فى ساحات المسجد الأقصى، والاحتجاجات من أجل الديمقراطية فى ساحات أخرى، والتركيز الدولى على بعد السياسات الداخلية أكثر من بعد القضية الفلسطينية، إلى تزايد الاعتداءات ضد الشعب الفلسطينى والإضرار بفرص حل الدولتين.
على الرغم من المخاوف السابقة، ووجود إدراك بأن إسرائيل التى يمثلها فى حكومة نتنياهو الحالية شخصيات مثل سموتريتش وبن غفير يمكن أن تقدم صورة مختلفة عن إسرائيل قبل تشكيل الحكومة فى ديسمبر ٢٠٢٢ لدى الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن التطورات على أرض الواقع ابتعدت بشكل متصاعد عن المخاوف المحدودة على شكل الديمقراطية إلى الحديث عن التماسك الداخلى الإسرائيلى، وانعكاسات ما يحدث على المستقبل. وتم تجاوز دعوات ضبط النفس والخوف من تأثيرات الأوضاع الداخلية فى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية إلى الحديث عن الاعتبارات الأمنية والجهوزية العسكرية، ومن مواجهة التهديدات الداخلية، إلى مواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية، بما يعيد المشهد لجدل أكثر عمقا عن الدولة المحاصرة القائمة على حماية الأمن، وقدرتها على تحقيق هذا الهدف فى حال استمرت أو توقفت وتجددت حالة عدم الاستقرار الداخلى.
وبعيدا عن التناقضات والاحتمالات المتعددة، من شأن الأوضاع السابقة، حال استمرارها، تعميق الإشكاليات الإسرائيلية الداخلية، وإحداث شقوق أكثر عمقا فى الداخل بمرور الوقت. شقوق قد لا تتوقف عن الاتساع بقرار مستبعد مرحليا بتنحى نتنياهو طوعا، وقائم بتجميد مؤقت للتعديلات القضائية، إلى أوضاع أكثر تعقيدا عن الخطوة القادمة سواء على صعيد المعارضة وتحركاتها أو اليمين المتطرف ورغبته فى فرض إرادته عبر الوجود فى مواقع السلطة، والقضية الفلسطينية ومستقبل الدولة المنتظرة فى واقع مفتوح على مزيد من التصعيد.