الوعى السياسى هو مجموعة من الأفكار والمفاهيم لدى أفراد المجتمع على المستويين المحلى والعالمى والتفاعل مع الشئون السياسية والمشاركة فى العمل السياسى بفاعلية. يتطلب الوعى السياسى فهم الأحداث السياسية والاقتصادية للدولة والتأثيرات الاجتماعية والسياسية الناتجة عن التغييرات والتطورات فى النظام. ويمكن للفرد المؤهل بالقدر الكافى من الوعى السياسى أن يُسهم بفعالية فى الحوار العام والتأثير فى القرارات الحكومية المتعلقة بأمور الحياة العامة مثل الصحة والتعليم والبيئة وغيرها.
إن المنطقة العربية ومصر على رأسها مرت بعواصف وتغيُرات سياسية واقتصادية واجتماعية عدة منذ عام ٢٠١١ وحتى اليوم، وكان من أكثر الفئات تأثرا بمجريات تلك التغييرات هى فئة الشباب من عمر ١٦ - ٤٠ بوقتها وحتى يومنا هذا لما مروا به من تحديات لم يكن لأحد قط أن يتحملها أو يدرك تأثيراتها.
فى عام ٢٠١١ وما قبلها، أعتقد أن الجميع كان فى حالة من السكون السياسى ومنكبين على السعى من أجل النجاح فى العمل والكد من أجل الرزق، وكان اهتمام الكثيرين ينطوى على مجرد المرور بسلام عبر صعوبات الأيام، ولم تكن نسبة إدراكنا بحقوقنا وواجباتنا على درجة كافية من الوعى المطلوب، وإن أمكن القول فإن أغلب سلوكياتنا كانت سلبية يغلُب عليها طابع الأنانية والبحث عن المصلحة الشخصية والكثير من اللامبالاة. ولكن ومع تفجر ما يُدعى، سخفا، بثورات الربيع العربى ومع تحركات ٢٠١١ وثورة الشعب فى ٢٠١٣ حدث نوع من التغيير السلوكى الملحوظ، نوع من الوعى المجتمعى بما كان يحاك لمصر من مؤامرات حثيثة وما زالت مستمرة إلى الحين. ولكن هل المواطن اليوم ما زال فى حالة اللامبالاة أم أن لديه من الوعى أن يدرك الخطر الذى يحيق بمصر؟
كان، ومازال، انتشار الشائعات واحدا من أخطر أنواع الإرهاب السلوكى المنتشر الآن لما يترتب عليه من مخاطر أهمها إثارة البلبلة والفتن ولم نكن نعهد ذلك سابقا، فالشائعات تعد أشد وبالا من الحرب على الإرهاب المسلح حيث يتم الترويج لأخبار خاطئة مغرضة هدفها زعزعة ثقة المواطن بحكومته بنشر أخبار مضللة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وأمنيا. والحقيقة، إن هناك ارتباطا وثيقا بين مستوى الوعى السياسى والانتماء الوطنى. فكلما زاد وعى أفراد المجتمع بحقائق الأمور عن طريق متابعة الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من حولنا، زاد الحس الوطنى لدى الفرد ليدرك أن شائعات مثل صفقة القرن ورفع الدعم وعدم توافر المواد الغذائية فى الأسواق وغيرها كثير، هى مجرد أكاذيب، وهدفها إثارة الذعر بين المواطنين. ومن هنا ومع زيادة الوعى والحس الوطنى، يكون المواطن الفطن هو خط الدفاع الأول عن وطنه ضد الشائعات التى من شأنها ترويج أخبار ملفقة كانتشار العنف والجريمة أو عزوف الشباب عن الزواج بسبب الفقر والبطالة، وكأننا لا نملك شيئا نتباهى به أو نفخر لإنجازه.
فمؤخرا يمكن الجزم بالقول إن شبابنا أصبح على دراية واسعة بحقوقه السياسية والمدنية التى يمنحها له الدستور، ومن الملحوظ أيضا الإدراك الواسع للقضايا الاقتصادية والأزمات الراهنة. وبات جليا كيف أصبح المواطن على علم تام بالتوجهات السياسية للدولة وعلى أولوياتها إرساء قواعد الديمقراطية ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله.
فكثيرا ما نجد الذباب الإلكترونى الذى يقوم بنشر أخبار مزعجة للمواطن كبيع لأملاك الدولة مثل ما كان متداولا مؤخرا عن بيع قناة السويس أو بيع حصة من أراضى مصرنا الغالية، ولكن نرى من كان يتصدى لذلك، هم الشباب الوطنى النشط على السوشيال ميديا والمنشغل بأمر بلده مدافعا عن الحقيقة داحضا الأكاذيب.
ولكن ليس الوضع بهذه المثالية؛ فالأجيال الناشئة وبالتحديد (Generation Z) وهو الجيل الذى ولد فى أوائل ٢٠١٠ الذى يتسم باستخدامه الواسع للإنترنت من سن مبكرة، ويكون تفاعلهم على مواقع التواصل الاجتماعى جزءا كبيرا من وعيهم وحياتهم الاجتماعية، وهذا الجيل لأنه نشأ فى مرحلة تتسم بالعديد من الأزمات العالمية سياسية كانت أم اجتماعية أو اقتصادية، نجد عنده شعورا دائما بانعدام الأمن والاستقرار. ولذلك هو من الفئة الأكثر عرضة للتذبذب والنشوز وذلك لأنه يستمد أفكارا مغلوطة تُبث له من مصادر غير موثوقة تحاول استدراجه عن طريق رسم صورة مزيفة للوطن المثالى. فنجد بعض من تلك الفئة أو الجيل Zيتفاعل مع الأحداث اليومية بردود فعل عنيفة أو مندفعة، متصورين أنهم يملكون الحقيقة وذلك مبرر لأنهم الأكثر اطلاعا على الإنترنت، والأبحاث أظهرت أنهم قراء نهمون، ولذلك يعتقدون خطأ أن لديهم من المعرفة والوعى ما يمكنهم من إحداث تغيير. فالتساؤل هنا كيف يصبح شبابنا الذين يمثلون غالبية المجتمع هم مصدر القلق والخوف لدى أهليهم ومجتمعاتهم وحكوماتهم. وتأتى الإجابة أننا لا بد من أن نخلع عباءة الوصاية الأبوية، والكف عن التعامل مع أبنائنا من باب الخوف على مستقبلهم. وبالأحرى، نُدرك أن مصيرهم للانحراف والتطرف وسيطرة الجهات المشبوهة عليهم واستدراجهم بمغريات المال والهجرة أصبح خطرا داهما لا بد من مواجهته بكل السبل الممكنة لتنمية وعيهم السياسى والاجتماعى فى ظل التحديات والأزمات الحالية وتنمية الحس الوطنى لديهم. فقديما، كان لدينا ما يسمى مادة 'المواطنة' التى تدرس فى المدارس، التى تحث أبناءنا على أن يكونوا مواطنين فعالين وخلوقين، ولكن اليوم يجب ألا تنحصر فى مثل هذه المبادئ وكفى، إنما لا بد من أن تشمل توعية طلابنا بالمفاهيم السياسية والعلاقات الدولية مثل: ما السلطة والنظام الحاكم؟ وما القانون والدستور والمنظمات الدولية؟ وما العالم الثالث؟ وما الدول المتقدمة؟. يجب أن نوضح لأبنائنا حقوقهم السياسية التى يمنحها لهم الدستور من حريات دينية وفكرية، وما حقوقهم وواجباتهم نحو المجتمع الذى يعيشون به. ويجب أن يكون شبابنا من سن صغيرة ملمين برؤية شاملة لقضايا دولتهم، وأن يعرفوا الفرق بين الحقيقة والشائعة، وأن يتعلموا كيفية البحث عن أصل الحكاية والقضايا التى لها تأثير فى المجتمع. يجب أن يعرف أبناؤنا ما الأمن الفكرى، وما مكافحة الإرهاب، وما النزاع العربى الإسرائيلى، وما التعاون العربى بين مصر وأشقائها. لا بد من أن يتعلم أبناؤنا مهارة التعبير عن الرأى وتدعيمه بالأدلة والبراهين واحترام الرأى والرأى الآخر، وما مفهوم قضايا الرأى العام وما دوره فيها، مع تعلُم القدرة على تحمل المسئولية، وما دور الفرد فى خدمة مجتمعه، وما التسامح وتقبل الآخر وشأنه فى الحفاظ على سلامة و أمن الوطن. فهل من الممكن إدراج مادة باسم "الفخر الوطنى" بكل ما تشمل من الفخر بعروبتنا وإسلامنا ولغتنا وموروثاتنا الاجتماعية بين الطقوس والعادات. فقد استرعى انتباهى مؤخرا كيف أن بعض أبنائنا على استعداد من التخلى عن جنسيتهم المصرية فى مقابل أى جنسية أخرى بعد أن صُدر لهم صورة للمبادئ والمثاليات التى لا تمارس فى الواقع فى تلك الدول. فهل ممكن إدارج مادة باسم "الترند" ما يتماشى مع حداثة عصرهم وفكرهم حتى يكونوا على دراية ووعى بأهم وآخر الأحداث؟! فهل من الممكن ممارسة نشاط سياسى بالمدارس بالمثل كالأنشطة الزراعية والموسيقية والفنية؟! أسئلة عدة لا بد من أن نعطيها بعضا من الأولوية ونفكر خارج الصندوق من خلال إعمال التفكير والتخطيط الاستراتيجى، ونرى كيف نهضت الأمم بنهضة ووعى شبابها، وكيف أن أمن الوطن لا بد من أن يكون من اهتمامات وأولويات صغار أبنائنا قبل شبابنا بأن نشركهم مشاركة حقيقية فى صنع مستقبلهم، وأن نحث الطلاب والشباب على الانخراط فى منظمات المجتمع المدنى بكل أشكالها، فهى بوابتهم لدخول معترك الحياة بمسئولية ووعى لخدمة مصر، ولن يحدث هذا إلا بزرع روح الوطنية فيهم بتوعية تعليمية وإعلامية لتعزيز فكرة الاعتزاز بالوطن.
ترتبط تنمية الوعى السياسى ارتباطا وثيقا بارتقاء إحساس الفرد بهويته وتزيد من انتمائه إلى وطنه والتزامه نحوه بالدفاع عنه. وأخيرا، وليس آخرا، فإن الوعى السياسى يتطلب رؤية عامة وشاملة للحياة السياسية ككل ليس فقط لما يحدث فى المجتمع المحلى بل ما يحدث أيضا عالميا لما يفرضه النظام العالمى الجديد من تأثير فى جميع بلدان العالم، فقبل أن نبدأ بالانتقاد والرغبة فى تغيير ما لدينا، متخيلين أن التغيير سيكون للأفضل، لا بد من إدراك الصورة الكاملة لما يحدث عالميا وأين نقع من ذلك، وإذا وجب التغيير بناء عليه أم لا. ولا بد من وجود الوعى الشامل بجميع الأوضاع المحلية فى مصر والوطن العربى والعالم وما نواجهه من تحديات طاحنة، وأن يزيد مستوى إدراك الفرد للوضع السياسى وتحليله سياسيا وتاريخيا. والوعى السياسى يرتبط بشكل كبير بالوعى الاجتماعى، وبه يرتقى المجتمع وترتقى قدرته على ضبط ما به من تناقضات فى محاولة لتغييرها من أجل الصالح العام.
حفظ الله مصر وشعبها.