"لازم نسبق الوقت ونزود الإنتاج والتصدير ونغطى الطلب فى مصر" .. تصريح السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى
فى إطار تصريحات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى فإنه لابد لنا من وقفة مع النفس حتى يتسنى لنا استيضاح الموقف كاملا، ولعلى أدرك جيدا قبل الاسترسال قيمة هذا السؤال الذى يلح علىَّ، ولابد من الإجابة عنه، وسؤالى هنا: لماذا تحولنا إلى مجتمع استهلاكى ضخم بهذا الشكل؟ ما الذى حدث؟ ولماذا تغير ذوقنا هذا التغير الحاد؟ وما الذى يضيرنا إن تمسكنا بهويتنا الفريدة التى كانت ومازالت من أهم أسباب قوتنا على مر العصور؟ ماذا حدث لتقاليدنا العريقة التى اجتذبت على مدار آلاف السنين كل شعوب الأرض؟ ولا أغالى إذا ما قلت إن المحروسة كانت ومازالت قبلة الزوار وملتقى شعوب الأرض، ولن أتجه هنا لأدلل على ما أقول، ولكنى أعتقد بل أجزم بأن العدو قبل الصديق والغريب دون القريب يدركون أهمية المحروسة وقدراتها المتراكمة ومستقبلها الواعد، وإن كان البعض منا للأسف لا يعى ذلك.
- وللإجابة عن سؤالى، اسمحوا لى باستعراض بعض من مظاهر حياتنا وأعنى السبعينيات والثمانينيات التى عاصرتها أنا شخصيا وجيلى بالكامل عندما كنا جميعا نتشابه فى كل شىء تقريبا، اجتماعيا، ثقافيا،.. حتى فى طموحاتنا وأهدافنا، ولا أغالى إذا ما قلت إننا كنا نشترك فى الأحلام والأمانى التى أصفها اليوم، وبعد أن تقدمت فى العمر أقول إنها كانت بسيطة وتتمحور حول قيمة شديدة الأهمية ألا وهى العمل والعمل فقط، ففى هذه المرحلة العمرية كنا لا نفعل شيئا سوى المذاكرة، والنابغ منا من كان يمارس هوايته المحببة فى أوقات الفراغ (العطلات الأسبوعية - الإجازات الصيفية) التى كانت مقترنة بالنتائج الدراسية فقط وليس أى اعتبار آخر.
- هكذا نشأنا ولم تكن هناك تلك الثورة الهائلة فى المعلومات والقدرة العالية على الاطلاع، وكنت أنا شخصيا أشعر بالسعادة الغامرة حين أشترى أى منتج مصرى الصنع مهما كان بسيطا؛ بل كنت أتولى مهمة أن أشرح لأصدقائى وزملائى أهمية كلمة "صنع فى مصر" التى لم أكن أعيها وأفهمها بالطبع فى هذه السن الصغيرة؛ بل إننى أتذكر الحملة الشهيرة فى ثمانينيات القرن المنصرم تحت شعار "صنع فى مصر".
- وجرت السنون إلى أن وصلنا إلى توقيت كتابة هذا المقال، واكتشفت أن بعض المصريين لا يهتمون بشراء المنتج المصرى سواء كان صغيرا أو كبيرا؛ بل إنهم يفضلون المنتج الآخر حتى فى أبسط الأشياء؛ حتى صرنا نستخدم فى حياتنا اليومية كل ما لا تنتجه أيادينا؛ بل بات السوق المصرى مكتظا بالمنتجات الواردة إلينا من كل بقاع الدنيا، ولا أدرى ما السبب فى هذا، أهو من باب التفاخر والتباهى أم بسبب جودة المنتج الآخر؟ والحقيقة المجردة تقضى بأن هناك نسبة تتفاخر ونسبة أخرى تشترى المنتج الآخر لتفوقه النسبى على المنتج المصرى.
-ولعلنى أتذكر بعض المواقف التى حدثت لى مع مجموعة من الأشخاص التقيتهم مصادفة فى إحدى زياراتى للولايات المتحدة، أحدهم أمريكى الجنسية عندما ظل يحدثنى عن مميزات أحد أنواع الهواتف المحمولة أمريكى الصنع التى لم تكن ذائعة الصيت فى ذاك الوقت، ورجل ألمانى يتفاخر يما يصنعه الألمان من سيارات، ورجل فرنسى متعصب لأنواع الجبن الفرنسى.
- فى أثناء عملى بإحدى الدول التقيت أحد الزملاء من دولة شقيقة، وكان سعيدا جدا وهو يخبرنى بأنهم يصنعون السيارات، صحيح أنها ليست محلية بالكامل لكنهم فى الطريق إلى أن تصبح كذلك، زميل آخر ومن دولة أخرى شقيقة كان من المتعصبين لمشروباتهم الوطنية التى تشترك مع بعض مشروباتنا فى الصعيد؛ بل إنهم اتخذوا قرارا بأن واجب الضيافة فى المصالح الحكومية على كل المستويات لن يخرج عن المشروبات الوطنية الثلاثة.
- جمعتنى أمسية مع مجموعة من الأصدقاء كانوا عائدين من زيارة عمل إلى إحدى الدول الإفريقية، وفى حالة من الانبهار بما شاهدوه من انضباط مرورى بتلك الدولة، وكالعادة جرت ألسنتهم بالنقد لكل منظومة المرور المصرية بما لها وما عليها، علما بأنهم أول من يخالفون قواعد المرور.
- ولى واقعة أتذكرها جيدا وهى أن أحد زملائى، صينى الجنسية، قال لى متفاخرا إن الصينيين يستطيعون صنع أى شىء، وعلى سبيل المثال يمكنهم صنع أقلام تكتب لمرة واحدة فقط أو عدة مرات أو تكتب بشكل طبيعى، وذلك بناءً على طلب المستورد، ومن ثم، أيقنت أن المستورد (المصرى) هو المسئول عن تدنى مستوى الجودة، وليس بلد المنشأ، ولهذا الموقف وغيره من المواقف الاستيرادية وجه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى بحتمية وجود كود مصرى يتضمن مواصفات وجودة عالية للأصناف التى يتم استيرادها من الخارج بعد أن كان استيراد الأصناف الأقل جودة هو الاختيار الأول للمستوردين المصريين وعلى مدار عدة عقود.
- إننى أدعو إلى العمل الجاد الدءوب مثلما نشأنا، فلم نكن نركن فى طفولتنا وشبابنا إلى الراحة والسكينة بل كنا نعمل، كلٌّ فى مجاله، حتى يُسمح لنا بممارسة ما نحب خلال أوقات الفراغ ونحن صغار، ومن ثم أصبح هذا هو مبدأنا ونحن كبار كما أسلفت، بالإضافة إلى شراء المنتجات والسلع المصرية بغض النظر عن جودتها لأننا ببساطة حين نشتريها نعزز ونقوى الاقتصاد المصرى بل نرفع من شأن وسعر المنتجات والسلع المصرية أمام نظيرتها الأجنبية، ونجعل منافستها أمرا صعبا على الأجنبى مع قيام الأجهزة الرقابية بتطبيق الكود المصرى للجودة كما وجه السيد الرئيس وذلك لضمان جودة منتجاتنا، ولنا فى التجربة اليابانية أسوة حسنة حين امتنع اليابانيون عن شراء السلع الأمريكية التى لها نظير يابانى مهما قلت جودتها، وظلوا على هذا الموقف الشعبى الرافض حتى تحسنت جودة المنتجات اليابانية وتفوقت على نظيرتها الأمريكية، ووصل الأمر بالمسئولين الأمريكيين إلى ممارسة الضغوط على أعلى مستوى لفتح الأسواق اليابانية بأى شكل أمام المنتجات والسلع الأمريكية دون جدوى.
- لماذا لا نشترى ما تنتجه مصانعنا ومزارعنا وليس ما يستورده رجال الأعمال ويبيعه التجار؟ أليس هذا هو الطريق الصحيح الذى ينادى به السيد الرئيس وفعله أجدادنا فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضى ومارسه أسلافنا على مدار التاريخ؟
- ولماذا لا تنتج مصانعنا ما نحتاج إليه بدلا من استيراده، وعلى سبيل المثال بلغ سعر إطار السيارة خلال الأزمة الحالية رقما تجاوز عدة آلاف من الجنيهات وهو مرشح للزيادة، وفى مصر ما يقرب من 10 ملايين مركبة من كل الأنواع ونستورد إطارات سيارات بنحو 2 مليار دولار سنويا.
- أكاد أجزم بأن الدولة فطنت فى الآونة الأخيرة لمشكلة ندرة المنتجات والسلع المصرية، وانطلقت ممثلة فى قطاعيها العام والخاص تسابق الزمن من أجل حل تلك المشكلة الممتدة لعقود طويلة، والتى لا أمل لنا فى حلها إلا بالتصنيع والإنتاج والإقبال على شراء ما ننتجه، وللدلالة على هذا فقد تم تحقيق "قفزة كبيرة" فى قيمة الصادرات المصرية خلال عام 2022 حيث بلغت 53.8 مليار دولار مقارنة بـ 45 مليار فى عام 2021، بينما بلغت قيمة واردات مصر فى عام 2022 وهى نفس قيمة الواردات فى 2021 وهى فى حدود 80 مليار دولار، مع الوضع فى الحسبان الارتفاع الشديد جدا فى أسعار سلع كثيرة جدا، مثل الوقود والقمح وكل مستلزمات الزراعة التى نستوردها. إذن، فهناك فجوة استيرادية تقدر بـ 26.2 مليار دولار. ومن ثم، بدأت الدولة فى اتباع إجراءات جديدة لتقليل الفجوة الاستيرادية، منها قيام وزراء الزراعة والتموين والرى بالبدء فى دعم عدد كبير من المحاصيل الاستراتيجية، مثل تلك التى تدخل فى صناعة الزيوت، مثل الذرة وفول الصويا وعباد الشمس، وإطلاق مبادرة دعم القطاعات الإنتاجية التى تتضمن دعم الحكومة لقطاعى الصناعة والزراعة بـ 150 مليار جنيه وبفائدة 11%، مع العلم أن ارتفاع الصادرات بنسبة تقترب من 20% هو مؤشر جيد، ودليل على النجاح المبدئى لما تخططه الدولة المصرية بل تنفذه.
- ختاما، لابد من أن أقول إنه لابد من زيادة الإنتاج المحلى لتغطية الاستهلاك، ومن ثم الحد من فاتورة الواردات التى تستنزف الاحتياطى النقدى الأجنبى الذى يضغط وبشدة على الميزانية المصرية المرهقة والمثقلة بالأعباء التى تتحملها الدولة المصرية بثبات وجلد. وعطفا على هذا الشأن، فإذا كانت الدولة المصرية اتخذت مجموعة من الإجراءات بهدف ترشيد الإنفاق، من ضمنها إيقاف العمل بالمشروعات التى تعتمد على المكون الدولارى بشكل أساسى، فإن عموم الأسر المصرية مطالب الآن أكثر من أى وقت مضى باتخاذ التدابير اللازمة لضبط الإنفاق، فما يحدث فى العالم من أزمات لعل من أبرزها الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع أسعار المواد البترولية يؤثر فينا وبشدة، وفى التقدير استمرار الأزمتين فى عام 2023. ومن ثم، فلا حل لنا سوى ضبط إنفاقنا كأفراد مع مكافحة الغلاء وجشع بعض الناس من المحتكرين والمتاجرين بالأقوات بالاستغناء، وليس أى إجراء آخر، ومضاعفة العمل والإنتاج من أجل تغطية الطلب فى الداخل، ومن ثم الاتجاه بكل ثقلنا إلى التصدير ولن يتأتى هذا إلا تحت شعار "صنع فى مصر".