فى عام 2012 نشر إريك بلات الذى يعمل مراسلا صحفيا لجريدة الفاينانشال تايمز البريطانية مقالا فى غاية الطرافة، يتحدث فى مقدمته عن أهمية المؤشرات بصفة عامة وخاصة المؤشرات المرتبطة بالاقتصاد وحركة المال والأعمال، وكيف يهتم بها المتخصصون والمواطن العادى على حد سواء، ربما لأنه أصبح أكثر وعيا وأكثر تأثرا بالتقلبات الاقتصادية صعودا أو هبوطا، هذا على الرغم من أنه قد لا يفهم تلك المؤشرات فهما عميقا ولا يستطيع أن يعرف كيف تتم صناعتها، ولا مكوناتها تلك التى يطلق عليها المؤشرات الفرعية Sub-Indicators.
ولتبسيط الأمر، قام الكاتب باستعراض ورصد عدد من المؤشرات الغريبة التى يمكن أن يفهمها الشخص العادى ويستطيع من خلالها تخيل كيف يمكن أن تبنى المؤشرات المعتادة التى تطالعه أخبارها وقيمها فى وسائل الإعلام المختلفة ليل نهار، يتم ذلك ببساطة من خلال محاولة إيجاد علاقات طردية أو عكسية بين متغيرات أو أحداث لم يتوقع أحد وجود أى ارتباط بينها أو لم يضعها أحد بجوار بعضها بعضا، ويقوم برصد التغيرات فيها أو اكتشاف معاملات الارتباط بينها Correlation Coefficients.
المقال يحتوى على 36 مؤشرا غريبا، سأستعرض بعضا منها على عجالة، وذلك لمجرد توضيح الفكرة، وأترك لك عزيزى القارئ كامل الحرية فى الاعتراض أو الاقتناع أو التفكير فى علاقات أخرى بين المتغيرات التى ربما يكون بعضها مرتبطا بالواقع المحيط بنا، ولنتذكر دائما أن مهارة أصحاب الأعمال تكمن أحيانا كثيرة فى إيجاد علاقات ورؤية ارتباطات لا يراها الآخرون بسهولة ومنها يكون تميزهم ونمو أعمالهم مقارنة بمنافسيهم الذين يكتفون بالنظرة التقليدية للأمور، والآن إلى استعراض بعض من هذه المؤشرات:
1- مؤشر الفشار: يرى الكاتب أن الأزمة المالية العالمية التى حدثت خلال عامى 2008 و2009 جعلت الناس تتجه إلى دور السينما لمشاهدة الأفلام بمعدلات أكثر من المعتاد، ربما للهروب من الأخبار السيئة ومحاولة الترويح عن النفس، وبالطبع فى دور السينما فإن الحصول على وجبة من الفشار لهو أمر معتاد ومحبب إلى النفس أيضا، وهنا نجد الكاتب يشير إلى ارتباط طردى بين مبيعات الفشار وارتفاع مؤشره بالأزمات الاقتصادية التى تتعرض لها الأسواق.
2- مؤشر الجثث المجهولة: وهى الجثث التى لا يتم التعرف إلى أحد من أقاربها وهى حالة مرتبطة أيضا بالأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف الجنازات ومراسم الدفن وخلافه، الأمر الذى يدفع البعض إلى إنكار معرفتهم بالموتى طمعا فى أن تقوم الحكومة بالإجراءات كلها والتكفل بالمصاريف أيضا، وهنا يشير الكاتب إلى تضاعف أعداد الجثث مجهولة الأهل خلال فترات الأزمات الاقتصادية.
3- مؤشر تخفيضات السيارات: لوحظ أنه كلما كان مندوبو مبيعات السيارات أسرع فى تقديم التخفيضات والوصول إلى السعر النهائى للسيارات فإن هذا مؤشر على ضعف قوة الاقتصاد وتراجع القوة الشرائية، ففى فترات القوة لا يصل مندوبو المبيعات إلى الأسعار النهائية سريعا وربما لا يصلون إليها أبدا، أملا فى الاحتفاظ بهامش ربح كبير يعرفون أن المقدم على الشراء فى الظروف العادية يكون قادرا على دفعه.
4- مؤشر الأولمبياد: فى هذا المؤشر لاحظ الكاتب ارتباط ارتفاع أسهم البورصة فى أوقات انعقاد الألعاب الأولمبية، لاحظ هذا فى العديد من دورات الألعاب الأولمبية، ويوعز الكاتب ذلك إلى انتشار أخبار الألعاب ونتائج اللاعبين والمباريات بصورة تجعل المساحات المخصصة للأخبار الاقتصادية السلبية أقل بكثير من المعتاد، كما أن الشائعات والأخبار المغلوطة تتناقص بشدة ما يعود بالإيجاب على نتائج البورصة ومجتمع الأعمال بصفة عامة فى هذه الأيام.
5- مؤشر حفاضات الأطفال: هنا يرى الكاتب أنه فى ظل ارتفاع اسعار حفاضات الأطفال فإن الأمهات يملنإلى تخفيض عدد مرات تغييرها لحديثى الولادة لتوفير النفقات وهو ما توضحه نسب المبيعات التى تشير إلى ارتفاع مبيعات كريمات الأطفال بنسبة 2.5% تزامنا مع تراجع مبيعات الحفاضات بنسبة 9%.
6- مؤشر عمليات التجميل: انخفض معدل عمليات التجميل بنحو 9% فى عام 2009 وهو العام التالى مباشرة للأزمة الاقتصادية العالمية ببساطة لأن العديد من المواطنين أصبحوا أكثر حرصا على عدم التغيب عن العمل وهو أحد متطلبات ما بعد العمليات، كما أن البعض الآخر أصبح متخوفا من أن يفقد وظيفته نتيجة تلك الأزمة الأمر الذى جعلهم يحافظون على ما لديهم من سيولة مالية لاستخدامها فى حالة الاستغناء عنهم أو لمجابهة ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم.
7- مؤشر الكعب العالى: ببساطة معناه وجود علاقة عكسية بين قوة الاقتصاد وحجم كعب الحذاء للسيدات فى إشارة إلى أن أوقات الأزمات الاقتصادية مثل أزمة الكساد العظيم فى 1929 أو الأزمة العالمية فى 2008 يقل الإقبال على اقتناء وارتداء الأحذية ذات الكعب العالى وهى التى تستخدم أكثر فى أماكن العمل أو فى الحفلات واللقاءات الرسمية،ولإثبات وجهة نظره يشير إلى أن طول كعب الحذاء أخذ فى الانكماش بداية من عام 2010.
8- مؤشر قرصة الناموس: عودة إلى الأزمة العالمية فى 2008 واتساقا مع أنها أزمة كانت سوق العقارات هى المحرك والشرارة الأولى لاندلاعها فإن معدلات انتشار الناموس نتيجة إهمال أعمال الصيانة لحمامات السباحة وقص الحشائش أمام المنازل قد انخفضت توفيرا للنفقات، فعلى سبيل المثال ارتفعت نسبة حمامات السباحة غير المعتنى بها بنسبة 60% عن الأعوام السابقة لحدوث الأزمة.
9- مؤشر البقوليات المعبَّأة: تشير النتائج إلى ارتفاع مبيعات البقوليات المعبأة بنسبة 23% فى المملكة المتحدة عام 2009 نظرا للأزمة العالمية التى جعلت المواطنين يقللون من تناول الوجبات الجاهزة أو السريعة بالمطاعم العامة.
10- مؤشر رابطة العنق الرفيعة: يتحدث هذا المؤشر عن زيادة مبيعات رابطات العنق فى أوقات الأزمات الاقتصادية، ربما يحاول الموظفون من خلال ذلك إثبات اهتمامهم بالعمل، وأنهم يملكون القدرة المالية لشراء متطلباته.
11- قص الشعر للسيدات: تشير المشاهدات إلى أن السيدات يملن إلى قص شعورهن بدرجة كبيرة فى أوقات الأزمات الاقتصادية تجنبا للإنفاق على شعور طويلة تتطلب العديد من التجهيزات والكريمات والأصباغ وخلافه.
12- مؤشر القمامة: يرتبط هذا المؤشر بكمية القمامة؛ حيث يشير إلى أن زيادة كمية القمامة مؤشر مباشر على النمو الاقتصادى والقدرة على الشراء، ومن ثم الكمية المنتجة من القمامة ويحدث العكس فى أوقات الأزمات.
13- مؤشر الإسبرين: مؤشر مباشر يربط بين استهلاك الإسبرين وأدوية الصداع وزيادة الطلب عليها كلما كانت الأمور الاقتصادية أصعب وذلك نتيجة لزيادة الضغوط والتوتر.
14- مؤشر طلاء الشفاه: تتضاعف مبيعات أحمر الشفاه فى أوقات الأزمات الاقتصادية حيث تتجه السيدات إلى شرائه عوضا عن شراء منتجات أخرى أعلى سعرا مثل الحقائب والأحذية الجلدية.
هناك العديد من المؤشرات الأخرى ولكن لن أستطيع استعراضها لأن بعضها تتحدث عن أمور لا تليق لمجتمعاتنا وثقافاتنا العربية.
كلمة أخيرة: على الرغم من طرافة الأمر الذى قد يراه البعض مجرد محاولات للإضحاك أو لإيجاد ارتباطات غير واقعية بين الأشياء والأحداث والظواهر، فإن تحليل البيانات العملاقة Big Data Analysis سيمكن من إيجاد علاقات مشابهة لتلك التى تم استعراضها فى هذا المقال.
من المؤشرات الطريفة المرتبطة بوباء كورونا ما نراه من انخفاض مبيعات أحمر الشفاه وكريمات ترطيب الوجه فى مقابل ارتفاع مبيعات مكياج العيون وزيادة الاعتناء بالحواجب.
تجربة مشابهة لذلك قام بها أحد المتاجر الكبرى فى الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تمكن، من خلال تحليل فواتير الزبائن، من إيجاد علاقة بين شراء حفاضات الأطفال وزجاجات البيرة وذلك أيام الأحد من كل أسبوع، وكان التفسير لذلك هو أن الأسرة التى يوجد لديها طفل حديث الولادة تطلب فيه الأم من الأب أن يذهب إلى المتجر ويقوم بشراء حفاضات للطفل، وعندما يذهب الأب متضررا فى الغالب فإنه يود دائما أن يكافئ نفسه فلا يجد أفضل من بضع زجاجات من البيرة لهذا الغرض.عندما فطنت إدارة المتجر إلى تلك العلاقة قامت بوضع رف زجاجات البيرة بجوار رف حفاضات الأطفال، الأمر الذى حقق زيادة فى مبيعات البيرة بنسبة 25% خلال الأسبوع التالى.